المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1019

شهدت حملة الاحتجاج التي ينظمها المواطنون العرب في مدينة يافا ضد مخطط تهويد أحد الأحياء العربية العريقة في المدينة تصعيدا آخر، إذ نظم الأهالي وقفة احتجاجية حاشدة أخرى في نهاية الأسبوع الأخير شارك فيها عشرات المواطنين إلى جانب عدد من أعضاء الكنيست العرب من "القائمة المشتركة" ومن حركة "ميرتس"، إضافة إلى أعضاء بلدية تل أبيب ـ يافا من قائمتي "ميرتس" و"مدينتنا جميعاً".

وأكد المشاركون في الوقفة الاحتجاجية التي نُظمت في شارع "تسيونا تَجار" في حي تلة العرقتنجي تصميمهم على مواصلة النضال، الجماهيري والسياسي والقضائي، ضد السلطات الحكومية المسؤولة وضد بلدية تل أبيب ـ يافا على خلفية استيلاء جمعية توراتية يهودية متطرفة على أحد المباني السكنية في الحي وتوطينه بعدد من المستوطنين اليهود المتدينين في قلب الحي العربي العريق، معتبرين ذلك مشروعا تهويديا يجتاح الحي ويعكر صفو الحياة الطبيعية التي عاشها السكان، العرب واليهود، منذ عشرات السنين بأمان وسلام. وأكد المحتجّون أن الخطوات الاحتجاجية سوف تتواصل وتتصاعد طالما لم تخرج هذه "الجمعية" الدينية المتطرفة من الحي وطالما لم يخرج المستوطنون، الذين حوّلوا البناية إلى وكر لأنصار الصهيونية المتطرفة.

وكانت لجنة حي تلة العرقتنجي قد نظمت، حتى الآن، سلسلة من الخطوات الاحتجاجية النضالية بمشاركة القوى السياسية والوطنية في مدينة يافا، شملت إقامة خيمة اعتصام في الحي ووقفات احتجاجية أسبوعية يجري من خلالها شرح مخاطر مشروع هذه "الجمعية" التوراتية والمطالبة بإخراجها، ومستوطنيها، من الحي، بعد أن قامت بالاستيلاء على منزل كبير في الحي وأسكنت فيه ما يزيد عن 100 مستوطن يجولون ويصولون وهم مسلحون في قلب الأحياء العربية، وهو ما يثير القلق لدى سكان الحي، العرب واليهود، إضافة إلى مخاوف المواطنين العرب الشديدة من هذا المشروع التهويدي الذي لا يقتصر على حي تلة العرقتنجي، بل يستهدف الأحياء العربية العريقة الأخرى في مدينة يافا، كما يُستدل من تصريحات ومنشورات هذه "الجمعية" الاستيطانية.

وتشير المعلومات إلى أن المبنى في شارع "تسيونا تَجار" (رقم 15) هو بيت عربي كبير شُيّد في العام 1935 يعود، أصلاً، إلى عائلة الجلاد العربية اليافية التي هُجّرت إبان نكبة الشعب الفلسطيني في العام 1948 فانتقلت ملكية البيت إلى أيدي الدولة، إلى شركة "عميدار" تحديدا. وفي العام 2013، بيعَ المبنى بما يزيد عن 10 ملايين شيكل لسيدة يهودية من مواطني الأرجنتين، لا تقيم في إسرائيل بتاتا، قامت بدورها بـ"إهداء" المبنى إلى هذه "الجمعية" الدينية الاستيطانية التي قامت بترميمه وإجراء إصلاحات عديدة فيه وهيأته للسكن، ثم أحضرت عشرات المستوطنين وأسكنتهم فيه فحوّلته إلى بؤرة استيطانية في قلب مدينة يافا العربية.

ذراع طويلة لـ"جمعيات" استيطانية في القدس المحتلة

وقد نشر موقع "المكان الأكثر سخونة في جهنم" العبري ("همكوم هخي حام بجهينوم"، بالعبرية) وصحيفة "هآرتس"، يوم الجمعة الأخير (30/9)، تقريرين منفصلين موسعين حول هذا الموضوع سلّطا أضواء كاشفة هامّة على تفاصيل جوهرية تتعلق بارتباطات هذه "الجمعية" الاستيطانية، مصادر تمويلها وأهدافها ونشاطاتها، في مدينة يافا، كاستمرار مباشر لنشاطاتها وأهدافها في الضفة الغربية المحتلة عموما، وفي مدينة القدس العربية المحتلة خصوصا.

ففي تقرير لمراسله يوئيل هرتسبيرغ، تحت عنوان "جمعية تهويد يافا"، حاول موقع "المكان الأكثر سخونة في جهنم" الإجابة عن سؤال مركزي هو: "كيف جاء إلى السكن في قلب مدينة يافا العربية ـ اليهودية أكثر من 100 شخص من تلامذة المدرسة الدينية (ييشيفاه) المسماة "ترنيمة موسى" ("شيرات موشي")، التي تحصل على ملايين الشواكل من جمعيات مختلفة تنشط في مجال تهويد مدينة القدس الشرقية (العربية)؟"!

وفي معرض الإجابة عن هذا السؤال، يتبين أن هذه "الييشيفاه" المسماة "ترنيمة موسى" أقامها حاخام يدعى إلياهو مالي في العام 2008 في شارع "تولوز" في حي العجمي العربي في مدينة يافا وتضم نحو 100 شاب يهودي متدين، بعضهم جنود نظاميون في الجيش الإسرائيلي. ويتضح من وثائق حصل عليها المراسل المذكور أن هذه "الييشيفاه" تابعة لجمعية مُسجلة تُدعى "يافا أجراس بنت صهيون".

ويكشف التقرير أن هذه الجمعية حصلت على مخصصات مالية حكومية بلغت نحو 5ر1 مليون شيكل، من بينها 800 ألف شيكل من "دائرة الاستيطان" في وزارة الزراعة (التي يتولاها الوزير أوري أريئيل من حزب "البيت اليهودي") ونحو 550 ألف شيكل من وزارة التربية والتعليم (التي يتولاها نفتالي بينيت، رئيس حزب "البيت اليهودي")، كما حصلت على مخصصات مالية من بلدية تل أبيب ـ يافا بنحو 44 ألف شيكل، إضافة إلى تبرعات مختلفة بلغت 3ر2 مليون شيكل، منها 6ر1 مليون شيكل "من متبرعين مجهولي الهوية"! ووصل إجمالي ميزانية هذه "الجمعية" في العام المنصرم إلى نحو 4ر5 مليون شيكل!

ويقف على رأس هذه "الييشيفاه"، كما ورد، الحاخام إلياهو مالي الذي درّس لسنوات طويلة في "يشيفات عطيرت كوهنيم" المتطرفة المعروفة في مدينة القدس، والتي أقيمت في العام 1983 كجزء من نشاط "جمعية عطيرت كوهنيم" التي وضعت لنفسها هدفا مركزيا هو: توطين اليهود في "الحي الإسلامي" في مدينة القدس العربية. وفي إطار هذا الهدف، أقيمت بمبادرة من هذه "الجمعية" أحياء يهودية استيطانية في جبل الزيتون، أبو ديس، الشيخ جراح وغيرها.

والحاخام إلياهو مالي هذا هو شقيق الحاخام يهودا مالي، أحد رؤساء وقادة "جمعية إلعاد" ("إلعاد" بالعبرية هي اختصار لـ: "إلى مدينة داود") الصهيونية الدينية الاستيطانية، التي وضعت لنفسها هدفا مركزيا هو: توطين اليهود مكان المواطنين الفلسطينيين في أحياء القدس العربية المحتلة. وفي إطار مسعاها هذا، نجحت هذه "الجمعية" في الاستيلاء على بنايات وبيوت فلسطينية عديدة في قرى وأحياء سلوان، راس العامود، الطور والثوري (أبو طور)، كما أقامت "جمعية" أخرى تدعى "كيرن شليم يروشلايم" (وهي جمعية فرعية تابعة لجمعية "إلعاد") نحو 80 شقة سكنية في حي راس العامود في القدس العربية المحتلة.

وأفاد التقرير بأن ميزانية جمعية "إلعاد" تبلغ نحو 56 مليون شيكل في السنة، أكثر من 60% منها هو من "تبرعات أجسام أو شركات مختلفة مسجلة في دول تُعتبر "ملاجئ ضريبية"، مثل جزر الباهاما وغيرها، مما يتيح إبقاء أسماء وتفاصيل أصحابها طي السرية والكتمان" وهو (الاعتماد على مصادر تمويلية مسجلة في "ملاجئ ضريبية") "نهج معتمد ومعروف بين تنظيمات إسرائيلية تنشط، أساسا، في شراء واستملاك ممتلكات فلسطينية"، كما يؤكد التقرير.

ويوضح معدّ التقرير أن "العلاقة العائلية (بين الحاخامين الشقيقين المذكورين) لم تكن ليثير أي اهتمام، لولا ما تكشفه القراءة المتمعنة في تقرير الييشيفاه في يافا للعام 2014 عن شبكة العلاقات المركبة والمتشعبة بين أعضاء هذه الجمعية في يافا وجمعيات أخرى، بعضهم أعضاء فيها أيضا، تسير في ثلاثة مسارات أساسية تمتاز، جميعها، بمميزات يمينية قومية متطرفة وتنتهج طرق عمل متشابهة".

أما المسارات الثلاثة المقصودة فتشمل:

1. مجموعة من "الجمعيات" الاستيطانية القائمة والناشطة في "بيت إيل" (المستوطنة الإسرائيلية شمال شرقي البيرة، المقامة على أراضي البيرة ورام الله)، حيث كان الحاخام إلياهو مالي يقيم سابقا (يقيم اليوم في يافا)؛

2. مجموعة من "الجمعيات" الاستيطانية المرتبطة بـ"القناة 7" الاستيطانية وشركتين تعملان في مجال الإعلام والاتصالات بين المستوطنين؛

3. "جمعيات" استيطانية تنشط في مجال "التثقيف ونشر القيم اليهودية والصهيونية" وتسعى إلى "تطوير مؤسسات توراتية قومية، قائمة وجديدة"، أحد أبرز قادتها هو عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش (من حزب "البيت اليهودي").

تهويد يافا شرط لاحتلال الحرم القدسي وبناء الهيكل!!

بناء على هذا، يتضح جلياً أن "ييشفات ترنيمة موسى" في يافا هي جزء عضوي لا يتجزأ من منظومة "جمعيات" استيطانية يتركز نشاطها في الاستيلاء على ممتلكات فلسطينية، في الضفة الغربية وفي داخل إسرائيل، وتوطينها بالمستوطنين اليهود، إلى جانب نشر وتكريس الثقافة الدينية اليمينية الاستيطانية "وهي سياسة مُعلَنة لنشاط هذه الجمعيات في مدينة يافا، بغية استبدال السكان وتوطين اليهود في مناطق وأحياء عربية"، كما يؤكد تقرير موقع "المكان الأكثر سخونة في جهنم"!

ويشير التقرير إلى أن هذه الجمعيات لا تحاول إخفاء مرجعياتها وأهدافها، بل تجاهر بها في كل وسيلة متاحة. وهو ما يؤكده كلام الحاخام إلياهو مالي خلال الدروس الدينية التي يتلوها على تلاميذه من المستوطنين الشباب، إذ يقول في أحد دروسه المسجلة بالصوت والصورة: "لا مشكلة لديك في احتلال جبل الهيكل (الحرم القدسي الشريف)، طرد الأوقاف الإسلامية، نسف مسجد عمر والشروع في بناء الهيكل. أليس صحيحاً؟... لكن، ثمة مَن يسكن في شمال تل أبيب سيأتي ليقول لك: هل جُننت؟... سيقول إنك تخاطر بالمشروع الصهيوني برمّته بسلوكك هذا. إنه يعتقد بأنك الأكثر خطراً... هل ترون كيف ينظرون إليكم؟؟ لكن عليكم أن تعلموا أن بناء الوعي القومي هو عملية تدريجية وبطيئة حتى ينضج وضع يكون فيه الشعب كله وراءكم. وهذا لن يتحقق بدون الوصول إلى تل أبيب ويافا. لا مناص من هذا"!

ويؤكد مراسل صحيفة "هآرتس" أور كشتي، في التقرير الذي أعده ونشرته الصحيفة (الجمعة 30/9) تحت عنوان "لوقف الاختلاط: اتساع الجهود لتهويد يافا"، أن "ترنيمة موسى" في يافا هي جزء من "منظومة مركّبة من المبادرات والمشاريع التي تجري تحت رعاية الدولة (الحكومة ووزاراتها وأذرعها المختلفة وبلدية تل أبيب ـ يافا) وبتمويل مباشر منها تسعى إلى تحقيق هدف مركزي هو: تعزيز "الهوية اليهودية" في يافا!

وينقل التقرير عن مالي قوله، في حديث مسجل، إن "فكرة الانتقال إلى يافا جاءت من يسرائيل زعيرا" (مدير شركة للبناء ومقرب من حزب "تكوماه"، الذي يشكل أحد مركّبات "البيت اليهودي" وقائمته في الكنيست)، وذلك لأن "المدينة خالية من المضمون اليهودي"! وأضاف: "هنالك مشكلة روحانية متفاقمة ومهمتنا نحن هي إعادة إحياء التوراة والصلوات... إنه جزء من نشاط شامل يبتغي إعادة الروح اليهودية لمدن المركز، في وسط إسرائيل".

ويكشف التقرير أن "احد البنود المركزية في الروح اليهودية التي يتحدث عنها الحاخام مالي يتعلق بمسألة العلاقات مع السكان العرب. فبعد المعارضة المبدئية للتعليم المشترك، بين طلاب يهود وعرب، يقول إن أحد الأهداف الحقيقية لمدرسة البنات (التي أقامتها "الجمعية" في يافا) هو أن تصبح مركز جذب لبنات يافا اليهوديات من المدارس المختلطة"! ويوضح: "هنالك حالات نرى فيها بنات يهوديات يتجولن هنا برفقة أغيار، خلافا لرغبة أهاليهن، لأن الروح اليهودية ليست متينة في يافا... ويجب أن نتذكر أن مكانة العرب، أصلا، هي مكانة أغيار ـ قاطنين"!

وينقل التقرير عن حاخام آخر في هذه "الجمعية" يدعى يوفال ألبرت (كان رئيس قائمة حزب "البيت اليهودي" لعضوية بلدية بات يام)، قوله: "إننا نرى زيجات مختلطة في كل بناية، تقريبا، في مدينة يافا. نحو 20% من طلاب الصفوف المدرسية في يافا مولودون من زيجات مختلطة، من شابات يهوديات مع شبان عرب. لا شك في أن الاختلاط في المدارس يؤدي إلى هذه الزيجات. تنشأ صداقات وفي النهاية، هنالك فتيات يهوديات يتزوجن من عرب. ولهذا، واجب علينا تعزيز الهوية اليهودية".

"شارع الشهداء في الخليل"!

يرى سكان حي تلة العرقتنجي خاصة، وأهالي يافا عامة، أن الحديث هنا يجري عن "بؤرة استيطانية خطيرة ترمي إلى نسف أسس الحياة المشتركة وتمزيق النسيج الاجتماعي الذي يميز السكان العرب واليهود معا".

وقالت البروفسور رينا طلغام، التي تسكن في الحي، إن "هذا الشارع سيصبح مثل شارع الشهداء في الخليل. يبدأ الأمر بالاستيلاء على بناية واحدة، ثم إدخال الأثاث والمفروشات في ساعات الليل وكأنها عملية عسكرية، وها هم الآن يتجولون جماعات في شوارع الحي والأحياء الأخرى وهم يحملون أسلحتهم ولن يطول الوقت حتى يغلقوا لنا الشارع ويصبح المرور فيه مسموحا لهم هم فقط"!

وتقول صابرين سواعد، من سكان الحي: "نسكن هنا معا، العرب واليهود، منذ عشرات السنين. الآن جاء هؤلاء لكي يهدموا كل شيء. إنهم يتحرشون بنا ويقولون لنا: نحن يهود وأنتم عرب، لا يمكن أن نكون جيراناَ لكم، ليس هنالك شيء اسمه شعب فلسطيني"!

ويقول مواطن آخر، يدعى سامي: "وُلدت هنا قبل 60 عاما. لا أعرف ماذا سيحصل لاحقا، لأنهم يستثمرون أموالا طائلة هنا. يشترون كل شيء والناس بحاجة إلى المال. ربما يشترون بيتي أنا أيضا في نهاية المطاف. يتجولون هنا وهم يحملون السلاح وكأن المكان كله مُلك لهم. لن يتوقفوا، كما يبدو، حتى يطردوا جميع العرب من هنا، كما يحدث في حي العجمي وفي يافا كلها منذ سنوات عديدة"!

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات