تزامن التقرير الخاص الذي أصدره مراقب الدولة الإسرائيلية الأسبوع الماضي حول المراجعات التي أجراها حول أداء الحكومة أثناء أزمة وباء كورونا، مع تقارير حول مخاوف عالمية من ظهور تطورات جديدة لكورونا، بعد أن انتهى العالم من التعافي من آثاره التي استمرت لأكثر من عامين. فمثلاً تم في أميركا تسجيل إصابة 23 مليون شخص بما بات يعرف بكوفيد طويل الأمد والذي أصبح يهدد حياة الملايين حول العالم، بدون وجود سبب محدد لظهوره أو اكتشاف طريق لعلاجه. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن الملايين حول العالم يعانون من كوفيد 19 طويل الأمد، وهو ما يعني استمرار ظهور الأعراض والتأثيرات لفترات طويلة، موضحة أنه "حتى الآن ما زلنا لا نعرف الكثير عن هذه الحالة".
ويقول موقع "أكسيوس" الأميركي أنه على الرغم من إصابة أكثر من 658 مليون شخص في جميع أنحاء العالم بالوباء، فإن الباحثين قالوا إن معظم الدراسات ركزت على تعريف مرض كوفيد الطويل الأمد بناءً على تكرار الأعراض الفردية، وذلك وسط مخاوف من توسع رقعته وانتشاره. ووجد الباحثون 37 عارضاً تظهر في كثير من الأحيان لدى المشاركين المصابين بعد ستة أشهر أو أكثر بعد الإصابة، ثم قاموا بتحليل تلك القائمة وصولاً إلى عشرات الأعراض الأكثر تميزاً.
مكتب مراقب الدولة الإسرائيلية قال في تقرير حديث إنه فحص في الأشهر تشرين الثاني 2021 – آب 2023، طريقة تنظيم آليات الإدارة واتخاذ القرار فيما يتعلق بأزمة كورونا على المستوى القطري. وتناولت المراجعة عمليات اتخاذ القرار خلال الحكومتين الخامسة والثلاثين والسادسة والثلاثين، مع التركيز على عدة قرارات استراتيجية، بما في ذلك شراء اللقاحات وتطعيم السكان، إلى جانب عمليات اتخاذ القرار المتعلقة بتشغيل الاقتصاد ومستوى مناعته. كما تم استعراض آليات التعامل مع إدارة وشمولية الأزمة في مختلف الحكومات، وكذلك العلاقات المتبادلة بين كافة الجهات المشاركة في عمليات صنع القرار. وتم إجراء المراجعة في سكرتارية الحكومة وهيئة الأمن القومي ووزارة الدفاع ووزارة الصحة.
قرارات اتّخذت دون مناقشتها في المجلس الوزاريّ الخاص بكورونا
وجد التقرير أن كلا من رئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو ورئيس الحكومة السابق نفتالي بينيت "اتخذا قرارات مهمة ومصيريّة" فيما يتعلق بمعالجة أزمة كورونا، ولكن من دون رفعها إلى مجلس الوزراء (الكابينيت) الخاص. عملياً، خلال فترة ولاية الحكومتين، عملت آليات إضافية بالتوازي مع مجلس وزراء كورونا، وتم من خلالها اتخاذ القرارات المتعلقة بإدارة الأزمة.
كتب المراقب في التقرير أنه قريباً من توقيع الاتفاق مع شركة فايزر، في أوائل كانون الأول 2020، جرت عدة محادثات هاتفية بين نتنياهو والرئيس التنفيذي لشركة فايزر، وفي محادثتهما الختامية، تقرر أنه بحلول نهاية آذار 2021، ستوفر شركة فايزر اللقاحات لنحو نصف السكان البالغين في إسرائيل، وأشار نتنياهو إلى أنه مستعد لمنح الحصرية للشركة خلال هذه الفترة. وأكد المراقب أنه في ذلك الوقت لم تكن أي شركة أخرى قادرة على تقديم لقاح شامل وسريع استجابة مثل فايزر.
لكنْ، يضيف، تبين أنه باستثناء تحديثين عامين بشأن الاتصالات التي جرت مع شركات الأدوية وفيما يتعلق بضرورة انتظار موافقة الوكالة الأميركية للغذاء والدواء على اللقاح، فإن القرار وكذلك حقيقة أن الأمر قد تم الاتفاق عليه بالفعل مسبقاً هاتفياً مع مدير عام الشركة، لم يتم إبلاغهما من قبل رئيس الحكومة أو أية جهة أخرى في مجلس وزراء كورونا، وبالتالي لم يوافق عليهما مجلس وزراء كورونا، على الرغم من أنه بموجب قرار الحكومة تم تفويض مجلس وزراء كورونا بتنسيق الإستراتيجية الخاصة بذلك. ويخلص التقرير إلى أنه كان لخروج إسرائيل من أزمة كورونا وتطعيم السكان عنصراً حاسماً في القدرة على تحقيق ذلك، لكنه قرار كان ينطوي في ذلك الوقت على مخاطر على الصحة العامة، وحتى لو كانت هذه مخاطر محسوبة، فهذا ليس أمراً طبيعياً أو قراراً عابراً يتخذه طرف واحد، مهما كان منصبه، وهو رئيس الحكومة، من دون الحصول على إذن من الحكومة.
مثلما في الاتفاق مع فايزر، هكذا في مسألة الإفراج عن الرهائن!
وليس ما ورد أعلاه فحسب، فوفقاً لقرار الحكومة، تعهد بنقل الموضوع إلى مناقشة وقرار مجلس وزراء كورونا المفوض من قبل الحكومة لتنسيق استراتيجية خروج إسرائيل من أزمة كورونا؛ لكن القرار لم يناقش في هذا المجلس المكلّف، ولم تتخذ الحكومة قراراً بتفويض رئيس الحكومة باتخاذ هذه القرارات بدلاً منها.
ويروي مثلاً أنه في إطار إحدى المحادثات التي جرت في 3 كانون الأول 2020، والتي حضرها نتنياهو ووزير الصحة آنذاك ورئيس مفوضية الصحة الخاصة آنذاك وكبار المسؤولين في وزارة الصحة، كان رئيس الحكومة أبلغ بالاقتراح الذي قدمه مسؤول كبير في شركة فايزر. وبحسب الاقتراح، ستوفر شركة فايزر اللقاحات التي ستسمح بتطعيم جميع سكان دولة إسرائيل في غضون ثلاثة أشهر وستوفر دولة إسرائيل للشركة معلومات عن نسبة المرضى بين الذين تم تطعيمهم، وكذلك معلومات عن الآثار الجانبية بين الذين تم تطعيمهم، وفي إطار مناقشة مقترح فايزر، تم طرح المخاطر الصحية الناتجة عن تطعيم شركة واحدة مقابل المزايا في التنوع وأخذ لقاحات من عدة شركات.
وقد رأت الصحافية طال شاليف في موقع "واللا" أن نتنياهو اتخذ عملياً قرار شراء لقاحات كورونا من شركة فايزر من دون تفويض ومن دون إبلاغ لمجلس وزراء كورونا، وهكذا، فمنذ وباء كورونا، "لم تتغير هذه الثقافة الفاسدة: أصبحت مناقشات مجلس الوزراء السياسي والأمني اليوم أرضاً خصبة لتسريب النصوص، لدرجة أن كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية يخشون الظهور حتى لا تتسرب كلماتهم. إن القرارات الكبيرة والسريعة- نتنياهو يفضل اتخاذها أولاً مع حكومة الحرب والمجلس المحدود الذي تم إنشاؤه لإدارة الحرب مع وزير الحرب والوزير بيني غانتس- ولا يتم إبلاغ مجلس الوزراء السياسي الأمني إلا فيما بعد. وكما هو الحال في حكومة كورونا الموصوفة في التقرير، هناك حتى اليوم قرارات يتخذها بمفرده مع مستشاريه، كما هو الحال في الاتفاق مع فايزر، وكذلك في "اتفاقيات أبراهام" واليوم في التعليمات المستقلة للفريق المفاوض للإفراج عن المختطفين".
82% من البلاغات التي نقلتها الهيئات الطبية لم يتم استيعابها
بالإضافة إلى التقرير الخاص، خصّص المراقب ثلاثة فصول تتعلّق بوباء كورونا في تقريره السنوي العام. أحدها تناول تطعيم السكان ضد فيروس كورونا، في حين أن التطعيم كان أحد الأدوات الرئيسة للتعامل مع الفيروس، وكانت إسرائيل، وعلى رأسها وزارة الصحة، من أوائل الدول في العالم التي قامت بالتطعيم ضد الفيروس، مما ساهم بشكل كبير في إنقاذ حياة آلاف الإسرائيليين، فإن هناك قصورات في الجانب الإيجابي يكتب أن القيام بعملية التطعيم من قبل جهاز الصحة، خاصة في الأشهر الأولى من الحملة، حال دون الإضرار بصحة الجمهور، بل ويصح القول إنها أنقذت حياة الكثيرين، خاصة أولئك الذين تم تعريفهم على أنهم سكان في خطر- كبار السن وأولئك الذين كانوا يعانون من أمراض خلفية كامنة خطيرة. كما ضمنت حملة التطعيم عودة الاقتصاد إلى النشاط الكامل. وورد أن وزارة الصحة قامت بجمع البيانات حول الأعراض الجانبية من عدة قنوات للإبلاغ عن الأعراض، وقامت الهيئات الطبية بنقل معظم التقارير من خلال الواجهة إلى المنظومة المحوسبة للوزارة – "منظومة ناحليئيلي".
وعلى الرغم من ذلك، يتابع التقرير، فقد كشفت الرقابة أنه بسبب أخطاء فنية في واجهة منظومة ناحليئيلي فإن نسبة كبيرة (82%) من البلاغات التي نقلتها الهيئات الطبية لم يتم استيعابها. كما أن وزارة الصحة لم تحلل نحو 33 ألف بلاغ وردت من الجمهور خلال العام 2021. وفي نهاية المطاف، تم استيعاب وتصنيف حوالي 55 ألف بلاغ فقط من البلاغات التي نقلتها الهيئات الطبية، وتناول معظمها أعراضاً بسيطة، مثل القشعريرة وألم في موقع الحقن.
كشفت الرقابة أيضاً أنه في أعقاب وباء الكورونا، ارتفعت نسبة الآباء والأمهات (الذين شاركوا في استطلاع مراقب الدولة) ممّن أعربوا عن خوفهم من حدوث ضرر دائم لأطفالهم نتيجة التطعيمات الروتينية- من حوالي 46% الذين أعربوا عن قلقهم في العام 2016 إلى حوالي 57% في العام 2022. كما أن نسبة الأطفال الذين تم تطعيمهم بجميع اللقاحات الروتينية المعروضة انخفضت في العام 2022 مقارنة بالعام 2017 بمعدل يقارب نسبة 3 إلى 12 نقطة مئوية. ثقة الجمهور بجهاز الصحة، الخوف من الأعراض الجانبية للقاح الكورونا، والمعلومات الكاذبة التي انتشرت حول اللقاحات ضد الكورونا – كل ذلك كان من بين العوامل التي من شأنها أن تؤثر على تطعيم السكان.
نسبة منخفضة لتطعيم الطلاب وخطة التطعيم في المدارس لم تحقق أهدافها
ورد في التقرير فصل خاص عن تطعيمات وفحوصات الكورونا في جهاز التربية التعليم. واستعداداً للعام الدراسي 2022، في بداية أيلول 2021، قررت الحكومة فتح جميع المدارس بعد حوالي عام عمل فيه جهاز التربية والتعليم عن طريق التعلم عن بعد بسبب الإغلاقات، أو عن طريق التعلم الذي يدمج ما بين التعلم عن بعد والتعليم الوجاهي. كان التحدي الرئيس الذي واجه جهاز التربية والتعليم في ذلك الوقت هو تمكين الطلاب من العودة للتعلّم في المدارس والحفاظ على روتين الدراسة الاعتيادي فيها. وفقاً لقرارات الحكومة وإرشادات وزارة الصحة، كانت الإجراءات الرئيسة التي تهدف إلى عودة الطلاب الكاملة للدراسة في المدارس عبارة عن خطة لتطعيم الطلاب في المدارس بالإضافة إلى خطة لإجراء فحوصات سريعة للمضادات التي تهدف إلى المساعدة في اكتشاف الطلاب المرضى وطواقم المعلمين وعزلهم.
وكشفت الرقابة أنه تم تطعيم نسبة منخفضة من الطلاب من جميع الأعمار (4% منهم) ضمن خطة التطعيم في المدارس، وهي نسبة تبيّن أن خطة التطعيم لم تحقق أهدافها. كما كانت مساهمة استخدام خطة الفحوصات منخفضة أيضاً وانعكست في انخفاض معدل المشاركة في استخدام هذه الفحوصات (شاركت نسبة 12% من المدارس في استخدام خطة "الحماية التعليمية" وشاركت نسبة 13% من الصفوف في استخدام خطة "الصف الأخضر") وكذلك في النسبة المنخفضة من تصريحات أولياء الأمور التي تم تقديمها كجزء من خطة استخدام الفحوصات- على سبيل المثال، في الخطة "نفحص ونتعلّم"، بلغ متوسط نسبة أولياء الأمور الذين قدموا تصريحات في يوم تفعيل الخطة 21% من جميع أولياء الأمور الذين طلب منهم تقديم تصريحات.
بالإضافة إلى المساهمة المحدودة لخطط الفحوصات والتطعيمات، كشفت الرقابة عن عدة أوجه من القصور والعيوب فيما يتعلق بنظام تفعيلها، من بين أمور أخرى في المواضيع التالية: إرشادات وزارة التربية والتعليم للمدارس لتفعيل خطط التطعيمات وفحوصات الكورونا، توزيع عُدد مجموعات فحص المضادات، تصريحات أولياء الأمور حول إجراء فحوصات الكورونا للطلاب، الإعلام والتشجيع على التطعيم. ووفقاً للتقرير، يجب على وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع وزارة الصحة استخلاص الدروس والعبر من تطبيق خطط استخدام الفحوصات والتطعيمات للطلاب خلال العام الدراسي 2022، والعمل على تصحيح النواقص والعيوب التي أثيرت في هذا التقرير، وكذلك دراسة كيفية تطبيق التوصيات، بنظرة استشرافية، لغرض زيادة فعالية خطط الفحوصات والتطعيمات في إطار الاستعداد لتفشي وباء آخر لڤيروس الكورونا أو تفشي وباء آخر.