تقدير موقف

تقرأ وتحلل قضايا مستجدة وتستشرف آثارها وتداعياتها سواء على المشهد الإسرائيلي او على القضية الفلسطينية.
  • تقدير موقف
  • 3161
  • انطوان شلحت

ملخص

تحاول هذه الورقة تحليل الرؤية والتحركات الإسرائيلية فيما يتعلق بمستقبل المشهد السوري وتأثيره على المصالح الإسرائيلية كما تراها إسرائيل نفسها.

تنطلق الورقة من الادعاء بأن نتيجة التوقعات التي عقدتها إسرائيل على الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب كانت مخيبة للآمال من طرفها. فقد بقيت روسيا اللاعب المركزي في المشهد السوري، لا بل إن ترامب تبنى الموقف الروسي. وتدرك إسرائيل أن ضمان مصالحها يتم من خلال التعاون مع روسيا وليس بالتعويل على الولايات المتحدة الأميركية فقط. كما أن المشهد السوري سيعيد الخطر الإيراني إلى الواجهة في الخطاب الإسرائيلي، باعتباره خطرا على الأمن القومي

الإسرائيلي. وتنطلق إسرائيل من اعتبار أن استقرار إيران في سورية كقوة سياسية وعسكرية سوف يعزز من المخاطر الأمنية عليها خاصة وأن ذلك يمثل إحكام الطوق على إسرائيل في الجبهة الشمالية. وتبين الورقة أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بدأ يستعمل نفس أسلوب تعامله مع المشروع النووي الإيراني، فهو بات يهدد بحرب ومواجهة عسكرية إذا بقيت إيران في سورية بعد هزيمة داعش وتسوية المسألة السورية بين أميركا وروسيا، وأشار نتنياهو خلال لقائه الأخير مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي (روسيا) إلى أن إسرائيل عندما تتحدث يعرف العالم أنها يمكن أن تنفذ أيضا، وهو أسلوب استعمله نتنياهو في تعامله مع الملف النووي الإيراني وشمل تهديده بتوجيه ضربة عسكرية إسرائيلية إلى المنشآت النووية الإيرانية.

إسرائيل والأزمة السورية

تصدرت المسألة السور مساحة كبيرة من الاهتمام الإسرائيلي على المستوى الإقليمي. ويبدو الموقف الإسرائيلي تجاه الملف السوري اليوم أكثر غموضا مقارنة مع السنوات السابقة. ففي بداية الثورة السورية كان الموقف الإسرائيلي الواضح هو الرغبة في إسقاط النظام، وقد كان أفيغدور ليبرمان كوزير خارجية في حكومتي نتنياهو الأخيرتين (قبل تعيينه وزيرا للدفاع) أحد الداعمين لهذا الموقف، إلا أن الموقف الإسرائيلي الحالي، كما يظهر في العلن على الأقل، يتمثل بعدم تفضيل طرف على آخر وإنما تطمح إسرائيل لأن يساعدها المشهد السوري على تحقيق أهدافها الاستراتيجية على المدى القريب والبعيد، ومنها تفكيك السلاح الكيميائي السوري وهو ما حدث فعلا، وتراقب إسرائيل تنفيذ هذا الاتفاق عن قرب لما يحمل من انعكاسات على جدية الدول الكبرى في تفكيك السلاح الاستراتيجي السوري من جهة، وما يحمل من إشارات على جدية هذه الدول حول تنفيذ الاتفاق على المشروع النووي الإيراني من جهة ثانية. وهذا بالإضافة إلى الهدف الإسرائيلي بمنع نقل أي نوع من السلاح خارج الحدود السورية إلى جهات معادية لإسرائيل (حزب الله) وبالذات الأسلحة التي لها مميزات نوعية وقد تؤثر على الميزان الاستراتيجي والتفوق النوعي لإسرائيل في المنطقة. وقد طبقت إسرائيل سياسة الخطوط الحمراء في المشهد السوري، فحتى كانون الثاني 2013، لم تشن إسرائيل أي هجوم عسكري في سورية، إلا أنه بعد هذا التاريخ باتت هذه السياسة جزءا من الممارسة الإسرائيلية في المشهد السوري. وضمن سياسة الخطوط الحمراء التي اعتادت إسرائيل على وضعها لتحديد سلوكها العملي، شنت هجمات متكررة على إرساليات أسلحة من سورية إلى لبنان منذ عام 2013 وحتى الآن. وكان قائد سلاح الجو الإسرائيلي المنتهية ولايته، أمير إيشل، قد صرح قبل خروجه من الخدمة بأن إسرائيل نفذت حوالي 100 ضربة جوية على أهداف في سورية خلال هذه الفترة، والتي تتعلق أساسا بنقل السلاح إلى حزب الله، وهو أول تصريح صريح ومباشر ورسمي من مسؤول عسكري وحتى سياسي إسرائيلي عن حجم التدخل العسكري الإسرائيلي في سورية خلال الحرب الأهلية السورية.  عاموس هرئيل، إسرائيل هاجمت حوالي 100 مرة قوافل سلاح لحزب الله ومنظمات أخرى في السنوات الخمس الأخيرة، هآرتس، 16\8\2017، أنظر الرابط: https://www.haaretz.co.il/news/politics/.premium-1.4362752.

وجاءت السياسة الإسرائيلية في هذه العمليات ضمن تصور إسرائيلي مفاده أن الهجمات الإسرائيلية لن تتسبب في تصعّيد الجبهة مع سورية أو لبنان، وذلك لسببين: الأول، أن الطرفين مشغولان بالحرب الداخلية في سورية والصراعات داخل لبنان، ولن يخاطر النظام السوري بتصعيد الجبهة مع إسرائيل، لأن رد الفعل الإسرائيلي قد يكون ثمنه إسقاط النظام كما هددت بذلك دوائر إسرائيلية. كما أكد على هذا الموقف نتنياهو ووزير الدفاع السابق موشيه يعلون مرارا، ففي تصريح ليعلون قال: "بإمكان مواطني إسرائيل أن يكونوا هادئين، ولا ينبغي التزود بسرعة بأقنعة واقية من أسلحة غير تقليدية، وسيكون هناك من سيدفع ثمنا غاليا إذا ما هوجمت إسرائيل" .  وحدة المشهد الإسرائيلي- "إسرائيل منقسمة بين الرغبة بسقوط الأسد وتوقع انهيار المحور الإيراني وبين التخوف من سيطرة الجهاد العالمي في سورية"، تقرير خاص، (5\9\2013). أما السبب الثاني فيعود إلى إدراك الطرف السوري أن التدخل الإسرائيلي محدود وغير استراتيجي، وتضبطه خطوطه الحمراء المتعلقة بنقل السلاح السوري النوعي إلى جهات معادية لإسرائيل، ولا يهدف إلى تغيير موازين القوى في الساحة السورية. يوئيل غوجانسكي، "استعمال الخطوط الحمراء في السياق الايراني والسوري"، عدكان استراتيجي، العدد 2، المجلد 16، 2013، ص: 21-30.

إذن بالوسع القول إن إسرائيل حدّدت خطوطها الحمراء في سورية في النقاط التالية:
ضرب قوافل أسلحة إلى منظمات معادية لإسرائيل وعلى رأسها حزب الله؛
منع اقتراب الحرب من الحدود الإسرائيلية- السورية في هضبة الجولان المحتلة؛
منع استهداف إسرائيل بقذائف وعمليات عسكرية خارجة من أراضي سورية.

بذا حددت إسرائيل بشكل علني أهدافها الأمنية في سورية، ولم تصرح بشكل رسمي عن أهدافها السياسية.

 

سورية والوجود الإيراني: تهديد جديد!

بعد التوصل إلى تفاهمات أميركية- روسية حول الوضع في سورية، والتي تمثلت كما تؤكد تقارير متطابقة في تبني ترامب للتوجه الروسي فيما يتعلق بالرؤية العامة، وبعد أن اتضح أن هزيمة تنظيم داعش باتت مسألة وقت ليس بالبعيد، ظهر توجه جديد في إسرائيل يدمج بين التهديد العسكري الأمني والتهديد السياسي ويضع هذا التهديد في مكانة التهديدات الاستراتيجية، من خلال إمكانية محاكاة المشهد العراقي في سورية، أي أن تكون إيران الدولة المستفيدة من تسوية الأزمة السورية وذلك من طريق إيجاد مستقر لها في البلاد يترجم إلى وجود عسكري فاعل ونفوذ سياسي مؤثر.

ويقلق هذا السيناريو الجانب الإسرائيلي، والحقيقة أن أحدا لم يتوقعه من الباحثين الإسرائيليين.

ففي الماضي أشار باحثون إسرائيليون إلى أن انعكاسات الأزمة السورية على إسرائيل ستكون متعددة، فمن جهة خرجت سورية كدولة من دائرة التهديد الاستراتيجي لإسرائيل بسبب الضعف العسكري وخسارتها لسلاحها الكيميائي، ولم تعد سورية تهدد إسرائيل استراتيجيا، ومن جهة أخرى فإن النظام المركزي فقد السيطرة على جوانب كثيرة من البلاد وهناك حالة من الفوضى تسود الدولة ولا تُستثنى من ذلك الجبهة السورية- الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، فقد تسيطر جماعات جهادية على هذه المناطق وتوجه نيرانها إلى إسرائيل أو تحاول جرها إلى داخل الحرب الدائرة هناك، وفي هذه الحالة لن يكون هناك حكم مركزي تحمله إسرائيل الثمن جراء انتهاك سيادتها.  شلومو بروم، برنديتا برتي ومارك هيلر، "سورية- حرب أهلية بدون حسم"، التقييم الاستراتيجي لإسرائيل 2012-2013، تل أبيب: مركز دراسات الأمن القومي، 2014، ص: 43. وما حدث بالفعل أن نظام بشار الأسد بقي على حاله إلا إن دولتين باتتا تتحكمان به، هما إيران وروسيا.

يحمل هذا التهديد الكثير من المعاني بالنسبة إلى الجانب الإسرائيلي كما يستشف من آخر التقديرات الإسرائيلية:
أولا: يحول سورية عمليا إلى دمية سياسية تابعة للإيرانيين أكثر مما مضى، وبذلك فإن الحدود الإيرانية ستكون عمليا موازية للحدود الإسرائيلية لا تفصل بينهما دول مجاورة.

ثانيا: ثمة الكثير من المنظمات الشيعية عدا حزب الله اللبناني داخل الأراضي السورية، وهي تشكل ذراعا إضافية لإيران في أي مواجهة مستقبلية مع طهران.

ثالثا: يحسن التواجد السياسي والعسكري الإيراني في سورية من الردع الإيراني تجاه إسرائيل، لأن هذا التواجد سوف يضع إسرائيل أمام خيارات صعبة في مواجهة مستقبلية عسكرية مع إيران حول المشروع النووي الإيراني.

رابعا: يشكل التواجد الإيراني في سورية تعزيزا للمحور الشيعي وإضعافا للمحور السني المعتدل، كما تحب إسرائيل أن تطلق على المحاور في الشرق الأوسط.

خامسا: سيشكل التواجد الإيراني في سورية تعزيزا لمكانة حزب الله العسكرية والسياسية في لبنان.

سادسا: يشكل تواجد إيران في سورية خطرا وتهديدا كبيرا على إسرائيل في أي مواجهة مستقبلية بين إسرائيل وحزب الله، حيث سيكون الحزب مدعوما من المنظمات الشيعية في سورية والتي قد تفتح جبهة أخرى خلال الحرب.

وقد جاءت الزيارة السادسة لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتؤكد أن إسرائيل باتت تدرك أن المفتاح الأساسي لمصالحها في المنطقة يتمثل بالأساس في روسيا، لا سيما وأن روسيا تسيطر على الساحة السورية. وتؤكد الزيارات المتكررة لنتنياهو لروسيا أن الساحة السورية باتت تقلق متخذي القرار في إسرائيل فيما يتعلق بمستقبل سورية بعد أن توافقت الولايات المتحدة مع الموقف الروسي في مسألة بقاء بشار الأسد في الحكم، والهزيمة القريبة لداعش في سورية والتي باتت مسألة وقت، لذلك فإن إسرائيل تحاول التأثير على التسوية المستقبلية في سورية بما يضمن لها مصالحها الأمنية والاستراتيجية والتي حددها نتنياهو خلال لقائه الأخير بالرئيس الروسي بوتين في سوتشي، بأن الهدف هو منع تأسيس مستقر لإيران في سورية.  شلومو تسزانا، نتنياهو لبوتين: لن نسمح لإيران بأن تستقر في سورية، يسرائيل هيوم، 24\8\2017، ص:1. ومن تصريحات نتنياهو للرئيس الروسي فإن الأول يعتبر أن بقاء إيران في سورية سيؤدي إلى اندلاع مواجهة عسكرية مستقبلية، ولا شك أن نتنياهو يقصد مواجهة عسكرية بين إسرائيل وإيران وأذرعها في سورية. إضافة إلى زيارة نتنياهو لبوتين فقد بعث بوفد أمني رفيع المستوى إلى الولايات المتحدة لإجراء محادثات مع مجلس الأمن القومي الأميركي حول الملف السوري.

وعاد وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان على تهديدات نتنياهو بشن حرب على إيران في سورية، إذا فشلت الجهود الدبلوماسية لحل هذه الإشكالية. وقال ليبرمان "في الحقيقة فإن ايران تحاول تحويل كل مساحة سورية إلى موقع عسكري متقدم أمام إسرائيل، مع قواعد عسكرية، مع آلاف المرتزقة الشيعة القادمين من كل الشرق الأوسط إلى سورية، مع قاعدة لسلاح الجو للحرس الثوري، وسلاح البحرية للحرس الثوري ومحاولة إنتاج سلاح دقيق في لبنان، وهذا واقع لا ننوي السكوت عنه". وأضاف ليبرمان "عندما تسالوني لماذا سافر رئيس الحكومة لبوتين في سوتشي، فإنه قبل كل شيء فعل الأمر الصواب، علينا أن نستوفي كل الآفاق الدبلوماسية، وما نقوم به الآن هو استنفاد كل الآفاق الدبلوماسية لحل المشكلة، وآمل أن نحلها من خلال هذه الآفاق وألا نضطر للتفكير ثانية...".  دانيال سيريوتي، "إيران تحاول خلق واقع في سورية: لن نسكت"، يسرائيل هيوم، 25\8\2017، ص: 7.
في مقال جديد نشره إفرايم سنيه، الذي أشغل في السابق منصب نائب وزير الدفاع في فترة حكومة رابين ومنصب وزير، والمعروف بمتابعته القضايا الاستراتيجية التي تخص إسرائيل، شن هجوما على نتنياهو واصفا سياسته في سورية بأنها في النتيجة كانت فاشلة، وذلك لاعتماده الكبير على بوتين وترامب في ضمان مصالح إسرائيل في سورية في المرحلة القادمة، حيث يعتبر سنيه أن الاتفاق الروسي- الأميركي في سورية يشكل بالنسبة لإسرائيل ضربة استراتيجية سيكون ثمنها غاليا.  إفرايم سنيه، الفشل الخطير لرئيس الحكومة، هآرتس، 27\8\2017، ص: 11.

يشير سنيه إلى أن هناك ثلاثة انعكاسات سلبية على إسرائيل في الوضع السوري الجديد الذي يتمثل في التواجد الإيراني في سورية، هي: بناء جسر بري من إيران مرورا بسورية إلى لبنان، والذي سيشكل ممرا آمنا لنقل السلاح النوعي من إيران للمنطقتين؛ انكشاف الحدود الشمالية للأردن للحرس الثوري الإيراني وأذرعه؛ انتشار حزب الله وقوات أخرى موالية لإيران على الحدود الشرقية للجولان. كما يشير سنيه في مقاله إلى أن إدارة ترامب التي تفاخر نتنياهو بعلاقاتها الخاصة مع إسرائيل تجاهلت مصالح إسرائيل في الاتفاق الروسي- الأميركي لصالح تقاربها مع روسيا. ويوضح سنيه أنه خلال لقاءاته مع مسؤولين أوروبيين أوضحوا له أن روسيا اتخذت قرارا استراتيجيا بتفضيل مصالح إيران في سورية على المصالح الإسرائيلية. ويختم سنيه مقاله بالقول إن الواقع الذي سينتج عن الاتفاق في سورية سيدفع إسرائيل للخروج إلى عملية عسكرية، لكن الظروف العسكرية والسياسية ستكون صعبة عليها بعد الاتفاق.

من ناحيته يشير الأكاديمي أبراهام بن تسفي من جامعة حيفا والمتخصص في الشؤون الأميركية، إلى أن زيارات نتنياهو المتكررة لروسيا للقاء بوتين تدل على أن روسيا تحولت إلى اللاعب المركزي في الشرق الأوسط، وأن ترامب تبنى الموقف الروسي في شأن بقاء بشار الأسد، وتجميد المساعدات الأميركية للثوار السوريين، ولذلك يعتقد بن تسفي بأن مفتاح المصالح الإسرائيلية في سورية موجود في "خزينة" الرئيس الروسي وليس في البيت الأبيض، وتتمثل هذه المصالح أساسا في "كبح جماح المحور الشيعي في سورية والمنطقة".  أبراهام بن تسفي، بعد سوتشي: أهمية صداقة الكرملين، يسرائيل هيوم، 27\8\2017، ص:24. وتأتي هذه المقولة خصوصا بسبب غياب التعويل الإسرائيلي على الولايات المتحدة في الحفاظ على مصالحها في سورية والمنطقة.

وفي ورقة أعدها أودي ديكل وكرميت فلنسي من معهد دراسات الأمن القومي حول التواجد الإيراني في سورية وانعكاساته على إسرائيل، ذكرا أن عدد القوات الشيعية الموالية لإيران في سورية يصل إلى حوالي عشرين ألفا، ولكن يشكل ذلك برأيهما الخطر في الدائرة الأولى، وهناك الخطر الأساس الذي يتمثل في تعزيز الهيمنة الإيرانية في سورية، والتي يمكن أن تتمثل في المستويات التالية: تحويل سورية إلى مركز لوجستي إيراني؛ إقامة حزب الله- سورية على غرار حزب الله- لبنان؛ تحويل سورية إلى دولة تحت الرعاية الإيرانية.  أودي ديكل وكارميت فلنسي، التهديد الإيراني في سورية- هل هو حقيقي؟، مجلة مباط عال، العدد 967، 2017.

وتقترح الورقة أن على إسرائيل أن تطلب من روسيا أربعة مطالب أساسية: دمج إسرائيل (على الأقل من وراء الكواليس) في المحادثات حول مستقبل سورية؛ مراقبة روسيا لمنع تواجد إيراني وأذرعها في جنوب سورية على بعد لا يقل عن 40 كيلومترا من الحدود؛ منع استعمال إيران أجهزة استراتيجية روسية؛ منع نقل سلاح روسي إلى حزب الله والمليشيات الشيعية.

كذلك تقترح الورقة على إسرائيل أن تبلور موقفا واضحا بالنسبة لمستقبل سورية ينسجم مع الموقف الروسي الذي يذهب إلى ناحية إقامة مبنى فيدرالي بحسب علاقات القوة الداخلية في سورية، وذلك يمكن أن يمنع تعزيز الهيمنة الإيرانية على حكم مركزي واحد في دمشق، إلى جانب المطالبة بإخراج كل القوات العسكرية الأجنبية من سورية مع التشديد على إخراج حزب الله.

إجمـال

جاءت الزيارة السادسة لنتنياهو إلى روسيا لتؤكد أن مرحلة جديدة بدأت في سياق المشهد السوري، وأن إسرائيل باتت ترى أفق هذا المشهد وتعمل على تعزيز مصالحها في المرحلة القادمة في سورية. وواضح أن إسرائيل تفكر مليا في مصالحها في سورية من خلال الباب الروسي، حيث أن الباب العربي "السني" مشغول في صراعاته الداخلية وغير متنبه كما يجب لما يحدث في سورية، أو أنه تابع للموقف الأميركي. علاوة على ذلك فإن الباب الأميركي بالنسبة لإسرائيل كما يشير باحثون إسرائيليون كان خيبة أمل بالنسبة لإسرائيل في المنطقة، فالدور الروسي يتعزز والدور الأميركي يتماهى معه مما يحول روسيا إلى اللاعب المركزي في الساحة السورية.

ستحاول إسرائيل في المرحلة القادمة تصعيد الملف السوري والدور الإيراني فيه من خلال توظيف خطاب يعتمد على مقولتين (وهو نفس الخطاب الذي استعملته إسرائيل خلال قضية الملف النووي الإيراني): الأولى ضحوية، والثانية عدائية.

ففي نطاق المقولة الضحوية صرح نتنياهو بأن وجود إيران في سورية يشكل خطرا وجوديا على إسرائيل، وفي افتتاح الجلسة مع بوتين في سوتشي صرح نتنياهو بأن إيران تهدد وجود إسرائيل.  طال شيلو، نتنياهو في مستهل الجلسة مع بوتين: "إيران تهدد وجود إسرائيل"، موقع Walla، 23\8\2017، أنظر الرابط: https://news.walla.co.il/item/3091282.


وفي إطار المقولة العدائية هدد نتنياهو بشكل واضح وعاد على ذلك وزير دفاعه ليبرمان، بأن إسرائيل مستعدة لخوض حرب أو مواجهة عسكرية مع إيران في سورية للقضاء على نفوذها هناك، لذلك فعلى روسيا وأميركا حل هذه المشكلة بالطرق الدبلوماسية حتى لا تضطر إسرائيل لخوض حرب على ذلك، وهي حرب من شأنها جر المنطقة إلى مواجهة شاملة، وهو كما ذكرنا نفس السيناريو الذي استعمله نتنياهو حيال المشروع النووي الإيراني.

على أية حال، قد تأخذ روسيا بالحسبان الكثير من الاعتبارات الإسرائيلية خاصة وأن الاتفاق حول الوضع في سورية هو اتفاق روسي- أميركي، وسوف تحاول واشنطن ضمان المصالح الإسرائيلية وروسيا غير معنية بخسارة الشريك الأميركي في سورية، غير أن روسيا لن تحقق كل المطالب الإسرائيلية، لكون ايران أيضا حليفة لها وكانت إلى جانبها في دعم نظام بشار الأسد وكانا في نفس الطرف في الحرب الأهلية السورية، كما أن إيران متمرسة في استغلال الفرص السياسية وتعزيز نفوذها ووجودها في مناطق الأزمات، كما حدث مثلاً في لبنان والعراق وأفغانستان.