تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 2348

عقد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الليلة الماضية، مؤتمراً صحافياً أعلن فيه الإجراءات الوقائية الجديدة لمواجهة فيروس كورونا في إسرائيل والتي سيبدأ العمل بها اليوم (الأحد).

وتنص الإجراءات الجديدة على تقليص مجالات السوق الإسرائيلية، وإغلاق كل ما يمت بصلة إلى المرافق الثقافية والتربوية كالمسارح ودور السينما، وإغلاق الملاهي والمطاعم والمقاهي وتعطيل كافة مؤسسات التعليم بما في ذلك رياض الأطفال. كما تنص على منع احتشاد أكثر من 100 شخص في أي مكان، وتطالب السكان بالحفاظ على مسافة كافية بينهم على الأقل لمسافة مترين.

وتُستثنى من هذه الإجراءات المواصلات العامة والمحال التي تبيع المواد الغذائية والصيدليات ومحطات الوقود والبنوك. 

كما سيتم منح جهاز الأمن الإسرائيلي إمكان الاستعانة بوسائل إلكترونية لمتابعة الخاضعين للحجر الصحي.
من ناحية أخرى قالت تقديرات أولية نشرت في نهاية الأسبوع الماضي إن خسائر الاقتصاد الإسرائيلي من جراء فيروس كورونا تجاوزت حتى الآن الـ 5 مليارات دولار، من بينها أكثر من 3 مليارات في قطاع السياحة، وهو المتضرر الأكبر من انتشار الفيروس عالمياً ومن ثم في إسرائيل.

وقالت إحصائيات نهاية الأسبوع الماضي إن عدد المرضى يقترب من 200 مريض، وإن ما يزيد عن 70 ألفاً تم إخضاعهم للحجر الصحي، من بينهم من تحرروا مع مرور الأيام. وقالت تقديرات في وزارة الصحة إن عدد المرضى في إسرائيل قد يُعد بالآلاف، وهذا ما سيتبين في الأيام القريبة.

وحتى منتصف الأسبوع الماضي، كان جهاز الصحة الإسرائيلي على استعداد لإجراء 600 فحص يوميا، إلى أن أعلنت وزارة الصحة مساء الخميس الأخير عن رفع عدد الفحوصات اليومية الى 2400 فحص، وليس واضحا ما إذا ستسري أنظمة السبت اليهودي المتشددة على المختبرات المجهزة لإجراء فحوصات فيروس كورونا.

وقالت مصادر في وزارة الصحة إنه تم حتى الآن رفض 90% من طلبات إجراء فحوصات لمن لديهم شكوك بإصابتهم بفيروس كورونا، وهذا ما عزز الاعتقاد بأن في إسرائيل آلاف المرضى غير المعروفين.

وبدأت إسرائيل تغلق حدودها تدريجيا منذ أكثر من أسبوعين، وأصدرت أوامر بمنع دخول سياح من دول كثيرة في العالم، وتزايد العدد إلى حد شبه الإغلاق الكلي، وتحول مطار بن غوريون الدولي إلى أشبه بمدينة أشباح، وكل الصور التي تبث منه تدل على أنه خال، مع وجود نفر قليل من العابرين.

وحسب تقارير اقتصادية، فإن حركة المرور في المطار الدولي هبطت بنسبة 70%، وهي نسبة مرشحة للارتفاع، وجرى إلغاء آلاف الرحلات إليه ومنه. وفي الأسبوع الماضي، غادر البلاد 193 ألف زائر، وعاد الى البلاد من الخارج 217 ألف مواطن، فيما تم رفض دخول 500 زائر من دول تم وصفها بأنها موبوءة بالكورونا.

قطاع السياحة تلقى ضربة قاسية

ولا شك في أن الضربة القاسية تلقاها قطاع السياحة، وحتى هناك من يصف الضربة الحالية بأنها أقسى من ضربات هذا القطاع في زمن الحروب الإسرائيلية. وتم إلغاء ما يقارب 80% من حجوزات الفنادق، التي بدأت بتسريح آلاف العاملين لديها في إجازات ليست مدفوعة الأجر. ويقدر رئيس اتحاد الفنادق الإسرائيلية، أمير حايك، بأن خسائر الفنادق ودور الضيافة على مختلف مستوياتها، والسياحة بشكل عام، قد تتراوح ما بين 10 مليارات الى 12 مليار شيكل، ما يعني حوالي 3.5 مليار دولار بالمعدل.

وتأتي هذه الضربة مع اقتراب شهر نيسان، الذي يعد واحدا من أهم أشهر السياحة في كل عام، إذ يصادف فيه عيد الفصح العبري وعيد الفصح المسيحي، وبات من الواضح أن الغالبية الساحقة جدا من الحجوزات لزيارة إسرائيل في هذا الموسم تم إلغاؤها.

في المقابل، تشير التقارير الاقتصادية الى انهيار يتراوح ما بين 40% إلى 50% في مبيعات المجمعات التجارية، وشبكات التسوق على أنواعها، ولكن ليست الاستهلاكية الأساسية، إذ أن الجمهور يبدي حالة فزع وإقبال شديد على تخزين المواد التموينية، بالرغم من بيانات الحكومة الإسرائيلية بأنه لا حاجة لهذا الهلع ولتخزين المواد التموينية.

وأعلنت سلطة التشغيل الإسرائيلية، في تقرير صدر في نهاية الأسبوع الماضي، أنه طرأ في الأيام الأخيرة ارتفاع بنسبة 10% في عدد المتوجهين إلى مكاتب التشغيل كعاطلين عن العمل، في أعقاب موجات فصل من العمل، بسبب التراجع الحاد في السوق، وفي قطاعات إنتاجية محددة، وبشكل خاص في قطاع السياحة، فيما شهدت ظاهرة الخروج إلى عطلة ليست مدفوعة الأجر ارتفاعا بأربعة أضعاف، مقارنة مع الشهر الماضي.

وبحسب التقرير، فإنه في الأيام العشرة الأولى من شهر آذار الجاري، تم تسجيل 12340 شخصا في مكاتب التشغيل، من بينهم 476 شخصا تم إجبارهم على الخروج الى عطلة ليست مدفوعة الأجر، مقابل 11184 شخصا تسجلوا في مكاتب العمل، في الأيام العشرة الأولى من شهر شباط الماضي، من بينهم 97 شخصا خرجوا لعطلة ليست مدفوعة الأجر.

وأعلنت وزارة العمل الإسرائيلية أنها ستتعامل مع العاملين الذين خرجوا الى عطلة إجبارية من دون دفع أجر كعاطلين عن العمل، وستدفع مستحقات بطالة لهم، بموجب أنظمة البطالة القائمة.

وعلى أثر الأزمة الاقتصادية الناشئة، وتراجع الاستهلاك والحركة التجارية بالمجمل، انخفضت قيمة الشيكل أمام الدولار، في غضون أسبوعين تقريبا، بنسبة 6.5%؛ من أقل من 3.43 شيكل للدولار يوم 25 شباط الماضي، الذي بدأ فيه الحديث عن وصول فيروس كورونا الى البلاد، وحتى 3.652 شيكل للدولار، عند إغلاق التداول في أسعار العملات، يوم الجمعة الأخير، 13 آذار الجاري.

وكان سعر صرف الدولار قد انهار أمام الشيكل، منذ مطلع العام الماضي 2019، وحتى نهاية شهر شباط الماضي من هذا العام، بنسبة تقارب 14%، ما خلق أزمة في قطاع التصدير بشكل خاص، ولكن هذا الانخفاض في سعر الدولار لم ينعكس كفاية على الأسعار في السوق.

وبحسب تقديرات المحللين، فإن ارتفاع قيمة الدولار سيكون بمثابة موجة عابرة، إذا ما كانت تتعلق بالأزمة الاقتصادية التي خلفها انتشار فيروس كورونا ورد الفعل الجماهيري في الأسواق، وسيعود الدولار إلى الانخفاض بعد انتهاء الأزمة.

وانعكست الأزمة، كما في كل العالم، على البورصة الإسرائيلية، التي سجلت تراجعا حادا في الأسبوع الماضي، إذ انهار مؤشر "تل أبيب 35" بنسبة 18.66%، فيما انهاز مؤشر "تل أبيب 125" بنسبة 19.25%، وكما يبدو أن هذه فقط البداية، وهناك مخاطر جدية لحدوث تراجعات أخطر لاحقا. وقال محللون إن هذا انعكاس لحالة هلع زائدة، ولذا ليس بالضرورة أن تستمر حالة الأسبوع الماضي في البورصة الإسرائيلية لوقت طويل، حتى تبدأ في مسار الارتفاع.

وقال المحلل الاقتصادي في صحيفة "يديعوت أحرونوت" سيفر بلوتسكر إن التراجعات الحادة في أسعار كل الأسهم في كل البورصات في العالم، بما فيها إسرائيل، دون فرق بين شركات ستخسر الكثير من وباء الكورونا وبين شركات ستخسر القليل أو ستربح، هي مؤشر مؤكد على الفزع. وهذا ليس رد فعل متوازن على انتشار الفيروس بل هو "استسلام للاعقلانية".

ومع ذلك تابع بلوتسكر أن هناك مسا حقيقيا بالاقتصاد العالمي والمحلي (الإسرائيلي)، وتآكلا متوقعا في ربحية عدد كبير من شركات البورصة في فروع مثل الطاقة، السياحة، الطيران، الترفيه، الموضة والمواصلات. وإلى هذا يضاف الانهيار في أسعار النفط الخام، وهو نتيجة لسقوط الطلب ورفض روسيا التقليص من إنتاجها.

وفي المقابل، حسب بلوتسكر، ستتمتع من الانخفاض الدراماتيكي لأسعار النفط دول عديدة مثل إسرائيل التي تستورد مواد الطاقة وفروعا كثيرة من الطاقة، مثل الكيماويات والبنى التحتية. وستجني إسرائيل أيضا ربحا سياسيا غير مباشر من إضعاف إيران اقتصاديا.

وقال بلوتسكر إن هذه الحالة القائمة ستعزز فرضية أن يكون التضخم المالي الإجمالي في إسرائيل في العام الجاري سلبيا، ما سيزيد القوة الشرائية الحقيقية لمتلقي الأجور. ويتبع هذا انخفاض مؤكد في الفائدة، ما يعني انخفاض قيمة قروض السكن، ما سيرفع جدوى الاستثمار في السكن، كما أن انخفاض قيمة الشيكل جيد لشركات التصدير.

وختم بلوتسكر، معلقا على قرارات الحكومة الإسرائيلية، إنه عندما سترتفع البطالة وتزداد الإفلاسات، فإن الحكومة، كل حكومة، ستبدأ بالعمل بفزع وستتخذ قرارات متسرعة وباهظة الثمن. وهذا سيناريو متكدر لا يزال ممكنا إحباطه.

وداهمت أزمة فيروس كورونا إسرائيل في وضعية اقتصادية معقدة، خلفتها الأزمة السياسية المستمرة منذ قرابة عام، إذ لم تتشكل حكومة ثابتة، ما منع إقرار ميزانية العام الجاري 2020، فيما كانت حكومة بنيامين نتنياهو قد أقرت ميزانية العام 2019، في نهاية شهر آذار من العام 2018. ولهذا فإن الحكومة تصرف ميزانيتها، بناء على ميزانية العام 2019، مقسمة إلى 12 شهرا، وهذا يمنع عمليا رفع الميزانية، على الأقل بما يحتاجه التكاثر الطبيعي خلال عام، وتم تجميد الكثير من جوانب الصرف، ومن مشاريع البنى التحتية، إلا تلك التي ميزانيتها كانت مقررة من قبل.

وبالرغم من ذلك، أعلنت الحكومة عن رصد 10 مليارات شيكل، ما يعادل 2.74 مليار دولار وفق سعر الصرف الجديد، لمواجهة تداعيات الفيروس، إلا أنه حسب التقديرات، فإن الخسائر قد تكون أكبر حتى زوال الفيروس المتوقع مع ارتفاع درجات حرارة الجو، في الربيع الذي بات على الأبواب؛ ولكن الحكومة قد تجد نفسها مضطرة لتخصيص ميزانيات أكبر لتعويض كل المتضررين، في الوقت الذي كان على الحكومة لجم المصاريف لكبح العجز المتفاقم في الميزانية العامة منذ العام الماضي.