تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.
  • تقارير خاصة
  • 1118
  • برهوم جرايسي

كشف تحقيق جديد أجرته صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية الإسرائيلية (تابعة لصحيفة "يديعوت أحرونوت") أن الجامعة الاستيطانية، في مستوطنة "أريئيل" والتي تحمل اسم مستوطنتها، تحصل على تمويل دعم حكومي، بفارق ضخم عما تحصل عليه الجامعات الإسرائيلية القديمة، ومنها ذات الاسم العالمي.

وعلى سبيل المثال، ففي السنوات الخمس الأخيرة حصلت هذه الجامعة على قرابة 163 مليون شيكل من الحكومة (43 مليون دولار)، مقابل "خدمات بحثية"، بينما معهد التخنيون، المدرج في المرتبة 69 عالميا، ويواجه كغيره من الجامعات أزمة مالية، حصل على أقل من 6 ملايين شيكل (1,56 مليون دولار) في الفترة ذاتها. وتؤكد الصحيفة أن خلفية هذا التفضيل الكبير لهذه الجامعة سياسية وتعود إلى حكومة اليمين المتشدد بزعامة بنيامين نتنياهو.

وعلى الرغم من مخاوف جامعات وأكاديميين إسرائيليين من أن تطال الجامعات الإسرائيلية مقاطعات عالمية على خلفية تحويل كلية "أريئيل" إلى جامعة رسميا في العام 2012، إلا أنه يتبين من تقارير الجامعة أنها تنشط عالميا، ولديها اتفاقيات مع 50 جهة أكاديمية عالمية، في أنحاء مختلفة من العالم.

بطاقة تعريف: جامعة استيطانية

أقيمت كلية "أريئيل" في مستوطنة أريئيل في غربي منطقة نابلس في العام 1982. وباتت مع السنين الكلية الأكاديمية الأولى بالنسبة للمستوطنين، إلا أن طلابا من جميع أنحاء البلاد تدفقوا عليها، من بينهم مئات الطلاب العرب سنويا، ما خلق جدلا واسعا في هذا الإطار بين الفلسطينيين في إسرائيل. وبحسب مؤشرات عدة، فإن أعداد الطلاب العرب سجلت في السنوات الأخيرة تراجعا ما، إلا أنه لا توجد تقارير عينية في هذا المجال.

وقد بدأت اجراءات تحويل هذه الكلية الاستيطانية إلى جامعة، في منتصف العام 2005، بقرار من رئيس الوزراء في حينه أريئيل شارون. وبدأت وزيرة التعليم في حينه ليمور ليفنات في إجراءات أكاديمية لتحقيق الهدف. إلا أنه كما يبدو فإن الاجراءات توقفت أو تباطأت في ظل حكومة إيهود أولمرت (2006- 2009)، ووزيرة التعليم في حينه يولي تامير.

بعد ذلك سعت حكومة بنيامين نتنياهو الثانية (2009- 2013)، منذ أيامها الأولى، إلى تحويل كلية "أريئيل" إلى جامعة، وواجه الأمر بداية معارضة شديد من مجلس التعليم العالي، ومن رؤساء الجامعات الإسرائيلية الثماني، إذ تخوفوا من أن تطال جامعاتهم مقاطعات عالمية، في حال جرى أي اتصال بين جامعاتهم وبين هذه الجامعة الاستيطانية. وكان من بين الحلول التي وضعتها الحكومة إقامة لجنة خاصة بجامعة "أريئيل"، إلى جانب مجلس التعليم العالي.

وقد صادقت الحكومة رسميا على تحويل الكلية إلى جامعة في نهاية صيف العام 2012. وكانت المصادقة النهائية والحاسمة من وزير الدفاع في حينه إيهود باراك، بصفته المسؤول عن المناطق المحتلة منذ العام 1967، بموجب القانون، باستثناء القدس ومرتفعات الجولان السوري المحتلة، بفعل قانون الضم المرفوض عالميا.

ونشب جدل واسع في الحلبة السياسية الإسرائيلية قبل سنوات، حول ضرورة الإعلان عن هذه الكلية الاستيطانية كجامعة، إلا أن التأييد لم ينحصر في معسكر اليمين المتشدد، بل كان هناك تأييد أيضا لدى ما يسمى "اليمين المعتدل". ففي نهاية العام 2012 بعيد الإعلان عن الكلية جامعة، وتمهيدا لانتخابات مطلع العام 2013، اختار زعيم حزب "يوجد مستقبل" يائير لبيد هذه الجامعة، لتكون المكان الذي يعلن منه عن برنامجه السياسي، تعبيرا عن دعمه للجامعة الاستيطانية، وأيضا لكون برنامجه يدعو إلى ضم جميع الكتل الاستيطانية إلى ما يسمى "السيادة الإسرائيلية".

ويتعلم حاليا في جامعة "أريئيل" 15 ألف طالب للقبين الأول والثاني، في 28 برنامجا تعليميا. و15% من إجمالي الطلاب هم من مستوطنات الضفة المحتلة، والباقون من إسرائيل.

وتُقسم الجامعة إلى أربع كليات مركزية: كلية الصحة، وكلية الهندسة، وكلية العلوم الطبية، وكلية المجتمع. كما توجد في الجامعة كليتان بدرجة أكاديمية أقل، واحدة لموضوع التخطيط المعماري، والثانية للإعلام. وحسب تقرير الصحيفة، يعمل في الجامعة 300 أستاذ، من بينهم عشرات الحاملين للقب بروفسور، في كل المواضيع التي تعلم في الجامعة، إضافة إلى 15 مركز أبحاث.

تمويل بفارق كبير عن باقي الجامعات

ويقول تحقيق صحيفة "كالكاليست" إن الجامعة الاستيطانية "أريئيل" حظيت بتعاقدات تفضيلية مع الحكومة الإسرائيلية، منذ العام 2007، وحتى نهاية تشرين الأول الماضي، بحوالي 163 مليون شيكل، بعد أن استفادت من النظام الخاص الذي يعفيها من المشاركة في مناقصات، كي تفوز بعطاءات الحكومة، وهي عادة مشاريع بحثية.

وكي يتبين حجم التفضيل، فإن جامعة "بن غوريون" في مدينة بئر السبع، حصلت في ذات الفترة على تعاقدات بحوالي 2,3 مليون شيكل فقط.

كذلك فإن جامعة "بار إيلان" في مدينة رامات غان، المجاورة لمدينة تل أبيب، والتي تعاني من عجز مالي ضخم، يقدّر بأكثر من 15 مليون شيكل، حظيت بتعاقدات مع الحكومة بأقل من 8 ملايين دولار. ما يعني أن هذه الجامعة "حديثة العهد" كما يقول التحقيق، تحظى بميزانيات ضخمة، على حساب جامعات إسرائيلية قديمة غارقة في الديون والعجز التراكمي، وفي خلفية هذا مواقف سياسية من حكومة اليمين المتطرف القائمة منذ العام 2009 وحتى الآن.

وتقول الصحيفة إن نظام الاعفاء من المناقصات قائم في المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية، لغرض تحقيق أهداف عينية. ففي الجامعات مثلا، بالإمكان ابرام اتفاقيات لتقديم خدمات، من خلال هذا النظام وغيره. وبهذه الطريقة تحصل الجامعات على ميزانيات استثنائية. وغالبا فإن الخدمات التي تقدمها الجامعات للحكومة والمؤسسات الرسمية تتركز في مجال الأبحاث، وخدمات تربوية وما شابه.

وتقول "كالكاليست" إنه على ضوء العجز الكبير الغارقة فيه عدد من الجامعات القديمة، يزداد الاستغراب من أن الحكومة لا تفضّل تلك الجامعات في طلب الخدمات، كي تنقذها من أزمتها المالية، وبكلمات أخرى، لماذا تفضّل الحكومة جامعة شابة، أكثر بكثير من مؤسسات تعليم قديمة، مثل الجامعة العبرية (في القدس)، ومعهد التطبيقات الهندسية "جامعة التخنيون"، ومعهد فايتسمان، وهي مؤسسات تعليم عال موجودة بشكل دائم على قائمة أفضل 500 جامعة في العالم.

فمثلا الجامعة العبرية، التي نفذت إدارتها إضرابا في مطلع السنة الدراسية الجامعية في نهاية تشرين الأول الماضي لمدة أسبوع بسبب أزمتها المالية، حظيت بتعاقدات مع الحكومة في ذات الفترة، بمعنى منذ العام 2007 وحتى الآن، بما يزيد بقليل عن 63 مليون دولار. وقد حلت في المرتبة الثالثة بين الجامعات من حيث حجم التعاقدات. وكما نرى فإن الفارق يصل إلى 100 مليون شيكل، بين ما تقاضته هذه الجامعة الكبرى، وبين الجامعة الاستيطانية "أريئيل". وللمقارنة أيضا، فإن عدد الطلاب الجامعيين في "أريئيل" بلغ 15 ألف طالب في السنة الدراسية الماضية، مقابل 23 ألفا في الجامعة العبرية.

وكانت جامعة تل أبيب قد حلّت في المرتبة الثانية، أيضا مع فارق كبير عن "أريئيل"، إذ حصلت في نفس فترة التحقيق على أقل من 97 مليون دولار. وحصلت جامعة حيفا على ما يقارب 32 مليون شيكل، علما أن الغالبية الساحقة من طلاب جامعة حيفا يأتون من المناطق البعيدة عن مركز البلاد، بمعنى من بلدات يفترض أنها تستحق امتيازات مناطق "ذات أفضلية". أما جامعة "التخنيون"، التي تدرّج في المرتبة 69 من بين جامعات العالم، فإن حجم التعاقدات معها بلغ أقل من 6 ملايين شيكل في ذات الفترة.

وتقدم جامعة "أريئيل" لحكومتها أبحاثا في مجال الأدوية والعلاج بالأعشاب، وخاصة لمرض السكري. وأيضا تقدّم أبحاثا في مجال التربية والتعليم، وأساليب تعليمية جديدة تعتمد على التقنيات العالية، ووضع برامج تعليمية في موضوع التكنولوجيا. كذلك تقدم الجامعة لوزارة التعليم استشارات في علم النفس، واستشارات لتعليم الطلاب ذوي المحدوديات. وقد بلغت تعاقدات وزارة التعليم وحدها مع هذه الجامعة الاستيطانية في العام 2014 حوالي 36 مليون شيكل، وفي العام التالي- 2015 - أكثر من 33 مليون شيكل.

الدعم على خلفية سياسية

تقول الصحيفة في تحقيقها إنه قد تكون هناك رغبة معينة بدعم الجامعة "الشابة"، ولهذا فإنها تحظى بتفضيل، بهدف مساعدتها كي تصمد كمؤسسة تعليمية ومركز أبحاث "رائد"، بشكل يجعلها قادرة على لعب دور أكبر بين الجامعات في إسرائيل، ومستقبلا لربما على المستوى العالمي. ولكن يُسأل السؤال: هل هذا التفضيل وبهذا الحجم يجب أن يكون بمقاييس كبيرة إلى هذا الحد، على حساب مؤسسات وجامعات أخرى؟.

وتضيف الصحيفة: هناك مسألة أخرى تثير الاستغراب، هي العلاقة بين الحكومة القائمة، حكومة اليمين في السنوات الأخيرة، وبين وجود هذه الجامعة خلف الخط الأخضر. فالإعلان عن تحويل كلية "أريئيل" إلى جامعة في العام 2012، تم تعريفه من جهات عديدة على أنه قرار سياسي واضح، قاده وزير التعليم يومها، غدعون ساعر. وهذا التفضيل انعكس في المعطيات التي جمعناها (الصحيفة) في إطار التحقيق. فمثلا في السنة الأولى للإعلان عن الكلية كجامعة، في العام 2013، حصلت الجامعة على تعاقدات مع الحكومة بقيمة تزيد عن 28 مليون شيكل، مقارنة مع 3,5 مليون شيكل، حينما كانت كلية في العام 2012. وفي العام التالي، 2014، حصلت الجامعة على تعاقدات بقيمة 51 مليون شيكل، وكانت الميزانية الأكبر من بين السنوات التي جرى فحصها في إطار التحقيق، إذ حصلت الجامعة على 40 مليونا في العام 2015، وفي العام الجاري حصلت على 36,7 مليون، وهي ميزانية مرشحة للازدياد، كون السنة لم تنته بعد.

وتقول "كالكاليست" إنه من الصعب الفصل بين نمو جامعة "أريئيل" في السنوات الأخيرة، وبين حقيقة أن من يتولى الحكم هو بنيامين نتنياهو وحزبه اليميني "الليكود"، وبشكل خاص كون وزير التعليم في الحكومة التي اتخذت قرار تحويل الكلية إلى جامعة هو اليميني المتشدد غدعون ساعر. وتشير الصحيفة إلى أن ذات الوزير امتنع خلال ولايته عن رفع مكانة عدة كليات قائمة في المناطق البعيدة عن مركز البلاد.

كما تشير الصحيفة إلى أن الوزير الذي جاء بعده في حكومة نتنياهو التالية (2013- 2015) وهو المستوطن شاي بيرون، من حزب "يوجد مستقبل"، اهتم بدفق ميزانيات ضخمة على هذه الجامعة.

ويذكر أن كلا الوزيرين، كمن سبقهما على مدار السنين، رفضا المصادقة على إقامة جامعة عربية في مدينة الناصرة، برغم المطالبات الواسعة، وطرح البلدية في تلك السنوات مخططات وتجنيد موارد لإقامة الجامعة.

وعلى الرغم من كونها تقع في مستوطنة، ومخاوف جهات أكاديمية إسرائيلية من مواجهة مقاطعة دولية للجامعات الإسرائيلية بسبب هذه الجامعة، إلا أن جامعة "أريئيل"، وفق تقاريرها، لديها 50 اتفاق تعاون مع جامعات ومؤسسات تعليم عال ومراكز أبحاث عالمية، من بينها في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية وكندا وروسيا والجمهوريات المحيطة بها.