تضم هذه الورقة، التي تحمل عنوان "في أسفل المنزلق"، ترجمة عربية لمقالتين بقلم الخبير القضائي الإسرائيلي موشيه نغبي يعرض فيهما ما يعتبر أنه "فشل ذريع لمنظومة أجهزة سيادة القانون (الإسرائيلية) في حماية الديمقراطية من الذين يحاولون تدميرها وتقويضها من الداخل" لغاياتهم المخصوصة، التي ليس أبسطها التغطية على الفساد المستشري في القمة.
والمقالتان مأخوذتان من كتاب لنغبي صدر أخيرًا (خريف 2004) عن منشورات "كيتر" في تل أبيب، يشتمل على العرض ذاته بصورة أكثر سعة وشمولية. جاء الكتاب تحت عنوان "أصبحنا مثل سدوم: في المنزلق من دولة قانون إلى جمهورية موز". والنتيجة التي يخلص إليها نغبي مؤداها أنه "لا نهضة ترجّى لدولة تخاف سلطاتها من أعداء القانون والديمقراطية، بدل أن يكون سلوكها نقيض ذلك جملة وتفصيلا".
وقد كتب في تظهير هذا الكتاب، الذي يمكن اعتباره غير مسبوق في "المكتبة الإسرائيلية"، ما يلي:
"عصابات الإجرام المنظّم تزرع العنف في شوارع إسرائيل. وأذرعها تتغلغل في سلطات النظام الحاكم وتهدّد بالمسّ بالديمقراطية من الداخل. قتلة، مغتصبون، أزواج عنيفون وتجار نساء يتجولون بيننا طلقاء بسبب حدب المحاكم. أماكن لوائح المرشحين للكنيست تباع في وضح النهار عدًّا ونقدًا أو بما يوازي النقود، والساسة الذين يشترونها هم الذين يشرّعون قوانيننا... مواطنون عاديون يسامون مرّ العذاب في غياهب السجون والمعتقلات دونما ذنب اقترفوه، بينما يواصل مسؤولون كبار، استغلوا مناصبهم لتحسين وضعيتهم ووضعية المقربين منهم، جريهم نحو القمة دون حسيب أو رقيب. القضاء العسكري يمنح حصانة للقادة الذين أهدروا بإهمالهم الإجرامي حياة جنودهم أو استغلوا جنسياً جندياتهم، وأيضاً للذين ينكلون بالفلسطينيين. الإعلام الباحث عن الحقيقة، اللسّاع، يفقد نيوبه ويأخذ مكانه إعلام امتثالي وفاسق. وأفظع من كل هذا أن سلطات القانون مشلولة تمامًا حيال التحريض والعنف الديني- القومي، اللذين سبق لهما أن أديا هنا إلى اغتيال رئيس للوزراء" (يتسحاق رابين في 1995).
وفي التقديم الذي كتبه محرر السلسلة، أنطوان شلحت، أشير إلى أن نغبي يصبّ جام نقده، فيما يتعلق بتدهور أوضاع سيادة القانون في إسرائيل إزاء قضايا الفساد بالتحديد، على عنوانين رئيسين: الأول- سلطات تطبيق القانون، وبالأساس مؤسسة المستشار القضائي للحكومة، والثاني- الصحافة الإسرائيلية. غير أنه لا يوفر النقد حيال السلطة التشريعية (الكنيست) التي لا تبذل في رأيه الجهد الكافي للحدّ من استشراء الفساد المستغول، غير آبهة بما قد يترتب على ذلك من أخطار تحدق بالديمقراطية.
وأضاف: اخترنا هاتين المقالتين، وهما الفصل الأول والفصل الرابع من كتاب نغبي المذكور، نظرًا لما تنطويان عليه من معطيات وتحليلات، صافية وصريحة، في تجسيد النقد السالف، من جهة وفي تشخيص الوضعيات التي تستدعي هذا النقد، من جهة أخرى، مكملة وموازية.