المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
صورة من شركة رفائيل لنموذج من منظومة "ماجين أور".
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 88
  • عبد القادر بدوي

أعلنت شركة رفائيل و"وزارة الدفاع" في إسرائيل عن نجاح أول عملية اختبار لمنظومة الدفاع الجوي التي تعتمد على شعاع الليزر، لأول مرة منذ انطلاق مشروع تطويرها في العام 2014، قبل عدّة أيام. واستمراراً لسلسلة المساهمات التي سلطت الضوء على أهم التحديثات التي طرأت على التقنيات العسكرية- الأمنية في إسرائيل ومجال الصناعة العسكرية- الأمنية بشكلٍ عام، وبالبناء على المساهمة السابقة التي استعرضت بالشرح والتحليل منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلي مُتعدّد الطبقات، تُسلّط المساهمة الحالية الضوء على منظومة الدفاع الجوي الجديدة المعروفة باسم "ماجين أور" التي تعتمد على شعاع الليزر، حيث أجري الاختبار الأول لهذه المنظومة خلال الأسابيع الماضية ضمن حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، ومن المتوقع أن يتم دمجها في منظومة الدفاع الجوي ضد التهديدات الصاروخية خلال العام المقبل.

ما هي منظومة الليزر؟ وما الجديد الذي تحمله؟ 

في العام 2014، وخلال معرض سنغافورة الجوي الذي يتم فيه عرض تجاري لصناعات الطيران والفضاء المدني والعسكري، تم تقديم أول مخطط لمنظومة دفاع جوي ضد التهديدات الصاروخية تعتمد على نظام الليزر من قِبَل شركتي تطوير التقنيات الأمنية- العسكرية الإسرائيليتين المعروفتين "رفائيل" و"إلبيت"، لتُضاف إلى منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية ضد التهديدات الصاروخية متعدّدة الطبقات. تعتمد المنظومة على "ألياف الليزر" ذات الطاقة العالية التي تصل إلى 1000 كيلوواط، وهي أرخص مقارنةً بـ "الليزر الكيميائي" الذي كانت تعتمد عليه منظومات اعتراض سابقة لم يتم استكمال تطويرها. المنظومة مصممة لاعتراض الأهداف الجوية في نطاق قصير يصل إلى قرابة 10 كم فقط، بما يتيح إمكان اعتراض الأهداف التي لا تستطيع منظومة "القبة الحديدية" اعتراضها بسبب نطاق عملها، بالإضافة إلى أنها أرخص من حيث تكلفة التشغيل التي تتطلّبها منظومة "القبة الحديدية" والمنظومات الدفاعية الأخرى. وتُشير شركات تطوير المنظومة إلى أن الآلية التي تعمل بها "ماجين أور" هي رصد الهدف الجوي بواسطة مستشعر حراري، ومن ثم تسليط وتوجيه شعاع ليزر قوي يهدف إلى تسخين الهدف وتفعيله/ تشغيله في الجو ما يتسبب في تفجيره كاملاً، أو من خلال تدمير الجزء المهم من الهدف، بحيث يكون الشعاع غير قابل للكشف بواسطة العين البشرية.

المزايا والعيوب؟

يوآف ترغمان، الرئيس التنفيذي لشركة التطوير العسكري- الأمني الإسرائيلية المعروفة "رفائيل"، أشار في أعقاب "التجربة الناجحة" لمنظومة "ماجين أور" إلى أن شركته ستقوم بتسليمها للجيش للبدء باستخدامها رسمياً خلال العام المقبل 2025، مضيفاً: "على مدار عامين، نجحنا في التصدّي لأهداف جوية بواسطة تقنية الليزر في مديات بعيدةً جداً، وهذا الإنجاز ليس له مثيل في العالم". يُشار إلى أن تطوير المنظومة يتم بالتعاون مع شركة "إلبيت" أيضاً وقسم تطوير الصناعات الجوية في وزارة الدفاع الإسرائيلية.

كما يُشار إلى المنظومة باللغة الإنكليزية بـ Iron Beam (الشعاع الحديدي)، وينظر إليها العديد من المطورين كاختراق تقني كبير في مجال أنظمة الدفاع الجوي ضد التهديدات قصيرة المدى مثل الصواريخ وقذائف الهاون والطائرات المسيرة (الطائرات بدون طيار) ضمن مدى يصل إلى 10 كيلومترات، كما أن ما يميز هذا النظام هو تكلفته التشغيلية المنخفضة مقارنة بالأنظمة الدفاعية القائمة مثل "القبة الحديدية" التي تعتمد على الصواريخ الاعتراضية عالية التكلفة وهي غير قادرة في الوقت نفسه على التصدّي للأهداف في مدى منخفض (أقل من 10 كليومتر). من ناحية أخرى، تعمل المنظومة بطريقة مختلفة ومعاكسة لـ "القبة الحديدية"، فبينما يستغرق إطلاق الصاروخ الاعتراضي نحو الصاروخ عدة ثوان، فإن شعاع الليزر الذي تعتمد عليه منظومة "ماجين أور" يشق طريقه إلى الهدف بسرعة الضوء.

وتؤكّد الشركات المطورة لهذه التقنية أن تكلفة الاعتراض الواحدة تبلغ نحو 1000 دولار مقارنةً بنحو 50 ألف دولار لصاروخ "تامير" الاعتراضي في منظومة "القبة الحديدية"، كونها تعتمد على تكلفة التشغيل بواسطة الكهرباء، كما أن فورية الاعتراض بالليزر تسمح بزيادة قدرة التصدّي واعتراض الأهداف الجوية إلى الحد الأقصى، وكذلك إمكانية اعتراضها خارج الحدود "في أرض العدو" مما يُساهم في التخلي عن "التحذير" لـ "الجبهة الداخلية". وعلى الرغم من قدرتها على التصدّي للصواريخ والقذائف قصيرة المدى، إلّا أنها من الناحية العملية قد تكون أكثر فعالية في اعتراض الطائرات بدون طيار والمسيرات، ويعود السبب في ذلك إلى القشرة الخفيفة لهذه الأجسام والتي عادة ما تكون مصنوعة من البلاستيك أو من مواد أكثر حساسية للحرارة، حيث تحتوي الصواريخ وقذائف الهاون على غلاف معدني صلب وسميك الأمر الذي يتطلّب تسليط شعاع الليزر لعدّة ثوان لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى، وهو ما يحدّ من سرعة الاعتراض في حال كانت هناك مجموعة كبيرة من الأهداف الجوية، مقارنةً بمنظومة "القبة الحديدية" التي تدمّر الهدف بمجرد إصابته وبشكل فوري. من ناحية أخرى، ينظر إلى المنظومة على أنها غير قادرة على العمل بشكل فعّال في جميع حالات الطقس، حيث تتسبّب الغيوم في الحدّ من فعالية المنظومة ويصبح من الصعب عليها التصدّي وإصابة الهدف بسرعة وبشكل موحّد.

من ناحية أخرى، يكمن أحد عيوب هذه المنظومة في محدودية نطاق الاعتراض المخصّص للتهديد الجوي، حيث تصبح غير فعالة في مواجهة الصواريخ الباليستية مثلاً، كما أن التعامل مع التهديدات المتعدّدة في الوقت نفسه يتطلّب توفير عدد كبير من هذه المنظومة لكي تكون قادرة على التعامل معها، الأمر الذي يزيد بدوره من تكاليف التشغيل ويحدّ من ميزة تكلفة الاعتراض للحالة الواحدة التي تميز المنظومة عن غيرها، فمثلاً، تشير التقديرات لدى الشركات المطوّرة إلى أن البحرية الأميركية تقوم بشراء مدافع ليزر محلية بعشرات الملايين من الدولارات لكل قاذفة لبوارجها، ونظراً لأن نطاقات تشغيلها قصيرة جداً، فإن هناك حاجة إلى العديد من مدافع الليزر لتغطية مساحات واسعة، ولذلك من حيث التكلفة لا تزال الميزة في جانب "القبة الحديدية" مقارنة بهذه المنظومة. وعلى الرغم من العيوب المُشار إليها، فإن الشركات المسؤولة عن تطوير هذه المنظومة تسعى لأن يتم تجهيز السفن والطائرات والمدرعات والمركبات العسكرية بها، وذلك من أجل تفعيل قدراتها الدفاعية وحمايتها من التهديدات المختلفة مثل الصواريخ المضادة للدبابات وقذائف الهاون وقذائف المدفعية، ومع ذلك، يجب أيضاً مراعاة الجوانب الأخرى.

إن الترويج الإسرائيلي لهذه المنظومة خلال حرب الإبادة على قطاع غزة يُفهم من دافع الترويج للصناعات العسكرية والأمنية الإسرائيلية وكجزء من عملية التسويق، وعلى الرغم من أن المنظومة تُشكّل بالفعل اختراقاً كبيراً في مجال التقنيات العسكرية، وأنها ستدخل الخدمة في العام 2025 للحماية من التهديدات الصاروخية على الجبهات المختلفة، فإن العديد من العيوب تجعل المنظومة غير قادرة على استبدال منظومات الدفاع الجوي الأخرى في إسرائيل وهي التالية: "القبة الحديدية"، "مقلاع داوود"، "حيتس 2و3"، ما يجعلها منظومة مُكمّلة لـ "القبة الحديدية" والطبقات الأخرى من منظومة الدفاع الجوي، لكنّها لن تحل محلّها بأي شكل من الأشكال، على الأقل خلال المدى المنظور.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات