المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
وقفة في مدرسة بمدينة الطيبة احتجاجاً على تردي المرافق والخدمات. (أرشيفية)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1109
  • هشام نفاع

افتتحت السنة الدراسية في المدارس، ضمن الجهاز العبري والجهاز العربي، في إسرائيل، بعد فترة من الترقب سبقتها فترة أطول من احتجاج المعلمات والمعلمين الذين يطالبون منذ أشهر برفع أجورهم المنخفضة. لكن الحكومة ممثلة بوزارة المالية ماطلت في التعاطي الجدي مع مطالبهم، حتى آخر يوم، بل حاولت إصدار أوامر تمنعهم من الإضراب والاحتجاج، وهو ما رفضته المحكمة. فاضطرت للاستجابة لجزء كبير من مطالب المعلمين، في ختام مفاوضات واتصالات تدخّل فيها رئيس الحكومة يائير لبيد، والذي خشي من إضراب يشلّ عملية التعليم وسيشعر به كل بيت ومواطن تقريباً، وسيترك آثاراً مباشرة في سوق العمل والاقتصاد، قبيل انتخابات غير سهلة تنتظره في مطلع تشرين الثاني المقبل.

على الرغم من تفادي الإضراب، ما زالت مشاكل قديمة ومعقدة عالقة في جهاز التعليم، سبق أن تناولتها دراسات وأبحاث وتقارير فصّلت مكامن تلك المشاكل. كذلك، فقد شرحت لجنة متابعة قضايا التعليم العربي في ورقة موقف، الوضع الإشكالي الراهن لعدد من جوانب جهاز التعليم في المجتمع العربي.

موقع "شومريم" العبري توقف عند تقرير نشره مركز الأبحاث والمعلومات في الكنيست قبل حوالي شهرين، وقال إنه "رسم صورة متفائلة على ما يبدو، لأول وهلة. فمنذ العام 2010 كان هناك انخفاض تدريجي في البيانات المتعلقة بالتسرب الجليّ للطلاب من المدارس في إسرائيل. والمقصود بالتسرب الجليّ هو خروج رسمي من المدرسة، عندما لا يكون الطفل أو الفتى مسجلاً في سجل الطلاب لمؤسسة تعليمية ما، وهو على عكس التسرب الخفي حيث يكون الطالب نفسه حاضراً غائباً". وقال الموقع: غالباً ما تؤدي عدم معالجة التسرّب الخفيّ إلى زيادة في التسرب الجليّ.

وبحسب تقرير مركز الأبحاث والمعلومات في الكنيست، فقد تسرب 9583 طالباً وطالبة من صفوف السابع إلى الثاني عشر في العام 2020 من المدارس التي تشرف عليها وزارة التربية والتعليم، ويشكلون 1.2% من الطلاب الذين في سنهم. للوهلة الأولى يبدو هذا تحسناً، كتب موقع "شومريم"، إذ أن نسبة التسرّب كانت في العام 2010 نحو 2% وبلغ عدد المتسربين 13382 طالباً. لكن، يستدرك الموقع، لا تعكس هذه البيانات الصورة الحقيقية للوضع، مثلما لاحظ وتحفّظ باحثو المركز أنفسهم. وذلك لأنه في العامين 2019-2020 لم يكن هناك تعليم وجاهي منتظم في جهاز التعليم، بسبب فيروس كورونا. جرى التعليم في جزء كبير من العامين الدراسيين عبر تقنية "زووم"، وحتى المدارس التي جهدت من أجل حضور الطلاب عبر هذه التقنية، وشددت على تشغيل الكاميرا، فإنها لم تشدد فعلاً على تسجيل الحضور، وبالتأكيد لم تسع إلى إعطاء علامات للطلاب على أساس الحضور، ولم تفعّل الإجراءات التأديبية، مثلما كان سيحدث في عام دراسي عادي.

وتساءل كاتبو التقرير: إذاً ما قيمة هذا التسجيل للحضور، إذا لم يدخل الطالب للمشاركة في الدرس عبر "زووم"، وبالكاد يأتي إلى الصف في الأشهر التي شهدت تعليماً وجاهياً، وعلى نحو عام لا يشارك في أي تعليم جدي؟

ما سرّ الامتناع عن وضع 

مؤشر لقياس التسرّب الخفي؟

يستند موقع "شومريم" في هذا الصدد، التسرّب من المدارس، أيضاً إلى تقرير كان أصدره مراقب الدولة، والذي تناول التعليم والتعلم عن بُعد خلال فترة كورونا. المراقب انتقد وزارة التربية والتعليم "لدفن رأسها في الرمال" وعدم تكليفها نفسها عناء جمع بيانات من شأنها تقديم صورة موثوقة للوضع. وكتب المراقب أن "الباحثين في إسرائيل وحول العالم يقدرون أن ظاهرة التسرب من المتوقع أن تتفاقم في أعقاب أزمة كورونا، وتظهر أيضاً في صفوف مجموعات السكان الذين لم يسبق تعريفهم من قبل بأنهم معرضون لخطر الانقطاع عن الدراسة. لم تقم مع ذلك وزارة التربية والتعليم بجمع بيانات رصد المدارس عن حضور الطلاب في صفوف التعلم عن بعد ومشاركتهم فيها، وليس بحوزتها حتى بيانات عن التسرب الخفي ونسبة الطلاب المتغيبين أثناء فترة كورونا والسنة التي سبقتها أيضاً".

ويتضح من فحص الموقع، بعد مرور عام على نشر تقرير المراقب، أنه لا يوجد حتى الآن أي إجراء لتقييم التسرب الخفي، على الرغم من أن وزارة التربية والتعليم أبلغت المراقب ولجنة التعليم في الكنيست أنها تعمل على ذلك - وأنه يوجد حتى الآن نموذج تجريبي تمت صياغته بالاستناد إلى مدرستين. وهو يقتبس عضو الكنيست يعقوب مارجي (من حزب شاس) الذي قال: "عندما أردتم معرفة القدرة الكامنة لدى أولئك الذين يدرسون خمس وحدات في الرياضيات والفيزياء، تمكنتم في غضون أسبوعين من الحصول على مسح شامل من المدارس للبلاد بأكملها، أما بالنسبة لفحص التسرب الخفي والتحقق منه، فأنتم غير مستعجلين لذلك"، في تلميح إلى عدم الاهتمام بهذه الشريحة لأنها غالباً من الفقراء.

وتساءل كاتبو التقرير: إلى أي درجة سيكون وضع مثل هذا المؤشر الإحصائي، أمراً معقداً، في حين أن المدارس تقوم أصلاً بإدخال البيانات على أساس زمني مؤلف من ساعات؟ ففي نهاية المطاف يمكن لأي والد ووالدة لديهما أطفال في جهاز التعليم أن يدخلا إلى مواقع المدارس، ومعرفة الصفوف التي حضرها الطفل، وإذا ما أحضر معه المواد واللوازم التعليمية، أو تلقى ملاحظات متعلقة بسلوكه أو تأخره عن الحضور للمدرسة أو الصف الدراسي. أي أن المعلومات المحوسبة موجودة هنا بالفعل، فلماذا لا يتم كشف التسرّب الخفي؟

ونقل عن خبراء تربويين يعرفون الوضع عن كثب القول: "صحيح أن هذا مؤشر أكثر تعقيداً من مؤشر التسرب الجليّ، ولكن هناك عدد كافٍ من المهنيين في وزارة التربية والتعليم المصرح لهم بفحص هذه المعلومات. وليس من الواضح لماذا تعرض الوزارة وضعاً جيداً، في حين أنه ليس كذلك. لو أنهم وضعوا البيانات الحقيقية على الطاولة، سيكون بوسعهم المطالبة بميزانيات لمعالجتها. يبدو أن هناك ألعاب تنافس وعضلات هنا، وربما اعتبارات سياسية أيضاً".

الناطق الرسمي لوزارة التربية والتعليم صرّح رداً على طلب "شومريم" أن "وزارة التربية والتعليم وضعت معالجة مشكلة التسرب كهدف مركزي أمامها، وعلى ضوء ذلك فقد انخفض معدل التسرب على مر السنين. فترة كورونا شهدت زيادة في عدد المتسربين المخفيين، ولكن بفضل السياسة التي وضعتها وزيرة التربية والتعليم، الدكتورة يفعات شاشا بيطون، والتي أمرت بإبقاء جهاز التعليم مفتوحاً (في آخر مراحل الجائحة)، انخفض التسرب الخفي. عند توليها منصبها، أصدرت الوزيرة تعليمات بأن يتم تطوير أداة لقياس التسرب الخفي. في هذه الأيام، تعمل الوزارة على تطوير هذه الأداة والتحقق من موثوقيتها".

العنصرية المتفشية في جهاز 

التعليم ليست من أولويات الوزارة

قبل نحو عام وعدة أشهر أعاد مكتب رقابة الدولة فحص قضية عالية الخطورة متعلقة بجهاز التعليم: العنصرية المتفشية فيه. وذكّر بتقرير خاص كان أصدره في العام 2016، عن "الحياة المشتركة ومنع العنصرية." وكتب أنه أجرى في النصف الثاني من العام 2020، "مراجعة ورقابة مكملة" لإجراءات وزارة التربية والتعليم لتصحيح أوجه القصور في التقرير السابق، وتبيّن أن وزارة التربية والتعليم لم تعمل على تعميم وتعميق المركبات المخصصة لإحداث تغيير في نهج التربية الديمقراطية والمدنية والقيمية. وكشفت الرقابة المكمّلة عن عدم وجود تغييرات في هذا المجال، بل لم تبدأ الوزارة بعد في تعزيز المكونات الرئيسة للمفهوم الإرشادي، مثل إنشاء لجنة توجيهية لتضمين القضية ووضع سياسة تترجم إلى سيرورة عمليّة- تطبيقية، وخطة ملزمة لجميع وحدات الوزارة. بالإضافة إلى ذلك، لم ترسخ الوزارة مفهوم التربية لمكافحة العنصرية في منشور المدير العام الدوري، الذي يحدد الخطوط الأساسية للمنهاج التربوي، ومن شأنه أن يحدد معالم التعليم من أجل الديمقراطية والعيش المشترك عبر جميع أقسام ومراحل التعليم.

وأشبه بالتقصير في وضع مؤشّر لقياس ومتابعة ظاهرة التسرّب الخفي للطلاب، لم تضع وزارة التربية والتعليم مؤشراً لإجراء فحص موحد ومنهجي ومتسق لمدى تفشي العنصرية في نظام التعليم، والذي يفترض أن يشمل معايير السلوك التي يمكن بموجبها تصنيف نطاق العنصرية والأنشطة المدرسية المطبقة والمعمول بها من أجل غرس قيمة العيش المشترك. إذ بدأت الوزارة في العامين 2015-2016 بوضع مؤشر للعنصرية لكنها لم تستكمل تطويره بعد! كذلك، لم تضع الوزارة نظاما مخصصا لمنع العنصرية ولدفع العيش المشترك بين الطلاب اليهود والعرب، ولم تجرِ مسحاً لجميع الأنشطة التي تنفذها في هذا الصدد أقسام الوزارة والمدارس. ولم تناقش الوزارة أو تقرر حتى مسألة إدراج هذه القضية في برنامج منهجي عام يتعامل مع العنصرية، أو تخصيص برنامج لها وتعزيز أنشطة مفصلة بشأنها. كذلك، لم تضع أهدافاً ولا غايات محددة في خططها الاستراتيجية لتحقيق التقارب بين طلاب جهاز التعليم الحريدي وبين الطلاب في سائر القطاعات، وهذا بالرغم من الآراء المسبقة والصور النمطية السلبية السائدة بين الشبيبة نحو تلك الشريحة من المجتمع. كما تبين أن طلاب جهاز التعليم الحريدي لا يلتقون ولا يجتمعون مع أيّ شريحة طلاب من قطاعات أخرى.

ارتباطاً بهذا، يُشار إلى ما جاء في بحث للبروفسور نوريت بيلد الحنان، قبل سنوات، بأن الكتب المدرسية التعليمية في جهاز التعليم الإسرائيلي تربّي على العنصرية والفصل العنصري وتؤكد على التمييز: "يظهر العربي في كتب التعليم دائما مع الجَمَل، بلباس علي بابا. يوصفون كأنذال، منحرفين ومجرمين، لا يدفعون الضرائب، لا يريدون أن يتطوروا. تمثيلهم الوحيد هو كلاجئين، مزارعين متخلفين وإرهابيين".

التعليم العربي، من أين نبدأ 

بعرض الأثر القاسي للسياسات..

ارتباطاً بالنقطة الأخيرة، جاء في ورقة موقف قدمتها مؤخراً لجنة متابعة قضايا التعليم العربي لوزارة التربية والتعليم، من بين قضايا مهمة أخرى، أن أزمة كورونا والانتقال إلى التعلم عن بعد "كشفت النقصَ القائم في البنى التحتية التكنولوجية في المجتمع العربي، بما في ذلك نقص المعدات الرقمية في المدارس ومصاعب تأهيل المعلمين بهذه الوسائل. تسببت هذه النواقص في قطع ألوف الطلاب العرب عن جهاز التعليم. نتيجة لذلك، تعمقت الفجوات في إنجازات التعليم العربي مقارنة بالتعليم العبري. ويجب أن يكون النقص الخطير في البنى التحتية التكنولوجية في المجتمع العربي في مقدمة اهتمامات وزارة التربية والتعليم. هذه قضية حاسمة ويجب حلها منذ مراحل التفكير والتخطيط لخطة الإصلاح حتى تتم ملاءمتها مع احتياجات المجتمع العربي".

وتضيف الورقة: "الوضع أكثر صعوبة في التعليم العربي في النقب وخصوصاً في القرى غير المعترف بها. لقد اضطررنا في السنوات الأخيرة إلى تقديم التماس إلى المحاكم من أجل ضمان ربط المدارس بشبكات المياه والكهرباء ومن أجل ضمان وصول الأطفال في حافلات للمدارس. يقع جزء كبير من المدارس والصفوف الدراسية في مبانٍ متهاوية، بعضها قديم - وهذه المشكلة تُضاف إلى العديد من المشاكل الأخرى الموجودة في التعليم العربي في النقب. يجب على وزارة التربية والتعليم تقديم خطة للتغلب على هذه المصاعب الفريدة من نوعها".

وفي ناحية أخرى متعلقة بأدوات التعليم الحديثة، تقول اللجنة إنه "يجب توفير بنى تحتية تكنولوجية رقمية في المدارس، بما في ذلك توفير أجهزة حاسوب، بنى تحتية للإنترنت، غرف حاسوب ملائمة، وكل وسيلة رقمية أخرى مطلوبة لغرض تنفيذ خطة الإصلاح بالقدر اللائق. وذلك بهدف توسيع نطاق إمكانيات اختيار المسارات المعروضة فيها. وزارة التربية والتعليم مطالبة بتوفير أجهزة حاسوب وملحقاتها من معدات للأطفال الذين ليس لديهم هذه الوسائل في البيت. ويجب على وزارة التربية والتعليم زيادة الموارد في التطوير الأصلي للمضامين التعليمية الرقمية باللغة العربية بحيث تتلاءم مع احتياجات المجتمع وتقلّص الفجوات القائمة. طالما أن الخيارات المتاحة للمعلمين والطلاب اليهود أكبر من تلك المتاحة للعرب، فإن جودة التدريس والمساواة في الفرص ستتضرران".

خلال السنتين الأخيرتين اللتين شهدتا أوضاعاً معقدة، تعليمياً، بسبب أزمة كورونا، لم يطرأ كثير من التغيير على وضع البنى التحتية والتجهيزات في المدارس. ومثل حقول أخرى تتولى المسؤولية عنها وزارة التربية والتعليم، فمن غير الواضح ما الذي تغيّر في صورة الفجوات بين جهازي التعليم للعرب مقابل اليهود. للتذكير، قبل سنتين قدّرت لجنة متابعة التعليم الوضع الإشكالي كالتالي: هناك فجوة بين التعليم في المجتمع العربي والتعليم في المجتمع اليهودي تقدر بنحو 3- 4 سنوات دراسية بناءً على دراساتPISA الدولية في العقدين الماضيين. هناك نقص في التعليم العربي لحوالي 4500 غرفة تعليم وحوالي 140 ألف ساعة تعليمية، وميزانية الطالب العربي في التعليم أقل بآلاف الشواكل مما يحصل عليه الطالب اليهودي!

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات