تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 1078

لوحظ في الفترة القليلة الماضية أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي يشغل أيضاً منصب وزير الدفاع، أطلق التحذير تلو التحذير من أن إسرائيل تمر في خضم فترة أمنية حساسة ومتفجرة للغاية في عدد من الجبهات في الشرق (مع إيران) والشمال (مع سورية ولبنان) والجنوب (مع قطاع غزة). وصدر آخر تصريح له بهذا الشأن خلال الاجتماع الذي عقدته الحكومة الإسرائيلية وتلاه اجتماع المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية- الأمنية يوم الأحد 3 الجاري.

وكان من الملفت أيضاً أن رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي الجنرال أفيف كوخافي انضم هو أيضاً إلى نتنياهو بهذا الشأن، وحذّر من احتمال اندلاع مواجهة عسكرية في الفترة القريبة بسبب التغييرات في منطقة الشرق الأوسط، مما "يتطلب من الجيش التجهز للحرب بسرعة"، على حدّ تعبيره.

وقد أشار كوخافي، في تصريحات أدلى بها إلى مراسلي الشؤون العسكرية في وسائل الإعلام الإسرائيلية مؤخراً، إلى أن الوضع في الجبهتين الشمالية والجنوبية هش ومتوتر وقد يتدهور إلى مواجهة عسكرية بالرغم من أن "أعداء إسرائيل لا يرغبون بخوض حرب". وأضاف أن إسرائيل تتعامل اليوم وفي نفس الوقت مع عدد كبير من ساحات الحرب والأعداء وأن التهديد الرئيسي الذي تواجهه يأتي من إيران وعملائها في لبنان وسورية والعراق، ولكنه أكد أن الجبهة الشمالية تشكل التحدي الاستراتيجي الرئيسي الماثل أمام إسرائيل في الوقت الحالي، وذلك على خلفية التموضع العسكري الإيراني في سورية، ومشروع الصواريخ الدقيقة لحزب الله الذي تقوده طهران. وقال أيضاً إن إيران تستغل أراضي دول ضعيفة غير قادرة على تطبيق سيادتها بشكل كامل من أجل تعزيز وجودها العسكري فيها، مشيراً على سبيل المثال إلى أن لبنان بات واقعاً في أسر حزب الله الذي قام بتشكيل جيش خاص به فضلاً عن كونه يتحكم في سياستها الأمنية من الناحية العملية.

وكشف كوخافي أنه أنهى خلال الأيام الأخيرة وضع اللمسات الأخيرة على خطة أمنية متعددة السنوات تشمل شراء معدات قتالية ذات قدرة تدميرية، وتحسين الوسائل الدفاعية للتصدي أيضاً للطائرات المُسيّرة (من دون طيار) في المنطقتين الشمالية والجنوبية.

وما يتبين هو أن هذه التحذيرات، سواء الصادرة عن نتنياهو أو عن كوخافي، تشي بوجود تحسبات إسرائيلية لـ"التهديد الإيراني"، وذلك على خلفية عدة تطورات مستجدة، جزء منها مرتبط بإيران وجزء آخر متصل بالمواقف الأخيرة للإدارة الأميركية الحالية.

ذعر مبرّر أم لا؟

رأت تحليلات إسرائيلية أن رئيس الأركان كوخافي يعمل على إثارة ذعر غير مبرر من أجل تسريع الميزانية الأمنية الإسرائيلية وزيادتها. بل كان ثمة من ذهب واتهمه بأنه يعمل بإمرة رئيس الحكومة الانتقالية نتنياهو من أجل صرف انتباه الرأي العام عن أزمته الشخصية. لكن جلّ هذه التحليلات أكدت في الوقت ذاته أن كوخافي بحاجة إلى زيادة في الميزانية الأمنية تقدّر بأربعة مليارات سنوياً خلال العقد القريب، كما أنه بحاجة إلى موافقة سريعة على خطة العمل المتعددة السنوات التي تحمل اسم "تنوفاه" (انطلاقة) كي يكون جاهزاً لاستخدام خططه العملانية بنجاح في أي حرب مقبلة تخوضها إسرائيل، وإذا ما استمرت المراوحة الحالية بسبب تأليف الحكومة الإسرائيلية فقد يتأخر كل هذا.

وأكد المحلل العسكري لصحيفة "معاريف" طال ليف رام أن تصريحات كوخافي تنطوي على تلميح يتعلق بالاستعداد العسكري المطلوب لمواجهة التطورات الأخيرة، وتآكل قوة الردع للأميركيين كقوة عظمى، وأيضاً في ظل تقديرات تشير إلى أن أعداء إسرائيل وفي الأساس حزب الله في لبنان يمكن أن يسمحوا لأنفسهم بمزيد من المخاطرة في عملياتهم في المنطقة، وخاصة على خلفية استمرار العمليات الإسرائيلية ضد التمركز الإيراني بالقرب من الحدود ومشروع الصواريخ الدقيقة المشترك بين حزب الله وإيران.

وأكد ليف رام أنه في هذا الوضع يفضل الجيش الإسرائيلي أيضاً استقراراً سياسياً يسمح بتحقيق خطط وميزانيات متعددة السنوات وفي الأساس إصغاء المؤسسة السياسية إلى حاجات الجيش وللتطورات في المنطقة. وبغض النظر عمن سيكون رئيس حكومة إسرائيل المقبل، فإن قضية وزير الدفاع لها أهمية كبيرة. وفي الجيش يرغبون في وزير دفاع مع دوام كامل، وأن يكون عمله في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في رأس اهتماماته، لكن أيضاً العلاقات مع كبار المسؤولين في الولايات المتحدة لها أهمية كبيرة.

وشدّدت بعض هذه التحليلات على أن التحذيرات الأمنية التي تصدر عن نتنياهو في هذه الأيام بصورة متكررة هدفها خدمة الأهداف التي يسعى لها رئيس هيئة الأركان، لكن من الواضح مع ذلك أنه يحاول، بالإضافة إلى الأجندة الأمنية، الدفع قدماً بمصالحه الشخصية والسياسية من خلال تصوير الوضع بصورة قيامية.

ويؤكد المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل أنه من المحتمل طبعاً أن تكون المحن القانونية والسياسية التي يمر بها نتنياهو تؤثر في تحذيراته، لكن من الصعب تجاهُل كلامه. وأشار إلى أنه في الخلفية تجري المحافظة على حالة تأهب عالية للجيش الإسرائيلي، وخصوصاً سلاح الجو. ونوّه بأن كل من يسكن بالقرب من قواعد جوية يمكنه أن يلاحظ ذلك في الأسابيع الأخيرة.

ويضيف هذا المحلل أن أي معلومة أمنية جديدة تُنشر هذه الأيام يجب أن تُقابل بقدر معين من الشك، ذلك أن المصالح المتعددة من وراء إبراز تهديدات إيران واضحة للغاية، كما أن كثيرين من كبار المسؤولين الذين يتحدثون عن خطورة الوضع الإقليمي لديهم هدف سياسي واضح جداً وهو تأليف حكومة وحدة وطنية. ولكل واحد أسبابه، وكلما كان الوضع الأمني أخطر، كلما تزداد فرص إقامتها.

ولدى الانتقال إلى التفاصيل يشير هرئيل ومحللون آخرون إلى أنه بالنسبة إلى نتنياهو، هذا يمكن أن يكون سبيلاً للبقاء في السلطة، على الرغم من الفشل الثاني له على التوالي في المعركة الانتخابية. وبالنسبة إلى رئيس تحالف "أزرق أبيض" عضو الكنيست بيني غانتس، هذه على ما يبدو هي إمكانية يفضلها لتقاسُم مسؤولية قيادة الدولة، الأمر الذي لا يزال شركاؤه في قيادة التحالف يتحفظون عليه بشدة. وحتى بالنسبة إلى رئيس الدولة رؤوفين ريفلين، هذا هو الحل الذي سيعيد المنظومة السياسية إلى مسارها وربما يسرّع بداية نهاية حقبة نتنياهو. أما رئيس الأركان كوخافي فهو بحاجة ماسة إلى حل المأزق السياسي كي يصبح في إمكانه تطبيق خطته المتعددة السنوات للجيش الإسرائيلي، والتي في جزء منها من المفترض أن تقدم رداً على التهديدات الجديدة من جانب الإيرانيين والتنظيمات المتعددة التي تعمل بوحي منهم.

وبالرغم من ذلك يعتقد هرئيل أن تحذيرات نتنياهو لا يمكن تجاهلها لأنها تقدم جزءاً من صورة التهديدات لم يكن ظاهراً للجمهور حتى الآن. وكتب أن الاستخبارات العسكرية حذّرت الشهر الماضي من احتمال أن تحاول إيران مهاجمة إسرائيل من غرب العراق، بواسطة إطلاق صواريخ بحرية أو طائرات من دون طيار، من القواعد التي أقامتها في المنطقة بمساعدة الميليشيات الشيعية التي تشغّلها. ويبدو أن السيناريو الثاني يتعلق باليمن؛ فلقد زودت طهران المتمردين الحوثيين بطائرات من دون طيار وبصواريخ سكود التي هاجموا بواسطتها مطارات ومنشآت نفطية في السعودية في السنوات الأخيرة. وحالياً يُفهم من كلام نتنياهو أنه قد أُضيفت إلى البنية التحتية العسكرية الإيرانية في اليمن أيضاً صواريخ باليستية بعيدة المدى. ونظراً إلى أن المسافة بين الجزء الشمالي من اليمن وإيلات، النقطة التي تقع في أقصى جنوب إسرائيل، هي أكثر من 1800 كيلومتر، من المحتمل أن المقصود هو تنويعة من الصاروخ المسمى خومشهر أو موسودان، الصاروخ الأصلي من إنتاج كوريا الشمالية، ويصل إلى مدى نحو 4000 كيلومتر. وفي الماضي تحدثت وسائل الإعلام الدولية عن زيادة الإيرانيين وزن الرأس المتفجر للصاروخ من 500 كيلوغرام إلى نحو طن ونصف طن أو طنين، في موازاة ذلك قلصوا مداه إلى ألفي كيلومتر. في مسألة المسافة ووزن الرأس المتفجر، فإن الإيرانيين قادرون على أن يضربوا من اليمن أهدافاً كثيرة في جنوب إسرائيل. ويصل مدى الصواريخ الإيرانية طبعاً إلى إسرائيل من إيران نفسها. لكن نشر صواريخ بعيدة المدى في اليمن، بالإضافة إلى إطلاقها من هناك على السعودية في الماضي، يدل على أن الإيرانيين يحضرون أنفسهم لاحتمالات أُخرى. وهذه هي الخطة التي كشفها نتنياهو بتفصيلات جزئية في كلامه أخيراً.

أما المحلل العسكري لموقع "واينت" رون بن يشاي، فيرى أن إسرائيل موجودة في الفترة الأخيرة في مركز التصويب الإيراني. وأحد أسباب الارتفاع المفاجئ في مؤشر التفجير هو تراكم التحذيرات بشأن نية إيران القيام بهجمات ضد أهداف إسرائيلية. فـ"التحذيرات التي تراكمت لدى أجهزة استخبارات غربية هي على مستوى كبير من الموثوقية، وهي كلها تقريباً تقول إن هذه الهجمات ستكبدنا خسائر وأضراراً مفاجئة ومؤلمة في مكان وزمان لا نتوقعهما".

وأشار بن يشاي إلى أن هذا هو السبب الذي من أجله رفع الجيش الإسرائيلي مؤخراً حالة التأهب في ذراع الدفاع الجوّي، وفي سلاح الجو عموماً، وهذا هو السبب الذي جعل ممثليات إسرائيل في الخارج تزيد تدابيرها الأمنية. وبرأيه، ليس المقصود هجمات إستراتيجية تؤدي حتماً إلى حرب، بل عمليات إرهابية، لكنها يمكن أن تجبر إسرائيل على الرد، وتدل التجربة على أن المنحدر الزلق الذي يربط بين الرد وبين الرد على الرد، يمكن من دون قصد أن يتدهور إلى تصعيد كبير.

كما تطرّق بن يشاي إلى تحذير نتنياهو المتعلق بجبهة اليمن، فقال إنه برغم عدم وجود أي دليل موثوق به يدل على أن الإيرانيين أو أي طرف يعمل لمصلحتهم شحن إلى اليمن صواريخ باليستية ثقيلة وبعيدة المدى، أو صواريخ بحرية قادرة على الوصول إلى إسرائيل مباشرة، فإن التجربة التي راكمها الإيرانيون وحزب الله والحوثيون يمكن أن تظهر عبر "صيغ خلاّقة" لمهاجمة إسرائيل بواسطة صواريخ، وصواريخ بحرية، وطائرات "عادية" من دون طيار. وبرأيه فإن رئيس الحكومة قصد، على ما يبدو، أهدافاً إسرائيلية أُخرى يمكن أن يطلق الحوثيون عليها صواريخ من اليمن بطلب من أسيادهم الإيرانيين ومدربيهم من حزب الله. وعلى سبيل المثال، إطلاق صاروخ بر - بحر على سفينة إسرائيلية تعبر مضائق باب المندب في طريقها من آسيا إلى ميناء إيلات، أو تعبر قناة السويس في طريقها إلى حيفا، أو مهاجمة سفن سريعة مفخخة سفناً تجارية إسرائيلية في مضيق حيوي. ومن المحتمل أيضاً إطلاق صواريخ من العراق على جنوب إسرائيل، وصواريخ بحرية وطائرات من دون طيار ذات مدى قصير ينتجها الحوثيون بتوجيه إيراني. وهكذا يحقق الإيرانيون هدفين: يتنصلون من تحمّل مسؤولية مباشرة، ويحدثون مفاجأة في منطقة في إسرائيل تُعتبر أقل من تهديد.

الخلفية

بغض النظر عما إذا كان "التهديد الإيراني" ضمن السيناريوهات الواردة أعلاه حقيقياً أو يجري تضخيمه لغايات في نفس كل جانب، تجمع التحليلات الإسرائيلية على أن ما يقف في خلفية هذه التحذيرات هو نشوء "صورة إقليمية متكدّرة"، كما يصفها المحللون العسكريون، وتعود أسبابها إلى ما يلي: تراجُع الاهتمام الأميركي بالشرق الأوسط، وقرار إدارة ترامب التخلي عن الأكراد في شمال سورية وتركهم تحت رحمة الأتراك، وعدم وجود رد أميركي على الاستفزازات الإيرانية في الخليج، وعلى رأسها الهجوم بالطائرات المسيّرة والصواريخ البحرية على منشآت النفط في السعودية الذي خلّف أضراراً بالغة، وذلك بالإضافة إلى الثقة بالنفس التي تظهرها إيران والقدرة العملانية التي قدمتها في السعودية، وحاجة إسرائيل إلى تعزيز استعداداتها الدفاعية لمواجهة صواريخ بحرية تتحرك بالقرب من اليابسة، والتي كان أسلوب الكشف عنها يختلف عن المنظومة الموجهة ضد الصواريخ الباليستية. وأضيف إلى ذلك سبب مهم آخر، وهو الافتراض بأن التوتر مع إيران سيزداد إزاء محاولات هجومية أخرى من طرف الحرس الثوري الإيراني في الجبهة الشمالية كانتقام على هجمات سابقة لإسرائيل، في الوقت الذي تضع فيه إسرائيل الشمال على رأس سلم الأولويات.

ووفقاً لتقارير إعلامية نُشرت في نهاية الأسبوع الفائت، قال رئيس الحكومة نتنياهو لمجموعة من الوزراء مؤخراً إنه يجب عليهم ألا يتوقعوا من الولايات المتحدة أن تتخذ إجراء جاداً ضد إيران خلال العام المقبل على الأقل.

ولمح نتنياهو علناً لأول مرة إلى عدم ارتياحه حيال تردّد واشنطن في اتخاذ خطوات، وكرّر تصريحات صدرت في الأسابيع الأخيرة من مسؤولين آخرين تحدثوا عن جرأة إيران المتزايدة. وقال في حفل تخريج ضباط عسكريين إن "الوقاحة الإيرانية في المنطقة تتصاعد وتزداد قوة في ظل غياب الرد".

وقبل عدة أسابيع أخبر نتنياهو أعضاء الحكومة في اجتماع مغلق أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لن يتصرف ضد إيران قبل الانتخابات العامة الأميركية في تشرين الثاني 2020 وفي هذه الأثناء سيتعين على إسرائيل التعامل مع إيران لوحدها.

كما أعرب مسؤولون عسكريون إسرائيليون عن مخاوفهم من أن إيران بدأت بالرد على الهجمات الإسرائيلية ضد مواقعها في سورية، نتيجة ازدياد شجاعتها من افتقار الولايات المتحدة الظاهري للعزم على الرد، ما أشار إليه انسحابها من المنطقة. وقال قائد سلاح الجو اللواء عميكام نوركين إن جميع أنظمة الدفاع الجوي في الجيش الإسرائيلي في حالة تأهب من جراء الهجمات الصاروخية أو هجمات الطائرات المسيرة من طرف إيران ووكلائها في المنطقة.

وتصاعدت التوترات المحيطة بإيران في الأشهر الأخيرة، وأرسلت الولايات المتحدة قوات إضافية وسفينة حربية إلى الخليج، لكن واشنطن تجنبت في الغالب الرد بعد سلسلة من الهجمات على منشآت نفطية في السعودية نُسبت إلى إيران. كما لم يؤد إسقاط إيران لطائرة أميركية إلى رد عسكري، وقام ترامب بإلغاء توجيه ضربة جوية بعد أن كانت المقاتلات الأميركية في الجو.

كذلك اعتبر قرار البيت الأبيض القاضي بسحب القوات من شمال سورية والتخلي عن الحلفاء الأكراد هناك علامة على عدم رغبة ترامب في الانخراط عسكرياً في المنطقة.