ضمن إطار مساعي هرتسل لإيجاد مكان لتوطين اليهود، خارج فلسطين، ريثما تنفرج الأحوال المتعلقة بفلسطين،
قام بتقديم اقتراح إلى الملك الايطالي للسماح بتهجير يهود من بلدان شرقي اوروبا إلى ليبيا ليساهموا في إقامة حكم ذاتي تحت الإشراف الايطالي. وأشار هرتسل إلى الفوائد التي سيجنيها الملك الايطالي وبلاده من الدعم الصهيوني. ولكن الملك الايطالي أوضح لهرتسل أن ايطاليا ليس بمقدورها توفير الدعم لمطالب المنظمة الصهيونية خوفاً من التصادم مع دول أخرى، والإشارة هنا إلى بريطانيا وفرنسا.
ورغم وفاة هرتسل في العام 1904 إلا أن المشروع بقي حياً، فقام يسرائيل زنجويل- وهو من زعماء الصهيونية - بإرسال لجنة إلى ليبيا للبحث الفعلي في وضع خطة لتوطين يهود فيها. وأشارت اللجنة إلى استعداد حاكم منطقة الجبل الأخضر في ليبيا لتوفير كل الإمكانيات لتحقيق المشروع، وكذلك أكدت بريطانيا دعمها للفكرة لدى الأوساط العثمانية لتسمح بإقامة مستعمرات يهودية في ليبيا.
وقدمت المنظمة الصهيونية وعوداً كثيرة للسلطة العثمانية، منها إنشاء ميناء على الساحل الليبي، ومدّ سكة حديد وإقامة مؤسسات للنقل البحري فيها، وتكون كل هذه المشاريع تحت السيطرة العثمانية وفي خدمتها.
ولما رأت المنظمة أن الأطراف الدولية معنية بمشروعها أوفدت بعثة مهنية في العام 1908 لدراسة أوضاع المنطقة بصورة عميقة وأساسية ولتقديم توصياتها. وبالفعل تنقل الوفد مدة ثلاثة أسابيع في بعض مناطق الساحل الليبي وقدم تقريره باسم (الكتاب الأزرق) في العام 1909، ومن بين التوصيات الواردة فيه استقدام يهود من شرقي اوروبا بشكل تدريجي لمنع إثارة الحساسيات مع بعض الجهات المحلية والخارجية، والقيام ببعض الأعمال التمهيدية كتجهيز البنية التحتية لبعض القطاعات الاقتصادية في تلك المنطقة. ولكن المشروع لم يخرج إلى حيز التنفيذ بسبب وقوع انقلاب العام 1909 في اسطنبول العاصمة العثمانية وبالتالي سياسة التشدد التي اتبعها جماعة الاتحاد والترقي في الشؤون السياسية، وقيام إيطاليا بتجهيز حملتها الاستعمارية لاحتلال ليبيا في العام 1911.