يسود لدى عدد كبير من المحللين السياسيين الإسرائيليين شبه إجماع على أن رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، يعتزم تقديم موعد الانتخابات، بل على أنه بدأ حملته الانتخابية، وأن هذه الحملة قد تكون أطول من المعتاد.
ويرى هؤلاء أن نتنياهو بدأ يغازل الناخبين اليمينيين من أجل الحصول على أصواتهم، ولذلك أخذ يصعد خطابه حول القدس والأمن في الأسبوعين الماضيين.
وفي الطريق إلى أصوات الناخبين اليمينيين، التي يشقها بواسطة الإعلان عن مخططات بناء جديدة في المستوطنات في القدس الشرقية والضفة الغربية، زاد نتنياهو من حدة التوتر بينه وبين الرئيس الأميركي، باراك أوباما. وإضافة إلى الإعلان عن مخططات البناء الاستيطاني الجديدة، لا يفوّت نتنياهو والمقربون منه، سواء كانوا وزراء أو أعضاء كنيست أو مستشارين، فرصة إلا ويهاجمون فيها الإدارة الأميركية على خلفية المحادثات مع إيران والإدعاء بأن الدول العظمى وفي مقدمتها الولايات المتحدة قدمت تنازلات كبيرة لإيران بحيث تسمح بتطوير برنامج نووي عسكري. ولذلك، برأي المحللين، استحق نتنياهو وصف أحد مستشاري أوباما بأنه "جبان تافه".
سنة انتخابات
تناول معظم المحللين السياسيين الإسرائيليين موضوع تقديم الانتخابات في مقالاتهم الأسبوعية، يوم الجمعة الماضي، وأشاروا إلى تصريحات نتنياهو، في الأسبوعين الأخيرين، التي ربط فيها بين تصاعد التوتر الأمني والاستيطان وإعادة الأمن والهدوء في القدس الشرقية المحتلة.
ويبدو من هذه التحليلات أن نتنياهو يراقب في هذه الأثناء أداء قادة الأحزاب المشاركة في ائتلافه، وهم: رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" ووزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب "البيت اليهودي" ووزير الاقتصاد نفتالي بينيت، رئيس حزب "يوجد مستقبل" ووزير المالية يائير لبيد ورئيسة حزب "الحركة" ووزيرة العدل تسيبي ليفني. كما أنه يتابع في هذا السياق أداء رئيس حزب العمل والمعارضة، إسحاق هرتسوغ، وتصريحات قادة الحزبين الحريديين شاس و"يهدوت هتوراة"، اللذين يحاول الاقتراب منهما.
ولفت كبير المعلقين في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ناحوم برنياع، إلى أنه "عندما يتوجهون (المقصود نتنياهو) إلى الانتخابات فإنهم يعودون إلى الجمهور الأساس، كتلة اليمين: والمنافسة هي مع بينيت وليبرمان. ويحتاج جمهور الناخبين هذا، الذي كبر حجمه في أعقاب أحداث الصيف الماضي، إلى أعداء. وإيران وحماس ليستا جيدتين بما فيه الكفاية، لأن ثمة من يكرههما في الوسط واليسار أيضاً. وينبغي تزويد الناخب بأعداء يوضحون له لماذا هو وطنيّ فخور وجاره من اليسار ليس كذلك. وأبو مازن (الرئيس الفلسطيني محمود عباس) هو عدو مثالي. وكذلك فإن الرئيس أوباما عدو جيد، في ظروف معينة".
وأردف برنياع "لكن ثمة حاجة إلى شيء ما إيجابي، شيء ما يُنهض الهمم. وهكذا عدنا إلى القدس. ومن حق نتنياهو القول إنه ليس أول سياسي يستخدم القدس بشكل سافر. وعندما يضع السياسيون القدس في رأس أولوياتهم فإن هذا مؤشر بارز على أننا ندخل إلى سنة انتخابات".
ورأى برنياع أن "سنة الانتخابات بدأت فعلا. وكل واحد من السياسيين يدخل خطاباته إلى أوردة ناخبيه مباشرة. فلبيد يصعد تصريحاته ضد المستوطنين، وفي الطريق يهاجم موظفي وزارة المالية، في محاولة شفافة لتحميلهم مسؤولية الوضع الاقتصادي. وليبرمان أعاد السفير (من السويد بعد اعترافها بدولة فلسطين). وبينيت، الذي بدأ سنته الانتخابية بعد إغلاق صناديق الاقتراع في الانتخابات الماضية فورا، يهاجم الإدارة الأميركية بصورة وحشية".
كذلك فإن المحلل ماتي توخفيلد، في صحيفة "يسرائيل هيوم" التي تعتبر بوقا لنتنياهو، كتب أنه "بعد أن اتفق رؤساء الأحزاب التي تشكل الحكومة على أن المصلحة المشتركة، أي الامتناع عن تقديم الانتخابات، تلزمهم بمواصلة السير سوية، بدا أن الحكومة ستصمد خلال الدورة الشتوية الحالية (للكنيست) على الأقل. إذ أنه بحسب القانون ينبغي إجراء الانتخابات بعد ثلاث سنوات فقط. وأي عضو كنيست يريد تقصير مدة ولايته بثلاث سنوات بإرادته؟ لكن بعد افتتاح الدورة الشتوية (مطلع الأسبوع الماضي) انهارت جميع التقديرات. وبعد بضعة أسابيع أخرى شبيهة بالأسبوع الماضي، فإن هذه الحكومة ستسقط خلال ثلاثة شهور وليس ثلاث سنوات".
وكان توخفيلد بذلك يشير إلى تصريحات لبيد ضد تحويل 300 مليون شيكل للمستوطنين، وطرح حزب ليفني "قانون التهوّد"، الذي يحرج نتنياهو لدى "البيت اليهودي" والأحزاب الحريدية، ومشروع قانون ضد استمرار توزيع صحيفة "يسرائيل هيوم" مجانا قد تؤيده أحزاب في الائتلاف إلى جانب أحزاب المعارضة.
وأكد توخفيلد أنه "في الوقت الذي يبني فيه نتنياهو حساباته، بذهابه إلى ولاية أخرى، على مصوتي اليمين ويحدق بقوة نحو أعضاء الكنيست الحريديم، أثبت أعضاء الجناح اليساري في الائتلاف، الوزيران يائير لبيد وتسيبي ليفني، أنهما لا يعتزمان الجلوس جانبا ومشاهدة ما ينسجه نتنياهو من مخططات فوق رأسيهما. وسارعا إلى طرح مشاريع قوانين وأطلقا تصريحات، بهدف إنزال المصائب عليه".
وأشار توخفيلد إلى أقوال عضو الكنيست أوفير أكونيس، من حزب الليكود والمقرب من نتنياهو، وهجومه على لبيد، قائلا إن "لبيد اخترق سد الانتقادات ضد البناء في القدس. ليس أوباما ولا العرب، إنما وزير في الحكومة. هذا هو النفاق الأكبر، أن تخرج الآن ضد البناء في القدس، بينما أعلن قبل الانتخابات أنه يريده".
وأضاف أكونيس أن الحكومة "قد تتفتت، بينما نحن نعلم أن حلف الأخوين لبيد - بينيت تفكك، وأقيم حلف الأخ والأخت لبيد - ليفني. وهذا حلف يستند إلى خطة سياسية وهمية مع شريك غير موجود، وذلك من أجل تمهيد الرأي العام لدى مصوتي اليسار قبل نشوء وضع ينسحبون فيه على خلفية الموضوع" أي البناء الاستيطاني.
كتلة مانعة ضد نتنياهو
اعتبرت محللة الشؤون الحزبية في "يديعوت أحرونوت"، سيما كدمون، أنه تعين على أوباما ألا يصف نتنياهو بأنه "جبان تافه" وإنما "ناكر للجميل"، موضحة أن "نتنياهو، في حياته الخاصة والسياسية، معتاد على الأخذ فقط. وهو ليس معتادا على إعطاء أي شيء لأي كان. وهذه بالمناسبة إحدى الشكاوى التي تتردد ضد نتنياهو: نكرانه الجميل، وبالأساس تجاه من يحسنون إليه".
ورأت كدمون أن "المواجهة مع الإدارة الأميركية ليست عفوية. فخطاب نتنياهو، لدى افتتاح الدورة الشتوية للكنيست، دلّ على الاتجاه: نتنياهو يستعد للانتخابات. وهذا لا يعني أنه ينبغي البدء بحياكة البدلات. ومن حظ نتنياهو أن لا أحد من شركائه، باستثناء بينيت وهذا ليس مؤكدا أيضا، معني بذلك. ولكن مثلما قال هرتسوغ هذا الأسبوع: بتنا داخل المعركة الانتخابية، لكنها فقط قد تمتد وقتا أطول مما اعتدنا عليه".
وأضافت كدمون أن استعداد نتنياهو لانتخابات مبكرة جعله "يستل خطاب التخويف والتهديد... دولة إسرائيل في خطر، الصهيونية في خطر، العالم كله ضدنا، وعلى الجدران يجلس كل الداعشيين والحمساويين والإيرانيين، فكيف إذن يمكن صنع سلام فيما لا تعرف مع من ستصنع السلام. وعدا ذلك، ليس ثمة جهة يمكن صنع السلام معها".
ونقلت كدمون عن قيادي في حزب الليكود قوله إن "الائتلاف الحكومي المقبل بدأ بالعمل هذا الأسبوع. ليبرمان ولبيد وليفني ذهبوا معا إلى خطوة إستراتيجية. وسوية مع هرتسوغ وكحلون (المنشق عن الليكود ويعتزم العودة في الانتخابات المقبلة) يعتزمون القيام بخطوة بعد الانتخابات تتمثل بإقامة كتلة مانعة ضد نتنياهو. وهذا تحالف قد يضم 50 عضو كنيست. ورئيسا الحزبين الأكبرين سيكونان رئيسي الحكومة بالتناوب، وباقي رؤساء الأحزاب سيتولون المناصب الرفيعة: وزير الدفاع، وزير الخارجية ووزير المالية".
وبحسب كدمون فإنه "اتضح أن هذا القيادي في الليكود ليس وحده الذي يعتقد أن كل ما يفعله نتنياهو الآن غايته ضمان أن يكلفه رئيس الدولة بتشكيل الحكومة المقبلة".
وأشارت إلى تردد شائعات في الحلبة السياسية مفادها أن نتنياهو، رغم نفيه ذلك، وقع على اتفاق مع بينيت ينص على أن الأخير سيتولى منصب وزير الدفاع في الحكومة المقبلة.
نتنياهو يتوقع تنكيل أوباما
نقل محلل الشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس"، يوسي فيرتر، عن سياسيين تحدثوا مع نتنياهو مؤخرا، قولهم أن الانطباع لديهم هو أن نتنياهو مقتنع بأن الإدارة الأميركية "تلاحقه"، وأن "أبو مازن وروايته التاريخية يتحدثان من حنجرة رئيس الولايات المتحدة".
كذلك فإن نتنياهو يعتقد أنه في أعقاب الانتخابات النصفية للكونغرس، غداً الثلاثاء، "سينكل به أوباما وإدارته خلال السنتين المتبقيتين لولايته. وسيوضحان له من هي الدولة العظمى ومن هي الدولة الواقعة تحت وصايتها. وهو (أي نتنياهو) يدرك أنه بات غير محتمل عليهما، وكل اهتمامه مركز على ولايته المقبلة".
وأضاف فيرتر أن نتنياهو "لا يرى بعينيه. وفي ولايته السابقة كان إلى جانبه أشخاص عرفوا كيف يلجمونه، مثل إيهود باراك ودان مريدور... وحل مكانهما في وزارة الدفاع ووزارة شؤون الاستخبارات موشيه يعلون ويوفال شتاينيتس، وليس من جهتهما سيأتي الخلاص".
وتابع أن نتنياهو "اختار بطاقة القدس، لأن هذه معادلة منتصرة ولا تخيب الآمال، منذ العام 1996 (عندما تولى نتنياهو رئاسة الحكومة لأول مرة). ويوجد إجماع لدى الشعب حول البناء في القدس. وهو يردد بنفس واحد: القدس والأمن، الأمن والقدس. هذه هي الرسالة ولا توجد غيرها".
لكن فيرتر لفت إلى أن أقوال نتنياهو "حول القدس التي تعاني غايتها صرف الأنظار عن التدهور الخطير للوضع الأمني في المدينة. وعملية الدهس في محطة القطار البلدي ومحاولة اغتيال ناشط جبل الهيكل يهودا غليك، وكل ما يحدث في شرقي المدينة منذ مقتل الفتية اليهود الثلاثة والفتى الفلسطيني في الصيف، يسحب البساط من تحت ادعائه الدائم، بأنه خلال السنوات التسع المتراكمة لولاياته، تمتع مواطنو إسرائيل بهدوء أمني داخل حدود الدولة، لم يكن له مثيل لدى رؤساء الحكومات الآخرين".
وأضاف فيرتر أن الاعتقاد السائد في مكتب نتنياهو هو أن لبيد وليفني، ورغم تخوفهما من الانتخابات، "لن يتمكنا من الاستمرار في ابتلاع خطاب نتنياهو اليميني - القومي - المستفز، والأعمال التي سترافق ذلك. وسيضطران إلى الانسحاب من الحكومة في وقت ما، الأمر الذي سيقود إلى انتخابات مبكرة. ولذلك فإنه بالنسبة لنتنياهو، من الأفضل تمهيد الأرضية، وتسميدها، وزرعها بالكثير الكثير من القدس والأمن، الأمن والقدس، وانتظار أن تثمر عن فاكهة في صناديق الاقتراع"!.
هذا التقرير ممول من قبل الاتحاد الأوروبي.
مضمون هذا التقرير هو مسؤولية مركز "مدار" و لا يعبر بالضرورة عن آراء الاتحاد الاوروبي
المصطلحات المستخدمة:
الصهيونية, يديعوت أحرونوت, هآرتس, يسرائيل هيوم, باراك, الليكود, الكنيست, بنيامين نتنياهو, موشيه يعلون, أوفير أكونيس