تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

روّجت آلة الدعاية الإسرائيلية، في نهاية الأسبوع الماضي، أن حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، بتوجيه من إيران، هي التي أطلقت أربعة صواريخ من القسم غير المحتل في هضبة الجولان وسقط اثنان منهما في الجولان المحتل واثنان آخران في منطقة الجليل في شمال إسرائيل.

وجاء رد إسرائيل عنيفا جدا، وقصف طيرانها الحربي ومدفعيتها الثقيلة مواقع للجيش السوري، يوم الخميس الماضي وليلة الخميس – الجمعة، ما أسفر عن مقتل ضابط سوري على الأقل. وفي اليوم التالي قصفت الطائرات الإسرائيلية سيارة في عمق الأراضي السورية ما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص، قالت إسرائيل إنهم ينتمون للجهاد الإسلامي، بينما تبين لاحقا أن ضابطين سوريين كانا في عداد القتلى.

ويُرجح أن هذا الرد الإسرائيلي جاء بهذه القوة في محاولة لدفع إيران لتنفيذ هجوم ضد إسرائيل، بواسطة أحد أذرعها في سورية، بهدف "تسويد" صورة طهران، خصوصا أمام أعضاء في الكونغرس الأميركي وحضهم على معارضة الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى الست، وفقا لمقال نشره أمس، الأحد، محلل الشؤون الأميركية في صحيفة "هآرتس"، حيمي شاليف.

وفي أعقاب إطلاق الصواريخ الأربعة من الأراضي السورية، أصدر رئيس حكومة إسرائيل ووزير خارجيتها، بنيامين نتنياهو، تعليمات إلى وزارة الخارجية تقضي بتقديم احتجاجات رسمية إلى وزارات خارجية الدول الكبرى الست التي وقعت على الاتفاق النووي مع إيران، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين وألمانيا.

وجاء في رسائل "الاحتجاج" التي قدمتها وزارة الخارجية إلى وزارات خارجية الدول الست، يوم الجمعة الماضي، أن بحوزة إسرائيل معلومات استخباراتية مؤكدة تدل على أن الجهاد الإسلامي أطلقت الصواريخ بأمر مباشر من قادة الحرس الثوري الإيراني، وأن "هذا مثال صارخ آخر على أن إيران مستمرة في دعم الإرهاب ضد إسرائيل من دون عائق".

وأضافت هذه الرسائل أن "هذا الهجوم وقع قبل أن يجف الحبر على الاتفاق النووي، وهو مؤشر واضح على أن إيران تنوي الاستمرار في أنشطتها الرامية إلى تقويض الاستقرار في المنطقة فيما يجري رفع العقوبات الدولية عنها. ولا يمكن للمجتمع الدولي أن يستمر في السماح لإيران بالحصول على شرعية سياسية نتيجة للاتفاق النووي، بينما في موازاة ذلك تواصل إيران ضلوعها في الإرهاب في المنطقة كلها".

نتنياهو يضعف المجتمع اليهودي الأميركي

من جهة ثانية، يقود نتنياهو، بالتعاون مع "لجنة الشؤون العامة الأميركية- الإسرائيلية" (إيباك)، حملة بين اليهود في الولايات المتحدة بهدف إقناعهم "برفع صوتهم" ضد الاتفاق النووي.

وكتب شاليف، الأسبوع الماضي، أن "كافة الوسائل مشروعة وكافة المدافع تطلق ذخيرتها في إطار المواجهة المشحونة التي تقسم الآن يهود الولايات المتحدة. فالمتبرعون ضد النشطاء السياسيين، والحاخامون ضد المصلين، واليمينيون ضد اليساريين، والمحافظون ضد الليبراليين. ومعظمهم، وليس جميعهم، يفعل ذلك باسم محبة إسرائيل".

وأشار شاليف إلى أن "الصراع الأكثر إثارة يجري في 151 منظمة يهودية منتشرة في طول وعرض الولايات المتحدة. واعتاد هؤلاء على الابتعاد عن السياسة والتركيز على احتياجات مجتمعاتهم والتبرع لإسرائيل. ودخولهم إلى هذه الحلبة المختلف حولها يثير غضبا وغليانا، حتى بين أولئك الذين يعارضون الاتفاق".

ووفقا للمحلل نفسه فإن أعضاء هذه المنظمات يتلقون اتصالات دائمة من موظفي "إيباك" في واشنطن، الذين يسألونهم حول مدى نجاحهم في تجنيد أصدقائهم ضد الاتفاق. وبعض النشطاء المحليين "يتذمرون، بمحادثات خاصة، من ممارسة ضغوط شديدة عليهم وبشكل مباشر من مكتب رئيس الحكومة في القدس أو باسمه".

وأضاف شاليف أنه حتى الآن أعلنت 18 منظمة فقط عن معارضتها للاتفاق، لكن بينها منظمات كبيرة كتلك التي تنشط في لوس أنجلوس وبوسطن وشيكاغو، بينما المنظمة الأكبر، التي تنشط في نيويورك، فضلت الحفاظ على الحياد.

وأضاف شاليف أن "العديد من قادة يهود الولايات المتحدة، من كلا الجانبين، يشعرون بضائقة... والكثيرون منهم يشعرون بالإحباط من أن إسرائيل تضعف وتفتت المجتمع اليهودي الأميركي في حرب شاملة تبدو احتمالات نجاحها ضئيلة".

رغم ذلك، يرى محللون إسرائيليون للشؤون الأميركية أن معركة إسرائيل، ونتنياهو خصوصا، في الكونغرس الأميركي، على منع إقرار الاتفاق النووي، هي معركة خاسرة.

ويؤكد هؤلاء أيضا على أنه بعدما أوحت صورة الوضع في الشهور الأخيرة بأن انشقاقا غير مسبوق حاصل بين اليهود الأميركيين، بين مؤيدين ومعارضين للاتفاق النووي، فإن هذه الصورة تغيرت وأصبحت أغلبية اليهود الأميركيين تؤيد الاتفاق، أو على الأقل لا تعارضه.

يهود أميركا والاتفاق النووي

سيطر معارضو الاتفاق النووي في المنظمات اليهودية الأميركية بشكل كامل تقريبا على الساحة الإعلامية، خلال الأسابيع الماضية. لكن المحللين والمراسلين للشؤون الأميركية في وسائل الإعلام الإسرائيلية يشيرون إلى حدوث "تغير دراماتيكي" في هذا الملعب كان متوقعا خلال الأسبوع الماضي، في توازن القوى الضالعة في المعركة على الاتفاق في الولايات المتحدة لصالح تأييد الاتفاق.

ووفقا للمحلل في صحيفة "معاريف"، شلومو شمير، فإن التغيير الحاصل ليس تجاه الاتفاق فقط، وإنما هناك تغير، في الأسابيع الأخيرة، في التعامل وفي طبيعة ردود الفعل للمنظمات اليهودية تجاه الرئيس الأميركي، باراك أوباما. "والقوى التي تعارض الاتفاق أقصيت إلى هامش الحلبة اليهودية. وجرى إسكات المعارضة الصارخة، واحتلت مجموعات وجهات يهودية تؤيد الاتفاق مقدمة المسرح. ورغم أن التطرق إلى أوباما لا يخلو من انتقادات، لكن النبرة أصبحت محترمة ومؤدبة".

ويدل على هذا التغيير نشر 340 حاخاما من جميع أنحاء الولايات المتحدة رسالة إلى الكونغرس، يوضحون فيها أنهم يؤيدون الاتفاق النووي ويطالبون أعضاء الكونغرس بالمصادقة عليه. ووصف الحاخامون أنفسهم في الرسالة، التي نشروها في 17 آب الحالي، بأنهم "مواطنون صالحون وحاخامو أجيال من اليهود التقدميين".

وفي أعقاب هذه الرسالة، نشر 26 زعيما سابقا في المنظمات اليهودية الأميركية إعلانا احتل صفحة كاملة في صحيفة "نيويورك تايمز"، وطالبوا من خلاله أعضاء الكونغرس بالمصادقة على الاتفاق. وجاء في عنوان الإعلان اقتباس من أقوال رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) الأسبق، عامي أيالون، بأن "الاتفاق هو الخيار الأفضل".

وشملت قائمة الموقعين على هذا الإعلان شخصيات مرموقة في الشارع اليهودي الأميركي، بينهم رئيسان سابقان للجنة رؤساء المنظمات اليهودية، وسيناتور ديمقراطي سابق، وعضوان سابقان في مجلس النواب، وقياديون كان لهم حضور مركزي في المنظمات اليهودية في السنوات الماضية، وأحدهم هو توم دين الذي أشغل منصب مدير عام "لجنة الشؤون العامة الأميركية- الإسرائيلية" (إيباك) والذي يعتبر كمن بنى قوة هذا اللوبي اليهودي، الذي يقود اليوم الحملة ضد الاتفاق النووي.

وأعلن عضو مجلس النواب اليهودي جيرولد نيدلر، يوم الجمعة الماضي، عن تأييده للاتفاق. وينتمي نيدلر للحزب الديمقراطي ويمثل شريحة واسعة من اليهود في منطقة نيويورك. وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أنه "في منطقة نيدلر الانتخابية يتواجد أكبر عدد من الناخبين اليهود. ولنيدلر تاريخ طويل في الدعم النشط لإسرائيل".

واعتبر محللون إسرائيليون أن نيدلر مطلع من دون شك على الأجواء السائدة بين ناخبيه اليهود ولم يكن ليقدم على هذه الخطوة لو أنه لا يعلم أن غالبية ناخبيه توافقه الرأي وستنتخبه في المستقبل.

ويبدو أن التطور الأهم في هذا السياق، الذي كسر موازين القوى في الشارع اليهودي الأميركي، هو إعلان صادر عن رؤساء الحركة الإصلاحية اليهودية في الولايات المتحدة، وهي التيار الذي تنتمي إليه غالبية اليهود الأميركيين. ورغم أن بيان الحركة الإصلاحية لم يعبر عن تأييد صريح للاتفاق إلا أنه لم يعترض عليه.

وكتب رؤساء هذا التيار في بيانهم أنه "لا توجد طريق واضحة بإمكانها أن تساعد في بلورة موقف مؤيد أو معارض للاتفاق مع إيران. وعلينا أن نركز على سؤالين: كيف بإمكاننا أن نعبر عن قلقنا من الاتفاق، وماذا سيحدث في اليوم الذي يلي المصادقة على الاتفاق".

وقال رئيس الحركة الإصلاحية، الحاخام ريك جايكوبس، لـ"معاريف" إن "الرسالة المركزية والأهم التي أردنا توضيحها في البيان، هي أن من يؤيد الاتفاق والرئيس أوباما هو يهودي جيد ويحب الدولة وصهيوني مخلص. وأنا أحترم أولئك الذين يعبرون عن معارضتهم للاتفاق ولا شك لدي حيال صدقهم، ولكن ثمة أهمية للتوضيح أن من يؤيد الاتفاق هو مؤيد لإسرائيل مثلهم ولا أقل منهم". ويرجح أن جايكوبس أبلغ نتنياهو بموقف الحركة الإصلاحية، خلال محادثتين هاتفيتين جرت بينهما الأسبوع الماضي.

وثمة أهمية خاصة لموقف التيار الإصلاحي اليهودي، كون هذا التيار يشكل "جمهور ناخبين كبيراً"، ووفقا للتقديرات يضم 1.5 مليون ناخب.

ووفقا لشمير فإن "لا أساس من الصحة للتقارير التي تحدثت عن انشقاق المجتمع اليهودي"، بينما وصف شاليف هذه التقارير بأنها "مبالغ فيها"، وأكدا على أن غالبية يهود أميركا لا تعارض الاتفاق النووي.

كذلك تشير المعطيات إلى أن أكثر من 80% من الناخبين اليهود منحوا أصواتهم لأوباما في المعركتين الانتخابيتين الأخيرتين.

ولم يعلن مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة عن موقفه من الاتفاق النووي حتى الآن.

وأحد أسباب ذلك أنه من أجل الإعلان عن موقف كهذا يجب أن يكون هناك إجماع على الموقف من جانب الخمسين منظمة التي تشكل مؤتمر الرؤساء. رغم ذلك، قال أحد رؤساء المنظمات إنه "كما تبدو الأمور فإن قسما كبيرا من المنظمات الأعضاء في المؤتمر يؤيد الاتفاق".

وهناك دليل آخر على ضعف المعارضة للاتفاق بين اليهود الأميركيين وهو أن مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية سيمنح الرعاية لخطاب يلقيه أوباما من خلال الانترنت يوم الجمعة المقبل، مثلما فعل نتنياهو قبل أسبوعين.

أوباما يتعهد بزيادة المساعدات العسكرية لإسرائيل

كشفت "نيويورك تايمز"، يوم الجمعة الماضي، عن رسائل بعث بها أوباما إلى أعضاء كونغرس ما زالوا مترددين في تأييد الاتفاق النووي، لدى التصويت عليه بعد أسابيع قليلة، وتعهد الرئيس الأميركي في هذه الرسائل بزيادة المساعدات العسكرية لإسرائيل، من أجل طمأنة هؤلاء النواب وكسب تأييدهم للاتفاق.

كذلك تعهد أوباما في هذه الرسائل بالعمل بصورة أحادية الجانب، بما في ذلك شن عملية عسكرية، من أجل منع إيران من صنع قنبلة نووية، وبأن الولايات المتحدة ستعمل، وعلى الرغم من الاتفاق النووي، بشكل يردع إيران عن التصرف بعدوانية.

كما تعهد أوباما بأنه سيكون بإمكان الولايات المتحدة إعادة فرض عقوبات اقتصادية على إيران بصورة تدريجية في حال خرق الاتفاق.

وتعهد أوباما أيضا بزيادة التعاون الأمني مع إسرائيل في الشرق الأوسط، ومنحها مساعدات إضافية من أجل تمويل اقتناء منظومات دفاعية مضادة للصواريخ، وتسريع التطوير المشترك لمنظومات الدفاعات الصاروخية وتطوير تكنولوجيا لاكتشاف أنفاق.

كما تعهد أوباما في الرسالة بزيادة التعاون مع إسرائيل ضد أنشطة إيرانية في الشرق الأوسط، وخاصة ضد نقل أسلحة متطورة إلى حزب الله وضد الأنشطة الإيرانية في سورية.

وأحد الذين تلقوا رسالة كهذه من أوباما هو عضو مجلس النواب اليهودي نيدلر الذي أعلن في نهاية الأسبوع الماضي عن تأييده للاتفاق النووي.