يبدو أن قلائل انتبهوا إلى أن ما أسمي بـ "اجتماع النقب" الذي عقد في كيبوتس "سديه بوكر"، في صحراء النقب الجنوبيّة، يوم 28 آذار 2022، وحضره وزراء خارجية كل من إسرائيل والولايات المتحدة ومصر والمغرب والإمارات العربية المتحدة والبحرين، تزامن مع مرور 20 عاماً على إقرار مبادرة السلام العربية في ختام القمة العربية التي عقدت في بيروت في أواخر آذار 2002، وكذلك مع مرور 15 عاماً على إقرار هذه المبادرة مُجدّداً من طرف الدول العربية في قمة أخرى عقدت في العاصمة السعودية الرياض، في نهاية شهر آذار 2007.
وأولئك الذين انتبهوا إلى هذه المسألة، سواء من العرب أو من الإسرائيليين، فعلوا ذلك كي يخلصوا إلى نتيجة متشابهة فحواها أن "اجتماع النقب" يدلّ بوضوح، من بين أمور أخرى، على أن القادة العرب قد نسوا هذه المبادرة تماماً، ولم يعودوا يلزمون أنفسهم بها، بل ورُبّما باتوا مسلّمين بأنها أصبحت غير قابلة للإحياء أو حتى إعادة الترميم، وكذلك باتوا مسلّمين بأن إسرائيل نجحت في أن تجهضها، وهي التي لم تقبلها بشكل مطلق، ولم ترفضها رفضاً باتاً.
ومعروف أن المبادرة تتألف من البُنود التالية:
• انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي التي احتلتها في حزيران 1967 (وبضمن ذلك هضبة الجولان وجنوب لبنان والقدس الشرقية) إلى حدود ما قبل هذا الاحتلال.
• إقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967 تكون القدس الشرقية عاصمة لها.
• التوصل إلى حلّ عادلٍ ومتفق عليه لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 194.
• في مقابل تحقيق البنود الثلاثة السالفة، تعلن جميع الدول العربية عن إنهاء الصراع الإسرائيلي - العربي، وموافقتها على إقامة علاقات سلام شامل مع إسرائيل.
ولدى استعادة هذه المبادرة في سجلات الوقائع الإسرائيلية، فإن أول ما يخطر على البال هو أن أنصار السلام في إسرائيل أشاروا مرات كثيرة إلى أن المبادرة تم قبولها من طرف جميع الدول العربية والإسلامية، ما عدا إيران. وبناء على ذلك، فإن التوصل إلى اتفاق سلام يستند إلى هذه المبادرة سيحقق لإسرائيل، للمرة الأولى منذ قيامها، اعترافاً بوجودها كدولة من جانب جميع الدول العربية والإسلامية وسائر الدول والجهات المؤيدة لها، واعترافاً دولياً لأول مرة أيضاً بسيادة إسرائيل في القدس الغربية كعاصمة لها. كما أن الحديث لا يدور حول تهدئة ووقف لإطلاق النار أو اتفاقية انتقالية، كما هو مألوف حتى الآن بين إسرائيل والفلسطينيين، وإنما يدور حول إنهاء الصراع، وإبرام اتفاقية سلام شامل. ولم يعد الحديث يدور حول معاهدة سلام بين إسرائيل وبين دولة عربية واحدة (مثل معاهدة السلام مع مصر، أو معاهدة السلام مع الأردن)، وإنما حول معاهدة سلام مع كل الدول العربية مجتمعة. كذلك فإن الحديث لم يعد مقتصراً على مشروع حلّ أكاديمي أعده باحث أو سياسي أو طاقم من الشخصيات العامة أو الخبراء غير الرسميين (على غرار مبادرة جنيف مثلاً) وإنما هو بشأن مشروع حلّ أقرته السلطات الرسمية في 22 دولة عربية، وتؤيده جميع الدول الإسلامية في العالم ما عدا إيران.
وذهب بعض هؤلاء إلى أبعد من ذلك حين أشاروا إلى أنه كان من المألوف القول في إسرائيل (آنذاك) بأنه لا يوجد لدى الفلسطينيين شريك جادّ لصنع السلام مع إسرائيل، ولكن ألا يمكن لـ22 دولة عربية أن تكون شريكاً من هذا النوع؟
كذلك يخطر على البال أن إطلاق المبادرة العربية للسلام جاء مُحايثاً لعدة مُستجدات حدثت منذ العام 2000 ارتباطاً بالصراع الإسرائيلي- الفلسطيني على نحو خاص، وبالأوضاع الإقليمية والعالمية على وجه العموم، أهمها إخفاق مؤتمر كامب ديفيد المنعقد في ذلك العام والذي في إثره أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية في ذلك الوقت إيهود باراك أنه لا يوجد شريك فلسطيني للسلام، وتلا ذلك اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ثم وقوع هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر أيلول 2001.
وقد بُني الموقف الإسرائيلي من تلك المبادرة على أساس تلك المُستجدات.
في تلك الأعوام تولى منصب رئيس الحكومة الإسرائيلية أريئيل شارون وسط محاولات إسرائيلية متواترة استهدفت تسويق "صورة جديدة" له، وتحديداً منذ أن أعلن قبوله رؤيا الرئيس الأميركي جورج بوش الابن لتسوية الصراع مع الفلسطينيين والمعتمدة على "مبدأ دولتين لشعبين" (وهو المعروف بأنه من أشدّ الأعداء الألدّاء لفكرة قيام دولة عربية أخرى بين النهر والبحر ونصير بل ومبتكر مفهوم "الأردن هو الدولة الفلسطينية"). غير أنه في مقابل مبادرة القمة العربية في بيروت انكشفت حكومة شارون بكونها مُجرّدة من أي رؤيا سياسية لتسوية الصراع، ما يحيل إلى أن "التغيير" الذي طرأ على شارون كان تكتيكياً أكثر منه جوهرياً، كما أن ردات فعل مماثلة من الاستخفاف وعدم الاكتراث صدرت في ذلك الوقت عن إسرائيل الرسمية إزاء الملك الأردني والرئيس المصري اللذين كانا توجها مباشرة إلى الشعب في إسرائيل عبر لقاءات مع قنوات التلفزة الإسرائيلية.