المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • كلمة في البداية
  • 449
  • أنطوان شلحت

بحسب معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية كان معروفاً سلفاً أن سفرة رئيسي جهازي الموساد والأمن العام ("الشاباك") ديفيد برنياع ورونين بار إلى القاهرة في نهاية الأسبوع الفائت، لغاية استئناف محادثات صفقة التبادل بين إسرائيل وحركة حماس، عقيمة ولن تحمل أي بشائر جديدة.

وفي نهاية الأسبوع نشرت وسائل إعلام إسرائيلية عن اندلاع صدام حادّ بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ورؤساء المؤسسة الأمنيّة على خلفية رفض توصيتهم بالمضي قدماً نحو المفاوضات. ومع ذلك فإن رؤساء المؤسسة الأمنيّة لا يخرجون علناً ضد نتنياهو، باستثناء تلميحات بسيطة بهذا الخصوص يدلي بها وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الذي يبدو أن مواقفه منسجمة مع ما تتبنّاه المؤسسة الأمنيّة.

ومثلما كتب كبير المحللين السياسيين في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ناحوم برنياع، فإن الوسطاء الأميركيين والمصريين والقطريين، وكذلك رؤساء المؤسسة الأمنيّة في إسرائيل، مقتنعون بأن اتفاق صفقة التبادل الذي من شأنه أن يغيّر وجه الحرب مطروح على الأجندة، ومن يكبحه هو نتنياهو، الذي قرر إحباط أي تقدّم ويبدو أنه يفعل ذلك لوحده. كما أنه لم يعد يكافح في سبيل آرائه، بل بات متمسّكاً بها. كذلك فإن الحوار بين المستويين السياسي والعسكري، الذي كان يسبق كل قرار لرؤساء الحكومة الإسرائيلية في الماضي، بمن في ذلك نتنياهو، توقف ولم يعد قائماً. وقد شهد مصدر إسرائيلي مطلع على عملية اتخاذ القرارات أن نتنياهو تغيّر، حيث كفّ عن الإنصات، وأمسى مقتنعاً بالطريق الذي اختار السير فيه، وهو مصرّ على جرّ إسرائيل معه (4/8/2024).

أمّا المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل فيرى أن سفر برنياع وبار إلى القاهرة لإجراء المحادثات مع رؤساء المخابرات المصرية يبدو كما لو أنه خطوة شكليّة لتبرئة الذمة من طرف نتنياهو، ولا سيما على خلفية الاستعداد لهجوم إيران المُضاد، مع معرفة مسبقة بأنهما سيعودان صفر اليدين.

ويشير هرئيل إلى أن نتنياهو غارق في حالة نشوة غير مسبوقة، تشي بأنه على قناعة أن الأحداث الأخيرة، بدءاً من تصفيق الكونغرس الأميركي له في واشنطن وحتى عمليتي اغتيال القائد العسكري في حزب الله فؤاد شكر في بيروت، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنيّة في طهران، تثبت أنه محق طوال الطريق. ووفقاً لذلك تزداد خطواته السياسية تطرفاً. وفي هذه الأثناء تستمر الحملة التي يؤجّجها نتنياهو ضد رؤساء المؤسسة الأمنيّة بكامل القوة، ولكنها تُوجّه إلى أهداف أخرى أيضاً، والهدف الرئيس من وراء ذلك هو ضعضعة شرعية حركات الاحتجاج على عدم التوصل إلى صفقة تبادل وعلى رأسها حركة "أخوة في السلاح" (4/8/2024).

وبدلاً من أخذ ما تجاهر به المؤسسة الأمنيّة من مواقف يلجأ نتنياهو، في قراءة هرئيل، إلى مسار استبدال قادة هذه المؤسسة الأمنيّة حيث ازدادت التوقعات بشأن نيته عزل وزير الدفاع غالانت من منصبه واستبداله بجدعون ساعر. ويلمّح مقربون من رئيس الحكومة بأنه لن يكتفي بهذا العزل، إذ إنه يحلم كذلك بقطع ممنهج لرؤوس أخرى في قيادة المؤسسة الأمنيّة بما يشمل أيضاً عزل رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الجنرال هرتسي هليفي، ورئيس جهاز "الشاباك" رونين بار. وعندها سيلقي عليهم مسؤولية الإخفاقات في يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، التي يرفض تحمل أي ذرة مسؤولية عنها.

ويؤكد المحلل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت" رون بن يشاي أنه في كل ما يرتبط بموضوع إطلاق المخطوفين الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة، يسود جمود مستمر منذ نحو أسبوعين (3/8/2024). والسبب الرئيس لذلك، برأي مصادر في المنظومة الأمنية الإسرائيلية، يرجع إلى مطلب نتنياهو الواضح الحؤول دون عودة مقاتلي حماس والجهاد الإسلامي إلى شمال قطاع غزة من خلال مرابطة الجيش الإسرائيل في ممر نتساريم، وتمركُز الجيش الإسرائيلي في ممر فيلادلفيا بذريعة منع حماس من استعادة قوتها والتواصل مع العالم الخارجي.

ومع أن الدافع الأساس الذي يلوّح به نتنياهو مدعيّاً أنه يقف خلف مطلبه، يبدو كما لو أنه دافع استراتيجي عسكري يهدف إلى منع حماس من استعادة بنيتها وقوتها في قطاع غزة، فإن هناك- في قراءة بن يشاي- دافعاً آخر أكثر أهمية، وهو سياسي داخلي، يتمثل في خوف نتنياهو من انهيار الائتلاف والحكومة إذا ما وافق على اقتراح المؤسسة الأمنيّة ورئيس الولايات المتحدة بإخلاء ممر نتساريم الذي يفصل شمال قطاع غزة عن وسطه وجنوبه، وممر فيلادلفيا الذي يفصل مصر عن القطاع.

وبكلمات أخرى يخشى نتنياهو أن ينسحب وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وعدد من أعضاء اليمين المتطرف، من الحكومة إذا تمت الموافقة على صفقة التبادل التي تتخلى عن هذين الموقعين الاستراتيجيين في القطاع، وهو ما يتيح إنهاء الحرب.

عند هذا الحدّ يتعيّن أن نشير إلى ما يلي:

أولاً، في ما يتعلّق بما يصفه نتنياهو والناطقون باسمه بأنه اعتبار استراتيجي عسكري يقف وراء عرقلة صفقة التبادل بموجب المقترح المطروح، يشير معظم المحللين العسكريين الإسرائيليين إلى أن كبار مسؤولي المؤسسة الأمنيّة، وعلى رأسهم وزير الدفاع غالانت، ورئيس الموساد برنياع، ورئيس الشاباك بار، ورئيس هيئة الأسرى والرهائن في قيادة الجيش الإسرائيلي اللواء احتياط نيتسان ألون، مقتنعون بأنه يمكن التخلي عن السيطرة الإسرائيلية على ممر نتساريم وممر فيلادلفيا، على الأقل مؤقتاً لإتاحة صفقة التبادل، وأن الجيش الإسرائيلي لن يواجه صعوبة في العودة والسيطرة عليهما إذا ما انتهكت حركة حماس الاتفاق أو إذا ما دعت الحاجة إلى ذلك. ويشدّد هؤلاء، بصوت واحد، على أن الاستجابة لمطالب حماس بشأن ممر نتساريم وممر فيلادلفيا ستتيح تنفيذ صفقة تبادل يعود بموجبها على الأقل الأطفال، والنساء، والجرحى، وكبار السن، وأن هناك فرصة كبيرة لصفقة شاملة يعود بموجبها جميع المخطوفين، الأحياء والأموات.

ثانياً، كشف رون بن يشاي النقاب عن أن ما يؤكده رؤساء المؤسسة الأمنية، وخصوصاً رئيس الموساد برنياع، بشأن احتمالات الصفقة يستند إلى سبب مُحدّد هو أن اغتيال إسماعيل هنية تسبّب بإزاحة "إحدى الشخصيات الأكثر سلبية في المفاوضات بشأن المخطوفين". وعلى حد تعبير بن يشاي (نقلاً عن برنياع كما يبدو) فإن "هنيّة خلافاً لصورته المبتسمة والمعتدلة المرتسمة في أنظار العالم والأميركيين، حاول باستمرار وضع عقبات، وإضافة مطالب إضافية أمام الوسطاء في الصفقة، وكان في بعض الأحيان أكثر صرامة وتطلباً حتى من يحيى السنوار، زعيم حماس في غزة. وبالتأكيد يمكن أن تسهل إزاحته من الطريق المفاوضات، وفقاً لتقديرات كبار مسؤولي الاستخبارات والأمن في إسرائيل". ويضيف بن يشاي: ربما تعلم ذلك الوسيطتان مصر وقطر، وربما إلى جانبهما المبعوث الأميركي ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) ويليام بيرنز، ولكن قادة المؤسسة الأمنية الإسرائيلية يعرفون ذلك بصورة قطعية، وهم محترفون من الطراز الأول، ويفهمون الأمور بصورة لا تقل عن نتنياهو، بل وربما أكثر منه حتى.

ثالثاً، في كل الأحوال، ما يبدو حتى الآن هو أن نتنياهو لا ينوي التراجع عن موقفه. وتؤكد التقارير في أغلب وسائل الإعلام الإسرائيلية أن سلوك نتنياهو يسبّب إحباطاً للرئيس الأميركي جو بايدن ونائبته كامالا هاريس، وكذلك للأوروبيين، والدول العربية الداعمة للولايات المتحدة. ولا بُد من أن نذكر أنه بالنسبة إلى جميع هؤلاء فإن الهدف الأهم من الصفقة مع حماس لا يتمثل في إطلاق المخطوفين كما ترغب إسرائيل فقط، إنما أيضاً إنهاء حرب التدمير في قطاع غزة، وربما أيضاً إنهاء القتال مع حزب الله والتوصل إلى تسوية سياسية تمنع حرباً شاملة في الشمال.

رابعاً، مثلما ذكرنا هناك جمود حالي في كل ما هو مرتبط بصفقة التبادل بين إسرائيل وحماس، ولكن بالرغم من ذلك لا يؤثر هذا الأمر في استعداد الولايات المتحدة للانضمام إلى مساعدة إسرائيل في صدّ الهجوم المتوقع من جانب من يوصف بأنه محور المقاومة الشيعي، ردّاً على عمليتي الاغتيال في بيروت وطهران.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات