د. عزمي بشارة: اليسار الصهيوني الآن في أضعف وضع

إدراج مسألة القائمة العربية الموحدة عشية كل انتخابات، من قبل أناس لا يؤمنون بالوحدة فعلاً، أصبح أمرًا ممجوجًا وغير مقبول على العموم. الأخوة الذين يتحدثون عن ذلك عشية كل انتخابات لا يقصدون قائمة عربية موحدة بين أحزاب وبين تيارات بل يقصدون ترتيب النواب الموجودين حاليًا في الكنيست بحيث يعودون إلى الكنيست.

تتواتر في الآونة الأخيرة بشكل غير مسبوق التنقلات البهلوانية بين الأحزاب الصهيونية الكبرى التي تهدد بانفراط عقد «ليكود». وعلى الساحة السياسية العربية ما فتئت أصوات، بعضها صادقٌ، تنادي بالوحدة قبيل كل انتخابات.

حول ما يدور التقينا في هذا الحديث الخاص رئيس التجمع الوطني الديمقراطي، النائب الدكتور عزمي بشارة:

* تشهد الساحة الحزبية الإسرائيلية في الأيام الأخيرة تقلبات تثير مفارقات عديدة. ثمة حديث اليوم عن انهيار شبه تام لحزب ليكود بعد مغادرة رئيس مركزه تساحي هنغبي وانضمامه الى شارون وكديما؟

- بشارة: انتقال هنغبي يؤكد ان الأزمة في ليكود ليست عابرة فهو من النواة التنظيمية الصلبة في ليكود وبرأيي ان ما يميز انتقاله هو انه يأتي الى شارون بما ينقص الأخير- الجهاز الحزبي او الماكنة الانتخابية، هذا تحول أساسي ولا يماثل انضمام هذا الأستاذ الجامعي او ذاك الجنرال..

فالحديث هنا عن رئيس مركز ليكود ينتقل من جهاز حزبي. صحيح ان هذا يحوّل حزب شارون الى حزب ملجأ للفاسدين او لقسم كبير من المتورطين في قضايا فساد، من شارون نفسه وحتى هنغبي، لكن شارون مستعد لدفع هذا الثمن لحاجته الى عناصر من نواة ليكود الصلبة ومن جهازه التنظيمي وطالما تميز ليكود بوجود جهاز حزبي قوي ليوم الانتخابات. ليكود يخسر من هذا الجهاز التنظيمي باتجاهين: رؤساء بلديات انتقلوا الى «كديما» والى عمير بيرتس، وجزء من هذا الجهاز سينتقل مع هنغبي. سنرى اذا كان بمقدور ليكود التغلب على ذلك، لكن ما يظهر ان حزب شارون ليس مجرد «داش» او «شينوي» جديد إنما هو تعبير عن قطاع حقيقي موجود في اليمين الإسرائيلي.

* لكن، أسألك كمحلل، ألا يبدو حزب كديما حزب رجل واحد. ماذا سيحصل لهذا الحزب في حال اضطر شارون، لنفترض بعد عام، الى الاعتزال لسبب او لآخر.. بمعنى ان كديما ليست فقط ملجأ فاسدين انما أيضًا "سوبر ماركت آراء"..

- بشارة: ما يجمع أعضاء «كديما»، من شمعون بيريس حتى تساحي هنغبي، هو القناعة بوجوب الانفصال ديمغرافيًا عن الفلسطينيين دون الحاجة الى تحقيق حل عادل ودائم، اي من دون الحاجة الى العودة الى حدود العام 1967 ومن دون حق العودة ومن دون القدس.

هذه القناعة موجودة في هذه الأوساط و«كديما» يعبر عن هذه القناعة إضافة الى «النزعة الامنية».. لكن، عدا ذلك يمكن اعتبار الحزب الجديد «سلَطة» أو سوق آراء لذا لا يمكن التنبؤ بشيء عن مستقبل الحزب بعد ذهاب شارون.. لكن حاليًا سيكون «كديما» أقوى من حركات مماثلة في الماضي مثل «داش»..لأنه يعبر عن مزاج حقيقي قائم في اليمين الإسرائيلي.. فضلاً عن أنه يجمع انتهازيين مثل بيريس ورامون وايتسيك، كلهم «زبانية كراسي» إضافة الى هنغبي.. انتقالهم يدل على ان كديما سيكون حزبًا كبيرًا على نحو سيسمح لشارون بتركيب الائتلاف المقبل ومواصلة نفس سياساته تمامًا بحرية أكبر، هذه المرة.. سيكون صاحب السلطة الوحيد من دون ان يسأله أحد حول سلوكه.

* في السياق ذاته، يبدو ان حزب "العمل" برئاسة بيرتس الذي سينضم الى ائتلاف شارون لن يختلف عن العمل برئاسة بيريس الذي كان مجرد مستظل بقبعة شارون دون اي تأثير فعلي على سياسة الحكومة.

- بشارة: الحكومة المقبلة ستكون تكريسًا للائتلاف الحكومي الحالي لكن من دون ليكود مؤثر حتى في حالة ضمه الى الحكومة، لذلك برأيي أن الآمال على عمير بيرتس كرئيس حكومة او كمعارض جدي لسياسات شارون ليست سوى كلام فارغ..

* حاول عمير بيرتس هذا الأسبوع بعد عملية نتانيا ان يتقمص دور جنرال علّه يكون ندا لجنرال مثل شارون...الى اي مدى يتأثر الناخب الإسرائيلي، في الانتخابات المقبلة أيضًا، بـِ"الخلفية الأمنية" للمرشح لرئاسة الحكومة.

- بشارة: تصريحات بيرتس هي اكبر دليل على ان «النزعة الأمنية» ما زالت هي المسيطرة على الشارع الإسرائيلي وانها نزعة طيّعة في التنافس الانتخابي وانه يجري اعتمادها كأداة.. هذا ما يثبت.. وهذا لا يميز بيرتس وحده بل صفة كافة الأحزاب المتنافسة على السلطة في إسرائيل انها ستنافس على من هو الأكثر أهمية او الأكثر صلابة او الأكثر شراسة في التعامل مع العرب او ما يسمونه الإرهاب.. ثبت ان بيرتس ليس استثناء بل جزء من هذه القاعدة اذ رأينا في هذا السياق وفي إطار «هذه القاعدة» كيف انه حالما وصل الى منصب رئيس «العمل» تحوّل في مواقفه وأفكاره وانزاح نحو الإجماع الصهيوني فتماشى مع الحاجات التي يحكمها الإعلام وخبراء العلاقات العامة والجنرالات والأمنيون في «العمل».. هذا توقعناه وقلناه.. وهو يثبت وجهة نظرنا ان الموضوع ليس شارب بيرتس ولا أصله المغربي بل الموضوعات اليومية وفي مقدمها الأمنية.. بخلاف من يحاول ان يروج لنا تقليعة في كل انتخابات.

* ثمة انطباع خاطىء، لدى البعض هنا ولدى أوساط عربية ودولية، وكأن اليسار الإسرائيلي، وفقًا للاستطلاعات هو الذي سيهزم اليمين في الانتخابات الوشيكة؟ هذا باعتبار شارون "رجل سلام"..!

- بشارة: تناولت هذه المسألة في عدد من مقالاتي وتصريحاتي الأخيرة وأكدت ان التيار الذي يزداد قوة في المجتمع الإسرائيلي هو اليمين وليس اليسار، بل نرى ان اليسار الصهيوني هو الآن في اضعف وضع عرفه منذ 1948..اذا جمعنا المقاعد المتوقعة للعمل- المحسوب على يسار الوسط - وميرتس لوجدنا انها الأقل منذ إقامة إسرائيل.. في المقابل التيار الذي يقوى هو اليمين وكل ما يحصل هو اصطفافات داخل اليمين وليس التوجه نحو اليسار. بالعكس، الخريطة السياسية الاسرائيلية تميل الى اليمين.

* لنتحدث عن الساحة الحزبية العربية.. كما توقعتم، ما زال البعض يرى كأن أساس المعركة توحيد الاحزاب العربية وكأنه الموضوع الاكثر الحاحًا..

- بشارة: نحن أصحاب فكر يقول إنه يجب توحيد العرب على أساس قومي وهذا نقوله طيلة الأعوام بما في ذلك في الانتخابات. نحن أصحاب فكرة قائمة عربية واحدة يتم تركيبها ديمقراطيًا من قبل الجمهور لكن موقف الأحزاب العربية لمثل هذه الآلية يجعلها غير واقعية.. نعرف ان كل حزب حر في موقفه ونحن لا نريد ان نحاسب احدًا على موقفه. هم أحرار. لكن إدراج مسألة القائمة الموحدة عشية كل انتخابات، من قبل أناس لا يؤمنون بالوحدة فعلاً، أصبح أمرًا ممجوجًا وغير مقبول على العموم. الأخوة الذين يتحدثون عن ذلك عشية كل انتخابات لا يقصدون قائمة عربية موحدة بين أحزاب وبين تيارات بل يقصدون ترتيب النواب الموجودين حاليًا في الكنيست بحيث يعودون إلى الكنيست. وهذا يتناقض مع الوحدة ويتناقض مع رغبة الجمهور الحقيقية في قيام قائمة عربية موحدة. كما يتناقض مع الديمقراطية والانتخابات.

وعندما نتحدث عن قائمة عربية موحدة نقصد قائمة منطلقة من ضرورة توحيد القوى السياسية العربية للبرلمان وليس لتكريس وجود النواب أنفسهم ومنهم من يرغب شخصيًا فقط بالعودة للبرلمان ويجعل موضوع الوحدة أداته في ذلك لأنه لا يمثل حزبًا أو ليس لديه حزب لأنه لم يهتم أصلاً بإقامة حزب.. الوحدة ليست مسألة نزوات شخصية، نزوات كهذه هي عكس الوحدة وتخّرب الوحدة.

* هل جرت اتصالات بينكم وبين أحزاب عربية أخرى؟

- بشارة: في هذه المرحلة الجميع منخرط في ترتيب وضعه الداخلي، التجمع يعقد مؤتمراته الحزبية وقد أقرّها قبل الإعلان عن تبكير الانتخابات وعقد الى الآن أربعة مؤتمرات من مجموع 13 مؤتمرًا مقررًا. لا اعتقد ان التجمع يُواجه اي مشكلة داخلية ولا يوجد نقاش، الآلية معروفة.

هناك مؤتمر ينتخب قائمة «التجمع». التماسك الحزبي موجود. لقد تقررت الانتخابات والحزب في حال اندفاعة تنظيمية وحزبنا الآن موحد فكريًا وسياسيًا، في الأحزاب الأخرى تدور نقاشات وانا لا اعتقد ان النقاشات تدل على ضعف بل بالعكس انها ظاهرة جيدة وحيوية ونتمنى للأحزاب ان تخرج منها بأسرع وقت ممكن وتنظم قوائمها وتقدم اقتراحاتها لكيفية خوض الانتخابات..

هناك قوائم تدير في الصحف نقاشًا حول الموضوع وتركّب قوائم بناء لانتماءات العائلة والطائفة وعدد الأصوات والأموال.. هذا ليس ايجابيًا ولا يدل على ان النقاش هو بين تيارات سياسية وفكرية بل يعكس أجواء تنافس على منصب داخل الأحزاب. مع كل هذا نتمنى للجميع أن ينهي نقاشاته ونحن لا نتدخل فيها.

قلنا ان التجمع الوطني جاهز لخوض الانتخابات كتيار يمثل التيار الوطني القومي في هذا البلد والتجربة المتراكمة وجاهز لدراسة الوحدة اذا كانت هناك إمكانية لوحدة شاملة، وهذا ما نفضله..

والتجمع جاهز أيضًا لمناقشة مسألة الوحدة مع الأحزاب اذا كانت في هذه الوحدة مصلحة للحركة الوطنية.

لكن بالمجمل نحن جاهزون لخوض الانتخابات ولو خاضت التيارات الثلاثة الانتخابات، كما في السابق، بقوائمها فقد تحصل على عشرة مقاعد برلمانية اذا رفعت نسبة التصويت لدى العرب وعملت جميعًا من اجل ذلك.

لقد سبق ان تقدم التجمع باقتراح ان نقيم قيادة مشتركة لرفع نسبة التصويت ومواجهة الأحزاب الصهيونية ونحن ما زلنا عند اقتراحنا، ناهيك عن التنسيق والثقافة السياسية الانتخابية والسلوك الانتخابي والالتزام بها . ونحن بالمناسبة نشعر برضا ان علاقاتنا مع الأحزاب الأخرى جيدة ونتمنى ان تستمر على هذا النحو، ويكون الأفضل طبعًا لو تجلت بوحدة لكن أيضًا نريدها ان تستمر طيبة في حال التنافس بين الأحزاب وهذا انجاز كبير وشكل من أشكال الوحدة أيضًا، اي ان وضع قواعد وطنية للتنافس هو شكل من أشكال الوحدة.

(تنشر بالتعاون مع أسبوعية "فصل المقال")