حدود البعد الاجتماعي للانتخابات المقبلة

مع اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية يزداد توتر القوى السياسية وتتناقض أساليبها في مخاطبة الجمهور. فالرغبة في تحقيق كسب معنوي، عبر الاستطلاعات، تدفع قوى المعارضة إلى البحث في الواقع عن أخطاء الحزب الحاكم وتمييز نفسها عبر إظهار مواقف مضادة.
وبالمقابل فإن الحزب الحاكم يركز على الانجازات التي تحققت في عهده ويعد بالمزيد. ولكن الحزب الطامح لتولي الحكم يفعل كل ما في وسعه لتمييز نفسه والتقرب من المزاج الشعبي لتأكيد قدرته على تغيير الوجهة وتحقيق انطلاقة

وفي هذا الإطار نجد أن كلاً من أريئيل شارون وعمير بيرتس يحاول الإمساك بطرف الخيط على الصعيد السياسي للتقرب من الجمهور. وبحسب الاستطلاعات الأخيرة فإن الشارع الإسرائيلي، على ما يبدو، أحس بالضجر من الخطوات من طرف واحد وبات يميل إلى التسوية الدائمة. ورغم أن شارون يقول بأن خطواته، والتمسك بخريطة الطريق، يقود إلى التسوية النهائية من مواقع قوة فإن الجمهور يرى خلاف ذلك.

وحسب استطلاع أجرته صحيفة "هآرتس" فإن حوالي ثلثي الجمهور الإسرائيلي يؤيدون الشروع بمفاوضات التسوية النهائية مع الفلسطينيين وعدم العودة إلى أسلوب خطط الفصل مرة أخرى.

وقد تبدى في الاستطلاع أيضا أن الجمهور الإسرائيلي زاد من نسبة تأييده حتى لاتفاق جنيف. فالمؤمنون بين الإسرائيليين بإمكانية التوصل إلى تسوية سلمية دائمة ازدادوا من 42 إلى 46 في المائة كما أن تأييد اتفاق جنيف ارتفع من 26 في المائة قبل سنة إلى 30 في المائة الآن.

ومن الجائز أنه لن يكون هناك معنى لهذه الأرقام والنسب لو أنها نشرت في وقت آخر بعيداً عن موعد الانتخابات. ولكن حساسية الوضع الراهن وكونه حالة انتقالية تدفع جميع القوى إلى التعامل بدقة مع نتائج الاستطلاعات والسعي إما للاستفادة منها في مفاجأة الخصم أو في تجاوز الأخطاء وتعديل المواقف. ومن الجائز أن هذه هي الانتخابات الأولى التي رغم التركيز فيها على البعد الاجتماعي إلا أنها تشهد بلورة حازمة لبرامج سياسية. فقد أعد أريئيل شارون خطة سياسية على أسس "بن غوريونية" في محاولة لسلب حزب "العمل" هذا الرمز، وأعد الليكود خطة يمينية مناقضة تعيد الاعتبار لطروحات اليمين في حين أعد حزب "العمل" خطة يسارية.

وللمصادفة فإنه في اليوم الذي نشرت فيه "هآرتس" استطلاعها حول رغبة الجمهور بشأن التسوية الدائمة، نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" خطة بيرتس للتسوية الدائمة خلال أربع سنوات. وفي الوقت الذي يركز فيه أريئيل شارون على خريطة الطريق بوصفها بوابة العلاقة السليمة مع الإدارة الأميركية، يسعى بيرتس لتجاوز الخريطة. إذ يفضل بيرتس، وفق ما نشر، التوجه إلى مفاوضات فورية مع الفلسطينيين وتفضيل القناة المباشرة على خريطة الطريق. وقد أبلغ بيرتس سفراء دول الاتحاد الأوروبي: "أن خريطة الطريق هي صيغة للجمود السياسي التام الذي يمكن له أن يستمر عشرات السنين".

وقد عرض بيرتس في حديث مع "يديعوت أحرونوت"، مبادئ برنامجه السياسي وجدوله الزمني، وقال إنه "في ختام الولاية نحن ملزمون بأن نكون تجاوزنا التسوية الدائمة مع الفلسطينيين". وفصل بيرتس الجدول الزمني: في غضون سنة إنهاء المفاوضات مع الفلسطينيين، وفي غضون ثلاث سنوات التطبيق العملي للتسوية الدائمة بين الطرفين والتي في أساسها إقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل. كما أوضح بيرتس بأنه في كل تسوية مع الفلسطينيين سيصر على مبدأين مركزيين: لا لتقسيم القدس ولا لحق العودة.

وفي الوقت الذي يتمسك فيه أريئيل شارون، على الأقل ظاهرياً، بخريطة الطريق، أعلن مستشاره الاستراتيجي إيال أراد أن العامين المقبلين سوف يشهدان اختبار خريطة الطريق على أرض الواقع. و"إذا ما تبين أن الخطة فشلت سيتعين علينا إعادة دراسة الأمور من جديد". وفي ذلك إشارة إلى أن زعماء الأحزاب الإسرائيلية يحاولون التماهي مع المزاج العام أو الالتفاف حوله من خلال مواقف وآراء متباينة. فأريئيل شارون الطامح كما يبدو إلى تحطيم النظام السياسي الإسرائيلي القديم صار يحظى بتأييد حتى المتذمرين. وربما أن أوضح من مالوا هذا الميل عضو الكنيست السابق يوسي سريد الذي خرج عن عهده وامتدح شارون لا لشيء إلا لتحديه مركز الليكود والعمل على تحطيمه. غير أن آخرين ينظرون أيضا بإيجابية إلى دور الحزب الذي أنشأه شارون في إضعاف "الليكود" و"شينوي" و"العمل".

وقادت اندفاعة عدد من اليساريين السابقين نحو حزب شارون الجديد عدداً من المعلقين إلى التحذير من أن إضعاف كل من ميرتس والعمل قد يقود إلى عودة شارون إلى الانجراف إلى اليمين بعد الانتخابات. ويرى هؤلاء أن الضمانة الحقيقية لإبقاء شارون في خندقه الخالي تتمثل في تعزيز اليسار وحزب "العمل". وحسب معلق في "هآرتس" فإن "مفتاح ضمان" تحرك شارون نحو إنهاء النزاع مع الفلسطينيين هو إنشاء "كتلة ردع من اليسار، تمنعه من تشكيل ائتلاف مع الأحزاب اليمينية التقليدية".

وفي المقلب الآخر تبدو الصورة أكثر تعقيداً. ففي الليكود صراع دام بين كل من بنيامين نتنياهو وسيلفان شالوم.

وثمة خشية في أن كثيرين من الليكوديين الذين نقلوا ولاءهم لشارون وحزبه الجديد سوف يستغلون عضويتهم القائمة في الليكود من أجل انتخاب شالوم لا نتنياهو. وهذا يعني خلطاً للأوراق في الليكود الذي يريد من بقوا فيه مواصلة خط سابق أو العودة إليه عبر انتخاب نتنياهو.

وأياً يكن الحال فإن أريئيل شارون من جهة وبنيامين نتنياهو من جهة أخرى يحاولان تقرير وجهة الانتخابات عبر استخدام الأمن. فالتصعيد القائم في المناطق المحتلة، وكذلك رفع الصوت بشكل مكثف ضد التسلح الإيراني، يعني أن مخطط إبعاد الانتخابات عن بعدها الاجتماعي قد بدأ.

واليمين الإسرائيلي سواء في "كديما" أو "الليكود" يشعر بالإفادة من التصعيد وتغليب الأمن على كل ما عداه.