تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

تتكرر كل عام لعبة شد الحبل بين وزارتي الدفاع والمالية الإسرائيليتين حول ميزانية الأمن. وتطالب وزارة الدفاع دائما بزيادة الميزانية للعام 2015، وسط حملة تهديد وتخويف من أن عدم زيادتها سيؤثر على جهوزية الجيش وسيؤدي إلى تقليص تدريباته والتراجع عن شراء أسلحة وتطويرها. وفي المقابل تؤكد وزارة المالية أن حجم ميزانية الأمن المقرر كاف لكي يستمر التفوق العسكري الإسرائيلي في المنطقة، وتطالب الجيش باتخاذ خطوات ناجعة وخفض الإنفاق.
وغالبا ما تنتهي لعبة شد الحبل هذه بتدخل رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، والتوصل إلى تسوية، يتم من خلالها زيادة الميزانية. وفي معظم الأعوام الماضية تمت زيادة ميزانية الأمن بعدة مليارات من الشواكل، إن لم يكن أكثر، بعد إقرار الميزانية العامة. وكانت حكومة نتنياهو السابقة قد أعلنت في نهاية ولايتها، في نهاية العام 2012، عن وجود عجز مالي بمبلغ 40 مليار شيكل تقريبا، وتبين أن معظم هذا المبلغ قد تم رصده لميزانية الأمن بادعاء الاستعداد لشن هجوم ضد إيران.


وترافق وسائل الإعلام الإسرائيلية السجال حول ميزانية الأمن. ويدعي قادة الجيش أن وزارة المالية وقسماً من المحللين ينزعون الشرعية عن ضباط الجيش في هذا السجال.

وكتب المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هارئيل، يوم الجمعة الماضي، أن السجال الأخير حول ميزانية الأمن "أسفر، لأول مرة، عن أجواء معادية للجيش في جزء من وسائل الإعلام. فقد تم وصف ضباط في الخدمة الدائمة بأنهم عاطلون عن العمل ويكسبون رزقهم على حساب المواطنين العاملين". ولفت المحلل إلى أن "الجيش الإسرائيلي اكتشف أن قواعد اللعبة قد تغيرت، وأن الشعب لم يعد يهلع من التهديدات بالمس بقدرات الجيش وأنه يستحيل التهرب من تقليص الميزانية".

التحذير من مغبة أزمة ائتلافية

ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، أول من أمس الأحد، أنه يتوقع أن يعقد نتنياهو في الأيام المقبلة اجتماعا مع وزير الدفاع، موشيه يعلون، ووزير المالية، يائير لبيد. لكن في هذه الأثناء استمر كلا الجانبين، الجيش والمالية، في الإصرار على مواقفهما.

ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، الأحد الفائت، عن مصادر مقربة من لبيد تحذيرها من أنه في حال وقوف نتنياهو إلى جانب جهاز الأمن في السجال الحالي، فإنه سيتسبب بأزمة سياسية في الائتلاف الحكومي. وأضافوا أنه فقط في الخريف الماضي حصل جهاز الأمن على زيادة في الميزانية حجمها 2.75 مليار شيكل، ووقع على اتفاق يقضي بأن لا يحصل على ميزانيات أخرى حتى نهاية العام الحالي. وأضافوا أنه "لا يعقل أن ضباط الجيش الإسرائيلي يهاجمون دون هوادة موظفي المالية. وقد تجاوز هذا الأمر كافة الحدود".

وقال موظف رفيع المستوى في وزارة المالية للصحيفة إن "وزارة المالية لا تعتزم تحويل أية أموال لجهاز الأمن" وإن الوزارة ستقترح على وزارة الدفاع إجراء تقليصات في سياق ميزانية الأمن للعام 2015.

وأضاف الموظف نفسه "نحن إلى جانب المقاتلين، ونؤيد التدريبات، ونؤيد أي شيء من شأنه تعزيز قوة الجيش، لكن ضد انعدام النجاعة وتبذير الأموال الكبير على أمور ليست مهمة". ودعا الموظف إلى إعادة النظر في "الشروط التفضيلية" التي يحصل عليها الضباط في الخدمة العسكرية الدائمة قياسا بباقي العاملين في القطاع العام.

وقال لبيد إنه "ليس لدينا أي شيء ضد المقاتلين الذين يدافعون عن حياتنا. وهم يستحقون ليس فقط ما يحصلون عليه وإنما أكثر من ذلك، سواء بالعتاد أو التدريبات. ولدينا نقاش مهني مع جهاز الأمن حول إمكانية التوفير في أماكن أخرى والالتزام بالميزانية المقررة".

وقال مسؤولون في وزارة المالية إن "المعادلة بسيطة - زيادة ميزانية الأمن تساوي تقليص ميزانيات الصحة والتربية والتعليم ومؤسسات التعليم العالي".

وجاءت أقوال لبيد وكبار موظفي وزارة المالية ردا على اتهامات وجهها ضباط في الجيش لهم. وقال ضابط في هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي إن "الحملة ضدنا تتغلغل، وهم يحرضون الجمهور الإسرائيلي ضد الضباط في الخدمة الدائمة ويجعلون الجمهور يكرههم" وأن "الصراع على الميزانية سينتهي بمبلغ كهذا أو ذاك... وهو لا يساوي الضرر الذي لحق بقادة فصائل وكتائب وألوية. فهؤلاء يشعرون بأنهم تلقوا ضربات. ولا يمكن تصحيح الضرر. وقد وصلنا إلى وضع يدفع فيه ضباط – محاربون ثمنا شخصيا غاليا ويخجلون من زيهم العسكري. وقبل بدء الأزمة الحالية واجهنا صعوبة في إبقاء أفضل الضباط في الجيش، والوضع الآن أصعب بأضعاف مضاعفة".

 

ضباط سلاح الجو يسافرون بطائرات خاصة

 على خلفية الصراع على ميزانية الأمن وبهدف ممارسة ضغوط على الحكومة من أجل زيادتها، أعلن رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، بيني غانتس، الأسبوع الماضي، أن قوات الاحتياط ستتوقف عن إجراء تدريبات عسكرية في النصف الثاني من العام الحالي.

وقال غانتس إن "سلم الأولويات الوطني يتغير، وتتغير معه، لأسفي، القرارات المتعلقة بالأمن". واعتبر أن جهاز الأمن يواجه "تحديا في الموارد يُعدّ غير مألوف وقد تكون له انعكاسات دراماتيكية على الجيش الإسرائيلي".

وقال غانتس إن القرار بإلغاء تدريبات قوات الاحتياط هو القرار المركزي من بين العديد من القرارات "المؤلمة" الأخرى التي اتخذها جهاز الأمن في الفترة الأخيرة. وفي موازاة ذلك ألمح ضباط تحدثوا إلى وسائل إعلام إلى أن مستوى جهوزية القوات الإسرائيلية، بعد وقف التدريبات، سيصبح شبيهاً بجهوزيتها عشية حرب لبنان الثانية، في تموز العام 2006، التي سجل الجيش الإسرائيلي فيها فشلا ذريعا.

وادعى غانتس "سأقول لكم بصراحة، أنا قلق من الجهوزية [في الجيش] في الحاضر والمستقبل. وسنفعل كل ما بوسعنا من أجل منع تقليص الميزانية والمس بالأمن. وسنطرح الأمور أمام الجهات ذات العلاقة من أجل تغيير الوضع الحالي، من موقع المسؤولية وترجيح الرأي".

من جهة ثانية، كشف موقع "واللا" الالكتروني، يوم الخميس الماضي، عن أنه في الوقت الذي أعلن فيه يعلون عن تقليص تدريبات الطيارين في الاحتياط في سلاح الجو الإسرائيلي، فإن ضباطا في هذا السلاح يستمتعون بالسفر من قاعدة عسكرية إلى أخرى بطائرات خاصة، رغم أن المسافة بين القاعدتين تكون قصيرة في غالب الأحيان. وأضاف الموقع الالكتروني أن ضباط سلاح الجو يسافرون بطائرات غير عسكرية في أحيان متقاربة "وليس لاحتياجات عسكرية فقط"، بينما الضباط من القوات الأخرى، غير سلاح الجو، يستخدمون طائرات كهذه فقط بعد الحصول على إذن خاص وفي أحيان متباعدة جدا.

ورغم أن ضباط سلاح الجو ادعوا أن سفرهم بطائرات خاصة بين القواعد العسكرية يتم لأسباب طارئة ونقل مواد سرية بصورة سريعة، إلا أن سفرهم بطائرات كهذه أثار موجة انتقادات واسعة ضدهم في صفوف الجيش الإسرائيلي، خاصة على خلفية قرار يعلون بإلغاء تدريبات طياري الاحتياط بدءا من الأول من حزيران المقبل. كذلك تم توجيه انتقادات شديدة بسبب سلوك قادة سلاح الجو، قبل سنوات، عندما وصلوا إلى مراسم في قاعدة "رامات دافيد" لسلاح الجو، في مرج بن عامر، بطائرات عسكرية من أجل تجاوز ازدحامات السير، ولم يسافروا بسياراتهم من أجل توفير نفقات.

من جانبه، اعتبر الصحافي تسفيكا غوتليف في مدونته، على موقع "هآرتس" الالكتروني، أن ميزانية الأمن الإسرائيلية هائلة، وتبلغ 62 مليار شيكل، وأن "جميع العناوين والاقتباسات من مصادر سرية والخطابات المهددة والتسريبات من لجان الكنيست المختلفة حول زيادة هذه الميزانية هي نكتة واحدة كبرى".

وأضاف أن "الجميع يعي أن ميزانية الأمن هائلة، وأن التهديدات الأمنية والوجودية على إسرائيل تكاد تكون غير موجودة، سواء من جانب إيران أو مصر أو لبنان [حزب الله] أو الفلسطينيين. ولا يزال الجميع يلعبون اللعبة نفسها" في جهاز الأمن الإسرائيلي.

وكتب غوتليف "دعوني أشي لكم بسر: إن جهاز الأمن والجيش الإسرائيلي لا يحاربان من أجل زيادة الميزانية. إنهما يحاربان من أجل عدم تقليص الميزانية".

 

الجيش يكذب على الجمهور

 في هذه الأثناء أبعد الرئيس الجديد للجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست زئيف إلكين، من حزب الليكود، عضو الكنيست عومر بار- ليف، من حزب العمل، عن اجتماعات أربع لجان متفرعة عن لجنة الخارجية والأمن، وهي: اللجنة الفرعية لشؤون الاستخبارات، اللجنة الفرعية لشؤون بناء القوة العسكرية، اللجنة الفرعية لشؤون الأمن واللجنة المشتركة لشؤون ميزانية جهاز الأمن. وقد تم إبعاد بار- ليف بعد أن سرب من اجتماع للجنة المشتركة لشؤون ميزانية جهاز الأمن للقناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، أقوال ضابط كبير في الجيش كشف خلال الاجتماع أن سلاح الجو لم يعتزم أبدا إجراء تدريبات خلال النصف الثاني من العام الحالي.

وتبين من تسريب هذه المعلومات أن أقوال ضابط كبير، أدلى بها في وقت سابق، بأنه تم إلغاء تدريبات سلاح الجو في النصف الثاني من العام الحالي بسبب تقليص ميزانية الأمن، لم تكن صحيحة وأن الجيش كذب على الجمهور.    

وقد كتب بار- ليف رسالة إلى يعلون بهذا الخصوص وبعث بنسخة منها إلى القناة الثانية. وادعت مصادر في لجنة الخارجية والأمن أن إبعاد بار- ليف عن اجتماعات اللجان الفرعية حتى انتهاء الدورة الصيفية للكنيست لم يأت بسبب الكشف عن هذه المعلومات وإنما لأنه كشف عن معلومات من اجتماع سري للجنة سرية.

ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصدر مطلع على هذه القضية قوله إن "وزير الدفاع والجيش الإسرائيلي يصفيان الحساب مع بار- ليف. فقد كشف كذبهما، وهما انتقما منه وقدما شكوى ضده بعد أن وجدا بندا فرعيا ينص على حظر تسريب معلومات من مداولات اللجنة حتى لو لم تكن هذه مداولات سرية. والمشكلة هنا هي أن بار- ليف اقتبس معلومات سرية في رسالة لم تصنف كسرية وبعث بها إلى وزير الدفاع". وقالت مصادر في لجنة الخارجية والأمن إن إبعاد بار- ليف عن مداولات اللجان هو خطوة غير مألوفة ولم يتم اتخاذها ضد عضو في اللجنة أبدا.

من جانبها كتبت رئيسة حزب ميرتس، عضو الكنيست زهافا غالئون، في صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" أن "تحقيق الشاباك [جهاز الأمن العام] كان قد أظهر أن إلكين نفسه نقل معلومات سرية اطلع عليها، قبل سنتين، حول تحركات الجيش الإسرائيلي ونشاط عسكري في الضفة الغربية ضد جرائم ’جباية الثمن’، وأنه جمع معلومات حول القوات الإسرائيلية من أجل إحباط إخلاء بؤر استيطانية عشوائية غير قانونية. ولم يتم اتخاذ أي خطوات ضد إلكين".

وأضافت غالئون "ها هو ملخص المنطق الأمني لهذه الحكومة: القول للشعب إن قادة الجيش يعترفون بأن لديهم ما يكفي من المال وربما لا توجد حاجة لإضافة مليارات إلى الميزانية في كل عام، هي مخالفة أمنية خطيرة وتتطلب فرض عقوبات. لكن نقل معلومات سرية إلى مجموعة جانحين من اليمين المتطرف تسعى إلى المس بالجنود هي مخالفة صغيرة جدا. ولجنة خارجية وأمن هذا هو رئيسها هي لجنة تعنى بكل شيء إلا بالأمن".

ورأى الباحث في الجيش الإسرائيلي، البروفسور ياغيل ليفي، في هذا السياق، في مقال نشرته "هآرتس" يوم الخميس الماضي، أن "الحديث يدور حول قواعد نادٍ أكثر مما هي قواعد غايتها حماية أسرار الدولة. والمعلومات التي نقلها بار- ليف لم تكن سرية، إذ أنه لو كانت كذلك لمنعت الرقابة العسكرية نشرها. وربما كانت [الرقابة] ستمنع نشر تقارير أدلى بها رئيس هيئة أركان الجيش من على منابر عديدة حول المس الذي تلحقه الميزانية بتدريبات الجيش – وهو التضليل الذي كشف عنه عضو الكنيست. إن كل ما فعله بار- ليف هو الكشف عن أداء ليس صادقا من جانب ضابط كبير أمام الكنيست". 

 
 

هذا التقرير ممول من قبل الاتحاد الأوروبي

مضمون هذا التقرير هو مسؤولية مركز "مدار"، و لا يعبر بالضرورة عن آراء الاتحاد الاوروبي"