في أحد خطاباته الموجهة الى الأمة (يوم 14.3) توجه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بصورة أممية تقريبا الى جميع الناس الذين تسيطر حكومته على حياتهم. غير أن هذا الكلام والتصور الذي يُعبر عنه بعيد عن نتنياهو كالبعد بين المشرق والمغرب. في هذه الفترة الصعبة كانت شفاهه تنبس بما يلي: "يمكننا عمل هذا بقوى مشتركة. القوى المشتركة – جميع المواطنين، جميع السكان، كل من يسمعني الآن، نعمل طبقا لهذه التعليمات وسوف نحقق الهدف". بالطبع لو كان جميع الناس الذين يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل يتساوون في المكانة والحقوق لما كان ينبغي على نتنياهو تقسيمهم إلى ثلاث مجموعات غير أن تكتيك النظام الإسرائيلي – ليس إنسانيا وليس أمميا – وهو يستند تحديدا إلى هذا التقسيم بين البشر ذوي المستويات المختلفة من الحقوق والحريات. كل واحد طبقا للفئة التي يندرج تحتها.
عندما يقول نتنياهو "جميع المواطنين" يبدو أنه يحاول التأكيد هذه المرة من باب التغيير أنه يتوجه أيضا إلى المواطنين الفلسطينيين الذين يعيشون داخل الخط الأخضر وليس المواطنين اليهود فقط. وعندما يقول "جميع السكان" فهو يتوجه إلى أكثر من 300 ألف فلسطيني ليسوا مواطنين بل السكان الذين يعيشون في شرقي القدس التي تم ضمها. وعندما يقول "كل من يسمعني الآن" ربما نفهم أن الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة يتسللون إلى وعيه.
جميع بني البشر؟ بين الأردن والبحر يوجد مواطنون ويوجد سكان ويوجد رعايا. يوجد 14 مليون بشري لا يتساوون في الحقوق.
في الأيام العادية نتنياهو لا يحتسب الرعايا أو السكان. بهذا الشكل فهو يقفز عن نحو خمسة ملايين شخص كلهم من الفلسطينيين وظيفتهم طبقا لما يراه نتنياهو هي الانصياع لما تحدده إسرائيل لهم دون أن تسألهم إسرائيل عن رأيهم. وفي الأيام العادية فإن نتنياهو يطمح أيضا إلى عدم احتساب خُمس مواطني الدولة الذين ينعتهم بصورة ثابتة بأنهم "داعمو الإرهاب" – المواطنون الفلسطينيون. وفي الأيام العادية فإن نتنياهو يحتسب فقط نصف البشر الذين يعيشون بين الأردن والبحر: المواطنين اليهود.
غير أن هذه الأيام ليست أياما عادية ولا ينصاع الخطر الداهم لما تحدده إسرائيل. هذا الخطر لا يسأل عن رأينا وهو خطر يتغلغل في أسس تكتيك النظام الإسرائيلي – لا يفرق بين المواطنين وبين السكان وبين الرعايا "الذين يستمعون". هذا خطر يتهدد بني البشر جميعا – يصطدم برئيس حكومة يعتنق فكرا ضيقا استعلائيا عرقيا وعنصريا.
نتنياهو يعي بالطبع عددا من الحقائق الأساسية إزاء خطر فيروس الكورونا. بدون النظرة الأممية فهو بالطبع يعي أنه على ضوء النجاح الاسرائيلي في نقل مئات آلاف المستوطنين إلى الضفة وتوزيعهم وسط حوالي ثلاثة ملايين فلسطيني عبر أكثر من 250 مستوطنة – فإنه لا جدوى من مكافحة الخطر إلا من خلال التصور الأممي. وإلا فإنه في ظل غياب القدرة الحقيقية على الفصل بين البشر الذين يعيشون في منطقة واحدة – رغم التباين الأساسي في حقوقهم – فإن الفيروس سيعود ويسبب العدوى إلى ما لا نهاية.
نتنياهو يعي بالطبع أن قطاع غزة المعزول يستوفي شروط تفشي الوباء بصورة مخيفة. القدرة الإسرائيلية على عزل غزة عن العالم بعيدة المدى – وهو ما تقوم به إسرائيل فعليا منذ أكثر من 12 سنة. لكن ما الذي يفعله رئيس حكومة عنصري إزاء آلاف الموتى في غزة؟ إن العزل عن العالم عبارة عن حقيقة معيشية متواصلة تفرضها إسرائيل من الخارج بينما العزل الاجتماعي والتباعد ما بين هذا وذاك في مكان من أكثر بقاع الأرض اكتظاظا سيكون صعب التطبيق للغاية وذلك على أقل تقدير. إذا تعرض نصف سكان القطاع للعدوى بالفيروس فكم منهم سيلقون حتفهم؟ في شمالي إيطاليا التي تحظى بجهاز طبي غربي وفي ظل الواقع المنهار فقد وصلت نسبة الوفيات الى %10. بينما في قطاع غزة فإنّ جهاز الصحة قد انهار قبل مريض الكورونا الأول نتيجة السياسة الإسرائيلية. إن %10 من نصف عدد السكان في القطاع هم عبارة عن 100 ألف إنسان.
إن التصور الخاص برئيس الحكومة واللغة العنصرية ليس شأنا خطابيا وحسب: يوجد لها بالطبع مدلولات على مستوى السياسية والحياة ذاتها. إذ أن نتنياهو مستمر في هذه الأيام بالتحريض ضد الفلسطينيين سكان الدولة وزعزعة تمثيلهم السياسي. حوالي 140.000 فلسطيني في الأحياء الواقعة وراء جدار الفصل في القدس يستيقظون كل صباح وينتابهم الرعب من فصلهم التام عن مدينتهم وجهاز الصحة الوحيد الذي يُفترض أن يكون مسؤولا عنهم وعن عائلاتهم. الجنود مستمرون في قمع الفلسطينيين في الضفة وبعضهم يضع الكمامات والواقيات الطبية. وفي حاجز مكابيم قام رجال الشرطة بإلقاء عامل فلسطيني ظهرت عليه أعراض الكورونا إلى جانب الطريق من باب أن الفلسطيني أدى ما يتوجب عليه ويمكنه الانصراف الآن.
هذا ما كان ينبغي لنتنياهو قوله لكل من يسمعه: انه واعٍ بل ومقتنع بأن دلالات الفيروس "الذي لا يفرّق بين الناس لا بين السعداء ولا المحزونين ولا بين اليهود وغير اليهود" (كما قال في جزء آخر من أقواله) أنه في إزاء التحدي الأممي هناك حاجة إلى سياسة أممية تقوم على تصور "لا يفرّق بين الناس". ولهذا بدءا من تلك اللحظة لا تمييز بين المواطنين والسكان والرعايا. أنّ هناك بشرا ينبغي الاهتمام بهم وأنه يعي بأن هذه هي مسؤوليته بكل ما يحمل هذا من معنى.
لكن نتنياهو لم يقل هذا لأنه غير مؤمن به. هو غير قادر على هذا لأن نتنياهو عنصري. العنصرية تُفسد النفس دائما. في بعض الأحيان يكون ثمنها حياة البشر وهذا أحد هذه الأحيان.
الكاتب مدير عام مؤسسة "بتسيلم"