صدرت عن منشورات جامعة تل أبيب، مؤخرًا، ترجمة جديدة لكتاب "مرشد الحيارى" للحاخام موسى بن ميمون (الرمبام) أنجزها من العربية ميخائيل شفارتس. من السهل نسيان ان "الرمبام" - كما كبار المفكرين اليهود الآخرين في العصور الوسطى، بدءًا بالحاخام يهودا هليفي وانتهاء بالحاخام سعاديا غاؤون - عاش في دولة عربية، وكتب باللغة العربية، وتأثر شديد التأثر بالثقافة الأسلامية. ومن السهل اكثر، وخاصة في هذه الأيام، أن ننسى أنَّ تعايشًا سياسياً وثقافيًا قد ساد بين اليهود والعرب في اسبانيا الأندلسية.
في اسرائيل اليوم ميل ما للنظر الى اللغة العربية باعتبارها لغة العدو، ليس الا، والنظر الى الثقافة العربية باعتبارها ثقافة دونية أو تشكل مصدر تهديد. صحيح ان السنوات الأخيرة شهدت، في بعض الأحيان، انفتاحًا ما على هذه الثقافة - الأستماع الى أغاني أم كلثوم، مثلا، أصبح شائعا بين الأجيال الشابة - لكن يبدو انه لا يزال هنالك حاجز نفسي يحول دون انكشاف العديد من الإسرائيليين على الثقافة العربية.
القرآن ، وهو كتاب ذو تأثيرات يومية على الحياة في اسرائيل، لا يزال ضيفًا نادرًا في المكتبة العبرية. الجزء الأكبر من الإبداعات الحديثة والراهنة في العالم العربي، سواء في الموسيقى او الأدب أو السينما أو المسرح والفنون الأخرى، يبقى بعيدًا عن مستهلكي الثقافة الإسرائيليين. القليل القليل فقط من الفلسفة العربية وعنها يدرَّس في الجامعات. كليات اللغة والآداب العربية آخذة في التقلص. تعليم اللغة العربية المحكية تم هجره لصالح اللغة الفصحى، وفقط طلاب قلائل في المدارس الثانوية يختارون دراسة اللغة العربية والتقدم الى امتحانات الثانوية بها.
* لا نريد ان نتعلم
تشكل اللغة العربية، إحدى اللغتين الرسميتين في اسرائيل، في نظر بعض الباحثين والنقاد، جسرًا للحوار، بل ان بعض المسؤولين في وزارة المعارف والثقافة يُبدون اهتماماً بالموضوع. وعلى الرغم من ذلك، فإن الصورة في ما يتعلق بتدريس اللغة العربية في المدارس ليست مشجعة: تدريس الغة العربية في المدارس الإبتدائية ليس الزامياً، وفي صفوف السابع حتى العاشر تدريس اللغة العربية الفصحى الزامي، وفي صفوف الحادي عشر والثاني عشر تعود اللغة العربية لتكون موضوعًا اختيارياً. من بين 105،000 طالب في صفوف الحادي عشر في اسرائيل، فقط 5،000 طالب يختارون تعلم العربية، أي اقل من 5% (هذا العدد يشمل المدارس التكنولوجية والمدارس الرسمية - الدينية، التي تكاد اللغة العربية لا تعرض فيها على الطلاب، بسبب كثرة المواضيع الأخرى، الإلزامية). الوضع أكثر سوءًا بين صفوف الثاني عشر: فقط 3،400 طالب من بين 95،000 يختارون تعلم العربية (أقل من 4%).
في وزارة المعارف يشيرون الى ان عدد الطلاب الذين يختارون تعلم العربية أكبر من عدد الذين يختارون تعلم اللغة الفرنسية. لكن، ليس في هذا أي عزاء. <<اللغة العربية يجب ان تكون أحد المواضيع الأساسية في شهادة الثانوية لكل طالب اسرائيلي>>، يقول شلومو ألون، مدير قسم المفتشين المركزين في وزارة المعارف، والذي عمل 15 سنة مفتشًا مركزًا لتعليم اللغة العربية. <<ولكن تحويل اللغة العربية الى موضوع الزامي في شهادة البجروت (شهادة الثانوية) يتطلب تهيئة القلوب بصورة جذرية في المجتمع الأسرائيلي. وزارة المعارف لا تستطيع القيام بذلك وحدها، بل هذا واجب الساسة والمثقفين وصُنّاع الرأي العام. من واجبهم القول انه لا يجوز أن ينهي الطالب في اسرائيل تعليمه بمعرفة العبرية والإنجليزية فقط. وقد تعلمت وزارة المعارف ان أي تغيير بسيط في متطلبات استحقاق شهادة الثانوية من شأنه ان يثير عاصفة شعبية واسعة>>.
المديرة العامة لوزارة المعارف رونيت تيروش، تقول انها تعي مشاعر النفور التي تولدها اللغة العربية لدى الطلاب اليهود: <<هذه لغة جماعة تصعّب عليك عيشك وتمس بأمنك>>، تقول. <<ومع ذلك، ثمة طلاب يدركون ان معرفة اللغة تساعد في فهم سيرورات معينة وفي امتلاك القدرة على رؤية الحياة في هذه البلاد بأعين عربية. لقد فكرنا في جعل اللغة العربية موضوعًا الزامياً للحصول على شهادة البجروت، لكننا خلصنا الى الاستنتاج بأنه اذا كان أقل من 10% فقط يتعلمونها اختيارياً، فليس من الممكن فرضها على الآخرين. اننا نفضل ابقاء الوضع على حاله والعمل على تحفيز الطلاب>>.
كذلك في كليات إعداد معلمي العربية يسود القلق جرّاء تردي مكانة اللغة العربية. <<في العام 1987 أقمت قسمًا في كلية ليفنسكي لإعداد وتأهيل معلمين للعربية، تقول د. ليئه كينبرغ. <<كنا نعتقد انه بالإمكان التغلب على الحاجز النفسي اذا كان المعلمون قديرين وعلى مستوى جيد. لكن هذا لم يحدث. أجيالنا الشابة لا تريد تعلم العربية. ثمة مدارس قليلة جدًا تجد فيها توجهًا ايجابيًا نحو اللغة العربية، وهذا ايضا بفضل معلمين مميزين. في الغالب ينهي الطلاب مواضيعهم الدراسية الألزامية وحسب. ورغم ذلك، نحن لم نيأس وسنفتتح في السنة القادمة برنامجاً دراسياً للقب الثاني في موضوع التربية مع تخصص اللغة العربية، وهو معد لمعلمي اللغة العربية حاملي اللقب الأول>>.
مكانة الدراسات الإسلامية أيضًا تضررت في أعقاب انتفاضة الأقصى والإرهاب العالمي، كما يقول بروفيسور أوري روبين، من قسم اللغة والآداب العربية في جامعة تل أبيب. بعد حرب الأيام الستة كان هناك ازدهار في دراسة اللغة، والتاريخ والثقافة العربية. جيل كامل من المستشرقين إلتحق آنذاك بأقسام الدراسات الأسلامية.
<<بعد احتلال المناطق الفلسطينية حصل اتصال مبشر بيننا وبين السكان العرب وانتشر الوهم بأن التعايش بين الشعوب سيبدأ الآن>>، يقول روبين، <<لكننا صحونا وعدنا الى رشدنا مُذّاك ، وهبط مستوى التعليم في المدارس الثانوية، وأقسام تدريس اللغة والآداب العربية بقيت صغيرة، والمهتمون يفضلون دراسة مواضيع عربية حديثة لا كلاسيكية - انهم يريدون ان يكونوا محللين ومعلقين، لكن ليس "عربيستيم".>>
<<لم يكن الحال هكذا قبل 10 - 15 سنة. المسلسلات الإسبانية حلت اليوم محل الأفلام العربية في القنوات التلفزيونية، والناس يتوجهون لدراسة اللغة الإسبانية بدلا من اللغة العربية>>.
* علام التواصل؟
في سنوات الخمسين علت في النقاشات الثقافية فكرة الإندماج في المحيط - الإندماج الثقافي في الفضاء الشرق أوسطي، والتعرف على شعوب المنطقة والتقرب منها لخلق ظروف مواتية للسلام. <<كانت الرؤيا الصهيونية، في جوهرها، عودة الشعب اليهودي الى أرض اسرائيل بعد ان طرد منها>>، يقول بروفيسور اليعاي ألون، من قسم الفلسفة في جامعة تل أبيب والباحث في شؤون الإسلام. <<لكن الحقيقة هي ان هنالك معارضة ومقاومة من العرب، نتيجة لعدم تقبل الغريب واعتبار اليهودية ديانة وليست قومية، ولذا فان الديانة ليست بحاجة الى أرض ومنطقة جغرافية. الصهيونية، في نظرهم، هي امبريالية غربية خالصة، والتهديد بالنسبة اليهم هو ثقافي - حضاري اكثر منه سياسي واقتصادي. نشأت لدينا حاجة ماسة وملحة لتليين هذه المعارضة والمقاومة، فكيف نفعل ذلك؟ بواسطة بناء الثقة. لكن عدم معرفة لغتهم وثقافتهم يؤتي عكس ذلك: ها قد جاء محتل لا يبذل حتى أي جهد لتعلم لغة المكان ومعرفتها. انه يوحي بأن لاحاجة، قط، لأي اتصال او تواصل مع الخاضع للإحتلال، والرسالة المباشرة هي: {نحن أوروبيون}>>.
التعريف الذاتي للعربي هو تعريف لغوي، ليس أقل من التعريف الإثني، يقول بروفيسور ألون، ولذلك فان اللغة هي وسيلة للتقرب الى ثقافة أخرى. <<وبالرغم من هذا، نحن لا نتعامل مع هذه اللغة بشكل صحيح، سواء من حيث تدريسها أو استخدامها أو تقديرها>>، يقول. <<هنالك ثلاث لغات - العربية الفصحى، العربية الإعلامية والعربية المحكية. هذه الأخيرة يكاد يكون تدريسها هنا معدوماً، رغم ما لنا من أرجحية كإسرائيليين - امكانية التدرب عليها في الحياة اليومية مع جيراننا. الحجة الأساسية التي تقدمها وزارة المعارف هي ان اللغة العربية الفصحى تتيح تدبر الأمور في العالم العربي أجمع. لكن السبب الحقيقي وراء تدريس العربية الفصحى هو صعوبة تدريس اللغة العربية المحكية، لأن المعلمين سيحتاجون الى تبني اللهجة المحلية والتحدث بطلاقة، وهذا ما لا يؤهلونهم له>>.
تدريس السياقات الثقافية، الحضارية والمحلية للغة، يقول ألون، هو عنصر هام لمنع سوء التفاهم. <<العامل الحسي - الشعوري يحتل مكانة عالية في القاموس العربي – الفلسطيني>>، يقول.
<<الإتصال الكلامي (اللفظي) يشكل 20% فقط من الرسالة المراد تبليغها، اما الباقي فهو اتصال غير لفظي، مثل لغة الجسد، والتنغيم، وشكل الوقوف، ومكان القول، وزمن القول ومَن القائل. هذه كلها عناصر هامة جداً لأن المشاعر، في الثقافة العربية، تدخل الى مجالات هي موصدة أمامها في الثقافة الغربية. اذا لم نتعلم هذا ولم ندركه، نكون معرضين للوقوع في أخطاء فاحشة. مصطلح مثل <<شرق أوسط جديد>> قد يدخل القشعريرة في نفوس العرب. ما معنى أن يأتي شخص ما، كائنً من كان، لكي <<يصلحهم>> من أجل <<مصلحتهم>>؟ هذه الدلالات المتصلة باللغة لا يدرسونها في أي مكان - لا في المدرسة، ولا في الجامعة، ولا في مسارات إعداد وتأهيل المعلمين، ولا في الكنيست، ولا في المجلس الأمني المصغر بالتأكيد>>.
* ماذا يريد بن لادن؟
قبل اربع سنوات، اقامت مجموعة من الحاخامات، والمشايخ والعاملين في الأكاديميا حركة <<طريق ابراهيم>>، التي وضعت نصب اعينها التقريب بين الديانتين انطلاقاً من رؤية الترابط بينهما. كان اعضاء المجموعة يلتقون مرة كل بضعة أسابيع، للدراسة والصلاة معًا. <<هذه الحركة تحاول تأكيد الرابط بين الإسلام واليهودية من خلال نصوص وتقاليد صوفية إسلامية، تتصل بأشعائر الدينية اليهودية>>، يقول الحاخام المحافظ روبرتو أرفيف، من مؤسسي الحركة. <<هذا الترابط كان مثمراً في مصر وفي أرض اسرائيل في العصور الوسطى، بل نلاحظ تأثيراته اللاحقة على النصوص "الحسيدية" ("الحسيدية" ـ طريقة في اليهودية اسسها الحاخام يسرائيل باعل شيم طوف، 1700 - 1760، وهي ما يقابل التصوف في الإسلام - المحرر). لا يمكن فهم الحسيدية بدون كتاب "واجبات القلوب" الذي وضعه الحاخام بحياي بن بكوداه باللغة العربية>>.
تخطط هذه المجموعة إصدار سلسلة ترجمات من النصوص الصوفية الكلاسيكية، من العربية الى العبرية، بدءًا بجلال الدين الرومي وانتهاء بمحمد الغزالي. <<دراسة اللغة العربية في البلاد ظلت، لسنوات طويلة، بمثابة "إعرف لغة عدوك">>، يقول أرفيف، <<كانت الدراسة موجهة لغاية واحدة - معرفة العدو من اجل الانتصار عليه. فقط في السنوات الأخيرة نلاحظ محاولات لرفع مستوى التعليم.
<<إبني تعلم اللغة العربية في مدرسة غوردون في تل أبيب، والتي تمثل - أكثر ما تمثل - قيم العمل والمساواة الإجتماعية، حتى وصل الى مرحلة كان ينبغي عليه فيها اختيار لغة أجنبية، فاختار الفرنسية. كل المحادثات ومحاولات الإقناع لم تُجدِ نفعًا. هذا هو، كما يبدو، رد فعل الجيل الشاب على ما يحدث اليوم>>.
على الرغم من ثراء الأدب والفلسفة في الثقافة العربية الكلاسيكية، الا ان عدد الترجمات منها الى العبرية ضئيل جداً. صدرت الترجمة الأخيرة للقرآن في سنوات السبعين، وهي معروفة لعدد قليل جدا فقط من قراء العبرية. <<النصوص التي كتبها المسلمون الانتحاريون منفذو عمليات 11 أيلول تبدو، ربما، نصوصاً حديثة، لكنها مستقاة بكاملها من القرآن>>، يقول بروفيسور يكوتئيل غرشوني، رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في جامعة تل أبيب. هذا القسم يعتبر ذا شعبية واسعة ويضم 220 طالبا، رغم ان بينهم طلابًا كثيرين يعملون في أجهزة الأمن الاسرائيلية ومؤسسات تابعة لها، وآخرين ينوون الانخراط فيها.
<<هنالك اليوم اناس كثيرون يثير الشرق الأوسط اهتمامهم بسبب الأحداث الجارية في اسرائيل وفي العالم>>، يقول غرشوني، <<هؤلاء يريدون فهم ما يجري في المنطقة وما يريده بن لادن. ولكن، لكي تفهم بن لادن عليك ان تفهم محمد، وأمجاد العالم العربي طوال مئات السنين، عندما كانت اوروبا غارقة في ظلمات العصور الوسطى. في القرون الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر كان الإزدهار عظيماً في العالم العربي في مجالات الفلسفة، والعلوم، والطب، وعلم الفلك، والأدب وغيرها. كان ذلك مجتمعًا راقي التعبير عن ذاته، بلغة متطورة، وسياسة جيدة، والكثير من كنوز المال والذهب. عن هذا كله نحن لا نعرف أي شيء.
<<اذا لم يتعلم الطلاب عن عمق هذه الثقافة، فلن يفهموا معنى الإذلال الذي يتحدث عنه بن لادن - اعادة احتلال المسيحية لأوروبا، الذي حوّل المجتمع العربي من مجتمع متطور الى مجتمع يسيطر عليه الغرب ويتعالى عليه>>.
* عودة الى الجذور
فكرة الإندماج في الفضاء الشرق أوسطي تحمل في طياتها جانبًا اجتماعياً لا يقل اهمية: إعادة ربط يهود المشرق بثقافتهم وجذورهم الأصلية. <<نحن في الواقع يهود - عرب، كما يوجد مسيحيون - عرب أو شركس – عرب>>، يقول الموسيقي يئير دلال، الذي يضع مؤلفات موسيقية عربية ويدمج فيها اساليب شرقية وغربية. <<أنا شرقي، سواء بسب اصول والدي او بسبب أصول شعبي االقديمة. الى جانب الثقافة الغربية التي نشأ عليها جزء من الشعب اليهودي في اوروبا، لا يجوز اغفال الثقافة الشرقية المتجذرة هنا، والتي يجدر اعادة التواصل معها. المشكلة هي ان الثقافة الشرقية تعرضت للقمع سنوات طويلة واعتبرت ثقافة دونية>>.
بدأ دلال مسيرته الموسيقية مع الموسيقى الكلاسيكية الأوروبية. <<في سن السادسة درست العزف على الكمان في غفعتايم. تعلمنا موسيقى كلاسيكية غربية، إذ لم يدرسوا شيئًا آخر>>، يقول، <<لكني كنت استمع في البيت الى موسيقى عربية، استطعت عزف بعض منها على الكمان. عملت سنوات عديدة في سلطة المحميات الطبيعية وفي جمعية حماية الطبيعة وكنت اقضي ساعات طويلة في الصحراء. في سن الثلاثين عدت الى الموسيقى، وبتأثير من الحياة في الصحراء، اتجه تأليفي الموسيقي بشكل طبيعي الى الجذور الشرق أوسطية، والى المزج بين الشرق والغرب. واليوم ايضًا يمكن، بسهولة، ملاحظة الحواجز التلفزيونية والاذاعية التي تقف في وجه هذه الموسيقى، اذ لا يتم بث اغان بالعربية، بل حتى اغانيَّ انا المؤلفة بلغة عبرية حسب السلم الموسيقي العربي لا يتم بثها. ورغم هذا، نرى هنا اليوم انتشارًا للموسيقى العربية الكلاسيكية، الأمر الذي يثير التفاؤل، ربما>>.
* نظرة مركبة تجاه الآخر، غير المسلم
القرآن، الكتاب المقس لدى المسلمين، ترجم الى العبرية مرتين فقط طوال القرن العشرين: الترجمة الأولى أنجزها ي. ريفلين وصدرت في ثلاثينيات القرن الماضي، وجاءت بطبيعة الحال ذات لغة قديمة جدًا ومهجورة. اما الترجمة الثانية فقد أنجزها أهرون بن شيمش، وصدرت في السبعينات، ويقول عنها الدارسون انها تفسير للقرآن. في السنتين الأخيرتين يعكف بروفيسور أوري روبين، من قسم اللغة والآداب العربية في جامعة تل أبيب، على انجاز ترجمة جديدة للقرآن. هذا الكتاب، الذي يحتوي على 114 سورة، ينتظر صدوره بمجلدين بعد حوالي السنتين.
<<انني احاول وضع نص يستند على تفسيرات القرآن من جهة، وعلى المنطق السليم ايضًا، بحيث يستطيع نقل جمالية النص ويتيح للقارىء هنا فهم سبب قدسيته وسبب إجلال المسلمين له>>، يقول روبين. <<ان في القرآن سحرًا كبيرًا، سواء بسبب شكل الأحرف او بسبب كونه مكتوبًا بنثر موزون واحتفالي، اضافة الى ما فيه من ايقاع مميز. ان فيه مستويات مختلفة من المضامين: من جهة، عنصر الترهيب من نار جهنم - فهي مصورة فيه بألوان مفزعة حقاً - ومن الجهة الأخرى وعود بالعفو والمغفرة للتائبين، ثم جنّات عدن الموصوفة بشكل محسوس وجميل. فيه ايضاً مواعظ وقوانين وشرائع. كل هذا كله يفترض ان يزود الأنسان بمفتاح الطريق الذي يجعله انساناً كاملا>>.
نظرة القرآن الى الآخر، غير المسلم، هي نظرة مركبة . <<من جهة، هو يدعو حقاً الى اعلان الجهاد على غير المسلمين، ومن جهة اخرى يمكن العثور فيه ايضًا على دعوة الى التسامح مع الغير، الى محاولة اقناعه بالتي هي أحسن او التنازل له>>، يقول روبين. <<كما في كل الكتب الدينية تقريبا، يمكن العثور فيه على توجهات متطرفة، لكن البارز في القرآن بشكل خاص هو الثنائيات المتناقضة: فيه آيات تدعو الى الجهاد الشامل، الى جانب آيات تقول "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها". المفسرون يميلون الى تفسير هذه التناقضات بالقول ان الآيات نزلت في فترتين - الآيات المعتدلة في الفترة الأولى من الرسالة، بينما الآيات المتشددة بعد وصول النبي محمد الى المدينة (المنورة) وتعزيز قوته العسكرية فيها>>.
للقرآن، يقول روبين، تأثير الحياة اليومية في اسرائيل. <<انه نص يحفظه بعض المسلمين المتدينين عن ظهر قلب. في حركتي حماس وحزب الله يعرفونه وهو موجود عميقاً في اللاوعي. ولذلك، فان كل ما يقومون به - حتى وان لم يكونوا مدركين - متأثر من هذا الكتاب. القرآن يصوغ علاقة المسلمين بالآخرين، بمن فيهم اليهود ودولة اسرائيل>>.