خلص بحث جديد أصدره معهد الأبحاث والدراسات التابع للكنيست الإسرائيلي حول حوادث الطرق، إلى أن الحكومات في إسرائيل لم تلتزم في أية مرة بما وضعته وحددته وصاغته بنفسها، أو في هيئات رسمية خاضعة لها، من خطط وبرامج لمكافحة الحوادث، على الرغم من الاجتماعات والقرارات واللجان الإدارية العليا التي تم تشكيلها لغرض تحديد سياسة شاملة ومتكاملة لمواجهة الحوادث، التي تقتل وتصيب في إسرائيل عددا كبيرا جدا من السكان، مقارنة بمجموعات الدول التي ترغب المؤسسة الإسرائيلية وتروّج للانتماء إليها. وهو يتناول على نحو خاص ما طرأ على المعطيات في السنة الحالية التي تقارب على الانتهاء، وسط التقييدات الكبيرة على التحرك والتنقل في ظل وباء كورونا.
وفقاً للبحث، بحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء خلال الفترة من كانون الثاني إلى أيلول 2020، كان هناك 7745 حادث طرق يشمل إصابات، بانخفاض نسبته 20.1% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. كذلك، وفقاً لسلطة الأمان على الطرق، فبين شهري كانون الثاني وتشرين الأول 2020، وقع 243 حادث طرق مميتاً مقارنة بـ 260 حادثاً في الفترة المماثلة من عام 2019، بانخفاض قدره 7%. في الفترة من كانون الثاني إلى تشرين الأول 2020، قُتل 258 شخصاً في حوادث، بانخفاض قدره حوالي 10% مقارنة بعدد الوفيات في الفترة المماثلة من العام الماضي (286 شخصاً في عام 2019). إلا أنه في إثر تفشي فيروس كورونا في إسرائيل، بدءاً من آذار 2020، كانت هناك قيود على حركة السكان في الأماكن العامة، وتغيرت أنماط تنقل الكثيرين نتيجة للزيادة الكبيرة في نسبة العمال والمتعلمين الذين لم يعودوا يخرجون بنفس الوتيرة من منازلهم. ونتيجة لذلك تغيرت أنماط المرور على الطرق الداخلية وبين المدن. من هنا جاءت أهمية فحص عدد حوادث الطرق والإصابات في ضوء هذه القيود، وكذلك فحص خصائص حوادث الطرق التي وقعت خلال هذه الفترة (الطرق الداخلية مقابل الطرق بين المدن)، وكذلك المجموعات السكانية المتضررة من الحوادث كالمشاة، وراكبي الدراجات النارية، وراكبي الدراجات الكهربائية المخصصة لمن هم في عمر فوق 65.
الأهداف الحكومية في مجال السلامة على الطرق
تبنت الحكومة الإسرائيلية في السنوات الخمس عشرة الماضية، عدداً من البرامج في مجال حوادث الطرق، ووضعت أهدافاً طويلة الأجل وأخرى قصيرة المدى لتقليل حالات الموت الناجمة عن حوادث الطرق. في العام 2005، تبنت الحكومة خطة وطنية متعددة السنوات للسلامة على الطرق، حيث تم تحديد هدف يكون بموجبه مستوى السلامة على الطرق في إسرائيل خلال 10 سنوات مماثلاً لمستوى الدول الرائدة في المجال. في ذلك الوقت كان عدد القتلى في إسرائيل أعلى بـ65% من تلك الدول. لهذا الغرض، تم تحديد رقم: بحلول العام 2010 لن يتجاوز عدد القتلى في حوادث الطرق 360 شخصاً في السنة، وبحلول العام 2015 ينخفض إلى أقل من 300 شخص يقتل سنويا. ولكن وفقاً للبحث، لم تحقق الحكومة الهدف الذي حددته لنفسها.
في العام 2013، حدد وزير المواصلات هدفاً جديداً تكون فيه دولة إسرائيل بحلول العام 2020 واحدة من خمس دول رائدة في مجال السلامة على الطرق، وفقاً للمؤشر التالي: عدد حالات الموت لكل مليار كيلومتر يتم قطعها. اعتباراً من العام 2017، احتلت إسرائيل المرتبة الخامسة عشرة في عدد حالات الموت بين مجموعة دول OECD. في تشرين الثاني 2019، خلال جلسة خاصة عقدت في الكنيست بمناسبة "أسبوع السلامة على الطرق" بحضور وزير المواصلات آنذاك عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش، أعلنت سلطة الأمان على الطرق أنها تصوغ برنامجاً متعدد السنوات (خطة "50 إلى 30")، أحد أهدافه الرئيسة: حتى العام 2030، خلال حوالي 10 سنوات، سيتم تخفيض عدد حالات الموت في حوادث الطرق بنسبة 50% مقارنة بنهاية 2021 (بالأرقام: 127 حالة موت سنوياً حتى نهاية عام 2030). في تشرين الثاني الأخير صاغت سلطة الأمان على الطرق خطة متعددة السنوات تتضمن مفهوماً واسعاً لمجالات السلامة على الطرق، وتوجيهات مختلفة للعمل تهدف إلى تحقيق الأهداف في هذا المجال. وستكون الخطوة التالية هي العمل بالإجراءات المتفق عليها مع جميع الجهات ذات الصلة، بحيث يمكن اعتماد الخطة النهائية من قبل الحكومة.
في 8 تشرين الثاني 2020 قدمت وزيرة المواصلات الحاليّة ميري ريغف في اجتماع مجلس الوزراء خطة لتشكيل فريق من المديرين العامين في الوزارات برئاسة مدير مكتب رئيس الحكومة ووزارة المواصلات لصياغة خطة عمل وطنية للسلامة على الطرق وفق عدد من الأهداف. وأشارت الوزيرة إلى هدف مطروح بموجب اتفاقية ستوكهولم الدولية "50 إلى 30" يهدف إلى خفض عدد حالات الموت في الحوادث بنسبة 50% بحلول العام 2030، مشيرة إلى أنه بعد عرض هذه الخطة في اجتماع مجلس الوزراء في العام 2019 – ولم يتم تبنيها – تعتزم الوزيرة تعيين فريق عمل يضم مديري الوزارات الحكومية ذات الصلة لصياغة التوصيات، وفي الوقت نفسه، ناشدت وزارة المالية توفير الميزانية المطلوبة لتنفيذ توصيات الموظفين.
تشير البيانات إلى أنه في العام 2018 كان هناك انخفاض بنسبة 7.9% في جميع أنواع حوادث الطرق مقارنة بالعام 2017. ومع ذلك، في العام 2019، كانت هناك زيادة بنسبة 4.13% في جميع أنواع حوادث الطرق ذات الإصابات، مقارنة بالعام 2018. وطرأت زيادة بنسبة 24.8% في عدد الحوادث الخطيرة، وزيادة بنسبة 11.1% في عدد حوادث الطرق المميتة.
بين شهري كانون الثاني وتشرين الأول 2020، كان هناك ارتفاع بنسبة 12% في عدد الوفيات في حوادث الطرق في المناطق الحضرية مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، بينما كان هناك انخفاض بنسبة 26% في عدد الوفيات في حوادث الطرق التي وقعت في داخل البلدات.
في الفترة من كانون الثاني إلى تشرين الأول 2020، كانت هناك زيادة بنسبة 3% في عدد المشاة الذين قتلوا، وزيادة بنسبة 14% في عدد راكبي الدراجات النارية الذين قتلوا، وزيادة بنسبة 6% بين راكبي الدراجات البخارية والدراجات الكهربائية الذين قتلوا في حوادث مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. في المقابل، كان هناك انخفاض بنسبة 64% في عدد القتلى من راكبي الدراجات، وانخفاض بنسبة 32% في عدد الوفيات في حوادث المركبات الثقيلة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
تقصير في تنظيم وضبط المرور في المجتمع العربي
بحسب سلطة الأمان على الطرق فإن العديد من الإشارات المرورية في بلدات المجتمع العربي لا تعمل وفقاً لخطة لافتات طريق منظمة، ويرجع ذلك جزئياً إلى ارتفاع تكلفة تخطيط وتنفيذ مثل هذه الخطط، وغياب تخصيص ميزانيات للسلطات المحلية لغرض تحديد وتركيب إشارات مرور في مناطق نفوذ بلداتهم. بعد ذلك أعلنت سلطة الأمان على الطرق التزاماً بوضع خطط إشارات الطرق لـ 37 سلطة محلية بمبلغ تراكمي يبلغ حوالي 5 ملايين شيكل.
أما من الناحية العملية، فمن بين 37 سلطة، نفذت 30 سلطة إشارات طرق لتحسين أوجه القصور في السلامة في منطقتهم، والتي بلغت قيمتها التراكمية 3.4 مليون شيكل. كما أثيرت انتقادات لعدم استخدام الميزانيات لتحسين السلامة على الطرق في عدد من السلطات المحلية وفقا لتقرير مراقب الدولة للفترة من تشرين الثاني 2019 حتى حزيران 2020. فقد فحص مكتب مراقب الدولة الأنشطة الرامية إلى زيادة السلامة على الطرق في خمس سلطات محلية في المجتمع العربي، وطرح العديد من القضايا الرئيسة المتعلقة بأوجه القصور والفشل في هذا المجال، على سبيل المثال: خلل في سلطات محلية بشأن توثيق حوادث الطرق في مناطق نفوذها وتعزيز إصلاح أوجه القصور التي ربما تسببت في هذه الحوادث؛ فشل في رصف البنية التحتية (الأرصفة والطرق)؛ قصور في ترتيبات المرور وأجهزة السلامة مما يضر بسلامة مستخدمي الطريق؛ عدم الاستفادة من الميزانيات المخصصة من وزارة النقل لوضع العلامات وإشارات المرور؛ عدم تفعيل المخالفات المرورية.
وفقا لمعطيات سلطة الأمان على الطرق: شكل الضحايا من المجتمع العربي، في المتوسط خلال العقد الماضي، ثلث الذين قُتلوا في حوادث الطرق، أي 1.5 ضعف معدلهم النسبي في السكان. وشكل المشاة أيضاً ثلث الذين قُتلوا في حوادث الطرق خلال العقد الماضي. وبمقارنة دولية، كانت النسبة المئوية للمشاة الذين قُتلوا من جميع الوفيات الناجمة عن حوادث الطرق أعلى بمقدار 1.5 مرة من المتوسط في دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OECD. يُشكّل الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 75 وما فوق الفئة العمرية الأكثر عرضةً للخطر بين المشاة.
وفيات الأطفال حتى سن 14 عاماً في حوادث الطرق تماثل المعدل المسجّل في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD نسبة إلى نسبتهم في السكان. خلال الأعوام 2016-2017، وفي المتوسط، بلغ عدد الضحايا من الأطفال العرب الذين تقل أعمارهم عن 4 سنوات 11 ضعف عددهم في المجتمع اليهودي.
نسبة وفيات الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 65 عاماً وما فوق في حوادث الطرق ضعفيّ عددهم النسبي من بين عدد السكان، مع معدل أقل بقليل من المسجّل في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. اذ يزيد خطر الوفاة نتيجة لحادث طرق مع التقدم في العمر من سن 65 عاماً وما فوق. على مدى العقد الماضي كانت هناك زيادة بنسبة 75% في عدد الوفيات من سائقي الدراجات النارية في حوادث الطرق، وقد شكلوا 13% من بين جميع الوفيات. في المجتمع العربي، تبلغ نسبة الوفيات من بين راكبي الدراجات النارية العرب 5 أضعاف نسبة الوفيات بين اليهود.
خلل في توفير المعلومات والميزانيات وتحديد الأولويات
طرح البحث الذي وضعه معهد أبحاث الكنيست عدداً من القضايا ضمن توصيته لمزيد من الفحص في المستقبل:
*الهيئة الشاملة المسؤولة عن السلامة على الطرق التي يحددها القانون والمكلفة بصياغة خطط العمل ومراقبة تنفيذها هي سلطة مكافحة حوادث الطرق. تعرض الوثيقة مواقف هذه السلطة فيما يتعلق بالحواجز التي تصعّب عليها أن تعمل كهيئة متكاملة، بما في ذلك الافتقار إلى الصلاحيات وعدم اليقين في الميزانية. وهذا يثير التساؤل حول ما إذا كان تقسيم الوظائف المعمول به بين الهيئات المختلفة في مجال السلامة على الطرق هو الأمثل كي تكون أفضل هيئة شاملة لهذا المجال.
*مسألة نقص الميزانيات لتنفيذ مشاريع مختلفة في جميع المجالات. وقد تم التأكيد على هذه القضية بشكل أكبر في 2019 - 2020 حيث لم يتم تحديد ميزانية للدولة ولم يتم تحويل الميزانيات المطلوبة إلى مختلف المشاريع، ولا سيما لإصلاحات البنية التحتية في البلدات وبين المدن، مما أدى إلى تجميد العديد من المشاريع. على سبيل المثال، بيانات من وزارة المواصلات فيما يتعلق بمعالجة مواقع خطرة، وخطة لإقامة مواقف سيارات للراحة ومسارات للمركبات الثقيلة. قضية نقص الميزانية أثيرت حتى فيما يتعلق بمشروع "حراس الطرق"، حيث جاء أن حاجز الميزانية يجعل من الصعب تحقيق الهدف السنوي المحدد لنقل التقارير من متطوعي المشروع إلى الشرطة. وقال معدو البحث: إن هذا يثير تساؤلات حول كيفية تحديد أولويات المشاريع وتوزيع الميزانية بين الهيئات المختلفة. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن شرطة المرور أفادت بأنها "حسب علمها لم تواجه أي عقبات أو صعوبات في تحويل الميزانيات إلى مشاريع إدارة المرور خلال العام الماضي".
* العديد من الهيئات لم تقدم تقارير جارية إلى لجنة الاقتصاد البرلمانية حول تنفيذ خطط العمل تحت مسؤوليتها. في الوقت نفسه، لم يسفر قرار الحكومة في مجالات السلامة على الطرق، والذي تضمن سلسلة من التوجيهات وخطط العمل للجهات الحكومية المختلفة، بما في ذلك الميزانية المخصصة لتنفيذ هذه الإجراءات، عن تقارير مستمرة من قبل الجهات المختلفة حول تنفيذ القرارات المفروضة عليها. سلطة الأمان على الطرق مسؤولة عن تنفيذ خطط العمل في بعض المجالات، ولكن ليس من الواضح ما إذا كانت هذه آلية رصد مستمرة تشمل تنفيذ التوصيات والمبادئ التوجيهية وخطط العمل في مجال السلامة على الطرق. على سبيل المثال، فيما يتعلق بالميزانيات المحولة إلى السلطات المحلية لإصلاح أوجه القصور في البنية التحتية التي تهدد الحياة، يبدو أنه بعد تحويل الميزانيات إلى السلطات، لا توجد آلية موحدة لمراقبة الطريقة التي يتم بها استخدام الميزانية من قبل سلطات المرور وتنفيذ الإصلاحات الفعلية. هذا يجعل من الصعب الترويج لسياسة وطنية متكاملة وطويلة الأجل في مجال السلامة على الطرق.
*نشر المعلومات والبيانات - تظهر الوثيقة أنه لا توجد منشورات كاملة بشأن البيانات والميزانيات وتفاصيل خطط العمل الموجودة في مجالات نشاط الهيئات المختلفة. "الطرق الحمراء" ليست معروفة للجمهور، وليست هناك إشارات أو تحذيرات بشأن الوصول إليها. وبالتالي يجدر فحص طرق لجعل البيانات متاحة بشكل كامل لعموم الناس.
أنماط الحوادث والإصابات في 2020 أمام أزمة كورونا
يرى البحث أن من بين الأسئلة المهمة التي تثار في ظل البيانات المقدمة في فترة تحديث هذه الوثيقة، ما يتعلق بحوادث الطرق التي وقعت أثناء تفشي فيروس كورونا بشكل عام. وسيكون من المفيد دراسة ما إذا كانت التغييرات في أنماط التنقل التي تشمل انخفاضاً عاماً في الخروج من المنزل وخاصة إلى أماكن العمل، وانخفاض حجم حركة المرور على الطرق، وزيادة القيام بالمشي في داخل البلدات، وانخفاض استخدام وسائل النقل العام قد أثر أيضاً على عدد الحوادث.
هذا يتطلب، كما يكتب معدو التقرير، التوقف عند خصائص مختلفة، بما في ذلك: موقع الحوادث (على الطرق الداخلية مقابل الطرق بين المدن)، المشاة، الأطفال راكبو الدراجات الكهربائية، نوع السيارات المتورطة في الحادث إلخ... السؤال هو: هل هذه التغييرات في أنماط المرور طويلة المدى؟ قد تشمل هذه الجوانب مجموعة متنوعة من مجالات العمل المتعلقة بالتخطيط الحضري، وإدارة وتخطيط وترميم البنية التحتية للمواصلات، وتخفيف حركة المرور في المناطق الحضرية وبالقرب من المؤسسات التعليمية والتجارية، ومناطق شرائح السكان المعرضين بشكل متزايد لخطر التعرض للإصابة في الحوادث.