نتنياهو يسعى للعودة الى رئاسة الليكود

كثف نتنياهو في الاسابيع الأخيرة تحركاته على الساحتين الحزبية والسياسية، كما يكثر من اطلاق البالونات التجريبية، من خلال عدة وسائل اعلام، وفي عدة اتجاهات، ولكن في جوهرها منافسة لشارون من الجانب اليميني. ففي الأسبوع الأخير ظهر نبأ في صحيفة "معاريف" مفاده ان نتنياهو يعتزم الاستقالة من حكومة شارون بالتزامن مع تنفيذ خطة اخلاء مستوطنات قطاع غزة، وفي اليوم التالي ظهر "نفي قاطع" من جانب "المصادر المقربة" من نتنياهو، علما ان نفس مصطلح "المصادر المقربة"، ظهر في الخبر الاول، ومعروف عن نتنياهو انه هو اول من اطلق في الاعلام الاسرائيلي مصطلحات مثل "مصدر سياسي كبير جدا"، حين كان رئيس حكومة، وهو المصطلح الذي كان يعنيه هو حين كان رئيسا للحكومة.

كلما اقترب الموعد المعلن لتنفيذ خطة الفصل، واخلاء مستوطنات قطاع غزة، تزداد حدة التوتر في ملعبين أساسيين في داخل إسرائيل: الأول بطبيعة الحال في الشارع المعارض للانسحاب من قطاع غزة، والثاني الحلبة السياسية التي باتت تدرك انه بعد اخلاء المستوطنات، وفي حال تم هذا، فإن اسرائيل متجهة الى انتخابات برلمانية قبل موعدها المحدد في خريف العام 2006.

وهذا ما يدركه الكثير من كبار الساسة الإسرائيليين الذين يتنافسون على زعامات احزابهم، ومن بينهم وزير المالية بنيامين نتنياهو، الذي يحاول منذ قرابة اربع سنوات العودة الى زعامة حزب الليكود، ومن ثم الى رئاسة الحكومة، ولم ينجح، على الرغم من انه غيّر الكثير من لون جلده، ولا يزال، في اطار بحثه عن مراكز القوى الكفيلة بارجاعه الى رئاسة الحزب، بعد ان يطيح برئيس الحكومة اريئيل شارون عن رئاسة حزب الليكود.

لقد كثف نتنياهو في الاسابيع الأخيرة تحركاته على الساحتين الحزبية والسياسية، كما يكثر من اطلاق البالونات التجريبية، من خلال عدة وسائل اعلام، وفي عدة اتجاهات، ولكن في جوهرها منافسة لشارون من الجانب اليميني. ففي الأسبوع الأخير ظهر نبأ في صحيفة "معاريف" مفاده ان نتنياهو يعتزم الاستقالة من حكومة شارون بالتزامن مع تنفيذ خطة اخلاء مستوطنات قطاع غزة، وفي اليوم التالي ظهر "نفي قاطع" من جانب "المصادر المقربة" من نتنياهو، علما ان نفس مصطلح "المصادر المقربة"، ظهر في الخبر الاول، ومعروف عن نتنياهو انه هو اول من اطلق في الاعلام الاسرائيلي مصطلحات مثل "مصدر سياسي كبير جدا"، حين كان رئيس حكومة، وهو المصطلح الذي كان يعنيه هو حين كان رئيسا للحكومة.

وقبل اسبوعين ظهرت انباء مفادها ان نتنياهو قرر معارضة خطة اخلاء المستوطنات، بعد ان صوت الى جانبها عدة مرات في الحكومة والكنيست، وفي كل مرّة من هذه المرات كان يرصد نتنياهو ردود الفعل، ويطور تحركاته على اثرها، وهذا ما اصبح مكشوفا على الساحة السياسية ولا يزيد له النقاط.

وهذا الأسلوب لم يبدأ اليوم فهو اسلوب ونهج نتنياهو في عمله السياسي منذ سنوات، ولكنه تكثف بشكل خاص في العام الأخير، حينما بدأ يعتقد ان المقعد من تحت شارون بدأ يهتز، واعتقد ايضا انها فرصته لينقض مجددا على زعامة الحزب.

عودة نتنياهو

لقد قرر نتنياهو العودة الى الحلبة السياسية في نهاية العام 2000، حين قرر رئيس الحكومة في حينه، ايهود باراك، التوجه لانتخاب رئيس حكومة بموجب القانون الذي استمر في اسرائيل لفترة ست سنوات. اعتقد نتنياهو أن بإمكانه العودة إلى حزب الليكود والمنافسة على رئاسته، بعد ان اضطر لترك قيادة الحزب اثر الهزيمة النكراء التي تكبدها في الانتخابات البرلمانية في العام 1999.

لقد سارع نتنياهو الى منافسة زعيم في الحزب في حينه اريئيل شارون، ولكنه استدرك انه ليس باستطاعته المنافسة وانسحب بهدوء، وحقق شارون في حينه فوزا ساحقا على باراك أدى إلى خروج الأخير مؤقتًا من الحلبة السياسية.

وفي تلك الفترة كان الصدام الاول بين شارون ونتنياهو، إذ كانت فرصة لشارون ليأخذ بثأره من نتنياهو الذي تلكأ في تعيينه وزيرا في حكومته في العام 1996، وفقط بعد تهديدات بانسحاب وزراء، فصّل نتنياهو وزارة جديدة لشارون، وهي وزارة البنى التحتية، التي اصبحت لاحقا واحدة من الوزارات الهامة جدا في الحكومات الاسرائيلية.

حينما شكل شارون حكومته الأولى لم يعلن بشكل واضح انه يريد ضم نتنياهو اليها، ولكن نتنياهو سارع للاعلان عن رفضه المشاركة في الحكومة، إذ راهن نتنياهو على فشل شارون السريع في قيادته للحكومة بسبب التفكك البرلماني الكبير الذي كان في حينه، واعتقد انه بعد فشل كهذا سيكون من السهل عليه العودة الى رئاسة الحزب.

وفي اواخر العام 2002 سجل نتنياهو فشلا ذريعا في منافسته لشارون، الذي نجح مجددا في قيادة حزبه في الانتخابات البرلمانية وتحقيق فوز ساحق على حزب العمل. وهذا ما عقد اكثر الامور لدى نتنياهو، الذي حصل على وزارة المالية في حكومة شارون الثانية، وانتظر الى أن تحين الفرصة للعودة الى حلبة المنافسة، ودام الأمر قرابة 20 شهرا حتى ظهرت خطة أريئيل شارون لأول مرة للانسحاب من قطاع غزة، وما أن ظهرت ردود المعارضة حتى لجأ اليها نتنياهو بحذر شديد.

ومن باب الاختصار وعدم سرد التاريخ، من الجدير ان نذكّر ان معارضة نتنياهو للخطة لم تكن حازمة كما كانت لدى وزراء ونواب آخرين في حزب الليكود، مثل الوزير عوزي لنداو، فنتنياهو لم يضع نفسه في خانة المعارضين كليا، خاصة بعد ان رأى نسبة التأييد المرتفعة في الشارع الاسرائيلي، التي حظي بها شارون بعد ان اعلن عن خطته.

لقد لعب نتنياهو كعادته في الملعب الرمادي، في مواقف الوسط، واعلن الكثير من المواقف التي كان سرعان ما يتراجع عنها. فقد أيد الخطة في جلسة الحكومة بعد ان حصل على بعض الشروط من شارون، ولكن عند التصويت على الخطة في الكنيست بادر الى مناورة فاشلة لفرض استفتاء عام. وحين فشل بهذه المناورة، بفضل مناورة أخرى ناجحة من ستة نواب عرب ارادوا افشال مخطط الاستفتاء، هدد بالاستقالة خلال اسبوعين إذا لم يقبل شارون فكرة اجراء استفتاء، إلا ان الأسبوعين لم ينتهيا منذ أكثر من سبعة شهور.

واستمر نتنياهو في مناوراته، ولم يمر أسبوع أو أسبوعان إلا ووجد له حلبة ينتقد فيها الخطة التي أيدها مثنى وثلاث ورباع، وكانت آخرها وليس نهايتها على ما يبدو قبل أسبوعين، حين أعلن نتنياهو عن نيته معارضة خطة الفصل لاحقا.

إن ما تقدم من سرد انما يؤكد طبيعة رئيس الحكومة الاسبق بنيامين نتنياهو، الذي كان يستفيد دائما من الصراعات الداخلية في الحزب والحكومة ليتقدم نحو القمة، وهذا منذ ان بدأ يظهر لأول مرة في نهاية سنوات الثمانين، وبشكل خاص بعد العام 1990، كنائب لوزير الخارجية الأسبق دافيد ليفي.

فرص نتنياهو

على الرغم من الاختلافات السياسية بين الاثنين، فإنه حين يجري الحديث عن بنيامين نتنياهو حاليا، لا يمكن هذا من دون التطرق الى مثيله في حزب "العمل" ايهود باراك، وأيضا على الرغم من اختلاف الظروف.

إن صورة نتنياهو في حزب الليكود هي صورة ذلك الذي دمّر الحزب في سنوات التسعين وخسّره الحكم في العام 1999، وأغرقه في أزمتين شعبية ومالية. ومن أهم أسباب فشل نتنياهو في حكومته هو استخدامه سلسلة من الخطابات، فمن جهة لم يكف عن مغازلة اليمين المتطرف، ومن جهة أخرى كان يوقع على اتفاقيات مرحلية مع القيادة الفلسطينية.

في المقابل فإن صورة اريئيل شارون هي صورة ذلك الذي أنقذ الحزب من ورطته وقاده بسرعة لم يتخيلها أحد، وهذا صحيح، للعودة الى سدة الحكم، وحتى انه حوّل "الليكود" الى الحزب الاسرائيلي الاول من دون منافس، وليس هذا فحسب بل إن كل استطلاعات الرأي التي تظهر في هذه الفترة تؤكد انه أي في انتخابات برلمانية قادمة فإن الليكود باق في الحكم.

وهذا يسجل كرصيد ضخم لشارون، مقابل نقطة ضعف امام نتنياهو، وتساهم في سد الطريق أمامه. وقد بات من المؤكد أنه سيقرر منافسة شارون على رئاسة الحزب في الاشهر القادمة، وهو يعد العدة لذلك.

يعلم نتنياهو علم اليقين ان امامه مهمة ليست سهلة، فمعسكر شارون في "الليكود" ليس بالأمر السهل، خاصة على ضوء التأييد الشعبي من خارج اطار الحزب. وفي المقابل فإنه لا يضمن كليا معسكر اليمين المتطرف في الليكود المعارض لخطة الفصل، فهذا المعسكر له ماض إشكالي مع نتنياهو، وهو واجهه بقوة في العام 1998 لدى التوقيع على اتفاق "واي بلانتشين"، والانسحاب من مدينة الخليل، وحينها ايضا انسحب وزير من الليكود من حكومة نتنياهو على خلفية المفاوضات مع السلطة الفلسطينية. كذلك الامر فإن نتنياهو لم يقف الى جانب معسكر الرفض كليا وهذا ايضا ما يقلل من الثقة به من جانب هؤلاء.

ومن الضروري الانتباه الى أن لمعسكر اليمين المتشدد في الليكود قيادة، على الرغم من انها ليست تلك القادرة على تحقيق جرف شعبي وراءها. والحديث يدور بالاساس عن الوزير المستقيل عوزي لنداو، الذي مثّل بذلك ما تبقى من النواة الايديولوجية لحزب "حيروت" بزعامة مناحيم بيغين، الذي وسع صفوفه في العام 1977 واصبح اسمه "الليكود".

حملة الانتسابات ستحسم

من المخاطرة بمكان اغلاق جميع الأبواب امام بنيامين نتيناهو وسبب هذا هو طريقة الانتخابات لزعامة وهيئات حزب "الليكود"، وهي المطابقة لحزب "العمل". فقبل أي انتخابات تجري حملة انتسابات للحزب بهدف المشاركة في الانتخابات الداخلية، ولكن ليس بالضرورة ان يصوت المنتسب لاحقا لنفس الحزب في الانتخابات البرلمانية، او المحلية، وهذا الأمر ظهر بقوة قبل انتخابات 2003 في حزب "الليكود".

فقبل تلك الانتخابات انتسب للحزب أكثر من 250 ألف شخص، تبين ان قسما كبيرا منهم كانوا من اتباع حركات يمينية متطرفة وارهابية، ارادوا التأثير على تشكيل قائمة الحزب للانتخابات البرلمانية. وتبين بعد نتائج الانتخابات البرلمانية انه في الكثير من مستوطنات الضفة الغربية وقطاع غزة حصل الليكود على اصوات اقل من عدد المنتسبين له في نفس المستوطنة. كذلك تسللت للحزب في حملة الانتسابات بعض القوى المرتبطة بعالم الاجرام العالمية وليس فقط المحلية، وحققت مكاسب في قائمة الليكود.

وقد أقام الليكود لجنة تحقيق لتحقق في ما حصل ولكن لم يعرف بعد ما هي الآلية التي ستمنع تكرار هذا الأمر، وعلى الأغلب سيكون من الصعب وضع آلية كهذه، إلا إذا تم الغاء طريقة الانتسابات الموسمية للحزب، التي تدر على مالية الحزب اموالا طائلة.

إن الفرصة الوحيدة امام نتنياهو تكمن في طبيعة المنتسبين في الحملة المقبلة، وعلى الأغلب فإن الصورة ستتكرر من جديد وبقوة اكبر، وهذه المرّة سيكون المستهدف شارون، ولكن ليس لصالح نتنياهو، وهو يدرك هذا، ولهذا فليس من المستبعد ان يقرر نتنياهو مستقبلا الانتقال كليا الى معسكر اليمين المتشدد.

ويعلم نتنياهو ان انتقاله الكلي لمعسكر اليمين المتشدد قد يكسبه رئاسة الحزب، على الأقل نظريا، ولكنه لن يضمن له الفوز في الانتخابات البرلمانية العامة، وهذا هو موطن التخبط لدى نتنياهو.

الأمر الآخر الذي قد يعقد الامور أكثر في وجه نتنياهو هو انشقاق متوقع في حزب "الليكود"، وهذا الانشقاق هو تحصيل حاصل في داخل كتلة الليكود البرلمانية، من خلال مجموعة النواب المتمردين على رئيس الحكومة شارون، التي تضم 13 نائبا.

إن مسألة الانشقاق مرهونة بعدة أمور، ولكن على رأسها العامل الشخصي، فالنواب الـ 13، الذين غالبيتهم يدخلون الكنيست للمرّة الاولى و"يتذوقون طعمها"، ليسوا معنيين بأن تكون مقاعدهم "ضحية" للمبادئ، ولهذا فإن أي انشقاق يجب ان يضمن عودة هؤلاء الى مقاعدهم، وهو أمر صعب بناء على تجارب كبرى في تاريخ الخارطة السياسية، حين كانت تخرج شخصيات كبيرة واساسية في احزابها وتشكل احزاب بديلة، كانت تسجل فشلا ذريعا، ومن ابرز هذه التجارب ما حصل لمؤسس إسرائيل دافيد بن غوريون. ولكن لكي لا نذهب بعيدا، فإن تجربة كهذه جرت في الليكود نفسه وفي نفس الظروف في العام 1999، حينما فشل بنيامين زئيف بيغين، نجل رئيس الحكومة الأسبق، في تحقيق اكثر من اربع مقاعد في الانتخابات البرلمانية تلك، بعد ان سلخ نفسه عن حزب ابيه بسبب اتفاق واي والتقدم في المفاوضات مع الفلسطينيين.

ولهذا فإن نتنياهو منكب الآن على فهم معضلته، والاستطلاعات لا تبشر "خيرا" من ناحيته. فهل سيقرر ترك المنافسة لولاية أخرى، وأن يراهن على أن شارون الذي تجاوز عمره الـ 77 عاما سيكون معرضا للكثير من ناحية الصحة واكثر من ذلك؟

لكن حتى هنا بامكان نتنياهو ان يقلق حين يرى ان شمعون بيريس ابن الثانية والثمانين يخوض الآن المنافسة على زعامة حزب، ويقول، لمن هم في جيله قبل أيام "قريبا سيتمنون لنا ان نعيش حتى الـ 150، بدلا من 120". وشارون لا يرى أي مناسبة تستدعي ترك الحظيرة السياسية للعودة الى حظيرة مزرعته.