تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

للعام الثالث على التوالي تراجعت إسرائيل في تدريج مؤشر الفساد العالمي الذي صدر في نهاية الأسبوع الماضي، وفي الوقت نفسه انضمت إلى الدول التي يُنظر إليها بأنها متخلفة في مكافحة الفساد.

ووفقاً للمؤشر، احتلت إسرائيل المرتبة 35 من أصل 180 دولة في الاستطلاع السنوي لمؤشر الفساد العالميّ للعام 2019 الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية.

وتقيس هذه المنظمة الفساد في القطاع العام، وفي مؤشرها تعتبر درجة 100 نظيفة جداً ودرجة صفر فاسدة جداً.

وكانت علامة إسرائيل في المؤشر الحالي 60، أقل بعلامة واحدة من مؤشر 2018. وحصلت في العام 2017 على علامة 62، أقل بعلامتين من مؤشر 2016.

ومعروف أن العام 2019 شهد إعلان المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية أفيحاي مندلبليت نيته توجيه لائحة اتهام إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بشبهات تلقي الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة. بالإضافة إلى ذلك، يواجه وزيران في حكومته احتمال اشتباههما بارتكاب مخالفات فساد، وهما وزير الداخلية أرييه درعي، رئيس حزب شاس الحريدي، الذي سبق له أن أمضى فترة في السجن بسبب إدانته بتهم فساد، ووزير الصحة يعقوب ليتسمان، من حزب يهدوت هتوراة الحريدي. واضطر وزير الرفاه حاييم كاتس (الليكود) إلى التنحي من منصبه بعد اتهامه بشبهات فساد، وسحب عضو الكنيست دافيد بيتان من الليكود الذي يخضع للتحقيق أيضاً بشبهات فساد ترشيحه لمنصب وزير الأسبوع الفائت. وذكرت تقارير إعلامية أن الشرطة قامت الأسبوع الماضي باستجواب نائب وزير بشأن شبهات متعلقة بالفساد.

ومع أن إسرائيل احتلت المرتبة 35 في مؤشر الفساد على مستوى دول العالم، إلا إن تدريجها جاء في المرتبة 24 ضمن لائحة الدول الـ36 الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD. وهذا يعني أن وضع نحو 65 بالمئة من بين هذه الدول المتقدمة أفضل من وضع إسرائيل على هذا الصعيد.

وفيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط أظهر مؤشر الفساد 2019 أن الإمارات العربية المتحدة، التي احتلت المرتبة 21 على مستوى العالم مع علامة 71، وقطر، التي احتلت المرتبة 30 مع علامة 62، هما الأقل فساداً فيما جاء تدريج إسرائيل في المرتبة الثالثة.

وكانت علامات 70 بالمئة من الدول الـ 180 التي شملها المؤشر أقل من 50. وتصدرت الدنمارك ونيوزيلندا المؤشر مع علامة 87 لكل منهما، تليهما فنلندا مع علامة 86.
واحتلت الصومال مرة أخرى المرتبة الأخيرة مع 9 علامات فقط، وكانت جنوب السودان وسورية واليمن فوقها. وبقي متوسط علامات جميع الدول 43، كما كان في مؤشر 2018.

وأظهر المؤشر أن علامة الولايات المتحدة 69، وهي أقل بعلامتين من مؤشر العام السابق وأسوأ علامة منذ ثمانية أعوام. واحتلت الولايات المتحدة المرتبة 23، وهو انخفاض بمرتبة واحدة عن مؤشر العام الماضي.

وتعقيباً على هذه النتائج أصدر فرع منظمة الشفافية الدولية في إسرائيل بياناً قال فيه إن هذه النتائج تعني أن إسرائيل تقترب من علامة 50 والتي تُعدّ بمثابة خط أحمر، وتعتبر الدول التي تكون أدناه في المؤشر أن لديها مستوى عالياً من الفساد.

وقالت رئيسة الفرع الإسرائيلي لمنظمة الشفافية الدولية القاضية المتقاعدة نيلي عراد إن إسرائيل تواجه هذه الأيام أياماً ليست سهلة، في إشارة إلى قضايا الفساد التي تحوم حول نتنياهو وحملته ضد الجهاز القضائي والنيابة العامة. وأضافت أنه من المؤسف أن إسرائيل باتت عرضة للطائفية والتطرف، وانعدام الثقة المتزايد في المؤسسات التي تدعم الديمقراطية الإسرائيلية.

وجاء نشر مؤشر الفساد العالمي بعد أيام قليلة من إعلان "مؤشر الديمقراطية الإسرائيلية للعام 2019"، الذي يعده المعهد الإسرائيلي للديمقراطية في القدس، وأظهر أن 58 بالمئة من الجمهور الإسرائيلي يعتقدون بأن النظام الحاكم في إسرائيل فاسد، وأن 55 بالمئة منهم يعتقدون بأن الديمقراطية الإسرائيلية تواجه خطراً حقيقياً وجدياً.

وقالت البروفسور تمار هيرمان، رئيسة مركز غوتمان لدراسة الرأي العام والسياسات في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، إن "مؤشر الديمقراطية للعام 2019 يكشف استمرار، لا بل تعمق، عدم رضى المواطنين في إسرائيل عن أداء الجهاز السياسي وأحزابه، إلى درجة المس بمناعة الديمقراطية الإسرائيلية". وأضافت: "لقد وجدنا، في جميع المواضيع والمجالات تقريباً، أن الانتماء إلى معسكر سياسي معين هو العدسة التي يرى الإسرائيليون من خلالها المشكلات الآنية التي تواجه الدولة. ولهذا، فحين يكون اليمين راضياً، يكون اليسار غير راض ومحبطاً. والعكس صحيح أيضاً".

محاربة الأعراض بدلاً من الأسباب
جدير بالذكر أن المعهد الإسرائيلي للديمقراطية ركز كثيراً في الأدبيات الصادرة عنه خلال الأعوام القليلة الماضية على موضوع الفساد، وخلص في معظمها إلى نتيجة مؤداها أن معالجة ظواهر الفساد في إسرائيل تتم بمحاربة الأعراض بدلاً من الأسباب.
وبموجب هذا المعهد لا يوجد انشغال في إسرائيل بـ"أسباب ومسببات ثقافة الفساد المستشرية بين ظهرانينا بغية اجتثاثها من جذورها وإحلال ثقافة معيارية من طهارة اليدين".
وأشار المعهد بهذا الشأن إلى مصدري سببين من بين عدة مصادر.

المصدر الأول، والذي ينطوي على مجموعة أسباب للثقافة المفسدة، يتمثل في انعدام الشفافية والمسؤولية في القطاع العام الذي يُدار بواسطة أطر وهياكل عفا عليها الزمن ويتسم بمركزية مفرطة. واستناداً إلى أبحاث ودراسات عديدة أعدت في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية خلال الأعوام الأخيرة، يمكن الإشارة بوضوح إلى تغييرات بعيدة الأثر جرت في شكل أساس في الأذرع التنفيذية في جميع الديمقراطيات المتطورة (OECD) وتتلخص في توزيع أساليب الإدارة في كل المؤسسات والأجهزة، وإعادة تحديد الصلاحيات والمسؤوليات بصورة تتيح حرية العمل وتشجع المبادرة والتفوق والإبداع، وبالأساس إرساء آليات لتمثل الشفافية والمسؤولية. فكلما كانت الشفافية والمسؤولية مستوعبين بشكل أعمق، ضمنتا نجاعة وفاعلية الحكم، وشكلتا ضمانة للحد من قدرة الإفساد، وفوق كل ذلك، تعظيم السيرورات الديمقراطية القائمة على المشاركة. ولكن في إسرائيل يُدار القطاع العام على ظهر إخفاقات بنيوية مكرسة جوهريا في فروعه المختلفة، وفي المقام الأول في الأطر والهياكل الحكومية. وهذه الإخفاقات كافة هي نتاج مباشر للمركزية الزائدة التي تقوض نجاعة وفاعلية السلطات التنفيذية في دولة إسرائيل على اختلاف وكلائها، وخاصة في ضوء الزيادة في الأعباء المتراكمة. والمركزية هي التي تحول دون تمثل مبادئ الشفافية والمسؤولية. ويبرز بين أعراض إخفاقات سلطات إسرائيل التنفيذية: الجمود والثبات وأحيانا التقاعس والعزوف عن تنفيذ قرارات الحكومة، الأمر الذي لا ينجم عنه أي محفز للمبادرة والتفكير الإبداعي في صفوف المكلفين بخدمة الجمهور في إسرائيل. والمتضرر الرئيس في هذا الواقع هو الحكم.

المصدر الثاني لتعاظم الفساد قائم في الساحة السياسية. وأشار المعهد إلى أنه "في أوائل تسعينيات القرن الماضي ألحقنا ضرراً جسيماً بل وجهنا ضربة موجعة لبنيتنا السلطوية حين أدخلنا طريقة الانتخابات المباشرة (لرئيس الحكومة). وقد انضمت إلى هذه الضربة في فترة التسعينيات ضربة أخرى مست بأسس نظامنا: إتباع الانتخابات التمهيدية (برايمريز). وقد ساهم تضافر هذين العاملين، الانتخابات المباشرة والانتخابات التمهيدية، في زيادة تبعية السياسيين، أكثر من المعقول، للتبرعات المالية. وعمليا، ومنذ التسعينيات أضحى المال هو الشرط الضروري للانتخاب لقائمة مرشحي الحزب للكنيست، ناهيكم عن الوقوف على رأس الحزب وفوزه في الانتخابات. وإن تبعية السياسة المتزايدة للمال هي أحد الأسباب الرئيسة لتفاقم الفساد السياسي. وهنا أيضاً لم تعالج الديمقراطية الإسرائيلية بالشكل الملائم أسباب ومصادر الفساد السياسي، وبالتالي لم يتم بناء الوسائل والأدوات الملائمة لمحاربته، من قبيل إقامة أجهزة الشفافية وترسيخ مفهوم المسؤولية وبلورة نظام ملائم من القيود القانونية والعقوبات المناسبة. في المقابل فإن تبعية السياسة المتزايدة للمال عززت عملية شرعنة هذه السياسة الإسرائيلية".

وأشار المعهد ذاته في كتاب صادر عنه بعنوان "الفساد السياسي في إسرائيل" إلى أن الاستخدام الفاسد للنفوذ السلطوي كان دائما مكونا ملموسا في السياسة الإسرائيلية. كما أن الفساد السلطوي تطور تبعاً للتغيرات السياسية وأثر عليها، بمعنى أن الفساد أثر على مبنى القوة في المجتمع وتأثر به. ولفت على وجه الخصوص إلى أنه تطورت في إسرائيل خلال العقود الأخيرة عدة نماذج وأنماط من الفساد، بعضها ما زال في منحى التصاعد، وبعضها الآخر في اتجاه الانحسار والتحسن. كما لفت إلى أن بعض أنماط الفساد مرتبط بشكل مباشر باتجاه النيو ليبرالية الاقتصادية والمس بحيز الحياة العامة مما يشكل خطرا حقيقيا على الديمقراطية الإسرائيلية، فيما يرتبط قسم آخر من أنماط الفساد بخصومات بين قادة وزعماء الأحزاب الكبيرة، وبطرق الانتخابات داخل الأحزاب.

وأشار المعهد كذلك إلى أن زيادة ملموسة طرأت على حجم رشاوى الفساد التي تلقاها مسؤولون كبار في الفترة الممتدة بين الأعوام 2001- 2005، وذلك نتيجة للتأثيرات السلبية الناجمة عن قانون الانتخاب المباشر لرئيس الحكومة الذي ألغي والانتخابات التمهيدية (البرايمريز) داخل الأحزاب.