تقارير خاصة

تقارير عن قضايا راهنة ومستجدة في إسرائيل.

يعتقد عدة محللين سياسيين إسرائيليين أن بعض ما أظهرته حملة الترشح لانتخابات الرئاسة الأميركية لدى الحزبين الديمقراطي والجمهوري مقدّر له أن يزيد القلق الذي تشعر به إسرائيل حيال المستقبل.

ويركز هؤلاء المحللون، من ضمن أمور أخرى، على جوهر السجال الذي دار حول إسرائيل وسياستها بين أبرز مرشحين للحزب الديمقراطي بارني ساندرز وهيلاري كلينتون.

وبحسب أحد هؤلاء المحللين (حيمي شاليف، هآرتس)، لم يقل ساندرز أي شيء استثنائي على وجه الخصوص بشأن الفلسطينيين، وبرغم ذلك فإن تصريحاته في المناظرة الديمقراطية مع كلينتون تشير إلى "معلم طريق تاريخي". فهذا السيناتور (اليهودي) وصف نفسه بأنه "موالٍ لإسرائيل مئة في المئة"، لكنه في الوقت نفسه حرص على التشديد على الوضع الصعب للفلسطينيين، والحاجة إلى التعامل معهم بنزاهة واحترام.

وبرأي شاليف فإن التجديد في أقوال ساندرز عن الفلسطينيين يتمثل تحديدًا في ما أسماه "كسر المسلمات". فالمرشحون للرئاسة الأميركية على وجه العموم يُقسمون بسلامة إسرائيل قبل أن يتم انتخابهم للمنصب، ويكتشفون ضائقة الفلسطينيين فقط بعد دخولهم إلى البيت الأبيض. هكذا كانت الحال مع جيمي كارتر في العام 1976 ومع باراك أوباما أيضًا في العام 2008. لكن ساندرز صنع العناوين حتى في الصحافة الأميركية بسبب أنه خرج عن قواعد اللعب المعهودة ووجه انتقادات إلى إسرائيل، تحديدًا عشية انتخابات تمهيدية في ولاية يحدّد فيها الناخبون اليهود النبرة وربما أيضًا يحسمون المعركة.

وبينما يعتقد البعض أن تزايد الانتقادات لإسرائيل الذي ينم كذلك عن تراجع التأييد لها، يعود إلى سلوكيات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وشركائه الطبيعيين من أحزاب اليمين والحريديم، يرى آخرون أن قطاعي الشباب والنخب في أميركا يتحرران بشكل مضطرد من وهم "مثالية إسرائيل". وهذه السيرورة آخذة في التعمّق بتأثير تغيرات تجري أيضًا في أوساط يهود الولايات المتحدة الذين لم تعد شرائح واسعة منهم تتماثل مع إسرائيل نظرًا إلى ترسخّها كدولة احتلال قمعية من جهة، وكدولة يهودية (دينية) تضطهد اليهود غير الأرثوذكس الذين يشكلون أغلبية اليهود في أميركا ذاتها، من الجهة الأخرى.

دراسات جديدة: مقاربة اليمين

وفي مناسبة انتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة، جرى في الآونة الأخيرة تسليط الضوء أكثر فأكثر على جوهر العلاقة القائمة بين إسرائيل ويهود الولايات المتحدة من طرف دراسات جديدة خلصت في شبه إجماع إلى نتيجة واحدة فحواها أن هذه العلاقة مأزومة على أزيد من صعيد.

وتلزم الإشارة فيما يخص هذا الدراسات إلى ثلاثة كتب على وجه التحديد:

1- The Star and the Stripes: A History of the Foreign Policies of American Jews،
2- Trouble in the Tribe: The American Jewish Conflict over Israel،
3- Off the Derech.

الكتاب الأول من تأليف مايكل بارنيت أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، والكتاب الثاني من تأليف دوف فاكسمان أستاذ العلوم السياسية في جامعة نورث وسترن، أما الكتاب الثالث فمن تأليف فراناك مرغوليس وهي باحثة يهودية متدينة.
وقد حظي الكتابان الأول والثاني بعرض وتحليل من طرف إليوت أبرامز الخبير في شؤون الأمن القومي الأميركي والشرق الأوسط، وسبق أن أشغل منصب مستشار سياسي في إدارة الرئيسين رونالد ريغان وجورج بوش الإبن، وذلك ضمن مقالة مطولة ظهرت في عدد نيسان/ أبريل 2016 من مجلة "موزاييك" تحت العنوان "ما هو السبب الحقيقي الواقف وراء تنائي يهود الولايات المتحدة عن إسرائيل؟".

ويستخلص الكتابان أن الإجماع المؤيد لإسرائيل الذي كان يميّز يهود الولايات المتحدة تآكل وأن المواجهة في أوساط هؤلاء اليهود حول إسرائيل وضعت نهاية لسلوك التضامن معها.
كما يستخلصان أنه إذا كانت إسرائيل تشكل في زمان مضى عامل وحدة بين يهود الولايات المتحدة فإنها باتت الآن تشكل عامل تفريق وتشرذم.

ويعتقد الكاتبان أن حملة انتقاد إسرائيل في أوساط يهود الولايات المتحدة مرشحة لأن تتصاعد، لكن كلا منهما يشخّص أسبابًا مختلفة لذلك.

فبينما يعتقد فاكسمان أن هذه الأسباب كامنة في استمرار انزياح إسرائيل نحو اليمين، يرى بارنيت أن الأسباب تعود إلى الفارق بين واقع اليهود في إسرائيل وواقع اليهود في الولايات المتحدة.

ويرى أبرامز من ناحيته أن قضية ابتعاد يهود الولايات المتحدة عن إسرائيل ليست مرتبطة بهذه الأخيرة وبالسياسة التي تنتهجها، وإنما بجملة تغيرات حدثت وتحدث في أوساط هؤلاء اليهود وكانت حصيلتها تراجع مشاعر التضامن مع إسرائيل وحتى مع سائر اليهود خارج حدود الولايات المتحدة، ويشير على وجه الخصوص إلى ازدياد الاندماج في المجتمع الأميركي وارتفاع نسبة الزواج المختلط.

وبذا يتبنى أبرامز مقاربة اليمين الإسرائيلي الذي يحاول نزع أي صفة سياسية عن أزمة العلاقة القائمة بين إسرائيل ويهود الولايات المتحدة.

ويتركز الكتاب الثالث الذي يتبنى هو أيضا هذه المقاربة، في حجم ظاهرة تراجع تدين يهود الولايات المتحدة ومترتبات ذلك على العلاقة مع إسرائيل.

مقاربة مضادة

هنا تجدر الإشارة إلى أن "لجنة الشؤون العامة الأميركية- الإسرائيلية" (إيباك) سيطرت، طوال العقود الخمسة الماضية، على النشاط السياسي لليهود الأميركيين في الولايات المتحدة، واتسمت هذه اللجنة بمواقفها المؤيدة بالكامل لإسرائيل وسياسات حكوماتها، خصوصا فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. لكن في موازاة استمرار هذا الصراع وتعميق الاحتلال والاستيطان وتفاقم القمع للفلسطينيين وانتهاك حقوقهم، في ظل ترسخ حكم اليمين في إسرائيل، بدت صورة إسرائيل بنظر الأميركيين وخصوصا بين اليهود الأميركيين سلبية قياسا بما كانت عليه في الماضي. واستدعى هذا التغيير تأسيس لوبي يهودي - أميركي جديد باسم "جي ستريت"، يدعي بأنه يمثل معظم اليهود الأميركيين الذين يصل عددهم إلى ستة ملايين نسمة.

ويعتبر لوبي "جي ستريت" في إسرائيل منظمة يسارية، من الناحية السياسية والموقف من الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، لكونه يؤيد حل الدولتين، ويدعو إسرائيل إلى التوصل إلى اتفاقيات سلام مع الدول العربية، والانسحاب من المناطق المحتلة عام 1967.

كذلك عبر هذا اللوبي عن معارضته لمواقف رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، حيال الاتفاق النووي بين الدول الكبرى وإيران، مثلما عبر عن استيائه من الأزمة التي أثارها نتنياهو مع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، حول الصراع والاتفاق النووي.

لذلك تلتقي مواقف "جي ستريت" مع مواقف اليسار الإسرائيلي. لكن هذا اللوبي يوجه انتقادات إلى قسم من هذا اليسار الذي يدعو إلى مقاطعة إسرائيل واتخاذ خطوات ضدها من أجل دفعها إلى التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين وتطبيق حل الدولتين.

وقد عبرت عن هذه الانتقادات مديرة "جي ستريت" في إسرائيل، ياعيل باتير، في مقابلة معها نشرتها صحيفة "ذي ماركر" أخيرًا.

وقالت باتير إنه "صحيح أن هناك مجهودا يتم بذله عن وعي من جانب جهات في اليسار الإسرائيلي بالتوجه إلى قوى خارجية. وهي تشجع ممارسات لمقاطعة إسرائيل. نحن لا نؤيد ذلك، وينبغي أن نتذكر أنه ليس جميع حركات السلام، وبالطبع ليس كل اليسار الإسرائيلي جزء من ذلك. (لكن) الأهم من هذا هو وجود حملة منظمة ومتزامنة وممولة من أجل نزع شرعية اليسار ومن يرفع راية السلام ويدفعها إلى الأمام".

وأضافت أن هناك ادعاء بأن اليسار الإسرائيلي يذهب أبعد مما ينبغي فيما يتعلق بالسلام مع الفلسطينيين ومعارضة اليمين الإسرائيلي الحاكم، لكن "في مجتمع ديمقراطي، يسمح بحرية التعبير عن الرأي، هذا لا يبرر تشويه صورة معسكر كامل". ورأت باتير أنه "ما من شك في أن معسكر السلام (في إسرائيل) فشل، ورايات كثيرة يحاول رفعها لا ترفرف عاليا. والسبب الأول لذلك هو انعدام القدرة على طرح رؤية إسرائيلية تدمج ما بين الأمن على كافة الأصعدة، الشخصية والاقتصادية والاجتماعية والتشغيلية، وبين القيم اليهودية الصهيونية".

واعتبرت باتير أن حملة اليمين ضد اليسار في إسرائيل، بما في ذلك ضد المنظمات الحقوقية الإسرائيلية، مثال مألوف على كيفية تحديد هدف ومن ثمّ يشنون هجوما متعدد الأذرع، من خلال سن قوانين وحملة شعبية ومعاهد أبحاث، ويحققون نجاحا.

واعتبرت باتير أنه "لمصلحة إسرائيل يجب أن يفهم اليمين أنه يوجد فرق بين محبة إسرائيل وبين توجيه الانتقاد إلى حكومة إسرائيل. والمشكلة هي أنه ليس مستعدا لتقبل هذا الفرق، وهذا يلحق ضررا. كما أن هذا يبعد عنا أصدقاء ويسهم في تحويل إسرائيل إلى دولة منبوذة أكثر. ويهود الولايات المتحدة يدركون هذا الأمر بشكل متزايد. وعلى سبيل المثال، فإنه في السنوات الأخيرة تتم دعوة فلسطينيين أيضا وكذلك منظمات سلام إلى مؤتمرات إيباك. وهذا مؤشر على أنهم يدركون وجود أهمية لمنح منبر لهذه الأصوات والتحدث معها".

وقالت باتير إن السلطات الإسرائيلية لا تغلق الأبواب في وجه "جي ستريت"، فـ"الجميع يدرك أننا أكبر منظمة طلابية يهودية في الولايات المتحدة، ولا يمكن ألا يعملوا معنا أو يكونوا مرتبطين بنا. فلدينا عشرة آلاف طالب ينشطون في أكثر من سبعين حرما جامعيا". وأشارت إلى أن ميزانية اللوبي هي "ثمانية ملايين دولار في السنة. هذه ميزانية صغيرة، ولدينا ستون موظفا. مقرنا في واشنطن العاصمة، وهناك سبعة فروع في مناطق توجد فيها تجمعات يهودية كبيرة".

وأضافت أن "جي ستريت" ليست منظمة يتم فيها دفع بدل عضوية "ولذلك فإن الطريقة التي نحدد بواسطتها عدد الأعضاء هي وفقا لعدد المتبرعين وعدد الموقعين على العرائض وعدد الذين يشاركون في النشاطات. ونقدر حاليا أن عدد الأعضاء هو 180 ألف شخص. وزيادة حجمنا خلال الأعوام الثمانية منذ تأسيس المنظمة يدل على نجاح. وفي الفترة الحالية ندخل إلى دورة انتخابية (للرئاسة الأميركية) وسوف نزيد قوتنا في الكونغرس بشكل ملموس".

وتوقعت باتير أنه في أعقاب الانتخابات سيكون هناك أكثر من 100 عضو كونغرس تلقوا دعما من "جي ستريت"، وهذا يشمل دعما ماليا لحملاتهم الانتخابية، وجميعهم من الحزب الديمقراطي، "أي أننا سنزيد قوتنا السياسية كثيرا داخل الحزب الديمقراطي. وجاء سياسيون قدماء كثيرون إلينا بمبادرتهم وطلبوا دعمنا". وأوضحت أن دعم "جي ستريت" المالي يتراوح بين آلاف الدولارات ومئات آلاف الدولارات. و"المرشح لمجلس الشيوخ يتلقى مبالغ أكبر من المرشح لمجلس النواب. كذلك توجد أهمية للمنطقة التي تجري المنافسة فيها ومدى قوة المنافسة".

وأشارت باتير إلى الفرق بين "إيباك" و"جي ستريت"، وقالت "نحن نمثل أفكارا مختلفة. إيباك يمثل حكومة إسرائيل، ونحن نمثل ما نعتقد أنه أفضل لإسرائيل والأفكار التي يحملها معظم يهود الولايات المتحدة، ويمكن أن تكون هناك حالات تكون فيها هذه الأفكار غير متوافقة مع سياسة حكومة إسرائيل".

الخلافات الكبرى بين الجمهور اليهودي الأميركي وحكومة إسرائيل، وفقا لباتير، "تدور حول إنهاء الصراع، دفع فكرة الدولتين والميل إلى تفضيل الحل الدبلوماسي دائما. فاليهود الأميركيون هم مجتمع تسود فيه الأفكار الليبرالية – الديمقراطية، النابعة من عالم قيم يهودية تتحدث عن تصحيح العالم والعدالة الاجتماعية والمساواة، هذه هي روحهم".

وتحدثت باتير عن "قطيعة" بين يهود أميركا واليهود في إسرائيل، لأن الجمهور اليهودي في إسرائيل يتجه نحو اليمين، وخاصة خلال الهبة الشعبية الفلسطينية الحالية. "صحيح أنه توجد هنا توجهات معاكسة تماما، لكن إسرائيل ما زالت تحظى بتأييد كبير في الولايات المتحدة بسبب شعور بالتشابه. فكلتا الدولتين هما دولتا مهاجرين، وكلتاهما ديمقراطيتان، وهناك أيضا العلاقة اليهودية – المسيحية ذات العلاقة بأجزاء كبيرة بين السكان الأميركيين، وشكلت دائما ارتباطا بالأرض المقدسة والتوراة وشعب الكتاب. وهذه الأمور صانت هذا النسيج دائما. وتوجد مصالح مشتركة طبعا، بأن يسود الاستقرار في الشرق الأوسط. العلاقة متينة من هذه الناحية، لكن الأمور تتغير. فالولايات المتحدة باتت أقل اهتماما بالشرق الأوسط، وتراجعت حاجتها إلى النفط، والطبيعة السكانية تتغير، فالأقليات تصبح أغلبية، وهذه مجموعات تتعاطف مع النضال الفلسطيني، أي مع من يعتبر ضحية".

ولفتت باتير إلى تراجع العلاقة بين اليهود الأميركيين وإسرائيل: "يعيش في الولايات المتحدة ستة ملايين يهودي. ولم تعد إسرائيل عنصرا مهما في حياة قسم منهم، والفجوة آخذة بالاتساع، خاصة لدى الشبان. لكن لا تزال إسرائيل مهمة لدى معظمهم وخصوصا الكبار في السن. فهي بيتهم القومي وهي الدولة الملجأ. وهناك الفانتازيا بأن إسرائيل تجسد مشروع السيادة اليهودية".

وشددت باتير على أنه تجري تحولات بين اليهود الأميركيين، "إسرائيل تحولت إلى شيء أقل راحة، وديمقراطيتها لم تعد قوية كثيرا وهناك علامات استفهام حيال الدين والدولة ومن هو اليهودي، أي بمن تعترف إسرائيل بيهوديته وتوافق على تقبل حاخاماته وطقوسه وطريقة إجراء ممارساته اليهودية. وبالطبع هناك موضوع الاحتلال. وكلما أصبح هذا الأمر مريحا أقل، يسألون أنفسهم ما إذا كانت إسرائيل بحاجة إلى أن تكون عاملا مركزيا في التربية اليهودية الأميركية. وتوجد فجوة بين الأجيال ويتحدثون كثيرا عنها ويدركونها أكثر هنا أيضا، ويتزايد انعدام الارتياح تجاه إسرائيل لدى الشبان. ولأسفي، فإن هذا مندمج مع انعدام الارتياح حيال الصهيونية. ومعظم الشبان يعزلون أنفسهم عن هذا الأمر ويفضلون ألا يتعاملوا معه، بينما القسم الذي ما زال يريد أن يكون ملتزما يجد في جي ستريت بيتا لأن هذا يسمح له بأن يكون جزءا من التغيير، ويسهم بأن تكون إسرائيل مكانا يعتزون به. وهذا الوضع يعني عمليا كسر ديناميكية سادت سنوات طويلة ومفادها أن دور الأميركيين أن يدعموننا من دون طرح أسئلة ومن دون صدامات، ودورنا هو تلقي شيكاتهم والدفاع عن إسرائيل. ولم يعد هذا قائما".

وأضافت أن شبانا يهودا أميركيين في سن 19 عاما "يقولون لي إن لديهم مشكلة مع الصهيونية"، وذلك في الوقت الذي تدعي فيه إسرائيل أنها "الدولة القومية لليهود". وتابعت باتير أنه "عندما تحدث نتنياهو عن الدولتين، وعندما ذهب إلى مفاوضات سياسية، وعندما أيد تسوية حول حائط المبكى، أيدناه في هذه الأمور. (لكن) يوجد عدم توافق حول الاتفاق مع إيران والمستوطنات. وعلينا أن نتذكر أن قسما من الإسرائيليين انتخب يائير لبيد وموشيه كحلون والمعسكر الصهيوني، كما أنه ليس الجميع في الليكود يفكرون بشكل متطابق. على سبيل المثال، سمعنا من جهاز الأمن أن ثمة أفضليات في الاتفاق مع إيران. وجي ستريت مرتبط بالإجماع الأمني والشعبي في إسرائيل. وهذا لا ينعكس في حكومة إسرائيل بسبب طريقة الحكم الائتلافية".

وتطرقت باتير إلى الانتقادات التي تعرض لها رئيس حزب "البيت اليهودي" اليميني المتطرف ووزير التربية والتعليم الإسرائيلي، نفتالي بينيت، في أعقاب لقائه مع يهود من التيار الإصلاحي خلال زيارة للولايات المتحدة. وقالت إن بينيت يدرك أهمية لقاء كهذا لأنه جاء من خلفية أميركية، "لكنه لا يدرك أهمية موضوع الدولتين بالنسبة لهم. وعلى إسرائيل أن تقرر مصيرها. وجي ستريت منظمة أميركية تنشط داخل المؤسسة السياسية الأميركية. ولا توجد هنا مسألة فرض رأيهم أو المناورة في السياسة الإسرائيلية، لكن اليهود الأميركيين يقولون لأنفسهم "نحن نهتم بإسرائيل ونحبها، ومن أجل أن تكون إسرائيل آمنة يتعين عليها التوصل إلى تسوية مع جيرانها. ودورنا هو مساعدتها في ذلك، بواسطة دور الولايات المتحدة كوسيطة ومانحة".

نتائج مثيرة لاستطلاعات الرأي العام

تدل معطيات واستطلاعات الرأي العام التي تجرى بين اليهود في الولايات المتحدة، سواء اليهود- الأميركيين أو الإسرائيليين - الأميركيين (أي المولودين في إسرائيل وهاجروا إلى الولايات المتحدة)، على أن الجيل الجديد من الشبان اليهود يبتعد عن اليهودية وعن إسرائيل لصالح الاندماج، وحتى الانصهار، في المجتمع الأميركي، الذي يمر في هذه الأثناء بتحولات اجتماعية كبيرة، أبرزها الابتعاد عن الدين. ويتبين، أيضا، أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية هو أحد أسباب ابتعاد الجيل الشاب، وخاصة بين اليهود الأميركيين، عن إسرائيل.


وفي إطار مؤتمر اتحاد المنظمات اليهودية في أميركا الشمالية، الذي يعقد مرة كل خمس سنوات في القدس، وعُقد قبل 3 سنوات، تم تخصيص جلسة ناقشت أحوال الإسرائيليين الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة سعيا وراء العمل والدراسة وبقوا هناك وأصبحوا مواطنين أميركيين. وقد أسس هؤلاء الإسرائيليون - الأميركيون منظمة أطلقوا عليها اسم "الجالية الإسرائيلية - الأميركية". وحذروا خلال جلسة المؤتمر من أن أبنائهم، أي الجيل الثاني من الإسرائيليين - الأميركيين، يبتعدون تدريجيا عن إسرائيل، ومن أن التخوف هو على الجيل الثالث، الأحفاد، الذي يتوقع أن ينصهر بالكامل في المجتمع الأميركي مع كل ما يترتب على ذلك من تبعات التحولات الجارية في المجتمع الأميركي. ولذلك كان عنوان هذه الجلسة "المورد الضائع".

وبيّن تقرير نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" في ذلك الوقت أن مؤسسي "الجالية الإسرائيلية - الأميركية" هم من المهاجرين الإسرائيليين الذين تمكنوا من جمع ثروة خلال عملهم على مدار عشرات السنوات الأخيرة في الولايات المتحدة. ويبدو أنهم مؤيدون لليمين الإسرائيلي، إذ أن ضيف الشرف في احتفال أقاموه في ذكرى تأسيس إسرائيل، عام 2013، كان شيلدون أدلسون، الملياردير الأميركي الذي يعتبر الداعم الأكبر لرئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، وأحد أبرز ممولي الحملات الانتخابية للحزب الجمهوري ومرشحه في انتخابات الرئاسة الأميركية الأخيرة، ميت رومني. لكن هذه المنظمة لم تنجح حتى الآن في أن تجمع تحت لوائها جميع الإسرائيليين - الأميركيين، الذين يقدر عددهم ما بين نصف مليون إلى 800 ألف مهاجر إسرائيلي.

عبر آدم ميلشتاين، وهو أحد مؤسسي "الجالية الإسرائيلية - الأميركية"، ولديه ثلاث بنات، عن مخاوفه من المستقبل بالقول: "ارتكبنا خطأ كبيرا. لقد أرسلنا البنات إلى جهاز التعليم العام، وهكذا ابتعدن عن اليهودية. وأدركنا فجأة أنه ليس فقط نحن أنفسنا لم نعد إسرائيليين، وبناتنا بالتأكيد لم تعدن إسرائيليات، وإنما أن أحفادنا المولودين في الولايات المتحدة لن يكونوا يهودا أيضا. وأعتقد أننا تأخرنا في إدراك ذلك".

وأشار رئيس "الجالية الإسرائيلية- الأميركية"، شارون إيفن- حاييم، إلى أنه قلق مما سيحدث للجيلين الثاني والثالث، معتبرا أن احتمال زواج ابنه من غير يهودية هو "أمر خطير جدا بالنسبة لي". وأضاف "لا أرى بنفسي يهوديا من دون إسرائيليتي، فإسرائيل هي مركز يهود العالم". ورأى أن انصهار اليهود في المجتمع الأميركي هو "تهديد كبير جدا، ومسؤولية منع حدوث هذا الأمر ملقاة علينا".

وقال مدير عام "الجالية الإسرائيلية - الأميركية"، ساغي بالشا، إن أولاده أصبحوا أميركيين "فهم يتحدثون باللغة الانكليزية غالبا، ويحتفلون بعيد ليلة جميع القديسين وعيد الميلاد. وعموما فإن الجيل الأول يتحدث ويقرأ ويكتب بالعبرية، والجيل الثاني يتحدث العبرية فقط، وهذا ليس دائما، لكنه لم يعد يقرأ ويكتب بالعبرية، والجيل الثالث لا يتحدث العبرية أبدا".

وتبين من استطلاع للرأي العام أجراه معهد الاستطلاعات الإسرائيلي "ميدغام" برئاسة الدكتورة مينا تسيمح، وشمل 2366 شخصا بينهم 1598 إسرائيليا - أميركيا و768 يهوديا أميركيا، أن 94% من المهاجرين الإسرائيليين إلى أميركا يتحدثون العبرية بمستوى لغة أم، وأن هذه النسبة انخفضت لدى الجيل الثاني إلى 57%. وقالت تسيمح "لم نفحص الجيل الثالث، لكن من الواضح أنه إذا كان هناك انخفاض في هذه النسبة لدى الأبناء، فإن الأرقام ستكون منخفضة أكثر بكثير لدى الأحفاد". كذلك تبين أن الزيجات المختلطة لدى الجيل الأول هي بنسبة 7%، وارتفعت بين الجيل الثاني إلى 17%.

وتناول الاستطلاع تعريف المهاجرين الإسرائيليين لهويتهم. وقال 83% من الذين يعيشون في أميركا منذ أقل من خمس سنوات إنهم "إسرائيليون"، و17% عرفوا أنفسهم بأنهم "إسرائيليون - أميركيون". وفي المقابل فإن 55% من الذين يعيشون في أميركا منذ فترة تتراوح ما بين 10 – 20 سنة عرفوا أنفسهم بأنهم "إسرائيليون". وبين أولئك الذين يعيشون منذ أكثر من 20 سنة في أميركا عرف 27% منهم أنفسهم بأنهم "إسرائيليون"، بينما عرف 73% أنفسهم بأنهم "إسرائيليون - أميركيون". وعقبت تسيمح على ذلك بالقول إن "هذا يعني أن الهوية الإسرائيلية تتبدد مع مرور السنوات".

لكن رؤساء "الجالية الإسرائيلية - الأميركية" عبروا عن رضاهم من نتائج الاستطلاع المتعلقة بالتزام الإسرائيليين في أميركا تجاه إسرائيل. فقد قال 72% إنهم يزورون إسرائيل مرة كل سنتين. لكن يتبين أن وتيرة مثل هذه الزيارات تتراجع كلما قضى الإسرائيلي فترة أطول في الولايات المتحدة. إلا أن المعطى الأهم بنظرهم هو أن 83% قالوا إن مواقف المرشح للرئاسة الأميركية أو للكونغرس تجاه إسرائيل يؤثر على شكل تصويتهم.

غير أن ميلشتاين لفت، من الجهة الأخرى، إلى تعامل إسرائيل السلبي مع الإسرائيليين - الأميركيين، والذي يصل أحيانا إلى حد وصفهم بـ "الخونة". وقال "لم يأبه بنا أحد في الماضي. والآن ارتقينا درجة وأصبحنا نازلين من إسرائيل وليس صاعدين إليها. كذلك فإن المجتمع اليهودي - الأميركي لا يتعامل معنا دائما. والنتيجة هي أن شريحة كبيرة جدا يحتاج شعب إسرائيل إليها ذهبت إلى الضياع. لا أحد يريد معانقتها وتبنيها".

وأضاف "ندرك أن إسرائيل لا تريد تشجيع الهجرة منها، لكننا نريد ألا يروا بنا كنازلين وإنما كسفراء للدولة وكذخر إستراتيجي. ونريد أن تدرك إسرائيل أن التنكر لنا لا ينسجم مع المصلحة الإسرائيلية وإنما العكس. فالدولة تقول لنا: لقد نزلتم من البلاد، فاذهبوا إلى الجحيم. لكن إذا قالت إسرائيل للإسرائيليين - الأميركيين إنهم جنودها، فإن هذا سيمنحهم محفزا لمساعدتها. يوجد هنا أفراد يعملون في مجالات الهاي - تك والأعمال والطب والأكاديميا، وتجاهلهم هو أمر خطأ. نحن كنز".

وأشار ميلشتاين إلى الفرق بين الإسرائيليين - الأميركيين واليهود الأميركيين. وقال إن "اليهودية في الولايات المتحدة هي ديانة والإسرائيلية هي قومية. ويقول اليهود في الولايات المتحدة: نحن أميركيون أولا وبعد ذلك نحن يهود. ولذلك يوجد انصهار بحجم هائل. وهم ينظرون إلى يهوديتهم على أنها ديانة وقسم كبير منهم لا يشعر بوجود علاقة بينه وبين إسرائيل. ونحن نشعر أننا إسرائيليون ويهود في الوقت نفسه".

وكان معهد "غالوب" الأميركي نشر في ذلك الوقت استطلاعا، تبين منه أن 77% من الأميركيين يعتقدون أن الديانات تفقد تأثيرها في الولايات المتحدة. وفي موازاة ذلك أشارت دراسات واستطلاعات إلى أن عدد الملحدين في ارتفاع مستمر، وكذلك يزداد تأثيرهم على كافة مجالات الثقافة والحياة. وقالت "يديعوت أحرونوت" في تقريرها السالف إن تأثير ذلك على اليهود الذين يشكلون نسبة 2،2% من سكان الولايات المتحدة، "يكاد يكون قاتلا".

من جهة ثانية، كشف معهد "بيو" معطيات حول المجتمع اليهودي - الأميركي، تبيّن منها أن 71% من اليهود غير المتدينين في الولايات المتحدة يتزوجون زواجا مختلطا، علما أن هذه النسبة كانت 17% في العام 1970.

كذلك تبين أن ربع اليهود الأميركيين ملحدون، وأن ثلثين منهم لا يذهبون إلى الكنيس، وأنه في بيوت ثلث منهم يتم وضع شجرة خلال عيد الميلاد.

إجمـال

على الرغم من الخلاف الحاد حول أسباب الأزمة المسيطرة على جوهر العلاقة القائمة بين إسرائيل ويهود الولايات المتحدة، من الواضح أن هناك اتفاقًا بين الأطراف المختلفة في ما بينها على اتساع الفجوات بين الجانبين.

ويبقى الجانب المهم في هذا المسألة مرهونًا بمحاولة جهات أن تضفي طابعًا سياسيًا على هذه الأزمة يرتبط كما سلفت الإشارة بواقع ترسخّ إسرائيل كدولة احتلال قمعية من جهة، وكدولة يهودية (دينية) تضطهد اليهود غير الأرثوذكس الذين يشكلون أغلبية اليهود في الولايات المتحدة ذاتها، من الجهة الأخرى.