تستعد السلطات الإسرائيلية المختصة للإعلان عن العام الجاري- 2018- كعام جفاف، بما يتبع هذا من تقنين للمياه بالأساس للمزارعين، حيث أن التقنين بدأ في الاسابيع القليلة الأخيرة.
ويقول مسؤولون إسرائيليون إن شح الأمطار وتقنين المياه من شأنهما أن يتسبّبا برفع أسعار الخضراوات والفواكه التي تعتمد على الأمطار.
وتثير هذه القضية من جديد مسألة التقصير في إقامة محطات تحلية تكون كافية لتزويد المياه للاستهلاك البشري والاستهلاك الزراعي.
وحسب تقرير وزارة الزراعة الإسرائيلية، ففي موسم الشتاء في العام 2016 هطل 81% من المعدل السنوي، بعد أن فاقت الأمطار معدلها في العام الذي سبقه. وفي شتاء العام الماضي، 2017، هطل 71% من المعدل السنوي. وحسب التقديرات الحالية فإن موسم الأمطار لهذا العام قد يكون شبيها بالعام الماضي، لأنه حتى الأسبوع الفائت، تجاوزت كمية الأمطار نسبة 42% من المعدل السنوي. إلا أن كمية الأمطار التي هطلت حتى الأسبوع الفائت في الشمال لا توحي بموسم جيد، حيث أن نسبة عالية جدا من المزروعات في البلاد تأتي من سهول الشمال، وأيضا من كروم مستوطنات مرتفعات الجولان السوري المحتل.
ويقول تقرير في صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية الإسرائيلية إن سلطة المياه في وزارة الزراعة قلصت حتى الآن 11% من كمية المياه التي تقدمها سنويا للمزارعين في شمال البلاد وفي مستوطنات مرتفعات الجولان المحتل. كما أنه سيتم تقليص كميات المياه لري الحدائق في المدن والبلدات بنسبة 13%.
كذلك من المتوقع أن تطلق سلطة المياه حملتها التوعوية للاختصار في استهلاك المياه، تحت شعار "إسرائيل تجف"، وهذه الحملة كانت قد انطلقت في العام 2010، في أعقاب الارتفاع الحاد في الاستهلاك الفردي، الذي بلغ في سنوات التسعين بالمعدل للفرد الواحد 115 مترا مكعبا، وهبط في العام 2009 إلى ما يزيد عن 90 مترا مكعبا، وهبط في العام 2010 في أعقاب الحملة إلى 85 مترا مكعبا في العام.
ووفقاً لتقرير سلطة المياه، فإن حجم الاستهلاك الفردي السنوي يصل إلى 500 مليون متر مكعب، فيما كمية المياه التي يتم دفقها على المزارعين تصل إلى 400 مليون متر مكعب. وبضمن المياه التي تنقل للمزارعين المياه العادمة التي يتم تكريرها، إذ إن إسرائيل تعتبر من أكثر الدول في العالم التي تكرر المياه العادمة، وتصل فيها نسبة التكرير إلى 80% من إجمالي هذه المياه.
زيادة احتمال استيراد خضراوات وفواكه
ويقول مدير عام معهد الأبحاث والتطوير في الشمال، إلكنا بن يشار، إن شح الأمطار وتقليص المياه للمزارعين من شأنهما أن يرفعا أسعار الخضراوات والفواكه. وأضاف أنه إذا ما ارتفعت الكلفة على خضراوات أساسية مثل البطاطا والبندورة وأنواع من الحبوب، فإن هناك احتمالاً بأن تفكر الجهات الرسمية باستيرادها.
وقال أحد المختصين إن إسرائيل لم تعمل بما فيه الكفاية من أجل استيعاب وحصر مياه الأمطار التي تتدفق كفيضانات، إذ إن 20% فقط من هذه الأمطار تتدفق نحو الآبار الإرتوازية. وهناك حاجة إلى إقامة مشاريع لحصر وتجميع القسم الأكبر من مياه الأمطار، ومنع وصولها إلى البحر الأبيض المتوسط. وبموجب التقديرات، فإن إقامة سدود وتجمعات للمياه من شأنها أن تضمن عشرات ملايين الأمتار المكعبة من المياه، التي يمكن تكريرها أو دفقها مباشرة إلى المزارعين.
وكانت إسرائيل تعتمد بدرجة كبيرة حتى قبل ثلاثة عقود، على مياه بحيرة طبريا، التي كانت تضمن ما بين 25% وحتى 30% من احتياجات المياه في البلاد كلها، لكن منذ مطلع سنوات التسعين بدأ مستوى المياه في البحيرة يتراجع بوتيرة عالية، وفي غالب سنوات العقود الثلاثة الأخيرة تكون البحيرة أقل من مستوى المياه المحدد لها، بما بين 3 أمتار وحتى ما يلامس 5 أمتار، ما يهدد البحيرة لاحقا بالجفاف، أو بارتفاع نسبة الملوحة فيها، برغم أنها تتميز بكونها بحيرة المياه العذبة. وفي موسم الشتاء الحالي لم تسجل البحيرة ارتفاعا يذكر، لا بل وفي أيام الصحو تراجع مستوى البحيرة، بسبب عدم تدفق مياه كافية في الوديان وفي نهر الأردن، خاصة على ضوء شح الثلوج المتساقطة على جبل الشيخ هذا العام، وسرعة ذوبانها.
كذلك فإن مخزون المياه في الآبار الجوفية، إن كان في جبال الشمال ومنطقة القدس، أو في الجبال القريبة من الساحل، تراجعت هي أيضا في السنوات الأخيرة، وفي عدد منها توقف سحب المياه.
وبحسب توقعات سلطة المياه الإسرائيلية، فإنه حتى العام 2040 ستكون 70% من المياه المستهلكة في إسرائيل مياها "صناعية"، بمعنى ليست من مخزون المياه الطبيعي، وهذا بحد ذاته بدأ يطرح أسئلة جدية في دوائر الحكم ذات الشأن وأيضا لدى مختصين، ومن بين أبرز الأسئلة المطروحة ما هو مدى تأثير هذا على صحة الجمهور، وعلى جودة البيئة، وصولا إلى سعر كلفة المياه؟.
ويرى محللون أنه على الرغم من أن هذه الأسئلة مطروحة منذ زمن، لم يجر حتى الآن بحث معمق لتقديم الأجوبة. كذلك، وعلى الرغم من أن الجفاف بات يضرب، فإن إسرائيل قادرة حتى الآن على سد الحاجة من المياه، ولكن ما هو ضروري الآن الاستعداد إلى ما هو أسوأ في المستقبل.
المياه "المصنعة"
يقول الباحث الرئيسي في سلطة المياه الإسرائيلية أوري شاني إن هناك ثلاثة أسباب تقود إلى ضرورة تطوير قطاع المياه "المصنّعة".
السبب الأول هو أن عدد السكان في تزايد دائم. ونشير هنا إلى أن أحد الأسباب المركزية التي سرّعت في كشف أزمة المياه هو أنه بالتزامن مع تراجع كميات الأمطار السنوية في سنوات التسعين، تدفق على إسرائيل مليون مهاجر إضافي شكلوا زيادة تتجاوز 20%، مقارنة مع ما كان عليه عدد السكان حتى نهاية العام 1989، إضافة إلى الزيادة الطبيعية للسكان في تلك المرحلة، بحوالي 2,2%. وبمعنى آخر، فإن عدد السكان ارتفع خلال عقد واحد من الزمن بأكثر من 40%.
والسبب الثاني التغيرات المناخية. وفي هذا الشأن وفي معرض التعقيب على مسألة تراجع كميات الأمطار، يقول مدير عام سلطة المياه غيورا شوحم، وهو من الخبراء البارزين في مجال المياه، إنه لا توجد في منطقة البحر الأبيض المتوسط وتيرة تغييرات مناخية واضحة، لذا ليس من المستبعد أن يكون ما يجري في السنوات الأخيرة هو نتاج تأرجحات عابرة في المناخ تتكرر كل عدة سنوات.
ويرى شوحم أن سبب زيادة استهلاك المياه لا يعود فقط إلى ارتفاع عدد السكان بوتيرة عالية، ولا إلى زيادة المناطق المزروعة، وإنما أيضا جرّاء مشاريع تخزين المياه في سورية والأردن، مثل السدود على نهر اليرموك، فهذا ساهم في تقليل تدفق المياه في الوديان.
والسبب الثالث حسب شاني لاتساع الحاجة إلى المياه "المصنّعة"، هو عدم وجود ضوابط لاستهلاك المياه في مختلف المستويات. ويضيف: "كلهم يعرفون أننا نتجه نحو أزمة، وكلهم يفهمون أنه من دون قيود على قطاع المياه، فإننا سنصل إلى نقص في كمية المياه المطلوبة، وما يجري هنا يجري في كل العالم، بما في ذلك العالم المتطور، إذ لا توجد إدارة ناجعة لقطاع المياه". ويشير إلى أن قطاع المياه يدار في كل العالم وفق مبدأ الكميات ودعم الأثمان، وإذا لم تكن للمياه أثمان فلا يوجد سبب في العالم يدفع نحو نجاعة في استخدام المياه وفي إعادة تكريرها.
ويقول شاني إنه على مدى سنوات طويلة عارضت وزارة المالية، ومعها المزارعون، إقامة محطات لتحلية المياه، أو لتكرير المياه العادمة لغرض الزراعة، تخوفا من ارتفاع كلفة المياه. وشرعت إسرائيل في السنوات الأخيرة فقط في إقامة خمس محطات تحلية، والعديد من محطات تكرير المياه العادمة.
ويتابع شاني "عمليا فقد توقفنا عن الارتباط التام بالمناخ، وضمنا بذلك 100% من حاجتنا للمياه". ويضيف أن إسرائيل دولة مميزة، لكون 80% من المياه العادمة يتم تكريرها، وتحل في المرتبة الثانية، وبعيدة جدا عنها بالنسبة المئوية إسبانيا، التي تكرر 17% من المياه العادمة. ويقول إن العالم لا يوظف ميزانيات كافية وجهدا كافيا لتطوير شبكات المياه، وبحسبه فإن مدينة لندن تفقد 40% من كميات المياه المتدفقة على المدينة بسبب سوء البنية التحتية لشبكة المياه. بينما مدينة سيدني الأسترالية وظفت مليارات الدولارات من أجل تخفيض نسبة خسارة المياه من 25% إلى 15%. أما في إسرائيل و"بفضل شركات المياه الحكومية فإن نسبة خسارة المياه هي 8%".
وتعمل في إسرائيل حاليا خمس محطات لتحلية مياه البحر، وتنتج سنويا 600 مليون متر مكعب، بينما تخطيط المحطة السادسة في الشمال ما يزال مشوشاً، بسبب خلاف مع القرية التعاونية شومرات (كيبوتس)، إذ إن المحطة ستكون على الأرض التي تسيطر عليها. ويقول مسؤول آخر في سلطة المياه، ألكسندر كوشنير، إن التقديرات السابقة توقعت أن يكفي عمل هذه المحطات لـ 10 وحتى 15 عاما، حتى تكون هناك حاجة لمحطات جديدة. غير أنه مع استمرار تراجع كميات الأمطار، باتت هناك حاجة لزيادة الطاقة الإنتاجية لهذه المحطات، بالإضافة إلى إنشاء محطات أخرى. وأشار إلى أن هناك عدة مخططات جاهزة، والمطلوب فقط سحبها من الأدراج ووضعها على الطاولة لغرض التنفيذ.
وأفاد تقرير لصحيفة "ذي ماركر" أن كلفة إنتاج متر مكعب واحد من المياه "المصنعة" يتراوح ما بين 2,1 إلى 3,1 شيكل، في حين أن كلفة استخراج المياه من المخزون الطبيعي تتراوح ما بين 1,6 إلى 2 شيكل للمتر المكعب الواحد. ونشير هنا إلى أن سعر المتر المكعب الواحد للمستهلك البيتي، وفق التسعيرة الأولى لكمية الحد الأدنى، يصل إلى 8,35 شيكل للمتر المكعب، ويرتفع السعر إلى 14,4 شيكل عن كل متر مكعب من الاستهلاك الزائد.