هل يملك "شينوي" الرافعة اللازمة للضغط على "الليكود"؟

أثارت "المبادرة السياسية الجديدة"، التي طرحها حزب "شينوي" نهاية الأسبوع الفائت للخروج من المأزق السياسي والأمني الذي تتخبط فيه إسرائيل بفعل السياسة الشارونية العقيمة على جبهة الصراع مع الفلسطينيين، ردود فعل متباينة في الحلبة السياسية الإسرائيلية.وكان مجلس حزب "شينوي" قد صادق، يوم الخميس الماضي، على مبادىء المبادرة السياسية التي قدمها زعيم الحزب، وزير العدل يوسيف لبيد، وتنص على استئناف إسرائيل للمفاوضات مع السلطة الوطنية الفلسطينية في إطار "خريطة الطريق" وتحويل مخطط الفصل (الأحادي الجانب) إلى جزء من هذه المفاوضات، مع استمرار إسرائيل في ما تسميه المبادرة "محاربة الإرهاب" طوال الوقت الذي لا تنفذ فيه السلطة الفلسطينية تعهداتها بمحاربته

كتب سعيد عياش:

أثارت "المبادرة السياسية الجديدة"، التي طرحها حزب "شينوي" نهاية الأسبوع الفائت للخروج من المأزق السياسي والأمني الذي تتخبط فيه إسرائيل بفعل السياسة الشارونية العقيمة على جبهة الصراع مع الفلسطينيين، ردود فعل متباينة في الحلبة السياسية الإسرائيلية.

وكان مجلس حزب "شينوي" قد صادق، يوم الخميس الماضي، على مبادىء المبادرة السياسية التي قدمها زعيم الحزب، وزير العدل يوسيف لبيد، وتنص على استئناف إسرائيل للمفاوضات مع السلطة الوطنية الفلسطينية في إطار "خريطة الطريق" وتحويل مخطط الفصل (الأحادي الجانب) إلى جزء من هذه المفاوضات، مع استمرار إسرائيل في ما تسميه المبادرة "محاربة الإرهاب" طوال الوقت الذي لا تنفذ فيه السلطة الفلسطينية تعهداتها بمحاربته.

وصرّح "لبيد" إن مبادرته، التي يبدو أنها تغزل على ذات نول معظم المبادرات الإسرائيلية الهادفة إلى "التصالح مع النفس" أكثر منها مع "الخصم أو العدو" الفلسطيني، وتنفيس احتقانات وتململات داخل معسكر حزب "شينوي" الذي يقدم نفسه كممثل للطبقة المتوسطة والعلمانيين الليبراليين في المجتمع الإسرائيلي، تستهدف "مساعدة الدولة" بعدما "لم يعد هناك من سبيل آخر" مضيفاً أن رئيس الحكومة أريئيل شارون "دخل حلقة مفرغة وأنا أتخوف من عدم تمكنه من التغلب على أعضاء وزراء حزبه (الليكود)"، في إشارة إلى فشل شارون في تمرير خطته للإنفصال والإنسحاب من قطاع غزة من جانب واحد في استفتاء الليكود قبل نحو أسبوعين.

وقد استقطبت "مبادرة لبيد – شينوي" اهتماماً وردود فعل متباينة في الساحة السياسية الإسرائيلية، نظراً لما يمثله "شينوي"، الذي يحتفط بـ 15 نائباً في الكنيست وخمسة وزراء في الحكومة، من ثقل ودور كبير الأهمية، سواء في الإئتلاف الحكومي الذي يتزعمه اليمين برئاسة شارون، أو في المجتمع (العلماني) الإسرائيلي عامة. غير أن النبرة التي غلبت على معظم ردود الفعل كانت نبرة أصوات المعارضين لهذه المبادرة الجديدة في شكل وتوقيت طرحها ليس إلاّ، وبالأخص من داخل صفوف حزب "شينوي" ذاته، الذي يعتبر من حيث التوجهات والميول السياسية لدى معظم قادته وأعضائه أقرب إلى اليمين منه إلى الوسط السياسي في إسرائيل.

وكان أول تعقيب على "مبادرة لبيد" قد صدر عن محافل ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي حيث وصفت مصادر في مكتب شارون المبادرة بأنها مجرد "وهم"، وقالت إنها تتناقض مع توجهات شارون الذي يؤكد ضرورة "عدم إجراء مفاوضات ما لم يتوقف الإرهاب". وقال مسؤولون في حزب "الليكود" الذي يتزعمه شارون إنهم يستغربون طرح مبادرة "شينوي" في هذه المرحلة بالذات، معربين عن تقديرهم أن الأمر قد يكون رداً على "مظاهرة اليسار" في تل أبيب السبت الماضي، التي تشكل تهديداً لشعبية "شينوي" خاصة وأن عدداً من أعضاء وأنصار هذا الحزب شاركوا في التظاهرة التي قدر عدد المشاركين فيها بنحو 150 ألف متظاهر.

ورأت محافل أخرى أن طرح المبادرة ربما يكون على صلة بالإنتخابات الداخلية لمجلس حزب "شينوي"، الذي تعتريه خلافات وتباينات سياسية واضحة تصاعدت حدتها مؤخراً في ظل تفاقم "المأزق السياسي والأمني" الذي تواجهه الدولة العبرية جراء سياسات شارون التي لم تجلب "الأمن والهدوء" ناهيكم عن "السلام" الذي وعد شارون به.

تصاعد الخلاف داخل "شينوي"

وقد أبرزت الصحف اليومية الإسرائيلية في تقاريرها أمس (الإثنين) الخلافات المحتدمة داخل حزب "شينوي" والذي كان الجناح اليميني فيه قد وجه انتقادات شديدة لمبادرة رئيس الحزب يوسيف لبيد، فيما أعرب مسؤولون كبار في الحزب عن استيائهم من عدم التشاور معهم مسبقاً قبل نشر المبادرة، متهمين لبيد بالعمل على "إعادة إحياء عرفات سياسياً" عوضاً عن العمل من أجل ما وصفه هؤلاء بـ "موت رحيم له".

وجاءت مشاركة عدد من أعضاء ونواب "شينوي" في المظاهرة التي نظمها حزب "العمل" واليسار الإسرائيلي الصهيوني في ميدان رابين بتل أبيب، ودعت للإنسحاب من قطاع غزة والشروع في مفاوضات مع السلطة الفلسطينية، لتصبّ الزيت على قدر الخلافات التي تمور أصلاً تحت سطح حزب "شينوي"، وليس أدل على ذلك من وصف أحد نواب الحزب، عضو الكنيست يغئال ياسينوف، لمشاركة عدد من زميلاته في "تظاهرة اليسار" بأنها "خيانة"، ومطالبة عدد آخر من نواب الحزب ذوي الميول اليمينية بفرض "عقوبات" على عضوات الكنيست "المتمردات" اللائي شاركن في المظاهرة (إيتي ليفني ومالي بوليشوك بلوخ). وقالت "ليفني" مدافعة إن "مئات وربما آلافا من أعضاء شينوي كانوا متواجدين في الساحة" (ساحة المظاهرة في تل أبيب).

ولم تقتصر حملة الإنتقادات ضد النائبتين على الجناح اليميني في "شينوي" بل انضم إليها أيضاً عضوا الكنيست المحسوبان علىالجناح المعتدل في الحزب، روني بريزون وإيلان ليفوفيتش، اللذان اعتبرا مشاركة ليفني وبلوخ في المظاهرة "إخلالاً بالثقة وانتهاكاً لقرار كتلة الحزب" بعدم المشاركة في تظاهرة اليسار.

دوافع لبيد ودفاعه...

وعودة إلى مبادرة لبيد، فقد رأى مراقبون أن معظم ناخبي "شينوي" يؤيدون خطة "الإنفصال عن الفلسطينيين" ومبادرة لبيد الداعية لإستئناف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني "في ظل إطلاق النار".

وأضاف هؤلاء إن أحد الأسباب التي تحدو بـ "لبيد" إلى إظهار "حزم سياسي" في الآونة الأخيرة تكمن في قطاع ناخبيه الذي يعتبر "قطاعاً متحركاً، فضفاضاً، غير ثابت أو ملتزم بتصويت تقليدي"، وبالتالي فإنه يمكن أن يدير ظهره لـ "شينوي" إذا لم تتخذ مواقف سياسية حازمة، عوضاً عن تذيلها حتى الآن لمواقف رئيس الوزراء اليميني شارون.

ويخشى لبيد من مصير مماثل للذي واجهته معظم أحزاب الوسط التي أقيمت في إسرائيل طوال العقود الثلاثة الماضية، والتي ثبت أنها من نوع الأحزاب أو الظواهر السياسية العابرة.

ويقول منتقدو لبيد إن مبادرته الأخيرة تنبع من خشيته من "يقظة وانبعاث اليسار". وأعرب أعضاء الجناح اليميني في "شينوي" عن تخوفهم من أن طرح المبادرة ربما يقرب بالذات نهاية الحزب، الذي يركز في برنامجه الأساسي والذي عاد عليه بالتأييد الواسع في الإنتخابات العامة السابقة، على القضايا المدنية والإجتماعية والإقتصادية. وقال عضو الكنيست حامي دورون (المحسوب على الجناح اليميني في شينوي) إن الحزب "ليس ميرتس ب ولا ليكود ب ... نحن حزب له أجندة مدنية، وإذا لم يحافظ عليها فسوف يندثر".

وفي مقال له نشرته صحيفة "معاريف" الصادرة أمس (الإثنين) كتب زعيم شينوي يوسيف لبيد:

وافق مجلس شينوي نهاية الأسبوع الماضي على خطتي القادرة على إخراج الحكومة من الطريق المسدود وعلى استئناف العملية السياسية دون التخلي عن مبادرة الإنفصال عن غزة.

وأضاف أن المبادرة "تتيح العودة إلى خريطة الطريق واستئناف المفاوضات مع (رئيس الوزراء الفلسطيني) "ابوالعلاء" وسط التخلي عن الشرط بأن تضع السلطة الفلسطينية أولاً حداً للإرهاب... فهذا الشرط، الذي يشكل البند الأول في خريطة الطريق، غير قابل للتنفيذ ... فالسلطة الفلسطينية ليست مستعدة للعمل كمقاول لصالح إسرائيل، وبالتالي يقع هذا العمل على عاتقنا نحن فقط. لذلك علينا أن نتبنى الشعار الذي استخدمه اسحق رابين ("نحارب الإرهاب وكأنه لاتوجد مفاوضات، ونجري مفاوضات وكأنه لايوجد إرهاب").

سيتعين على السلطة الفلسطينية التسليم بحقيقة أن الجيش الإسرائيلي، سيقوم أثناء المفاوضات، باستخدام كل الوسائل المتاحة لوضع حد للإرهاب، بما في ذلك اجتياح المدن الفلسطينية وهدم بيوت المسلحين وعمليات إحباط محددة الأهداف (المقصود "الإغتيالات") مع مواصلة بناء جدار العزل".

ومضى لبيد في مقاله مشيراً إلى أن مبادرة شينوي تحوّل خطة "فك الإرتباط" إلى بند جوهري في خريطة الطريق، بما يتيح لشارون إعادة طرح الخطة، مع تعديلات يتطلبها الوضع، على جدول أعمال الحكومة وسط الإلتفاف على نتائج استفتاء منتسبي "الليكود" التي وصفها لبيد بالنتائج "البائسة".

وتابع: "يجب على الحكومة أن تدرك بأن الجمهور، بما في ذلك الذي أيد حتى الآن الإئتلاف الحالي، لن يكون مستعداً لوقت طويل لتحمل الخسائر في الأرواح الناجمة عن الجمود السياسي. فهو – أي الجمهور الإسرائيلي – لا يريد العيش من هجوم إلى آخر دون أمل بحل" مشدداً على أن حزبه (شينوي) "لن يبقى لوقت طويل في حكومه لاتفعل شيئاً من أجل إحياء عملية السلام" ومعتبراً أن تزامن أحداث فوز اليمين المتطرف في استفتاء الليكود وما وصفه بـ "الكوارث التي ألمت بجنودنا في غزة" خلق "قوة دفع جماهيرية يتعين على الحكومة الإصغاء إليها، وإلاّ فإنها لن تتمكن من البقاء".

وختم لبيد مقاله قائلاً:

"إن خطة " شينوي" هي السلّم الذي يتيح لليكود النزول، ويتيح لـ "العمل" الصعود، حتى يتقابلا في نقطة استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين في نطاق "خريطة الطريق"، وفي وقت تكون فيه خطة "فك الإرتباط" إحدى مراحل أو محطات الطريق الذي ينبغي له أن يفضي إلى حل سلمي".

هل المفتاح حقًا في يد "شينوي"؟

هذا السؤال أجابت عليه صحيفة "هآرتس" بالإيجاب في تعليقها الإفتتاحي أمس الإثنين، حيث أنشأت تقول:

الدرس المستخلص من المظاهرة الحاشدة في ميدان رابين مساء السبت الفائت، هو أن جمهوراً واسعاً في إسرائيل يرنو إلى تغيير في وضع العلاقات مع الفلسطينيين، ولايسلم بقرار منتسبي حزب الليكود رفض خطة فك الإرتباط. وأردفت الصحيفة: هذه الرسالة تنسجم مع الموقف المعلن لشارون بشأن نيته طرح خطته بثوب جديد لايغير جوهرها، في غضون أسبوعين أو ثلاثة أسابيع على الحكومة للتصديق عليها. والتحدي الماثل أمام رئيس الوزراء هو ترجمة نيته إلى خطوة سياسية نافذة المفعول تحقق الهدف الذي حددته الخطة وهو: الإنسحاب التام من قطاع غزة ومن شمال الضفة الغربية.

وخلصت الصحيفة في مقالها الإفتتاحي إلى أن : مفتاح القيود التي تكبل الآن قدرة شارون على المناورة السياسية موجود في يد يوسيف لبيد، زعيم "شينوي"، الذي سيكون حزمه وتصميمه على ترجمة مطلبه من شارون والليكود بالعمل فوراً على تطبيق خطة فك الإرتباط، أو القيام بتحرك سياسي بديل، على المحك خلال الأيام المقبلة.

ورأت الصحيفة أن "شينوي" يمتلك الرافعة اللازمة للضغط على الليكود في هذا الإتجاه ووضع حزب السلطة أمام خيار: إما العودة إلى خطة فك الإرتباط أو قبول اقتراح (مبادرة) لبيد بالشروع في مفاوضات مع السلطة الفلسطينية دون شروط مسبقة.