منهجية تربية وتعليم وضعتها المؤسسة الصهيونية بهدفين: إقامة وبلورة مجتمع يهودي حديث وإنسان يهودي حديث ومعاصر. بدأت تظهر علامات ودلالات على هذا التوجه في أواخر القرن التاسع عشر في اوروبا الشرقية وفي فلسطين. وأخذ هذا التوجه بالانتشار حيث
توجد جاليات يهودية وتتوفر فيها ظروف لنشاطات صهيونية. وجرى التركيز بالإجماع من قبل كافة التيارات الصهيونية على ضرورة تعميق استعمال اللغة العبرية وتعريف الجمهور اليهودي بتاريخه عبر العصور، مع التركيز على الشتات اليهودي. ولما بدا هذا التوجه بالتبلور لم يكن بعد قد وضعت رؤى تربوية وثقافية صهيونية تبين شكل وصورة المجتمع اليهودي. هذه الحالة ساهمت في تعددية في المناهج التعليمية والتطبيقية في أوساط الجاليات اليهودية في مختلف أنحاء العالم، إنما ظهرت الحاجة إلى وضع معايير ومقاييس متفق عليها تشكل جسورا تقرّب بين الجاليات بالرغم من الاختلافات في اللهجات واللغوية والتوجهات الاجتماعية. لذا، برز عدد من المهتمين بالتربية اليهودية امتلكوا رؤية تربوية عكست توجهاتهم الصهيونية. وتحولت هذه الرؤى المدمجة بين التربية والفكر الصهيوني إلى بوصلة موجهة لكافة المربين اليهود أو العاملين في الأطر التربوية اليهودية. ففي فترة الانتداب البريطاني(والتي تُعرف في التاريخ الصهيوني بـ "الييشوف") وضع الطلائعي المحارب كمثال تربوي، وهذا يعني نموذج لليهودي المستعد أن يتنازل عن مصالحه الخاصة وقضاياه الشخصية في سبيل شعبه. معنى ذلك، أن هذا اليهودي النموذج مستعد للعمل في الزراعة أو القتال في سبيل تحويل فلسطين(ارض اسرائيل بالاصطلاح الصهيوني) إلى مكان يستطيع كل يهودي في العالم أن يعيش فيه. وتتضمن هذه الرؤية التمسك بـ "فكرة العمل العبري" والتضحية والاكتفاء بالقليل. وميزت التربية الصهيونية بين التربية والتعليم، وجعلت من المعلم اليهودي صاحب مكانة مركزية في بلورة شخصية المجتمع الاستيطاني في بدايات الحركة الاستيطانية الصهيونية في فلسطين. وتضمنت كافة مناهج التعليم لدى التيارات الصهيونية المختلفة التشديد على اللغة العبرية ودراسات التوراة والتاريخ اليهودي وجغرافية فلسطين ومعرفة طبيعتها. وتم تبني استراتيجيات وأساليب تدريس متبعة في أجهزة التعليم الغربي لكون مؤسسي الحركة الاستيطانية الصهيونية في فلسطين قد تأثروا بالنظم الغربية بصورة قوية.
وبالإمكان العودة إلى أسس التربية اليهودية ـ الصهيونية في طروحات مفكرين ومربين يهود طرحوا سلسلة من المشاريع للنهوض بهذه التربية في ظل المتغيرات التي شهدتها الساحة الاوروبية عامة في القرن التاسع عشر. ومن بين البارزين في هذا المجال الكاتب العبري آحاد هعام الذي بادر في عام 1889إلى تأسيس جمعية اسماها "أبناء موسى" أولت اهتماما بتعليم اللغة العبرية وتثقيف الشباب اليهودي قبل هجرتهم إلى فلسطين وليس بعدها. وبرزت المسألة بشكل عميق خلال ما يعرف في تاريخ اليهود المعاصر بـ "نزاع الألسن" في عام 1913 حيث نادت مجموعة من المحاضرين في معهد التخنيون في حيفا إلى أن تكون اللغة الألمانية هي لغة التدريس الرسمية، ونادت مجموعة أخرى بتبني اللغة العبرية، ورجحت الكفة لصالح دُعاة استعمال اللغة العبرية من منطلقات صهيونية. وظهرت تأثيرات التربية الصهيونية على أرض الواقع من خلال تبني حركات عمالية يهودية أسس العمل العبري. وبلغت هذه المسألة أوجها من خلال قيام الصندوق القومي لاسرائيل(قيرن قييمت ليسرائيل) بشراء الأراضي في فلسطين وتسجيلها باسم الصندوق وأن يكون استعماله مقصورا على اليهودي فقط، ولا تباع ولا تشترى ولا تؤجر لغير اليهود.
وأصدر الكنيست الاسرائيلي في عام 1953 قانون التعليم الالزامي وتنظيم أجهزة التعليم في اسرائيل بحيث شملت التربية الصهيونية كافة الأجهزة التربوية والتعليمية ما عدا جهازي التعليم الديني المتزمت(الحريدي) والتعليم العربي. إلا أن المتتبع لهذين الجهازين يلحظ بوضوح عمليات اختراق للمناهج بواسطة إبراز التاريخ اليهودي والصهيوني وتحييد محطات تاريخية بارزة ومركزية في تاريخ العرب والمسلمين والفلسطينيين. والملاحظ أن القيم الأساسية التي وضعت لتثبيت تربية صهيونية في المجتمع اليهودي قد بدأت تخفت وتذوي في أواخر القرن العشرين ومع انتشار بوادر العولمة في معظم مرافق الحياة العامة في اسرائيل.