تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

تترقب إسرائيل هذه الأيام احتمـال صدور قرار عن مجلس وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي يتوقع أن ينص على التمييز بشكل كامل بين إسرائيل والأراضي العربية المحتلة عام 1967، أي الضفة الغربية والقدس الشرقية وهضبة الجولان.

وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، أمس، أن إسرائيل كانت تتوقع قرارا معتدلا نسبيا، لكن موظفين حكوميين إسرائيليين قالوا إنه اتضح من مداولات جرت في مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل، يوم الخميس الماضي، أن صيغة القرار ستكون أشد بكثير من المتوقع، وبناء على ذلك قامت وزارة الخارجية الإسرائيلية، خلال نهاية الأسبوع الماضي، بجهود مكثفة في محاولة لمنع إقرار صيغة مسودة القرار.

وتطرق رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في بداية اجتماع حكومته الأسبوعي، أمس الأحد، إلى هذا الموضوع، مهاجما مرة أخرى وزيرة الخارجية السويدية، مارغوت وولستروم، التي دعت إلى إجراء تحقيق دولي في إعدام الفلسطينيين بادعاء تنفيذهم أو نيتهم تنفيذ عمليات طعن.

ووصف نتنياهو دعوة وزيرة الخارجية السويدية بأنها "كيل بمكيالين يمارس ضدنا"، وقال إن دعوتها "سخيفة"، وإنه "يأمل في أن هذه الرؤية لن تسود في المناقشات التي يجريها وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع" حول التمييز بين إسرائيل والأراضي المحتلة.

وأضاف نتنياهو أن "الكيل بمكيالين ضد إسرائيل وتشويه الحقائق ومهاجمة إسرائيل والانحياز ضدها، كل هذا لن يساعد الاتحاد الأوروبي في المشاركة في المناقشات التي تجرى في الشرق الأوسط. وأكثر من ذلك، هذا الأمر مرفوض وغير عادل ولن نقبل به".

وأجرى نتنياهو، أمس، اتصالات هاتفية مع زعماء ووزراء خارجية عدد من دول الاتحاد الأوروبي، بينها اليونان وقبرص وبلغاريا وهنغاريا والتشيك، وطلب منهم معارضة النص الحالي لمسودة مشروع القانون، بادعاء أنها "غير متوازنة تجاه إسرائيل".

ونقلت صحيفة "هآرتس"، اليوم الاثنين، عن موظف إسرائيلي رفيع قوله إن نتنياهو ركّز جهوده على هذه الدول ليس فقط على ضوء توجهها "المؤيد أكثر لإسرائيل"، وإنما لأن وزراء خارجيتها سيعقدون لقاء منفصلا قبيل اجتماع مجلس وزراء الخارجية.

ورغم أن هذا اللقاء المنفصل لن يناقش الموضوع الإسرائيلي – الفلسطيني، إلا أن نتنياهو يأمل بأن يتم خلاله التوصل إلى اتفاق بين الدول الخمس على معارضة مسودة مشروع القرار، خاصة وأنه، بحسب الموظف الإسرائيلي، ينبغي اتخاذ القرار في مجلس وزراء الخارجية بالإجماع ليكون ساري المفعول، الأمر الذي من شأنه إرجاء التصويت على مشروع القرار لمدة شهر.

وتأمل إسرائيل بأنه في حال تأجيل التصويت، ستتمكن من كسب الوقت ومحاولة تخفيف صيغة مسودة القرار، أو حتى إزالتها كليا عن جدول أعمال المجلس.

سلسلة أزمات بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي

قرار مجلس وزراء الاتحاد الأوروبي المتوقع حاليا هو الأخير حتى الآن في سلسلة قرارات اتخذها الاتحاد على خلفية استمرار الاحتلال وتوسيع الاستيطان في السنوات الأخيرة، وأدت إلى نشوء أزمة في العلاقات بين الجانبين.

ويشار إلى أن جميع الخطوات التالية جرت خلال ثلاث ولايات لنتنياهو في رئاسة الحكومة.

في العام 2009، في أعقاب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، جرى تجميد تطوير العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وهذا الوضع مستمر حتى اليوم.

في العام 2013، اقترح الاتحاد الأوروبي على إسرائيل رزمة مساعدات، وُصفت بأنها "غير مسبوقة" في حال وافقت على التوقيع على اتفاق سلام مع الفلسطينيين. لكن الحكومة الإسرائيلية تجاهلت ذلك ما أدى إلى غضب أوروبي.

في العام 2014، انضمت إسرائيل إلى المشروع الأوروبي العملاق "هورايزن 2020" للتعاون في المجالات العلمية، واشترط الاتحاد الأوروبي انضمام إسرائيل بأن لا يسري المشروع على المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية وهضبة الجولان.

في العام 2015، قرر الاتحاد الأوروبي تنفيذ قرار وسم منتجات المستوطنات في أسواق الدول الـ28 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وردا على ذلك جمّدت إسرائيل المحادثات مع الأوروبيين حول استئناف عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.

ويأتي الآن القرار المتوقع للاتحاد الأوروبي بالتمييز بين إسرائيل والمستوطنات، وسط توقعات إسرائيلية بتشديد العقوبات الأوروبية ضد المستوطنات.

مسودة القرار الأوروبي المتوقع

نشرت صحيفة "هآرتس"، أمس، البنود الأساسية لمسودة القرار الأوروبي الذي سيصوت عليه، وجاءت كالتالي:
- "الاتحاد الأوروبي سيستمر في التمييز بصورة واضحة ولا لبس فيها بين إسرائيل وكافة الأراضي المحتلة عام 1967".
- "الاتفاقيات بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي تسري على إسرائيل فقط لا غير".
- "الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه متحدون في الالتزام بضمان التطبيق الكامل للقوانين الأوروبية والاتفاقيات المتعلقة بمنتجات المستوطنات".
- "الاتحاد الأوروبي يعيد إقرار قراره (بشأن وسم منتجات المستوطنات) ولا يرى فيه مقاطعة لإسرائيل، وهو أمر يعارضه الاتحاد".
- "الاتحاد الأوروبي سيتابع عن قرب التطورات الميدانية وتبعاتها الأوسع".

- "الاتحاد الأوروبي سيدرس تنفيذ أنشطة أخرى من أجل حماية إمكانية تطبيق حل الدولتين، الآخذ بالتراجع بشكل دائم بسبب فرض وقائع ميدانية (إسرائيلية) جديدة".

- تعبر مسودة القرار عن الدعم للمقترح الفرنسي بتشكيل مجموعة دعم دولية من أجل دفع عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين وعقد مؤتمر سلام دولي من أجل استئناف مفاوضات إقليمية بين إسرائيل والفلسطينيين والدول العربية.

- تشمل مسودة القرار تطرقا إلى "قانون الجمعيات" القمعي الذي طرحته وزير العدل الإسرائيلية المتطرفة، أييليت شاكيد، ويفرض قيودا على منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية التي تفضح ممارسات الاحتلال بحق الفلسطينيين. وفي هذا السياق تساوي المسودة بين التعامل مع المنظمات غير الحكومية في إسرائيل والسلطة الفلسطينية وتؤكد أن "الاتحاد الأوروبي قلق من محاولات الجانبين لإسكات المجتمع المدني".

- مسودة القرار ترحب بالتحقيق الإسرائيلي في الجريمة الإرهابية في قرية دوما وحرق ثلاثة من أفراد عائلة دوابشة، لكنها تطالب إسرائيل بالتحقيق ومحاكمة مستوطنين يمارسون العنف ضد الفلسطينيين، كما تطالب المسودة الجانبين "باستخدام تناسبي للقوة".

الخطوة الأوروبية لم تفاجئ إسرائيل

قالت مصادر في وزارة الخارجية الإسرائيلية إن مشروع القرار الأوروبي تدفعه السويد وايرلندا، وتدفعه فرنسا بشكل جزئي.

لكن دبلوماسيين أوروبيين مطلعين على تفاصيل الخطوة الأوروبية، أكدوا أن من دفع باتجاه هذا القرار هي الدول الأوروبية الكبرى، بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا، وبقدر معين ألمانيا أيضا.

وأضاف الدبلوماسيون أن مندوبي هذه الدول الخمس شددوا خلال المداولات الداخلية في مؤسسات الاتحاد الأوروبي، على أن دولهم ترفض التنصل من سياستها تجاه المستوطنات، وأنها معنية بصيغة مشددة.

وعقب مصدر دبلوماسي إسرائيلي بالقول إن "المسودات تشتد وتصبح أكثر خطورة من لحظة إلى أخرى. والسويديون والايرلنديون يدفعون ويبدو أن أصدقاءنا لا يصمدون أمامهم. ويحاول الألمان أن يلجموا لكنهم لا ينجحون في ذلك".

وأشارت مصادر حكومية إسرائيلية إلى أن صدور القرار بصيغته الحالية سيشكل إرساء آخر للسياسة الأوروبية بالفصل بين إسرائيل والمستوطنات من الناحية القانونية.

وأضافوا أن عواقب ذلك قد تكون شديدة وتقود إلى المزيد من العقوبات ضد المستوطنات. وأنه "إذا طُرحت مبادرات لدول الاتحاد الأوروبي ضد المستوطنات سيكون من الصعب إيقافها".
ويشار إلى أن إسرائيل توقعت هذه الخطوة الأوروبية، فقد قال نتنياهو خلال اجتماع كتلة حزب الليكود في الكنيست يوم الاثنين الماضي: "إننا في خضم أزمة ليست بسيطة مع الاتحاد الأوروبي، وهي أزمة سياسية أولا. لقد وسموا المنتجات ولا يمكن معرفة ما إذا كان هناك المزيد".

وتطرق نتنياهو إلى تقارير حول أنشطة الاتحاد الأوروبي في المنطقة C في الضفة الغربية، واعتبر أنها ليست نابعة من أسباب إنسانية، وأن "هذا مجهود سياسي للاتحاد الأوروبي. هذا واضح وضوح الشمس ولا شك فيه. وسنعمل في هذا الموضوع في إطار قدراتنا".

وأشار نتنياهو إلى قرار حكومته بوقف الاتصالات بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي حول عملية السلام في أعقاب وسم منتجات المستوطنات، وقال إنه في حال استئناف الاتصالات فإن إسرائيل ستطرح نشاط الاتحاد في المنطقة C.

واعتبر نتنياهو أن إسرائيل كثفت عمليات هدم البيوت الفلسطينية في المنطقة C بحجة البناء غير المرخص وقال إن "هذا جهد لا يستهان به".

ونقلت "هآرتس" عن دبلوماسيين أوروبيين قولهم إنه يخيم فوق صيغة مسودة القرار الذي سيصوت عليه وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي الآن، روح التقرير الصادر قبل عدة شهور عن مركز الأبحاث التابع للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، وتناول الحاجة إلى تحويل التمييز بين إسرائيل والمستوطنات إلى عنصر أساس في السياسة الأوروبية تجاه الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.

ولفت المراسل السياسي للصحيفة، باراك رافيد، إلى أن "إرساء ’سياسة التمييز’ هذه في التشريعات الأوروبية والاتفاقيات مع إسرائيل في المجالات الاقتصادية، الأبحاث والتطوير، القضاء، المواصلات، الطيران والإعفاء من تأشيرات الدخول، من شأنه أن يجر قيودا خطيرة على شركات ومجموعات وأفراد يعملون ويتواجدون أو يسكنون في المستوطنات".

وأضاف رافيد أن "التركيز على عنف المستوطنين تجاه الفلسطينيين يجعل إدخال نشطاء يمين متطرف إلى قوائم العقوبات الشخصية للاتحاد الأوروبي، بما في ذلك رفض دخولهم إلى القارة، سيناريو غير مستبعد".

وأشار رافيد إلى أن فرنسا هي التي تقف خلف إدخال الدعوة لتنفيذ خطوات عملية من أجل إنقاذ حل الدولتين وعقد مؤتمر سلام دولي، لأنها معنية بدفع مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي في موضوع المستوطنات.

ورأى رافيد أن "الصيغة المشددة لمسودة القرار الأوروبي والمفاوضات التي جرت خلف الكواليس بين الدول الأوروبية الكبرى، تدلان على أن الرد الإسرائيلي على قرار الاتحاد الأوروبي بنشر تعليمات حول وسم منتجات المستوطنات عملت كسهم مرتد. فإعلان إسرائيل عن تجميد الاتصالات في الموضوع الفلسطيني مع مؤسسات الاتحاد الأوروبي في بروكسل وخطوات انتقامية صبيانية ضد عدة دول أوروبية أيدت وسم منتجات المستوطنات، صعّدا الغضب والإحباط في أوروبا تجاه إسرائيل".

وقال دبلوماسيون أوروبيون إنه في أعقاب رد فعل حكومة نتنياهو نشأ محفز لدى الدول الأوروبية الكبرى الخمس لإظهار إجماع وتشكيل جبهة موحدة مقابل إسرائيل ونشر قرار شديد بخصوص المستوطنات.

وكتب رافيد أن دبلوماسيين في عدة عواصم أوروبية أبلغوا نظراءهم في إسرائيل أن القرار الآخذ بالتبلور يتوقع أن يكون شديدا، وأضافوا أن "على إسرائيل أن تعلم أن صيغته تعكس الأجواء الحالية السائدة في القارة تجاه إسرائيل".


لكن نتنياهو اعتبر خلال حفل استقبال لمراسلي وسائل الإعلام الأجنبية في إسرائيل، أقيم يوم الخميس الماضي، أن "مشكلة إسرائيل ليست مع دول أوروبا المختلفة، وإنما مع جهاز الاتحاد الأوروبي، ومع البيروقراطيين المعادين لإسرائيل في مقرات الاتحاد الأوروبي في بروكسل، وإذا غاب هؤلاء فإن جميع المشاكل ستحل".

إلا أن دبلوماسيين أوروبيين قالوا إن صورة الوضع معاكسة تماما لتلك التي يعرضها نتنياهو، وأشاروا إلى أن وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، فدريكا موغيريني، ومسؤولين في مفوضية العلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي، طرحوا مسودة قرار مخففة نسبيا، لكن مندوبي الدول الخمس الكبرى لم يوافقوا عليها وطالبوا بتشديدها.