المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 912
  • نوريت كنيتي

تعريف:
تتحدث الكاتبة في هذا المقال المنشور في مجلة "ليبيرال"، وهي صحافيّة ومحررة برامج إخبارية إذاعية في راديو الجيش الإسرائيلي ("غالي تساهل")، عن نظام الموازنة المعطوب الذي تعاني منه المستشفيات دائماً؛ عدم التنسيق بين الحكومة والمستشفيات والصناديق الطبية؛ النقص المتزايد في الأطباء؛ والأساليب التي عفا عليها الزمن. بهذه الطريقة تخلى السياسيون وواضعو الأنظمة عن النظام الصحي، وهو ما يدفعه إلى الاعتماد أكثر على تبرعات القطاع الخاص وإلى تقليص عدد العاملين فيه إلى الحد الأقصى.

 "إنّنا نحث مواطني إسرائيل على الخروج ومطالبة الحكومة بتنفيذ توصياتها والوفاء بالتزاماتها، كما يقتضي قانون التأمين الصحي الحكومي، الذي يستند إلى مبادئ المساواة والعدالة والتكافل المتبادل"- بهذه الكلمات يختتم تقرير من 30 صفحة وضعته لجنة شعبية عامة مؤلفة من ائتلاف واسع النطاق. وقد استمع أعضاء اللجنة، بقيادة القاضيتين المتقاعدتين د. دافنا أفنئيلي وميخال لفيت، إلى عشرات الشهود وجرت قراءة آلاف الوثائق. يسود اعتقاد، ساذج إلى حد ما، أنه فقط لو تم تقديم التقرير للجمهور قبل الجولة الأولى من الانتخابات (من أصل ثلاث جولات) في نيسان 2019، فإن أزمة النظام الصحي ستصبح قضية مهمة في الحملات الانتخابية وفي الاتفاقيات الائتلافية. لكن النهاية معروفة جيداً. فقضية الجهاز الصحي لم تقف في مركز أية معركة انتخابات، فيما عدا المحاولة الضئيلة من قبل "كحول لفان" (أزرق أبيض) لاستخدام ذلك التقرير في الحملة الانتخابية الأخيرة، جزئياً، قبل أن يتفكك الحزب بعد الانتخابات. والحكومة التي تشكلت في نهاية المطاف في ظل أزمة كورونا، قد تستثمر في نظام الرعاية الصحية، ولكن ربما ليس بسبب التقرير الشعبي القاسي المذكور، بل بسبب الأزمة. والأهم من ذلك، لأن الإجراءات القاسية التي اتخذت في سبيل إدارة الأزمة، والتي أدت إلى ضرر هائل في الاقتصاد، تعود بشكل رئيس إلى ارتفاع معدل الإصابات الذي لم يستطع النظام الصحي الاستجابة له بسبب أوجه القصور فيه. وهي أوجه القصور التي يعرفها الجميع، ولكن لم يكلف أحد نفسه عناء حلها. على أي حال، في الاتفاق الذي أدى إلى تشكيل "حكومة الطوارئ" لا يوجد ضمان لمستقبل النظام الصحي.

هل سوف يتذكر أحد بعد خفوت لهيب معركة الكورونا أيّة وعود واحتياجات؟ لا تراهنوا على ذلك.

كل شيء يبدأ بالمال الذي يأتي من خطّين رئيسيين

من أجل فهم طريقة وضع موازنة النظام الصحي في إسرائيل، يحتاج المرء إلى شهادة دكتوراه: يأتي المال من خطين رئيسيين، يصبان في التأمين الوطني (المؤسسة التي تشكل جهاز الضمان الاجتماعي في إسرائيل). الخط الأول هو الضريبة الصحية التي ندفعها جميعاً، والآخر هو ميزانية الدولة. يتم توزيع الأموال على الصناديق الطبية حسب معادلة الراتب. دونما حاجة إلى الجلوس على مقاعد كلية الاقتصاد، يمكننا القول: يعد هذا نوعاً من "دمغة الثمن" لكل مؤمّن وفقاً لبيانات مثل العمر والجنس ومكان الإقامة وما شابه، وبالتالي ترجمة عدد المؤمّنين إلى الميزانية.

تذهب الأموال في الواقع إلى الصناديق الطبية، وهي "شركات التأمين الصحي" لدينا، والتي تشتري الخدمات الطبية من مجموعة متنوعة من مقدمي الخدمات - الأدوية، والحجر الصحي، والأطباء المستقلين، وما إلى ذلك - ولكن أهم مقدمي الخدمات، بالطبع، هي المستشفيات. يتم تحديد السعر من خلال المفاوضات بين صناديق المرضى والمستشفيات - كل منها على حدة بالطبع. "هناك معدل محدد لكل خدمة، ولكن يجب على المستشفيات إعطاء خصم لصناديق المرضى لجذبها لتقوم بإرسال مؤمنيها اليها. يمكن أن يصل الخصم إلى 30%، مما يخلق قيمة عجز اقتصادي، يؤدي بالتالي إلى العجز في جميع المستشفيات في البلاد، والذي يصل مع العجز في صناديق المرضى إلى 4-5 مليار شيكل سنوياً "، كما يقول الدكتور زئيف فيلدمان، رئيس منظمة أطباء الدولة ونائب رئيس نقابة الأطباء ومدير وحدة جراحة المخ والأعصاب للأطفال في مستشفى شيبا.

أما ران ساعر، الرئيس التنفيذي لشركة مكابي للخدمات الصحية، فيقول: "في البداية، تختلف أسعار الخدمات في المستشفيات تماماً عن الميزانية المخصصة لهذه الخدمات في الصناديق الصحية. هناك فجوة تبلغ حوالي 1 بالمئة بين المعدلات. لذا، إذا ذهب ثلث إلى 40% من ميزانية الجهاز الصحي إلى المستشفيات، وإذا كانت هناك فجوة مئوية بين ما يتلقاه الصندوق وما يتلقاه المستشفى في يوم دخول المستشفى، فيصبح من الواضح كيف يخسر الصندوق".

روني ليندر، مراسلة شؤون الصحة في صحيفة "ذي ماركر"، تقول ما يلي: "تعمل ميزانية صندوق المرضى على اتفاقيات الاستقرار. أولاً، يعاني الصندوق من العجز، ثم يتم إرجاع جزء من الأموال - هذه هي الطريقة". "إن السداد يتوقف دائماً على جميع أنواع التدابير التي تمليها الصناديق، وأحياناً أيضاً بشروط إشكالية مثل التنازل عن المطالبات والمتطلبات. هذه هي الطريقة التي تنشأ فيها تبعية كبيرة للصناديق لوزارة المالية. وهي لا تحدد حتى الأجور – المنصوص عليها في اتفاقيات جماعية. كل شيء محدد الثمن: الأجر، سعر يوم الاستشفاء وهلمجرا". وفقاً لمسؤول كبير سابق في أحد صناديق المرضى، فإن "50% من العلاج الذي يتلقاه الجمهور خلال العام هو علاج مجتمعي. وهذا إشكالي. ففي كل عام، أفتقر إلى المال، ولأن المدير التنفيذي للصندوق لا يمكنه التحكم إلا في جزء صغير من الأشياء – يجري خنق استيعاب أشخاص وتقليل خدمات البنى التحتية والتطوير".

تقول ليندر: "إن إقرار الأنظمة ثقيل للغاية". فـ"على سبيل المثال، صناديق المرضى ملزمة بجباية حد أدنى من الأموال من المستشفيات، حتى لو كانت لا تريد إرسال المرضى إلى هناك. وهناك أيضاً سعر بالحد الأقصى، حيث تدفع الصناديق مبلغاً أقل بكثير عن كل من يدخل المستشفى. هذه الطريقة تقيد المصروفات، وهذا هو جانبها الإيجابي، ولكنها أيضاً تخلق حوافز مشوّهة، لأنها تقلل في الواقع من الدافعية والرغبة في تطوير الخدمات في داخل المجتمع - لأنه من نقطة معينة يصبح الدفع عن كل من يدخل المستشفى متدنياً جداً".

بالطبع، تستثمر المستشفيات في الخدمات الأكثر ربحية بالنسبة لها والتي تمنحها مكانة، مثل أجنحة الولادة والعلاجات الاختيارية وما شابه ذلك. وبالتالي، إذا كان سعر يوم استقبال المريض في قسم الأمراض الباطنية، على سبيل المثال، مربحاً لهم، فسيستثمرون أيضاً في هذه الأقسام.

تفضيلات وزارة الصحة

يجب أيضاً تضمين خصائص المستشفيات العامة في هذا الوضع بالغ التعقيد. بعض المستشفيات حكومي – مثل: إيخيلوف، رمبام، زيف، شيبا وغيرها. بينما ينتمي البعض الآخر إلى صندوق المرضى العام كلاليت، مثل: بيلنسون، سوروكا، هعيمق، يوسف طال وغيرها، وبعض المستشفيات غير ربحية تمتلكها جمعيات، مثل هداسا وشعاري تسيدك.

ليندر تقول: "تعاني جميع هذه المستشفيات من عجز، لكن الحكومة ستقوم طبعا بتعويض النقص في المستشفيات الحكومية دائماً ولن تخذلها. كما أنها ساعدت هداسا. ولكن بشكل عام، المستشفيات الخاصة والعامة - تلك التي تتبع إلى المنظمات غير الربحية أو صناديق المرضى – كلها كانت تنظر إلى العجز من الأسفل. جميعها، باستثناء مستشفى واحد، وصلت إلى وضع تطلّب أن يقوم بمرافقتها محاسب معيَّن" من الحكومة. بنية ملكية المستشفيات هي بذاتها مشكلة تؤثر بشكل كبير على الميزانية، كما يشهد كل شخص تمت مقابلته في هذه المقالة.

يشرح ران ساعر: "يجب أن تكون وزارة الصحة جهة تضع الأنظمة، ولكن الوزارة في إسرائيل هي الجسم المُنظم وكذلك الجسم الذي يملك عددا كبيرا من المستشفيات. حتى إذا كان هناك أشخاص صالحون في مواقع الإدارة والقرار، فإن الاعتبارات لا يمكن أن تكون موضوعية تماماً. فسوف يهتم المالك "بمستشفياته"، إنها بديهية، لا تتعلق بأي شخص".

يقول مسؤول كبير سابق في وزارة المالية، أحد الذين يعتبرون على دراية كبيرة بالجهاز الصحي: "في وزارة المالية، أنت مسؤول بدرجة عالية عن نظام المستشفيات الحكومية، لأن الحكومة مسؤولة عن بعض المستشفيات". ويضيف: "بعد ذلك قد تصل المناقشة بالفعل إلى مستوى عدد الأسرّة في القسم. أنت تدير المستشفى والميزانية. هناك تضارب في المصالح هنا. من المفترض أن تكون الوزارة هي الجهة التي تضع الأنظمة، وتقوم على الإشراف والرقابة، ولكنها لاعب رئيسي في قطاع المستشفيات والصحة العامة – بدءاً من عيادات الأم والطفل وصولاً إلى المراقبة على الطعام، لنأخذ مثلا سؤال تحديد مقدار تكلفة يوم الحجر الصحي في المستشفى. من يدفع هذه الأموال هي صناديق المرضى، والمستشفيات بالطبع بحاجة ماسّة إلى هذه الزيادة على ميزانياتها. وزارة الصحة هي التي تحسم في الأمر، لكنها ليست جهة محايدة، ولكن إذا لم تقرر لما هو في صالح المستشفيات – فسوف تتحمّل نفسها ثمن العجز".

يوضح مسؤول كبير سابق في أحد صناديق المرضى: "عندما يكون هناك جدال بين مستشفى وصندوق مرضى بشأن المدفوعات، فإن محكمة الاستئناف التي ستبتّ في الخلاف هي وزارة الصحة. وبطريقة ما لم تصل صناديق المرضى إلى هناك على الإطلاق". ووفقا لمسؤول سابق في وزارة المالية، فإن "الكثير من عمل المالية يذهب على إيجاد التوازن بين تضارب المصالح القائم بخصوص الأموال."

ميزانية الجهاز الطبي عبارة عن بنية متعددة الطبقات

يقول تسفيكا رول، وهو مستشار تنظيمي عمل مع أطر عمل مختلفة مرتبطة أو تابعة للجهاز الصحي على مدى 40 عاماً: "إن ميزانية الجهاز عبارة عن بنية متعددة الطبقات ملؤها الكوابح والتوازنات والألعاب اللانهائية ذات المعايير المتغيرة باستمرار، وعلى مر السنين تم تعطيل التوازن الدقيق الخاص بتوزيع الميزانيات والموارد". ووفقا لرؤيته: "بدأت الأزمة تتسلل بشكل زاحف. في كل مرة يخفضون فيها القليل من ملحق الميزانية. أحياناً لم نقم بتحديث سلة الخدمات الصحية، وكانت هناك بعض الأزمات، وأحياناً أخرى قاموا بتقليص بعض الإضافات، وعلى مر السنين تم فتح حفرة من العجز بقيمة 15-20 مليار شيكل. الجهاز يعرف كيفية استيعاب هذه الحالة بسبب الموهوبين الذين يعملون فيه. النظام كبير ولكنه جيد، لكنه يراكم الكثير من المعاناة غير الضرورية على المرضى ويؤدي إلى إرهاق كبير للعاملين مقدمي الرعاية الصحية، والنقص هو أكبر الألغام، حيث يعيش النظام على برميل من بارود، في وضع من النقص والجوع الدائمين، وهو الذي نشأ منذ سن قانون التأمين الصحي الحكومي في العام 1994. لقد كان من الضروري القيام بتحديث الميزانية فيه بانتظام. لكن لم يتم ذلك. فجاءت الخصائص الديمغرافية وشيخوخة السكان والتقنيات المتغيرة وأدت إلى تآكل الميزانية".

اقتصاد الصحة لا يسلك مثل أيّ اقتصاد طبيعي. يقول مسؤول الماليّة السابق الذي عمل مع الجهاز الصحي: "إن المفهوم خلف وضع ميزانية للجهاز الصحي هو مفهوم متطرف. هناك فشل اقتصادي يسمى ’العرض يخلق الطلب’". ويتابع: "قم بوضع جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي MIR في الصحراء، وستمتلئ قوائم المنتظرين في الدور حتى النهاية. في عالم الطب، سيتم ابتلاع أي شيء له فائدة طبية. أي مبلغ موجه إلى الجهاز- سيتم ابتلاعه، لذلك تم بناء الجهاز بحيث تكون هناك قيود كبيرة على الميزانية ويُعتمد ضبط النفس".

في الواقع، يعتبر الجهاز في إسرائيل فعالا للغاية. وها هو يعمل على الرغم من البيانات والإحصائيات التي تضعه في أسفل المؤشرات المعمول بها في الدول الغربية. في العام 2017، بلغ الإنفاق القومي على الصحة 3ر7% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بمتوسط 9ر8% في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD.

حتى شهر كانون الثاني 2019، كان هناك 78ر1 سرير مستشفى لكل 1000 شخص، مقارنة بـ 2ر2 في العام 2000، و3ر3 في العام 1977. اعتباراً من العام 2016، كان هناك 5 ممرضين وممرضات لكل 1000 سرير، مقارنة بـ 3ر9 في متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. كل هذا يحدد النقص الرئيسي الذي يعاني منه الجهاز، والذي كان يتوسع على مر السنين – القوى العاملة الطبية والخدماتية المرافقة.

وكل هذا يجري بالرغم من هذا التعهد: "سيتم توفير الخدمات الصحية المدرجة في سلة الرعاية الصحية في إسرائيل، وفقاً لتقدير طبي معقول، ونوعية معقولة، في غضون فترة زمنية معقولة وعلى مسافة معقولة من مكان إقامة المؤمن عليه، وكل ذلك ضمن مصادر التمويل المتاحة لصناديق المرضى. (...) سيتم توفير الخدمات الصحية مع الحفاظ على كرامة الإنسان، وحماية الخصوصية والحفاظ على السرية الطبية " (من قانون التأمين الصحي الوطني، البند 3).

أعداد كبيرة من الأطباء المهاجرين من الاتحاد السوفييتي السابق ستخرج للتقاعد مما سيعمّق الهوّة الموجودة أصلا

في العام 2016، كان عدد الأطباء والأطباء الفاعلين في إسرائيل 1ر3 طبيب لكل 1000 شخص مقارنة بمتوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية 3ر3، أرقام متقاربة. ولكن الفجوة تقبع في مكان آخر – فقد كان معدل خريجي الطب في إسرائيل لكل 100 ألف شخص 8ر6، مقارنة بالمتوسط في الدول المتقدمة الذي وصل إلى 1ر12. في السنوات القادمة، من المتوقع أن تخرج الى التقاعد أعداد كبيرة من الأطباء الذين جاءوا إلى إسرائيل كجزء من الهجرة الكبيرة من الاتحاد السوفييتي السابق في التسعينيات. ومن المتوقع أن يؤدي هذا التقاعد إلى تعميق الهوّة الموجودة والقائمة أصلا فيما يتعلق بالقوى الطبية العاملة.

يقول البروفسور شوكي شيمر، رئيس مجلس إدارة شبكة أسوتا ومؤسس المستشفى في أشدود، والمدير العام السابق لوزارة الصحة والرئيس التنفيذي لشركة مكابي، إن "المشكلة الرئيسية هي قدرتنا على الاستفادة من القدرات الطبية والعلمية الموجودة هنا - سواء في المستشفيات أو صناديق المرضى. بقدر غير كبير من الاستثمارات يمكن زيادة عدد الوظائف. لقد تم تحديد نسب الوظائف الطبية في السبعينيات وهي لم تتغير منذ ذلك الحين". شيمر يؤكد أنه ليس هناك ساحر بمقدوره تحسين الوضع في غرف الطوارئ. "إذا لم تتم إضافة الأطباء والممرضين فلن يتم حل أزمة هذه الأقسام. هناك ضغط فيها، يتم الدخول إليها في اللحظة، التشخيص غير كاف، النظام ليس حاداً وغير فعال. لا يوجد تخطيط للقوى العاملة. عندما فتحنا مستشفى أشدود، جندنا 250 طبيباً و500 ممرض وممرضة من مستشفيات أخرى! لم يكن لدينا مكان آخر للحصول عليهم. بعد كل شيء، من المستحيل أن ينجح الأطباء المتدربون فقط بتشغيل المستشفى. كان بإمكاننا تجنيد فرق طبية تريد الهجرة من فرنسا، لكن البيروقراطية غير المرنة لم تسمح لنا بذلك أيضاً. يجب زيادة القوى العاملة – في أقسام الطوارئ والتصنيف والأقسام الباطنية وأماكن أخرى - بنسبة 50% تقريباً "!

أما تسفيكا رول فيضيف: "إن الهوّة الرئيسية فيما يخص القوى العاملة هي معايير التخصص. لم يكن هناك أي تغيير في معايير التدريب على التخصّص منذ السبعينيات، فهناك المئات من الطلاب الذين يتخرجون وليس لديهم مكان للتخصص. هناك مجالات مثل طب الفم واللثة، يدفع الأطباء المتدربون من جيوبهم مقابل مرور التخصص. هناك من هم مستعدون للعمل مجانا لغرض إنهاء التخصص. الجهاز الرسمي لا يحب هذا ويحاول الامتناع عنه، لكن هناك متدربين على استعداد للقيام بذلك". وفقا للدكتور زئيف فيلدمان، "لقد تم استيعاب الهجرة الروسية المرحّب بها وعلى ما يبدو لم يكن هناك حاجة لتدريب عدد كبير من الأطباء. حتى سبع وثماني سنوات مضت، كان 350 طبيباً يتدربون سنوياً في أربع كليات طبية، ومع زيادة الطلب والاحتياجات، كان يجب زيادة التدريب. يبلغ حجم التبدّل السنوي اليوم حوالي 1000-1100 طبيب، لذلك نشأت فجوة كبيرة. لقد تقلصت في السنوات الأخيرة مع إضافة كليات الطب وزيادة الأعداد، والآن يوجد حوالي 800 خريج كل عام، وهناك حاجة إلى حوالي 500 طبيب إضافي كل عام لتلبية احتياجات النمو السكاني". يضيف فيلدمان: "في إسرائيل، لا يتدرب الأطباء وفقاً لاحتياجات الجهاز، ولذلك يتم سد الفجوة بين من يتركون وظائف الأطباء ومن يتم تأهيلهم لها، من قبل الأطباء الذين لم يدرسوا في إسرائيل، مما ينتج مجموعة كبيرة ومتنوعة من المعايير المختلفة، ويتطلب توحيد المعايير ".

مئات الأطباء يجلسون في المنزل بلا عمل

رداً على السؤال: "ألا تقوم الامتحانات والاختبارات في اسرائيل بتوفير توحيد المعايير هذا؟"، يقول: "يعتمد الأمر على كيفية النظر إليه. يمكن التدرّب على الامتحانات ومعاودة إجراء الامتحان حتى اجتيازه. على سبيل المثال، في فترة التدريب، كان يأتي متدربان في كل مرة إلى التدريب وكان بالإمكان التعرّف على قدراتهما. أما اليوم، فيصل 12-15 طبيبا متدرباً في نفس الفترة الزمنية، وبالتالي فإن القدرة على تقييمهم جميعا تتراجع. لذا فإن أدوات توحيد المعايير أقل فعالية، وبالنسبة لي من الأفضل زيادة عدد المتعلمين في إسرائيل، وفقاً للأنظمة والمناهج الإسرائيلية. وأتوقع بعد ذلك من الدولة أن تقول لهؤلاء الأطباء: أنا ملتزمة بتوفير وظائف لكم جميعاً".

وبحسب فيلدمان، فإن بعضاً من مئات الأطباء الذين يجلسون في المنزل بلا عمل قد درسوا في الخارج، والجهاز الصحي غير قادر على الاستجابة لطلبهم التوظّف. في نهاية فترة التدريب، من المفترض أن نحصل على أخصائي، ولكن هناك نقص في المتخصصين في إسرائيل، وفي الوضع الراهن يجب انتظار طبيب أعصاب أطفال لمدة 11 شهراً أو طبيب روماتيزم لمدة تسعة أشهر.

يقول ساعر، المدير التنفيذي لشركة مكابي، إنه يمكن التغلب على بعض الأزمات من خلال التخصص في عيادات عامة. "هناك مجالات يمكنني فيها تدريب المتدربين، وهو أرخص بالنسبة لي من المستشفيات. إذا كان بوسعي أن أكون شريكاً رئيسياً في التدريب، فقد يكون هناك المزيد من الأطباء! هناك نقص في أماكن التخصص. على سبيل المثال أطباء الأطفال. إنها مهنة تمارَس في العيادات داخل المجتمع، 90% ممن يقومون بها موجودون في عيادات ومرافق داخل المجتمع. عندما ينتهي الطبيب من التدريب في المستشفى، فإنه لا يعرف حتى كيف يعمل في داخل المجتمع. لقد خضنا حرباً شعواء لمدة سبع سنوات، وفي نهايتها تكرّمت نقابة الأطباء بالسماح لمن يريد بإجراء نصف سنة من التخصص في العيادات داخل المجتمع".

لكن الدكتور زئيف فيلدمان، رئيس منظمة أطباء الدولة ورئيس الهستدروت نفسها، يصرّ على أنه "لا توجد شؤون ومصالح نقابية هنا!". "هناك أجزاء من التخصصات التي خضعت للتدريب في العيادات داخل المجتمع، ولكن يجب أخذ هدف التدريب في الاعتبار: كشف المتدرب على أكبر مجموعة متنوعة من الحالات الطبية حتى يتمكن من الاستجابة وتوفير الردود عند العمل كطبيب مستقل. خذ طبيب أطفال كان في قسم الأطفال بمستشفى وانكشف على حالات مرضيّة شديدة من الفشل الكلوي وأمراض الروماتيزم وعرف عن قرب أشكال العلاج - ربما لن يحتاج كل هذا كطبيب أطفال، ولكن من المهم أن تكون لديه تجربة أمام هذه الأمراض والتعرف عليها أيضاً، لذا يجب أن يكون توازن مناسب بين التخصص في المستشفى والتخصص في عيادات المجتمع. لا أعارض نقل بعض التدريب إلى عيادات المجتمع، ولا يتطلب المجلس العلمي للجمعية الطبية توجهات وخبرات نقابية لدراسة جوهر هذا التخصص، وهناك لجان مهنية يجلس فيها خبراء من مختلف مجالات المراقبة، هناك عملية ديناميكية قائمة وفاعلة".

 

 

المصطلحات المستخدمة:

مكابي, التأمين الوطني, هداسا, الهستدروت

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات