بالنسبة للقياس الاجتماعي الاقتصادي كما تحدده سلطات الإحصاء الرسمية التي تصنف السلطات المحلية إلى عشرة عناقيد وفقا لقوتها الاقتصادية، تم في البحث الخاص الصادر عن الكنيست إيراد المعطيات التالية عن عدد المدمنين على المخدرات في إسرائيل المسجلين في الخدمات الاجتماعية للعام 2015:
في العناقيد / المجموعات الأفقر هناك العدد الأكبر من المتقدمين لتلقي مساعدة على الإدمان.
وتدل المعطيات على أن العدد الأكبر من المدمنين على المخدرات المسجلين في أقسام الخدمات الاجتماعية هم من سلطات محلية مدرجة من عنقود رقم 5 والمعرف كعنقود الطبقة الوسطى، وفيه 4337 مدمنا. وفي العناقيد الأكثر انخفاضا يصل عدد المسجلين لتلقي مساعدة للخروج من الإدمان إلى نسبة 5ر1 لكل 1000 نسمة، وتدل هذه المعطيات على أن المحتاجين لمساعدة سلطات الخدمات الاجتماعية لإخراجهم من آفة الكحول والمخدرات يتمركزون في العناقيد والمجموعات الأكثر فقرا، والأمر نفسه بالنسبة للمدمنين على الكحول.
الأرقام لا تشير فقط إلى الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها معظم المدمنين، على الرغم من وجوب التأكيد على وجود مدمنين من طبقات عليا وغنية، ولكن الأرقام تقول إن العدد الأكبر ممن يسقطون في دائرة الإدمان هم من الطبقات الأضعف.
كذلك يبرز العدد الأكبر لضحايا الإدمان من العرب ومن المهاجرين المعروفين بالشرقيين الذين هاجروا هم في حالة الأثيوبيين أو هاجر أهلهم في حالة المهاجرين من الدول العربية. ويؤكد هذا أيضا جانب التحصيل العلمي، فغالبية المدمنين الكبرى هي ممن لم يتلقوا أكثر من التحصيل العلمي الثانوي كالتالي: 40% ذوو تحصيل علمي حتى 10 سنوات، 37% حتى 12 سنة تعليمية، 12% يحملون شهادة بجروت، 6% يحملون شهادة أكاديمية و5% يحملون شهادات تأهيل مهني، أي أن احتمال التورط في الإدمان حسب هذه الأرقام سيصبح أكبر لدى من لم تسعفهم الظروف والأحوال الاقتصادية والسياسية لتلقي شهادة إنهاء التعليم وشهادة البجروت.
وهكذا فقد ارتفع عدد متلقي مخصصات ضمان الدخل بسبب الإدمان بين الأعوام 2013 وحتى أواسط 2016، وفي الفترة الأخيرة وصل عدد متلقي تلك المخصصات من بين جميع متلقيها إلى 3%. ومن بين متلقي مخصصات ضمان الدخل بسبب الإدمان على المخدرات تلقاها 85% تحت تسويغ إعادة التأهيل والباقون تحت تسويغ الإدمان، والأمر مشابه فيما يتعلق بالإدمان على الكحول. ويتضح من مختلف المعطيات التي تم الاطلاع عليها وبحثها وتلخيصها أنه من الصعب تلقي صورة شاملة للوضع الاجتماعي الاقتصادي لمجموعة المسجلين لتلقي خدمات وعلاج في السلطات الرسمية ممثلة بوزارة العمل. وحتى لو توفرت بعض المعلومات فهي لا تشير بوضوح إلى الوضع الاجتماعي الاقتصادي للمدمنين. وكانت الطريقة الأمثل لتحديد الانتماء الطبقي للمدمنين هي التمحور في من يتلقون مخصصات التأمين الوطني وذلك لأن الوزارة كما يشير البحث تعترف بأنه لم يتم جمع معلومات حول متلقي مخصصات ضمان الدخل أو مخصصات الإعاقة من مؤسسة التأمين الوطني، ولكن الوزارة أشارت في أيلول 2016 إلى أنها تنوي جمع مثل هذه المعلومات ابتداء من السنة الحالية 2017 لأنها فهمت (أخيرا!) أن مثل هذه المعطى من شأنه المساعدة في إعادة تأهيل المدمنين ودمجهم في قطاع العمل.
هناك احتياجات خاصة للمدمنين الفقراء وليست مادية فقط
يشير البحث في ختامه إلى أنه في اللقاءات التي أجراها معدوه أفاد المحاوَرون أن مجموعة المدمنين بغالبيتها هي من الطبقة الأضعف والأفقر. هذا ما تقوله جهات مختلفة في جمعيات علاجية واجتماعية مؤكدة أن هناك احتياجات خاصة لهذه المجموعة، ومنها الحاجة إلى وسائل جديدة للتعاطي اليومي مع حياة بدون مخدرات وكحول والدعم من قبل خبراء ومختصين وتقديم علاج زوجي وأُسري، والمساعدة في إعادة الدمج في المجتمع بواسطة مجموعات مساعدة ذاتية لمدمنين سابقين، وكذلك مواجهة مشاكل على المستوى النفسي والمساعدة في استنفاد تلقي الحقوق مقابل الجهات السلطوية المختلفة مثل صناديق المرضى ومؤسسة التأمين الوطني.
وهناك طبعا الحاجة إلى الدعم الاقتصادي المتمثل بإعطاء أدوات ووسائل وأطر وبرامج للتأهيل المهني والتشغيل ليتمتع المتعافون من الإدمان بالاستقلال الاقتصادي، وبالتالي الاجتماعي والنفسي. ولكن لا يوجد اليوم ما يكفي من الدعم للمدمنين على المستوى التشغيلي. وتوصل البحث إلى استنتاج بأنه من خلال استعراض مختلف الأطر والبرامج التي تفعلها المؤسسات الرسمية، فإنها غير كافية بالنسبة للمدمنين من الطبقة الاقتصادية الاجتماعية المنخفضة تحديداً. بل لا توجد أطر محددة لهؤلاء الضحايا مثلما يتم لشرائح سكانية أخرى مثل نساء وشبيبة والخ. الوزارة تقول إن هناك شرائح سكانية خاصة تتلقى تلك المساعدات لكن لا يتم في أي منها، كما يُستنتج، اعتماد المعيار الاقتصادي الواضح والطبقي الصرف، وإنما يتم تمويه ذلك بواسطة تعريف المجموعات على خلفيات الجيل والجندر والأصول بالنسبة للمهاجرين. وهذا على الرغم من أن المتابع المتوسط للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية ومن دون تخصص وخبرة مهنيين، بإمكانه إجراء المعادلة البسيطة لمعرفة أن الفقراء عموما ينتمون بأكثريتهم إلى قومية معينة وإلى خلفية اجتماعية محددة. ولكن في هذه الوزارة كما في سائر أذرع الحكومة يتم الالتفاف على العنوان الطبقي الرئيسي والمباشر والمركزي، عبر إضافة تعريفات متنوعة كان بالإمكان جمعها معا لمواجهة مشكلة لا ينكر أحد أنها تصيب أكثر ما تصيب المتضررين من السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تضعهم في خانة وتعريف فقراء، مستضعفين وذوي مكانة اجتماعية اقتصادية متدنية.
دراسات مختلفة: جذور الإدمان الاقتصادية متشعّبة وعميقة
للمقارنة تقول أستاذة علم الاجتماع في كلية الآداب في جامعة الزقازيق المصرية هدى زكريا إن جميع الدرسات تثبت أن الفقراء المصريين هم الأكثر تعاطياً للمخدرات، باستثناء فترة الثمانينيات من القرن الماضي حين انتشر الإدمان بين أبناء الطبقة الثرية، وذلك لانتشار نوع معين من المخدرات هو الهيرويين الذي كان غالي الثمن. وتتابع: الفقراء عادة هم أكثر الناس إقبالا على تعاطي المخدرات في كل الدول لأسباب كثيرة منها أنهم يلجأون إليها لحل مشاكلهم والهرب من الواقع. كما أن الجهل هو سبب آخر يدفع لذلك (رصيف 22 – كانون الثاني 2006).
ميغان ساندل ورينيه بوينتون- جاريت هما طبيبان للأطفال وأستاذان مساعدان في طب الأطفال في كلية الطب في جامعة بوسطن، يوردان مثالا آخر على الإدمان وهو التدخين. ويقولان إن دراسة حديثة تتضمن البيانات الاتحادية للقياسات الصحية للسكان وجدت أن التدخين ينخفض بمعدل سريع في المجتمعات الأكثر ثراء. أما معدل التدخين فيبقى كما هو بين الفقراء والطبقة العاملة، ما يؤدي إلى زيادة إدمان الناس في المجتمعات الفقيرة (سي. إن. إن، آذار 2014).
وكتب موقع وزارة التنمية الاجتماعية الاردنية: لقد أظهرت نتائج دراسة أجريت على عينة قوامها 97 متعاطياً للمخدرات في الأردن، أن هناك علاقة طردية قوية بين البطالة وتعاطي المخدرات. وتتقاطع هذه النتيجة مع نتائج أخرى، ومفادها تصدّر فئة المعطلين عن العمل للمرتبة الثالثة من المدمنين إذ شكلت ما نسبته 6ر15%. بموجب هذه الدراسات، يتضح أن المخدرات ترتبط بالبطالة. ويمكن أن يفسر تأثير بطالة الأفراد في تعاطيهم للمخدرات في ضوء الاعتبارات البديهية، ومنها الفراغ وما يرافقه من كبت واكتئاب ويأس أحيانا، ومحاولة المتعطلين عن العمل في ظل ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية القاهرة، الهروب من الواقع والانسحاب من المجتمع تجاه تجربة تعاطي المخدرات.
مشكلة الإدمان تقع بمعظمها في السياق الاجتماعي والاقتصادي
أخيرا لا يمكن حتى للسلطات الرسمية في إسرائيل إنكار الهوية الطبقية للمدمنين المتقدمين لتلقي التأهيل والعلاجات بسبب الإدمان. بالحرف الواحد يقول مدير سلطة معالجة الإدمان في وزارة العمل في تشرين الأول 2016 إن "معظم المجموعة السكانية المتوجهة لتلقي المساعدة موجودة في وضع اجتماعي اقتصادي منخفض". أي أن هذا هو أحد المميزات البارزة بين المعالجين عموما والمعالجين في المجموعات المختلفة التي تتلقى العلاجات أيضا. ويشير البحث إلى أن إجراء مسح واضح لمجموعة المدمنين من طبقة اجتماعية اقتصادية منخفضة سيساعد في دراسة ومعرفة الاحتياجات الخاصة لهؤلاء الضحايا بل سيساعد في إعادة تأهيلهم. وهو يوصي بزيادة التعاون بين السلطات المختلفة لوضع مقاييس تمكّن من تحديد المكانة الاقتصادية والطبقية للمدمنين، وخصوصا المعطيات المتوفرة في المراكز العلاجية والمعطيات بشأن تلقي مخصصات إعاقة وضمان دخل.
إن مشكلة الإدمان ليست مشكلة قائمة بحد ذاتها بأي شكل وحتى لو تم الحديث عن حالات فردية لمن لا يعانون من مشاكل الفقر أو الظلم الناتج عن انتماء معين، فهذه الحالات تبقى فردية قياسا بالأرقام والمعطيات الواضحة التي تضع مشكلة الإدمان في سياق المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، بمعنى الطبقية. لا يمكن لأية جهة مهما التفّت على الواقع أن تنكر الجذر الطبقي الذي ينتج ضمن ما ينتجه أيضاً إحباطا ويأساً فيدفع بألوف المواطنين إلى الهرب من واقعهم القاسي إلى سلام الانحدار نحو المواد القاتلة المخدرة والسامة.