المبادر: حكومة إسرائيل
أقرت الحكومة الإسرائيلية في جلستها المنعقدة يوم الأحد 14 حزيران/ يونيو 2015، التوجه إلى الهيئة العامة للكنيست، بطلب الاستمرار في تشريع اقتراح تعديل قانون أنظمة سلطة السجون، لإتاحة إطعام الأسرى المضربين عن الطعام قسريا.
وكانت حكومة بنيامين نتنياهو السابقة (الحكومة الـ 33)، وفي فترة وزيرة القضاء تسيبي ليفني، أقد أقرت يوم 9 حزيران/ يونيو العام 2014، هذا التعديل، وطرحته على الهيئة العامة للكنيست. إلا أن انشغال إسرائيل في قضية اختطاف المستوطنين الثلاثة، والعثور عليها جثثهم في اليوم الذي كان على الكنيست، بحث واقرار القانون بالقراءة الأولى، وما تبع ذلك من تداعيات، بما في ذلك عدوان "الجرف الصامد" على قطاع غزة، جمّد العمل بالقانون. كما أن انشغال الحكومة مع بدء الدورة الشتوية في خريف 2014، بمشروع الموازنة العامة، وبموازاة الانشغال بقانون "دولة القومية"، أدى إلى وضع هذا القانون جانبا. خاصة وأنه يجابه بمعارضة شديدة من نقابة الأطباء الإسرائيلية، اضافة إلى معارضة منظمات حقوق انسان محلية وعالمية.
مقدمة القانون:
في واحدة من الحالات النادرة، لمشاريع القوانين الحكومية، فقد طرحت الحكومة مشروع القانون على الكنيست، وفي مقدمته "تفسيرا" واسعا بأكثر من 4 آلاف كلمة، لاقتراحها، وقبل البدء بعرض النص المقترح. ومثل هذه الحالة قد نجدها في حالة تقديم مشروع الموازنة العامة السنوية. إلا أن الحكومة الإسرائيلية، تدرك حجم المعارضة لهذا القانون، الذي
يتنافى مع القوانين الدولية، لحقوق الاسرى، ولحقوق المريض، وما يزعجها أكثر، هو موقف نقابة الأطباء الإسرائيلية، التي أعلن رئيسها مجددا، مع صدور القرار الحكومي الجديد، اصراره على رفض القانون، وتحذير الأطباء الإسرائيليين من الانصياع له، نظرا إلى أن تنفيذ أوامر القانون سيجعلهم عرضة للمثول أمام المحكمة الدولية.
ولهذا فإن التفسير الاستباقي للقانون، يسعى إلى عرض تغليف قانوني بموجب القوانين الإسرائيلية، ولطرح تفسيرات وتأويلات للمواثيق الدولية. عدا عن أن نص الاقتراح الذي سنأتي عليه هنا (بتصرف)، يحاول الالتفاف على أي عقبات ستظهر أمام تطبيق القانون، بسبب موقف نقابة الأطباء.
وجاء في مقدمة القانون:
"إن الاضرابات عن الطعام التي ينفذها السجناء، هي ظاهرة معروفة، وتتكرر في الواقع الإسرائيلي على مر السنين (كما هو الحال في دول أخرى)، يهدف من خلال جمهور السجناء إلى طرح رسائل ذات مضامين مختلفة. وأحيانا تتميز الاضرابات عن الطعام بمشاركة عدد كبير من السجناء، أو أن يكون عدد من السجناء يضربون باستمرار، ولفترات زمنية طويلة. وفي حالات معينة، يصل الأمر إلى حد تعريض حياتهم إلى الخطر، وهذا وضعٌ يلزم ببلورة وسائل مناسبة وملائمة لمواجهة الاضرابات عن الطعام".
"إن الاضراب عن الطعام، هو وسيلة احتجاج ليست عنيفة، من خلاله يطلب المضرب عن الطعام التعبير عن احتجاجه في موضوع ما، والحصول على مبتغاه، حينما يشعر أن السلطات لا تنصت له، ولا تتجاوب مع ضائقته ومطالبه. والحق
بالإضراب العام، هو جزء من الحق في التعبير عن الرأي، وهو حق أساسي، محمي قانونيا في القضاء الإسرائيلي، ولكن يجري تقييده فقط في حالات نادرة، وفي ظروف استثنائية".
"وحينما يجري الحديث عن سجين مضرب عن الطعام، فإن الأمر يبدو أكثر تعقيدا، لأن الشخص جرى اعتقاله بقرار قضائي، أو اداري، أو تم سجنه بقرار محكمة، وهو موجود في حالة التحفظ عليه قانونيا، وعلى هذا الأساس، فإن قسما من حقوقه تؤخذ منه، أو تتضرر. وأول هذه الحقوق، هي الحرية، واستقلالية قراره الكاملة عن حياته، وعن جسده. فالشخص الذي يجري التحفظ عليه قانونيا، موجود تحت مسؤولية الدولة، بواسطة ذراعها الطولى- سلطة السجون- التي تتحمل المسؤولية المباشرة عن عملية الحفاظ على حياة وصحة وسلامة ورفاه السجين".
ثم تحاول مقدمة تعديل القانون ذاتها، تفسير معنى المسؤولية عن الحياة والسلامة، وتجييرها إلى الغرض الذي تنشده الحكومة الإسرائيلية، إذ نقرأ لاحقا: "بالذات على ضوء حرية السجين المقيّدة، علينا أن نذكر أن الوسائل التي بين يديه للتعبير عن احتجاجه، أو للدفع بشؤونه هي أيضا مقيّدة. ولهذا فإن حقه بالتعبير عن الرأي له أهمية خاصة، ويجب
منحه الحق بقدر ما هو ممكن للتعبير عن مواقفه ورغباته. وعلى الرغم من هذا، فإن مكانة السجين، بصفته ليس مسؤولا عن ذاته، وكمن تقع المسؤولية عن حياته وسلامته على سلطة السجون، كما ذكر لاحقا، ينعكس مباشرة على الشكل الذي يحق له به التعبير عن مواقفه. وعمليا، بناء على ما تقدم، لا يحق للسجين أن يفعل هذا من خلال الاضراب عن الطعام، كما ظهر هذا في قرار للمحكمة العليا (في العام 2004- معد التقرير) في القضية التي رفعتها ليلى غربال، ورقم القرار 04/ 7837".
وبعد ذلك تشرح المقدمة انعكاسات الاضراب عن الطعام بأشكاله المتعددة على جسم الانسان، لإثبات وجود خطر على حياة "السجين" (الأسير)، ومن هنا يتعامل التفسير الحكومي مع الأسير على أنه مريضا، بعد أن فسّرت سلب حريته الشخصية وحرمانه من حق الاضراب عن الطعام. وهذا كمقدمة، لتفسير دور الطبيب، وتبرير الضرورة للعلاج بالقوة، إذا ما رفض "المريض العلاج"، وفي هذا مناقشة واضحة لموقف نقابة الأطباء والمنظمات الحقوقية.
مقترحات التعديل:
(1)
البند الأول في اقتراح التعديلات، هو تغيير التعريفات التي ينص عليها قانون نظام عمل سلطة السجون بشكل عام. والقصد من تلك التعديلات كما سنرى، هو تحرير كافة التقييدات التي قد تظهر خلال تطبيق القانون على أحد الاسرى، على ضوء الفرض الواسع بين جمهور الأطباء والطواقم الطبية، والمؤسسات الطبية.
- بدلا من "طبيب حكومي" يكون "طبيب"
- بدلا من "مستشفى حكومي" يكون "مستشفى"
- بدلا من "الطبيب الحكومي الوصي على المستشفى" يكون "المدير الطبي للمستشفى أو نائبه"
وهذه التعديلات تصبح عامة، وتسري على كافة بنود القانون الواسع، الذي يتعلق بكافة مناحي عمل سلطة السجون، وليس فقط غرض تعديل القانون.
(2)
بند جديد يحمل رقم (ب 2) يتبع البند (19/ي أ)
يعتمد التعديل على القانون المعدل في العام 1996 لقانون "حقوق المريض"، مع تعريفات العلاج والطبيب والاضراب عن الطعام.
19/ ي ج
(أ)- إذ ما رأى مأمور سلطة السجون، على أساس وجهة نظر طبيب، بأن للإضراب عن الطعام، احتمال واقعي ملموس بأن يتسبب بخطر كبير محدق على صحة السجين، يحق له (للمأمور) أن يتوجه لرئيس المحكمة المركزية أو نائبه، بطلب السماح لتقديم علاج للسجين.
(ب)- على الطلب أن يتضمن وجهة النظر الطبية، المقدمة لمأمور سلطة السجون.
(ج)- نسخة عن الطلب يتم نقلها لسلطة السجون، وللجنة آداب المهنة في المستشفى الذي يمكث فيه السجين، وإذا كان السجين في السجن، فإن الطلب ينقل إلى لجنة آداب المهنة في سلطة السجون.
(19/ي د)
(أ)- بموجب قانون حقوق المريض، فإن رئيس المحكمة المركزية أو نائبه الذي تلقى الطلب، يحق له أن يسمح بعلاج الأسير المضرب عن الطعام، إذا ما تأكد من وجود خطر كبير ومحدق في غضون فترة قصيرة جدا على حياة السجين. دون المساس بحقوق المريض.
(ب)- لا يسمح رئيس المحكمة المركزية أو نائبه، بمعالجة السجين، إلا إذا اقتنع أنه جرت محاولات وبذلت جهود لإقناع السجين بتلقي العلاج، وأن السجين علم بانعكاسات الاضراب على حالته الصحية، وأصر على رفض العلاج.
(ج)- قرار المحكمة يصدر بعد أن يتلقى القاضي وجهة نظر لجنة آداب المهند في المستشفى الذي يقيم فيه السجين، أو من لجنة آداب المهنة سلطة السجون، كما هو مفصل سابقا.
(د)- تأخذ المحكمة في قرارها بالحسبان:
1- الوضع الصحي للسجين، بما في ذلك وضعه النفسي، وانعكاسات عدم تقديم العلاج له على وضعيته.
2- احتمالات وأخطار العلاج على السجين، وانعكاس العلاج على احترام السجين.
3- موقف السجين، إذا تم عرضه، من مسألة العلاج وتفسيره للموقف.
4- هل تم تقديم هذا العلاج للسجين في الماضي.
5- مسؤولية سلطة السجون عن سلامة وحياة السجين.
6- اعتبارات تتعلق بأمن الدولة وسلامة الجمهور.
7- تأثير القرار على القدرة على الحفاظ على النظام العام والأمن في السجون.
(كما هو معروف فإن البندين 6 و7 هما الأساس في صدور قرار محكمة من هذا النوع- معد التقرير)
(هـ)- يحق للمحكمة أن تفصّل في قرارها ما يسمح به في تقديم العلاج، آخذة بعين الاعتبار، البند 2 في اعتبارات القرار السابق ذكرها.
(3)
كما ينص القانون على ضرورة أن يكون السجين ممثلا بمحام، وإذا لا فإن المحكمة تعين له محاميا، كما يحق للمحكمة أن تجري البحث في الطلب في جلسة تعقد في المستشفى أو في السجن، إذا لا تسمح وضعية السجين الوصول إلى المحكمة. كما يحق للمحكمة أن لا تقبل بطلب سلطة السجون.
إذا ما عرض على المحكمة معلومات سرية، تأمر المحكمة بنقل ملخص المعلومات للسجين ولوكيله، بقدر ما لا يضر بأمن الدولة.
ويحق للسجين وموكله الاستئناف على قرار المحكمة المركزية إلى المحكمة العليا.
في حال صدر قرار عن المحكمة بعلاج السجين، فيحق للمعالج أن يتخذ الوسائل اللازمة كي لا يضر بصحة السجين.
حماية المعالجين
وينص القانون على بنود تمنح ملاحقة المعالج أو المؤسسة الطبية التي قدمت العلاج للسجين، قضائيا.
احتمالات تمرير القانون:
من المفروض أن اقتراح الحكومة سيحظى بأغلبية فورية في الكنيست، تستند إلى أغلبية الائتلاف الحاكم، ولكن مثل هذا القانون سيلقى دعما فوريا من كتلة "يسرائيل بيتينو" المعارضة بزعامة أفيغدور ليبرمان. ولربما دعما محدودا من بعض نواب "يوجد مستقبل"، تأييدا مباشرا أو تغيبا عن التصويت أو الامتناع، وهذا ليس مؤكدا. ما يرفع قاعدة الأغلبية من 61 نائبا، هي أغلبية الائتلاف من أصل 120 نائبا، إلى 67 نائبا وربما أكثر.
ولكن في حال نشأ جدل عام وحاد، داخليا، اضافة إلى ضغوط من منظمات حقوقية عالمية، دفعت حكومات غربية للطلب من إسرائيل بتجميد تشريع القانون، فإن الحكومة قد "تتلكأ" في اقراره، ولكن على أي حال، فإن هذا من نوع القوانين، الذي سيحتاج، على الأقل أشهرا عديدة لاقراره. إلا إذا حصلت أمور ليست منظورة حاليا.
موقف نقابة الأطباء العامة وغيرها:
أصدرت نقابة الأطباء العامة موقفا رافضا لهذا القانون، منذ صدوره على جدول أعمال الحكومة السابقة في العامة 2014. وقال رئيس النقابة في شهر حزيران/ يونيو 2014، ليونيد ادلمان، إنه "لا يمكننا أن ندافع في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي عن أطباء يقوموا بتغذية سجناء مضربين عن الطعام قسرا، والأطباء الذين يفعلون ذلك من شأنهم أن يكونوا منبوذين من كل أسرة الأطباء في العالم، وسيكون من الصعب الدفاع عنهم اذا ما رفعت ضدهم دعاوى".
وكرر أدلمان موقفه يوم الأحد 14 حزيران 2015، مع صدور قرار الحكومة إذ قال في تصريحات نشرتها الصحف الإسرائيلية: "اذا نجح القانون، سنطلب من الأطباء التغاضي عنه". واضاف ادلمان: "هذه حالة تتفوق فيها اخلاقية المهنة على القانون بشكل قاطع، والرسالة التي ننقلها للأطباء هي أن الاطعام قسرا يعني التعذيب وممنوع ان يشارك الطبيب بذلك".
وكانت المحامية ليئا وافنير، السكرتيرة العامة لاتحاد الأطباء والمستشارة القانونية لاتحاد الأطباء العالمي، قد صرّحت في حزيران/ يونيو 2014، أنه اذا ما تمت بالفعل تغذية قسرية فقد تكون لذلك آثار على عضوية إسرائيل في اتحاد الأطباء العالمي.
كما صدرت مواقف مشابهة في حزيران/ يونيو 2014، عن رابطة المحامين ومجلس سلوكيات الطب في وزارة الصحة.