تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

فشل رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، في اجتياز عقبة صعبة في الكنيست، الليلة الماضية، وقرر تأجيل التصويت في هيئته العامة على مشروع قرار صادقت عليه الحكومة ويلتف على صلاحيات المسؤول عن تقييد الاحتكارات، الأمر الذي يعرقل في هذه الأثناء المضي قدماً في خطة تمنع تقييد احتكار استخراج الغاز الطبيعي بأيدي شركة "ديلك" الإسرائيلية التي يسيطر على أسهمها رجل الأعمال إسحاق تشوفا وشركة "نوبل إنرجي" الأميركية.

وكان يتعين على الكنيست التصويت على تفعيل البند 52 في قانون المسؤول عن تقييد الاحتكارات. وينص هذا البند على أنه في حال رفض المسؤول عن تقييد الاحتكارات خطوة حكومية لصالح اعتبارات تتعلق بفتح المنافسة في السوق، ولكن يتم وصف هذه الخطوة بأنها هامة لاحتياجات أمن إسرائيل الإستراتيجي، فإن بإمكان وزير الاقتصاد إلغاء قرار المسؤول عن تقييد الاحتكارات ونقل الحسم بشأن خطوة الحكومة إلى الحكومة بكامل هيئتها.

وكان وزير الاقتصاد الإسرائيلي رئيس حزب شاس أرييه درعي، قد رفض التوقيع على تفعيل البند 52، خلال اجتماع المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت) الذي عقد يوم الخميس الماضي، الأمر الذي كشف عن وجود خلافات داخل الحكومة حول الخطة الحكومية لتفكيك احتكار الغاز على مدار العامين المقبلين.

وقالت تقارير إعلامية إسرائيلية إن درعي لا يعارض الخطة الحكومية، لكنه لا يريد تحمل مسؤولية شخصية عنها، بهدف صد انتقادات منظمات اجتماعية له بأنه تخلى عن الطبقات الضعيفة.

ويعني تفعيل البند 52 الالتفاف على قرار المسؤول عن تقييد الاحتكارات، ديفيد غيلو، الذي طالب بتفكيك احتكار الغاز فوراً وليس على مدار العامين المقبلين.

وحتى ساعات مساء أمس، لم تكن لدى نتنياهو أغلبية بين أعضاء الكنيست لتأييد تفعيل هذا البند، إذ عارض هذه الخطوة كل من وزير المالية موشيه كحلون، ووزير البناء والإسكان يوءاف غالانت، ووزير الرفاه حاييم كاتس. كذلك أعلن رئيس حزب "يسرائيل بيتينو" أفيغدور ليبرمان أنه يؤيد الخطة الحكومية لكنه قرر أنه ونواب حزبه سيصوتون ضد تفعيل البند 52.

يذكر أن حكومة نتنياهو الحالية هي حكومة ضيقة للغاية، وهي مدعومة من ائتلاف يضم 61 عضو كنيست فقط من أصل 120 عضوا. ومجرد معارضة نائب واحد من الائتلاف أي مشروع تطرحه الحكومة تؤدي إلى سقوطه.

وفي وضع كهذا درس نتنياهو، أمس الاثنين، تحويل التصويت على تفعيل البند 52 إلى تصويت على حجب الثقة عن الحكومة، بهدف ممارسة ضغوط على الوزراء الذين يعارضون هذه الخطوة. لكنه في نهاية المطاف قرّر تأجيل التصويت إلى وقت آخر.

ويشار إلى أن الحكومة صادقت خلال اجتماعها الأسبوعي أول من أمس الأحد على تفعيل هذا البند.

اعتبارات أمنية وتجارية

اللافت أن موضوع قطاع الغاز واحتكاره جرى بحثه في الكابينيت، الذي يعتبر أهم هيئة سياسية – أمنية إسرائيلية. واستعرض أفراد طاقم المفاوضات الحكومي مع الشركات الاحتكارية تفاصيل الخطة الحكومية التي يسعى نتنياهو إلى تمريرها.

وخلال اجتماع الكابينيت، استعرض مسؤولون أمنيون إسرائيليون ما وصفوه بـ"الأهمية الجيو سياسية" لدفع عقود تصدير الغاز إلى مصر والأردن.

وحضر المسؤول عن تقييد الاحتكارات، غيلو، اجتماع الكابينيت بشكل مفاجئ، واستعرض أمام الوزراء أسباب معارضته للتوقيع على تسوية مع محتكري الغاز، وهم بالأساس شركة "ديلك" بملكية تشوفا المقرب من نتنياهو، وشركة "نوبل إنرجي" الأميركية. ويرى غيلو في الخطة الحكومية أنها "تسوية مقيدة" وتسمح لشركتي "ديلك" و"نوبل إنرجي" بتأسيس مكانة احتكارية في مجال الغاز الطبيعي.

وأيد الوزراء أعضاء الكابينيت بالإجماع التسويغات السياسية – الأمنية لتسوية قطاع الغاز بين الحكومة والشركات الاحتكارية. لكن عندما طولب درعي بالتوقيع على بند الالتفاف على صلاحية مسؤول تقييد الاحتكارات رفض ذلك، وأعلن عن تنازله عن صلاحيته هذه.

وقد طولب الوزراء بمعاينة تفاصيل الخطة الحكومية والمصادقة عليها بادعاء أنها تنطوي على جوانب تتعلق بالسياسة الإسرائيلية الخارجية أو أمن الدولة، وذلك لأنه لهذه الأسباب فقط، بحسب القانون، بإمكان وزير الاقتصاد الالتفاف على صلاحيات المسؤول عن تقييد الاحتكارات.

وأفادت صحيفة "هآرتس" اليوم، الثلاثاء، بأن السفارة الأميركية في تل أبيب توجهت إلى أعضاء كنيست عرب من القائمة المشتركة، بواسطة اتصالات هاتفية أو رسائل خليوية، وعبرت عن "أملها" بأن يصادق الكنيست على الخطة الحكومية، من خلال تأييد تفعيل البند 52.

لكن نواب القائمة قرروا التصويت ضد الخطة الحكومية.
وتقضي الخطة الحكومية بـ"الصفح" عن شركتي "ديلك" و"نوبل إنرجي" لأنهما عملتا في حقول الغاز في البحر المتوسط خلافا لقانون تقييد الاحتكارات، وفي المقابل وضع قيود على عملهما في المستقبل، لكن هذه القيود تم تليينها.

وقال نتنياهو في بداية اجتماع حكومته الأسبوعي الأخير: "إنني مصر على الدفع باتجاه حل واقعي يجلب الغاز إلى الاقتصاد الإسرائيلي. ولن أستسلم لاقتراحات شعبوية تُبقي الغاز في باطن الأرض، إذ رأينا عددا كافيا من الدول التي استسلمت لضغوط كهذه، وبقي الغاز بعدها في الأرض، ويحظر السماح بحدوث أمر كهذا هنا".

ورغم تأجيل التصويت في الكنيست، الليلة الماضية، إلا أن صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ذكرت اليوم، الثلاثاء، أن الحكومة ستستمر في دفع كافة الخطوات الأخرى ووفقا للجدول الزمني الذي تم وضعه، وسيتم نشر تفاصيل الخطة أمام الجمهور، إذ أن قسما كبيرا من التفاهمات بين الحكومة وشركات الغاز ما زال سريا.

رغم ذلك، فإن المعالم الأساسية للخطة واضحة، ويتعين بموجبها على شركة "ديلك" أن تبيع، خلال ست سنوات، حصتها في حقل الغاز "تمار"، وهو أحد أكبر حقلين، كما يتعين على شركة "نوبل إنرجي" أن تقلل من سيطرتها في هذا الحقل من 35% إلى 25%. كذلك يتعين على الشركتين بيع حقلي الغاز الصغيرين نسبيا "كَريش" و"تنين" خلال 14 شهرا.

وتقضي الخطة الحكومية بأن تستمر الشركتان في العمل بشراكة كاملة في حقل الغاز الكبير "ليفياتان"، وأن يتم تطويره خلال أربع سنوات، بحيث يبدأ ضخ الغاز منه في العام 2019. وبعد ذلك بعشر سنوات سيكون بإمكان الحكومة أن تبحث مجددا فيما إذا كانت هناك حاجة لإجراء تغييرات في مبنى الملكية بشأن حقل الغاز هذا.

شيلدون إدلسون يحث نتنياهو على "تنجيع" سوق الغاز

يبدو أن ما يدفع نتنياهو إلى الإقدام والإصرار على دفع الخطة الحكومية واستمرار احتكار شركة "نوبل إنرجي" نابع من أسباب ليست سياسية إستراتيجية.

فقد أفادت صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية التابعة لمجموعة "يديعوت أحرونوت"، بأن وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، لديه أسهم في "نوبل إنرجي" بقيمة مليون دولار.

غير أن الأهم هو ما كشفت عنه صحيفة "هآرتس"، بأن الملياردير اليهودي الأميركي، شيلدون إدلسون، بعث برسالة إلى نتنياهو حول موضوع الغاز، في شهر تموز من العام الماضي وخلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
ويعتبر إدلسون أكبر متبرع لحملات نتنياهو الانتخابية، وهو الذي أسس صحيفة "يسرائيل هيوم" (إسرائيل اليوم)، التي توزع مجانا والأكثر انتشارا في إسرائيل، من أجل تسويق سياسة نتنياهو. كذلك فإن إدلسون، وهو أحد أكبر المتبرعين للحزب الجمهوري الأميركي، يدعم نتنياهو في الأزمة بينه وبين الرئيس الأميركي باراك أوباما.

ووفقا لـ"هآرتس"، فإن إدلسون طالب نتنياهو في رسالته بتنجيع تنظيم سوق الغاز، لكنه لم يذكر في هذا السياق سوى شركة "نوبل إنرجي"، وهي شركة عضو في ما وصفه إدلسون "مجموعة المبادرة التجارية الولايات المتحدة – إسرائيل" وأنها تعمل تحت الغرفة التجارية الأميركية.
وتحدث إدلسون عن المبادرة لتعزيز التعاون الاقتصادي بين الدولتين، واقترح تعديل اتفاقية التجارة الحرة بين إسرائيل والولايات المتحدة، وفتح مكتب تمثيل للغرفة التجارية في إسرائيل، وتشجيع زيارة وفود أميركية إلى إسرائيل وتعزيز التعاون في مجال الأبحاث والتطوير. لكن الصناعة الوحيدة التي ذكرها إدلسون بصورة عينية في رسالته هي سوق الغاز.

ورد مدير عام مكتب نتنياهو في حينه، هرئيل لوكير، في رسالة جوابية إلى إدلسون بالقول إنه "رجاء، كن واثقا ومتأكدا من أن رئيس الحكومة يثمن وهو شريك لرغبتك في مواصلة وتعزيز العلاقات الاقتصادية، المتينة أصلا، بين دولتينا".

وأضاف لوكير أنه "نتوقع أن نعمل سوية مع الغرفة (التجارية) من أجل دفع المبادرات المفصلة في رسالتك، وقد بدأنا استعدادات لحوار إستراتيجي – اقتصادي بين الحكومتين... ومن شأن هذا الحوار أن يدفع شراكات تجارية بين الدولتين، في القطاعين العام والخاص على حد سواء".

وفي أعقاب رسالة إدلسون، عُقد اجتماع بحضور ممثلين عن الوزارات الإسرائيلية، ووفقا لـ"هآرتس"، فإنه لم يكن هناك أي موضوع مطروح على جدول أعمال الاجتماع سوى رسالة إدلسون.

بعد الكشف عن رسالة إدلسون، طالبت المعارضة الإسرائيلية المستشار القانوني للحكومة، يهودا فاينشطاين، بإبعاد نتنياهو عن البحث في موضوع الغاز. لكن نائبة المستشار، المحامية دينا زيلبر، ردت باسم فاينشطاين على هذا الطلب بالقول إنه لا مانع في أن يعمل نتنياهو في سياسة فرع الغاز.

في هذه الأثناء، تظاهر آلاف الإسرائيليين في تل أبيب، مساء يوم السبت الماضي، احتجاجا على خطة الحكومة في موضوع الغاز والامتناع عن تقييد احتكار هذا السوق. وجرت المظاهرة تحت شعار "لا نوافق على اتفاقيات في الظلمات – سنوقف نهب الغاز". ورفع المتظاهرون لافتة كتب عليها أن "الغاز ملك للمواطنين، الوزراء هم كلاب صغيرة لدى تشوفا" وأخرى كتب عليها "هذه ليست منافسة، هذه خنازيرية".

واعتقلت الشرطة أربعة متظاهرين، بينما اتهم قادة الاحتجاج الشرطة بممارسة العنف تجاه المتظاهرين.

أسباب تسرع نتنياهو

أشارت "هآرتس"، اليوم، إلى أن نتنياهو ومستشاريه لم يتركوا أية خدعة قانونية أو مناورة سياسية إلا واستخدموها في محاولتهم التغلب على العقبات في الطريق إلى تمرير متسرع لهذه الخطوة الاقتصادية "الأكبر في تاريخ إسرائيل".

وعزت الصحيفة أداء نتنياهو إلى أنه أراد إجراء التصويت في الكنيست على تفعيل البند 52، كي لا يضطر، في حال تأجيل التصويت، إلى كشف خطة الحكومة قبل التصويت، لأنه سيخاطر بذلك بالتعرض لانتقادات شديدة من جانب الجمهور وسيتم تقديم التماسات إلى المحكمة العليا ضد الخطة.

وأضافت الصحيفة أن تأجيل التصويت على الخطة الحكومية في الكنيست سيكلف نتنياهو دفع ثمن لمعارضين للخطة، مثل طلب كحلون بأن يؤيد الخطة مقابل فرض رقابة على صناعة الغاز ووضع قيود على تصديره. كذلك فإن رئيس حزب "ييش عتيد"، يائير لبيد، أوضح أنه سيؤيد الخطة في حال فرض رقابة على أسعار الغاز، رغم أنه كان يرفض شرطا كهذا لدى توليه منصب وزير المالية في الحكومة السابقة.
والمشكلة التي يواجهها نتنياهو في حال استجاب لمطالب كحلون ولبيد، هي أنه سيكون مضطرا إلى فتح التفاهمات مع شركات الغاز مجددا والعودة إلى طاولة المفاوضات معها.

إلا أن نتنياهو تعهد أمام شركتي الغاز قبل أسبوعين، وفقا لتقارير إعلامية، بإنهاء بلورة عملية تنظيم قطاع الغاز، بموجب الخطة الحكومية، حتى نهاية شهر تموز المقبل.

واعتبرت الصحيفة أنه في أعقاب الفشل في إجراء التصويت في الكنيست، الليلة الماضية، فإن "نتنياهو سيُذكر ليس فقط كرئيس حكومة تخلى عن المصلحة العامة وساوم على خطة ضعيفة جرى تصحيحها رغما عنه، وإنما سيذكر أيضا كمن لم ينجح في تلبية مطالب الأميركيين وفي الوقت المحدّد".