تقدير موقف

تقرأ وتحلل قضايا مستجدة وتستشرف آثارها وتداعياتها سواء على المشهد الإسرائيلي او على القضية الفلسطينية.
  • تقدير موقف
  • 1838

سارع رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت، بعد أن أقرّ الكنيست الموازنة العامة للعامين الجاري 2021 والمقبل 2022، للإعلان بشكلٍ احتفالي، أن هذه الحكومة ستستمر حتى يومها القانوني، بقصد في خريف العام 2025، وقال "إن السفينة وصلت إلى برّ الأمان". إلّا أن بينيت يعرف تمامًا أنه ابتداءً من الآن، أصبح أمام العاصفة البحرية، التي قد تواجه سفينته في الفترة المقبلة، ما يجعل وصولها إلى "برّ الأمان" محطّ تساؤل، رغم أنه لا يُمكن الحديث عن مستحيل في عالم السياسة، بما في ذلك السياسة الإسرائيلية، في الوقت الذي يُدرك فيه كل ركّاب السفينة هذه "الشركاء في الائتلاف الحكومي" يعرفون أن أي خلل فيها سيعود بالضرر عليهم جميعًا دون استثناء.

أن اجتياز حاجز إقرار الموازنة العامة للعامين الجاري والمقبل، لم يكن بالأمر السهل لحكومة ترتكز على قاعدة ائتلافية تضم 61 نائبًا من أصل 120 نائبًا في الكنيست، ورغم أن النتيجة ليست مفاجئة؛ إلا أن "إعلام الإثارة" كان قد عمل لساعات إضافية في الأيام التي سبقت إقرارها، كي يعرض احتمالات تشقّق الائتلاف، من خلال حملة تحريض قادها حزب الليكود على "القائمة العربية الموحّدة"، الذراع البرلماني للحركة الإسلامية- الشقّ الجنوبي، رغم أن "الموحّدة" كانت قد أبدت استعدادها سابقًا، للمشاركة في حكومة برئاسة بنيامين نتنياهو، وبرضى الأخير.

وقال بينيت في مؤتمر صحفي، عقب انتهاء الهيئة العامة للكنيست من التصويت على الميزانية العامة المزدوجة، فجر الخامس من تشرين الثاني الجاري، 2021: "لقد استكملنا العملية المعقّدة، لإخراج إسرائيل من حالة عدم الاستقرار العالقة فيها منذ ثلاث سنوات. لقد أتينا بالسفينة إلى برّ الأمان. وهذه الحكومة مستقرة، وستُكمل أيامها (ولايتها) كاملة، والآن علينا النظر إلى سلسلة المهمات الطويلة الماثلة أمامنا. كل واحد في مجاله، فليبدأ العمل. وحقيقة أننا حاليًا لسنا في أجواء انتخابات خامسة، فهذه هدية كبيرة لدولة إسرائيل".

إن التفاؤل الكبير الذي عبّر عنه بينيت، قد لا يبقى على حاله، رغم أنه تفاؤل مدعوم من شريكه في رئاسة الحكومة، وزير الخارجية يائير لبيد، وحليفهما حاليًا، وزير المالية أفيغدور ليبرمان. فبعد فترة ليست طويلة، قد تنشأ الخلافات الداخلية في الحكومة، ولعبة شدّ الحبل التي بدأت فعليًا قد تشتدّ أكثر، وقد يكون على وشك القطع، إلا إذا تداركوا الأمر.

حكومة 61 نائبًا

تُعدّ الحكومة الإسرائيلية الحالية من الحكومات القليلة التي ترتكز على أغلبية هشّة مكونة من 61 نائبًا من أصل 120، فحكومات كهذه نشأت في الماضي، لكنها كانت تنجح لاحقًا في ضمّ كتلة برلمانية من المعارضة، أو جزء منها. مثال على هذا، حكومة بنيامين نتنياهو التي شكّلها في العام 2015، واستمرت بالعمل بثبات لمدة عام كامل، وبعد ذلك تم ضم كتلة "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان، وكان لها في الائتلاف 5 نواب، وهو ما ضمن استقرارًا أقوى لهذه الحكومة التي ارتكزت على 66 نائبًا.
أما في حالة الحكومة الحالية، فإنه من المُستبعد أن تجد هذه الحكومة كتلة من المعارضة، أو حتى جزءًا منها ينضم للحكومة الحالية، بسبب طبيعة تركيبتها، وطبيعة تركيبة كتل المعارضة أيضًا.

تضمّ الحكومة الحالية 8 كتل برلمانية، بما في ذلك كتلة القائمة الموحدة السابق ذكرها، ولها 4 نواب، وهي لا تتمثّل بحقائب وزارية، إنما بوظائف برلمانية. والكتل السبع الأخرى هي: 3 كتل من اليمين الاستيطاني المتشدّد؛ "يمينا" (6 نواب) ويترأسها رئيس الحكومة نفتالي بينيت؛ "إسرائيل بيتنا" (7 نواب) ويترأسها وزير المالية أفيغدور ليبرمان و"أمل جديد" (6 نواب) برئاسة "وزير العدل" جدعون ساعر.

بالإضافة إلى كتلتين من اليمين؛ "يوجد مستقبل" (17 نائبًا)، برئاسة وزير الخارجية ورئيس الحكومة البديل يائير لبيد، و"أزرق أبيض" برئاسة "وزير الدفاع" بيني غانتس. ثم كتلة "العمل" (وسط) ولها 7 نواب، برئاسة وزيرة المواصلات ميراف ميخائيلي. وكتلة "ميرتس" المحسوبة على ما يُسمى "اليسار الصهيوني" ولها 6 نواب.

أما المعارضة فتضم 5 كتل برلمانية ليست متجانسة، بضمنها القائمة المشتركة، التي ترتكز على الفلسطينيين في إسرائيل، ولها 6 نواب. والكتل الأربع الأخرى هي الليكود، وله 30 نائبًا، برئاسة بنيامين نتنياهو، ولا تُظهِر في هذه الكتلة أي بوادر انشقاق، خاصة وأن أجواء انتخابات داخلية في الحزب تلوح في الأفق، ليس القريب، وليس واضحًا متى ستجري، ما يقلل من احتمالات الانشقاق. وكتلة "الصهيونية الدينية" الأشدّ تطرفًا، ولها 6 نواب، وترتكز على المستوطنين في الضفة، وعلى اليمين الاستيطاني المتدين الأشدّ تطرفًا سياسيًا ودينيًا. وكتلتا المتدينين المتشددين المتزمتين، الحريديم؛ "شاس" ولها 9 نواب من اليهود الشرقيين، و"يهدوت هتوراة" ولها 7 نواب من اليهود الأشكناز.

ليس واردًا لدى الكتل الدينية الثلاث الانضمام لحكومة تطغى عليها الأجواء العلمانية، وسنّت قانون "كسر شهادات الحلال العبري"، ومن المفترض أن تتقدم نحو سن قانون فرض التجنيد الإلزامي على شبان الحريديم، تنفيذًا لما ورد في أمر المحكمة العليا. بموازاة ذلك فلا يوجد مؤشرات لانشقاق في الليكود؛ وأن معارضة القائمة المشتركة هي معارضة سياسية، وليس واردًا لديها الانضمام لأي حكومة تقود الاحتلال والاستيطان، ما يعني أن على هذه الحكومة أن ترتب أوراقها على أساس أن لا مجال لتوسيع قاعدتها الائتلافية. ولتجاوز هذه العقبة تقنيًا في العمل البرلماني، فقد تبنّت الحكومة كليًا ما يُعرف بـ "القانون النرويجي"؛ والذي ينص على حق الوزير بالاستقالة من عضوية الكنيست، ليدخل بدلاً منه نائب من قائمة حزبه في الانتخابات، ويكون من حق الوزير العودة إلى مقعده البرلماني في حال استقال من الحكومة.

وحتى الآن، استقال 20 وزيرًا من جميع الكتل، ومعهم نائب وزير من عضوية الكنيست، ووزير آخر ليس عضو كنيست من الأساس، وهذا منح الحكومة التي تضم 28 وزيرًا و5 نواب وزراء "بحبوحة" في عبء العمل البرلماني، الذي كان يفرض على جميع الوزراء أن يكونوا عالقين في الكنيست في أيام عمل الهيئة العامة لضمان أغلبية برلمانية لحكومتهم.

"برّ الأمان" بعيدٌ بأربع سنوات

شرْح تفاصيل الأغلبية الهشّة، في حالة الحكومة هذه، ضروري لتفسير المأزق الذي تكون عالقة فيه بسبب ضيق قاعدتها الائتلافية؛ إذ أن لكل كتلة برلمانية القوة الكافية لتقرر مصير الحكومة بأكملها.

بموجب القانون الإسرائيلي، فإن الانتخابات البرلمانية تجري وفق تقويم عبري، يتراوح ما بين نهاية شهر تشرين الأول، ومطلع تشرين الثاني، كل أربع سنوات، وتضاف لها الفترة من يوم الانتخابات، حتى الموعد القانوني، إذا لم تجرِ الانتخابات الأخيرة في موعدها. وهذا يعني أن عمر هذه الحكومة سيكون أربعة سنوات وحوالي خمس أشهر. جدير بالذكر أم آخر انتخابات جرت في موعدها القانوني كانت في خريف العام 1988. ومن الصعب، إلى درجة المستحيل، رؤية حكومة ضعيفة من حيث القاعدة الائتلافية، تكمله، بحسب ما أعلنه بينيت.

عند تشكيل الحكومة الحالية، تم الاتفاق على تأجيل القضايا الخلافية بين أطراف الائتلاف إلى ما بعد مرور عام كامل على تشكيل الحكومة. إلا أن أحد الملفات الذي كان من المفترض أن يكون ملفا خلافيًا وأن يتم تأجيله أو حتى لجمه، يتم تمريره حاليًا دون أن يُحدث أزمات داخل الائتلاف، وهو ملف الاستيطان والاحتلال، ففي الأشهر الأربعة الأولى لهذه الحكومة تم وضع وإقرار مخططات لبناء ما يزيد عن 4400 وحدة استيطانية، في أكثر من قرارين منفصلين، ونسبة جدّية من هذه الوحدات ستُبنى في مستوطنات تقع خلف جدار الاحتلال في الضفة، إضافة إلى تثبيت بؤرة استيطانية على جبل صبيح جنوبي منطقة نابلس، حتى باتت مستوطنة تسمى "أفيتار".

كذلك تمّت زيادة ميزانية دوريات الاحتلال لمراقبة البناء الفلسطيني في مناطق (ج) في الضفة الغربية المحتلّة، بهدف منع بناء الفلسطينيين على أراضيهم، واستمرار حرمانهم من حقّهم في البناء، بموجب اتفاقيات وقعت عليها خمس كتل برلمانية في الائتلاف، وهي كتل اليمين الاستيطاني الثلاث، ومعها كلمن "أزرق أبيض" و"يوجد مستقبل".

كذلك قرار حكومة الاحتلال بتصنيف ست جمعيات ومنظمات فلسطينية حقوقية وإنسانية، كمنظّمات "إرهابية"، وبدلاً من أن يلقى كل ذلك معارضة، قد تصل إلى درجة الأزمة، تحديدًا مع كتلتي ميرتس والقائمة الموحدة، ولحدٍ ما مع كتلة العمل بقيادتها الجديدة، إلا أن شيئا من هذا القبيل لم يحصل، باستثناء بيانات وتصريحات إعلامية معارضة صدرت عن ميرتس.

ورغم ذلك، فإن هناك قضايا خلافية على المستوى الإسرائيلي الداخلي، لم تظهر إلى السطح حتى الآن، وهي مرشحة للظهور لاحقًا، من بينها:
- الموقف من مكانة المحكمة العليا، وصلاحيتها بشأن الغاء قوانين وقرارات حكومية، وهذا ما تدعو له كتل اليمين الاستيطاني الثلاث، وتعارضه باقي الكتل.
- تقويض صلاحية المحكمة العليا في نقض قرارات لجنة الانتخابات المركزية، وهي لجنة قائمة على أساس حزبي، في مسألة رفض ترشيح أفراد وأحزاب للانتخابات البرلمانية.
- المبادرة لسن قانونين يستهدفان شخص بنيامين نتنياهو في هذه المرحلة، بحيث يمنع القانون الأول عضو كنيست يواجه لائحة اتهام في المحكمة في قضايا فساد الحكم عليها يتجاوز ثلاث سنوات في السجن، من أن يتم تكليفه بتشكيل حكومة جديدة، والقانون الثاني يحدد ولايتين فقط للشخص ليتولى رئاسة حكومة.
- السعي لسن قانون الزواج المدني في إسرائيل، وليس فقط الاعتراف بالزواج المدني المبرم خارج البلاد.
- تحرير حركة المواصلات العامة والحركة التجارية، ولو جزئيًا، من قيود السبت اليهودي.

إن هذه القضايا وعلى الرغم من أنها لن تكون سببًا لحل الحكومة في هذه المرحلة، والتوجّه لانتخابات مبكّرة، ولكن مع تقدم عمل الحكومة، ستبحث كل كتلة برلمانية عن ورقة رابحة لها لتعرضها على جمهور ناخبيها، لذلك؛ فإن ما تبدو الآن كقضايا ليست ساخنة، قد يتم تسخينها لاحقًا.

السيناريوهات المتوقعة للحكومة

كما ذكرنا في البداية، فإن حل هذه الحكومة بالذات، ستكون نتيجته سلبية على جميع أحزابها، في حال لم تحقّق شيئًا تعرضه على الجمهور، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإنه حتى لو تم حل الحكومة والتوجه إلى انتخابات مبكرة، وحصدت بعض أحزاب الائتلاف مقاعد إضافية، فإنها لن تحظى بهذه المكانة الحكومية القوية كما هو حالها الآن، لذلك؛ فإن السيناريوهات القائمة وفق الأوضاع الحالية هي:

- أن تستمر الحكومة فعلاً حتى نهاية دورتها، وهذا يبدو في غاية الصعوبة، ولكن ليس مستحيلاً في السياسة الإسرائيلية.
- أن تتعمّق الخلافات التي بدأت تظهر منذ الآن بين أطراف الحكومة، مثل الجدل حول ما عرفت تسميتها بـ "قوانين نتنياهو"، ما يقود إلى حلّ الحكومة.
- تزايد ضغط كتل اليمين الاستيطاني المعارضة، في طرحها لمشاريع قوانين تتماشى مع توجهات كتل اليمين الاستيطاني في الائتلاف، ومن بينها مشاريع قوانين مطابقة لما بادر له نواب باتوا في الائتلاف الحاكم.
- السيناريو الأصعب بالنسبة لهذه الحكومة، هو أن تحدث مفاجأة، ليست مرئية حتى الآن، في حزب الليكود، بأن يتنحى نتنياهو عن رئاسة الحزب، أو أن يخسر الانتخابات لرئاسة الحزب. في مثل هذه الحالة، سيكون مغريًا لكتلة من اليمين الاستيطاني أو أكثر من الائتلاف الحاكم، كي تنشق عن الحكومة الحالية وتنتقل لحكومة برئاسة الليكود، وهذه فرضية ضعيفة جدًا في الوقت الراهن، لأن الانتخابات في الليكود لم تُحدّد بعد، بالإضافة إلى أن نتنياهو ما زال الشخص الأقوى في الحزب، ولا يبدو وفق الوضع القائم حاليًا، أنه سيخسر المنافسة أمام أي من منافسيه، خاصة وأن محاكمته تسير ببطء، ولا يبدو أنها ستنتهي في غضون عام، ولا حتى عامين.

بعد كل هذه السيناريوهات، نشير إلى أنه إذا ما استمرت الحكومة بعملها في الأشهر المقبلة، فإنها في مطلع صيف العام المقبل، ستبدأ بالتداول بشأن ميزانية العام التالي 2023، وعلى الأغلب ميزانية عامين معًا، أي بما يشمل 2024، وهذا سيكون امتحانًا أصعب من الامتحان الذي اجتازته الحكومة فجر يوم الجمعة الخامس من تشرين الثاني، بتمريرها الموازنة للعامين الجاري والمقبل.