تقدير موقف

تقرأ وتحلل قضايا مستجدة وتستشرف آثارها وتداعياتها سواء على المشهد الإسرائيلي او على القضية الفلسطينية.
  • تقدير موقف
  • 2111
  • وليد حباس

في العام 2005، وقع الجيش الإسرائيلي قرار رقم 1565 والذي تبنى "خطة فك الارتباط" وأمر بعدم تواجد إسرائيليين في مستوطنة حومش شمال الضفة الغربية. في 20 أيار 2023، وقع الجيش الإسرائيلي قرار رقم 2137 والذي يلغي "خطة فك الارتباط" ويسمح بتواجد إسرائيليين في مستوطنة حومش.

الإعلام الإسرائيلي والعالمي قاما بتأطير قضية العودة إلى مستوطنة حومش كإجراء يميني استيطاني بسيط، مدفوعًا بائتلاف نتنياهو-سموترتش-بن غفير. على العكس من ذلك، تعتبر هذه الورقة أن العودة الى مستوطنة حومش هي تحول هام في العلاقات الإسرائيلية مع الضفة الغربية، وليس مجرد حدث يخص أجندة هذا الائتلاف. الورقة الحالية تقدم تحليل لتداعيات العودة إلى حومش، مع التركيز على الأحداث والتحولات التي قد تنعكس على العلاقات السياسية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

ورقة تقدير الموقف الحالية تنقسم الى أربع أجزاء. الجزء الأول يقدم تعريف بمستوطنة حومش، وموقعها وتاريخها وصولا الى عام 2005 حيث تم اخلاؤها بموجب خطة شارون للانفكاك احادي الجانب عن قطاع غزة والذي شمل معه أربع مستوطنات في شمال الضفة الغربية.  الجزء الثاني يسرد التفاعلات الإسرائيلية مع مستوطنة حومش أثناء فترة الإخلاء التي استمرت منذ عام 2005 وحتى 2023. في الجزء الثالث، تتناول الورقة الجدل الإسرائيلية حول العودة الى حومش. على الرغم من تحفظات المحكمة العليا في إسرائيل بالإضافة الى عدم رضا المجتمع الدولي، الا ان الائتلاف الحكومي نجح في تمرير قانون جديد يجيز العودة للاستيطاني في حومش. القسم الرابع والأخير يقدم قراءة في تداعيات هذه الخطوة الإسرائيلية على حل الدولتين، العلاقة مع السلطة الفلسطينية ومستقبل الاستيطان في الضفة الغربية.

ما هي مستوطنة "حومش"؟

في 1 كانون الثاني 1978، أصدر قائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي (وهو أيضا منصب الحاكم العسكري للضفة الغربية حتى يومنا هذا) أمر عسكري 78/4 بهدف "ضع اليد" على حوالي 700 دونم ما بين قريتي برقا وسيلة الظاهرية، جنوب جنين. في العام 1980، كان على الرض مستوطنة صغيرة يقطنها عشرات المستوطنين العلمانيين. ولا بد من التأكيد أن أحد أهم الإشكاليات التي تثيرها مستوطنة "حومش" هي أنها مقامة على أراضي خاصة فلسطينية (وليس أراضي "دولة" بالمفهوم الإسرائيلي). بالنسبة للمحكمة العليا الإسرائيلية، فأنه بخلاف أراضي الدولة، تعتبر إقامة مستوطنة على أراضي فلسطينية خاصة أمرا غير مرحب به قانونيا، ويجب منعه. بيد أن حومش استمرت تنمو كمستوطنة علمانية مقامة على أراضي فلسطينية خاصة.

خلال الانتفاضة الثانية، وبالتحديد ما بين 2001-2002، بدأ سكان المستوطنة بتركها والانتقال الى أماكن سكن أخرى، بعد أن قتل الفلسطينيين حوالي ثلاثة مستوطنين من سكانها. فخلال أشهر قليلة، هاجرت أكثر من عشرين عائلة من أصل 54 عائلة.[i] على الفور، تنبه التيار الاستيطاني القومي (الصهيونية الدينية) لهذا العزوف، فأرسلوا عائلات من المستوطنين المتدينين لتعزيز الاستيطان فيها، وتم بناء "ياشيفاه" في المستوطنة (وهي مدرسة دينية-عسكرية للصهيونية الدينية). وقد كان مشروع تيار المستوطنين المتطرفين في توسيع مستوطنة حومش واعدا بالنسبة لهم، خصوصا وأن الأرض المصادرة تم ضمها الى "مجال سيطرة" مجلس مستوطنات “شومرون" وهو المجلس الذي تتواجد فيه أكثر الجماعات تطرفا من حيث ايديولوجيتيها وممارساتها العنيفة، مثل الحردلية، وشبيبة التلال، والمدارس الدينية-العسكرية المعروفة بعدوانيتها للفلسطينيين.[ii] لكن، وقبل أن يتمكن التيار الاستيطاني من إعادة احياء مستوطنة حومش، قام رئيس الوزراء الإسرائيلي آريئل شارون بتنفيذ خطة الانفصال عن قطاع غزة وشمال الضفة الغربية في 2005، حيث شمل فقط اربع مستوطنات في قضاء جنين وكانت حومش واحدة من هذه المستوطنات.

اخلاء مستوطنة حومش (2005-2023)

كانت حومش اخر مستوطنة تم اخلاؤها من قبل الجيش بموجب خطة الانفصال، وفي 23 آب 2005، واثناء قيام الجيش بإخلاء المستوطنة، وقعت المواجهات الأكثر عنفا ما بين المستوطنين المتطرفين وما بين الجيش، مخلفة العديد من الإصابات. فيما يخص مستوطني حومش العلمانيين، فقد تركوا الاستيطان داخل الضفة الغربية وانتقلوا للعيش في إسرائيل. أما المستوطنين المتدنيين الذي جاؤوا لينقذوا الاستيطان في حومش، والذي أشعلوا المواجهات رفضا لخطة الانفصال، فانتقلوا الى السكن في مستوطنة "شابي شومرون" المحاذية. لكن، أمر الاخلاء العسكري للعام 2005 كان يعني "منع الإسرائيليين من البقاء" في المستوطنة وليس منعهم من الدخول اليها. قائمة الأحداث التالية تلخص ما حدث في مستوطنة حومش بعد اخلائها من قبل الجيش الإسرائيلي، وهي احداث تدل على أن المستوطنين المتدنيين الذين كانوا يسكنون في حومش وتم اخلائهم، كانوا تعاملوا مع أنفسهم على أنهم "يعيشون في الشتات" أو "مُهجرين" قسرا عن "بلدتهم حومش"، وانهم ينوون العودة اليها في القريب العاجل:

  1. عندما أخلى الجيش الإسرائيلي مستوطنة حومش في 23 آب 2005، تم اخلاء المنازل وتفكيكيها، لكن الجيش أبقي متعمدا شبكة الشوارع داخل المستوطنة، والأدراج والأرصفة، بالإضافة الى "صهريج المياه" الضخم الموجود هناك والذي كان يمد المستوطنة بالمياه.
  2. في كانون أول 2006، وصل الى "اطلال" مستوطنة حومش حوالي 1000 شخص، وأشعلوا الأنوار والشموع متوعدين بالعودة.
  3. بعد ثلاث شهور، أي في اذار 2007، وصل الى حومش حوالي 3500 شخص من المستوطنين وسكان إسرائيل، وبعضهم ظل مخيما هناك لمدة 3 أيام متتالية.
  4. بعد شهر، أي في نيسان 2007، وصلت مسيرة تضم أمثر من 12 ألف شخصا الى المستوطنة، من بينهم يسرائيل أومن، الإسرائيلي الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد.
  5. بعد شهر، أي في أيار 2007، سمح الجيش لمجلس مستوطنات الضفة الغربية بتنظيم مسيرة جديدة ضمت الآلاف الذين "حجوا" الى المستوطنة.
  6. في تموز 2007، بدأ المستوطنين يزورون المستوطنة بشكل ثابت من خلال تشكيل مجموعات من مئات المستوطنين الذين يتعاقبون زيارة المستوطنة، حيث اقاموا "كنيس"، وقاعة مناسبات، وخيم.
  7. في العام 2009، اقام المستوطنين مدرسة دينية-عسكرية في حومش، وهي مدرسة متطرفة (تابعة لطريقة مدارس "ياشيفاه مركاز هاراب" المتطرفة. ومنذ ذلك الوقت، تجري لعبة "القط والفأر" ما بين المستوطنين الذي يقيمون كرافانات في حومش كجزء من المدرسة، وما بين الجيش الذي يخلي هذا الكرافانات بشكل مستمر. لكن، في نهاية العام 2021، تقل الفلسطينيون أحد طلاب المدرسة المتطرفين، وهو يهودا ديمنتمان، والذي تسبب في غضب المستوطنين لدرجة أن بيني غانتس، وزير الدفاع في حينها، امتنع من الآن فصاعدا من اخلاء المدرسة وأمر بوضع قوة عسكرية دائمة في المكان لحماية "الطلاب".

وجود المدرسة في أراضي "حومش" التي تم اخلاؤها بموجب امر عسكري في العام 2005، يحمل العديد من الدلالات فيما يتعلق بالعالقة المعقدة ما بين المستوطنين والجيش. من جانب، تتلقى المدرسة (مثل أي مدرسة دينية-عسكرية في الضفة الغربية) مخصصات مالية من الحكومة الإسرائيلية، من جهة ثانية، تقوم الحكومة الإسرائيلية (هذه المرة من خلال وزارة الجيش) بإخلاء المدرسة. لكن، كل الأطراف الإسرائيلية على دراية بأن المدرسة تتبنى الطريقة الصهيونية الدينية ("ياشيفاه مركاز هاراب")، وهي طريقة تنظر الى الاستيطان في الضفة الغربية على انه فريضة دينية مقدسة. ومهما يكن من أمر، ففي محكمة صلح بتاح تكفاه، بدأت تتراكم لوائح اتهام بحق مستوطنين، طلاب مدراس توراتية، وحاخامات متطرفين بسبب تدرسيهم في "مدرسة حومش"، على اعتبار ان إقامة مثل هذه المدرسة يعتبر انتهاكا للأمر العسكري الذي بموجبه تم اخلاء المستوطنة.

الجدل الإسرائيلي حول العودة الى حومش

في اذار 2023، صادق الكنيست الى الغاء قانون الانسحاب من حومش، وعلى الفور: 1) قام قائد المنطقة الوسطى بالجيش بإصدار أمر عسكري لا يمنع الاستيطان في منطقة حومش؛ 2) الغت محاكم الصلح الإسرائيلية كل لوائح اتهام كانت قد صدرت سابقا بحق المستوطنين؛ 3) احتفل المستوطنين "بانتصار" مشيئة الرب الذي سمح أخيرا بالعودة الى الاستيطان في حومش. لكن الأمر قد لا يعني أن قضية مستوطنة حومش قد انتهت، بل أن التعقيدات التي تكتنف العودة الى الاستيطان فيها، وهي تعقيدات تعكس صراع المصالح داخل المشهد الإسرائيلي، تفاقمت. ويمكن توضيح بعض جوانب هذه الصراعات على النحو التالي:

من يرفض العودة الى حومش؟

على ما يبدو، ما تزال المحكمة العليا الإسرائيلية تنظر بتوجس الى عودة الاستيطان في حومش. فمنذ العام 2019، قام أصحاب الأرض الفلسطينيون بتقديم التماس للمحكمة الإسرائيلية العليا للسماح لهم باستخدام أراضيهم الخاصة في مستوطنة حومش التي تم اخلاؤها. في كانون الثاني 2023، طلبت المحكمة تبريرا من "دولة إسرائيل" حول مبررات العودة لإقامة مستوطنة سكنية على أراضي فلسطينية خاصة. رد الدولة في هذه الجلسة تم تحضيره من قبل ثلاث وزارات هي، وزارة العدل (التي يرأسها المتطرف اليميني يريف لافين)، وزارة الجيش (الوزيرين غالانت عن الجيش وسموتريتش مسؤول الإدارة المدنية).

من جانب أخر، اعتبر المجتمع الدولي أن امر اخلاء مستوطنات غزة وشمال الضفة (بما فيها حومش) في العام 2005، كانت جزء من التزامات إسرائيل الرسمية امام المجتمع الدولي، وبالتالي فإن العودة للاستيطان بها يعتبر انتهاك لهذه التفاهمات والوعودات. مثلا، أعربت بريطانيا عن غضبها من عودة الاستيطان في حومش، كما أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية مذكرة تعبر عن عدم رضاها.[iii]

من يدفع للعودة الى حومش؟

قد يبدو أن التيار الاستيطاني المتطرف داخل الحكومة الإسرائيلية هو فقط من يدفع نحو إعادة الاستيطان في حومش. حسب الاتفاقيات الائتلافية الموقعة ما بين الصهيونية الدينية وما بين نتنياهو (كرئيس حكومة وزعيم كتلة الليكود)، فإن البند 124 من هذه الاتفاقية ينص على: "في ضوء النقاش الدائر في المحكمة العليا حول موضوع تعليم التوراة في مستوطنة حومش، سيتم إدخال تشريع لتعديل قانون الانسحاب من شمال السامرة.  ستستأنف الحكومة أمام المحكمة العليا نيتها تعديل القانون، وحول نيتها تنظيم استمرار دراسة التوراة في ذلك المكان من خلال القائد العسكري العام للمنطقة، بالتنسيق بين وزير الدفاع ووزير الاستيطان". ومع أن سموتريتش أطر الأمر، حسب هذا الاتفاق، على أنه من ضمان استمرار مدرسة حومش، الا أن الأمر العسكري الذي صدر في اذار 2023، جاء ليسمح بالعودة للاستيطان في أراضي حومش. في 20 أيار، 2023، قامت المستوطنين، وفي منتصف الليل وبمساعدة من الجيش، بنقل مباني المدرسة وبعض الكرافانات السكنية من منطقة "أراضي الفلسطينيين الخاصة" الى منطقة "أراضي الدولة"، داخل مستوطنة حومش، حتى يتم قطع الطريق أمام المحكمة بإصدار امر اخلاء بعد ان قامت الحكومة بتشريع العودة الى حومش.

أن التيار الاستيطاني لم يكن في يوم من الأيام أكثر نفوذا وسطوة داخل الحكومة الإسرائيلية، والكنيست الإسرائيلي، مما هو عليه اليوم. وقد قال رئيس مجلس المستوطنات فور السماح بالعودة الى حومش في اذار 2023، التالي: "أهنئ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف جالانت ووزير المالية ووزير الدفاع بتسلئيل سموتريتش والرئيس التنفيذي لمديرية الاستيطان يهودا الياهو وهذه الحكومة على هذه الخطوة الشجاعة... لقد أقسمت أثناء الترحيل [في العام 2005] أنه طالما أنا على قيد الحياة، فسأعمل على العودة الى حومش... واليوم، ها وحن نعود إلى الوطن".

ما هي الدلالات السياسية للعودة الى حومش؟

للوهلة الأولى قد يكون من "الغريب" الاهتمام بقضية الاستيطان في حومش، في الوقت الذي تنتشر فيه أكثر من 140 مستوطنة في الضفة الغربية، ويسكنها حوالي نصف مليون مستوطن، بالإضافة الى نية إسرائيل ضم حوالي 60٪ من مساحة الضفة الغربية. ومع ذلك، تعتبر قضية مستوطنة حومش ذات دلالات هامة فيما يخص المركبات المعقدة التي تقع في خلفية المشروع الاستيطاني، والتي يجب أن نشير اليها:

  • الحكومة الإسرائيلية تعلن، بموجب قرارها في العودة الى الاستيطان في حومش، أنها مستعدة، ولديها النية المستقبلية، في العودة الى الاستيطان في أراضي فلسطينية تم الانسحاب منها بموجب تفاهمات دولية. صحيح أن الانسحاب من غزة وشمال الضفة الغربية لم يأت ضمن أي اتفاقية دولية، الا أن شارون قام بتسويق "الانسحاب" على أنه، من بين أمور أخرى، من شأنه ان يعزز عملية السلام، ويساهم في ترسيم حدود الدولة الفلسطينية. وبالفعل، فأن النظر الى ردة فعل الحكومات الفرنسية، الامريكية والبريطانية، على سبيل المثال لا الحصر، على قرار العودة الى حومش، يعكس "استياء" المجتمع الدولي من هذه الخطوة، ويعتبر غاية في الأهمية كونه يعتبر استياء على اعلان إسرائيل جهارا بأن الاستيطان في المناطق "ج" هو استيطان دائم.
  • لا بد من التذكير بأن نقل بعض أراضي الضفة الغربية (مناطق "أ" و"ب") الى السلطة الفلسطينية لأقامه حكم ذاتي، جاء من الناحية القانونية-الإجرائية بموجب قرار عسكري صادر عن قائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي. فكما أن التيار الاستيطاني المتطرف دفع الحكومة الإسرائيلية على حث القائد العسكري لتعديل قانون الانسحاب من شكال الضفة (المتخذ عام 2005)، فإن هذه السابقة قد توفر مسوغا لدفع القائد العسكري الى أعادة تعديل الأمر العسكري الذي بموجبه تم نقل أراضي الى الفلسطينيين بموجب اتفاق أوسلو، وهو أمر مماثل تماما من الناحية القانونية والإجرائية، على الرغم من اختلاف المركبات السياسية للسياقين. مثلا، لا يوجد مانع من الناحية القانونية-الإجرائية للعودة الى مناطق قد تعتبر حساسة من الناحية التوراتية بالنسبة للمستوطنين (مثلا، قبر يوسف في نابلس) من خلال حث القائد العسكري "استرجاع" بعض المناطق التي تم الانسحاب منها بموجب اتفاقية أوسلو. خصوصا وأن الحكومة الإسرائيلية تنظر الى اتفاق أوسلو على أنها يحمل شقين: شق سياسي (حل الدولتين: وهو ما تعتبره إسرائيل منتهيا ولم يعد ملزما)، وسق اداري (إدارة فلسطينية للمناطق الفلسطينية: وهو ما تراه إسرائيل أمرا مرغوبا). إن تحول اتفاق أوسلو الى مركب اداري بعد الغاء أي بعد سياسي له، سيشكل أرضية خصبة امام المستوطنين للدفع نحو العودة الى مناطق (أو جيوب محددة) بموجب امر عسكري جديد.
  • لأهمية الموضوع، وخصوصيته، لا بد من الاعتراف بأن الفلسطينيين (كجهة رسمية) غائبين بشكل مطلق عن الخوض في حملة قانونية وإعلامية ودولية لرفض العودة الى حومش، وهي حملة ستكون ناجحة بنسب عالية جدا في تشكيل ضغط دولي كان من شأنه أن يمنع إسرائيل من إقرار قانون العودة الى حومش. على الرغم من تلكؤ المجتمع الدولي من تفكيك الاستيطان، او اجبار إسرائيل على إيقاف توسعه، الا أن الحيثيات والمعطيات المحيطة بقضية حومش تصب، بدون أدنى شك، في صالح أي جهود فلسطينية كان يمكن ان تبذل. خصوصا في ظل "غضب" القوى العظمى (مثل أمريكا، وبريطانيا) بالإضافة الى الأمم المتحدة، ورفض المحكمة العليا الإسرائيلية للأمر. كما ان الخارجية الفرنسية أعلنت أن العودة الى حومش يتعارض بشكل مباشر مع التفاهمات الدولية التي رشحت عن اجتماع مسؤولين إسرائيليين وفلسطينيين في شرم الشيخ مرتين، في شباط وفي اذار من هذا العام، وهي تفاهمات حصلت بوجود وفود سياسية-امنية إسرائيلية، وفلسطينية، ومصرية، واردنية.[iv] في المقابل، فإن ثلاث فلسطينيين من أصحاب الأراضي، يتم تمثيلهم من قبل مؤسسة إسرائيلية اسمها "يش دين"، وهي التي ترافقهم امام المحكمة العليا الإسرائيلية، بدون توفر حملة فلسطينية، شعبية او رسمية-دبلوماسية، لدعمهم والوقوف الى جانبهم.
  • يمكننا التوقع أن تستمر الحركة الاستيطانية في اسرائيل بدفع حكومتها نحو استعادة المستوطنات المهجرة، وخاصة في ظل الضغط الحاصل من قبل المستوطنين أصحاب التوجهات الدينية المتطرفة. هذا السياق يحمل تحديات غير مسبوقة للفلسطينيين، ولكنه في الوقت نفسه قد يفتح فرصًا جديدة لبناء التوافق الدولي حول القضية الفلسطينية. من نقاط القوة من منظور فلسطيني هو أن هذا التحول في السياسة الإسرائيلية يثير استياء وقلقًا دوليًا، كما يظهر رفض المحكمة العليا الإسرائيلية للأمر. وفي هذا السياق، قد يكون للفلسطينيين القدرة على تشكيل حملة دولية قوية لمواجهة تلك التحولات. كما يعد الدعم الشعبي الواسع بين الفلسطينيين لرفض استعادة الاستيطان أيضًا نقطة قوة. من جهة أخرى، يتضح أن الفلسطينيين يعانون من ضعف كبير في مواجهة هذا التحدي. هذا الضعف يتمثل في غياب القيادة الفلسطينية الفاعلة والمؤثرة في الساحة الدولية، والقدرة القليلة على الاستجابة بفعالية للتطورات السريعة.
  • استناداً إلى هذه القراءة، يمكن التوصية ببناء حملة قانونية وإعلامية ودولية قوية لرفض العودة إلى حومش ومستوطنات أخرى مماثلة. هذه الحملة يجب أن تستثمر الاستياء الدولي تجاه التحول في السياسة الإسرائيلية وتقوم على تعاون وثيق مع الشركاء الدوليين، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، لضمان الدعم المستمر والفعال للقضية الفلسطينية. وبشكل ملح، لا بد من تعزيز الضغط على المجتمع الدولي لتحقيق التوافق السياسي والقانوني حول ضرورة وقف توسع الاستيطان الإسرائيلي وعدم العودة إلى المستوطنات التي تم اخلاؤها.

 

[i] انظر مقالة هآرتس على الرابط التالي: https://shorturl.at/lFY07

[ii] انظر مقالة هآرتس على الرابط التالي: https://shorturl.at/uHJQX

[iii] انظر مقالة هآرتس على الرابط التالي: https://shorturl.at/dtJTU

[iv] انظر مقالة هآرتس على الرابط التالي: https://shorturl.at/beIJ6