المعارضة لإسرائيلية على وشك الإفلاس!

يأتي الوضع المادي المتدهور للغالبية العظمى لأحزاب المعارضة الإسرائيلية ليسكب الزيت على نار تأثيرها الضعيف، المقرون بتعاظم حدة الخلاقات الداخلية فيها من جهة، وبحاجتها القريبة لإنفاق الملايين على الحملة الانتخابية للانتخابات البلدية التي ستجري بمعظمها في الثامن والعشرين من تشرين أول المقبل، وبحاجتها لتكثيف فعالياتها إزاء التفرد الحكومي في القرار السياسي في هذا الوقت الحرج الذي تشهد فيه المنطقة تطورات دراماتيكية إقليميًا ومحلياً، من جهة أخرى.

وديع أبونصار
طلب دورون ألحناني، مدير عام حزب "العمل"، من قيادته السياسية تجميد نشاطات مؤسسات الحزب لبضعة أسابيع، من أجل تقليص العجز المالي الكبير الذي يعانون منه هناك، والذي وصل قرابة 130 مليون شيكل إسرائيلي، أي ما يعادل 28 مليون دولار أمريكي. وطلب ألحناني أيضاً منح موظفي مؤسسات الحزب إجازات مفتوحة لفحص كيفية تقليص عدد هؤلاء إلى أدنى حد ممكن. بموازاة ذلك، قررت إدارة حزب "ميرتس" اليساري - المعارض إعفاء 25 موظفًا من مهامهم، ضمن خطة لتقليص العجز المالي للحزب، المقدَّر بنحو عشرة ملايين شيكل، أي ما يزيد عن المليوني دولار أمريكي.

والحال لا يختلف كثيرًا فيما يتعلق بالوضع المادي المتردي لكل من "شاس" و"يهدوت هتوراه،"، وهما حزبان دينيان يهوديان لا يشاركان في الائتلاف الحاكم حالياً. وتحدثت بعض الأوساط عن قيام حزب "شاس" بتقليص عدد موظفي الحزب بشكل ملموس، إضافة إلى تقليص في الميزانيات المخصصة لمؤسساته. كذلك يخطط الزعيم الروحي لهذا الحزب عوفاديا يوسيف أن يزور الجاليات اليهودية الأمريكية بعيد عيد الفصح اليهودي المقبل (16-23 نيسان الجاري) برفقة زعيم الحزب إيلي يشاي، طلبًا للتبرعات. بالمقابل، عُقِد في مدينة نتانيا الساحلية مؤخرًا اجتماع ضم عدداً من مسؤولي المؤسسات الدينية المرتبطة بحزب "يهدوت هتوراة"، كشفوا فيه أن مؤسساتهم تعاني من خطر الإغلاق الكلي، جراء النقص الحاد في المدخولات.

يعود هذا الوضع المتردي لأحزاب المعارضة الإسرائيلية إلى ثلاثة أسباب رئيسية:

أولاً، إن عدم مشاركة حزب ما في السلطة يعني التقليص النوعي في قدرته على توفير وظائف لمؤيديه من جهة، والحاجة إلى تكثيف عمل مؤسساته ليبقى حزبًا فاعلا في الساحة السياسية من الجهة الأخرى. إن الحاجة لتوظيف بعض نشطاء الحزب، بموازاة الحاجة لتفعيل مؤسساته، يتطلب ميزانيات ضخمة، لا يمكن توفيرها من مصادر غير حكومية.

ثانياً، أثَّر الوضع الاقتصادي المتدهور لمعظم القطاعات الحيوية في إسرائيل سلباً على الميزانية العامة للدولة إلى درجة اضطرت فيها وزارة المالية لوضع خطة واسعة النطاق لتقليص الميزانية العامة للعام الحالي، والتي تعد من أكثر الخطط ضررًا في تاريخ إسرائيل الاقتصادي. وبالتالي، فإن الوضع العام أثَّر بدوره على الوضع الاقتصادي المتردي، وكان من الواضح أن يصير شأن أحزاب المعارضة شأن معظم الجهات الممولة حكوميًا، حيث ستضطر إلى المزيد من التقليص في مصروفاتها.

أما السبب الثالث فيعود إلى التراجع الذي حصل في حجم بعض هذه الأحزاب في الانتخابات الأخيرة، مثل "العمل"، الذي تراجع من 26 مقعداً إلى 19 مقعداً، و"ميرتس"، الذي تراجع من عشرة مقاعد إلى ستة فقط، مما يعني تراجعاً ملحوظاً في قيمة التمويل الحكومي الذي تحصل عليه هذه الأحزاب، والمبنية بالأساس على عدد المقاعد التي يملكها كل حزب في الكنيست.

هذا الأمر يفسر لنا الحالة الاستثنائية التي يتمتع بها حزب "التجمع الوطني الديمقراطي" برئاسة عضو الكنيست عزمي بشارة عن غيره من أحزاب المعارضة في إسرائيل. فهو الحزب المعارض الوحيد الذي كبر تمثيله بدل أن يقل، فبعد أن كان له مقعد واحد في الكنيست الماضي أصبح يمتلك ثلاثة مقاعد في الكنيست الحالي، ما ساهم في تحسين وضعه المادي على وجه الخصوص.

ويأتي هذا الوضع المادي المتدهور للغالبية العظمى لأحزاب المعارضة الإسرائيلية ليسكب الزيت على نار تأثيرها الضعيف، المقرون بتعاظم حدة الخلاقات الداخلية فيها من جهة، وبحاجتها القريبة لإنفاق الملايين على الحملة الانتخابية للانتخابات البلدية التي ستجري بمعظمها في الثامن والعشرين من تشرين أول المقبل، وبحاجتها لتكثيف فعالياتها إزاء التفرد الحكومي في القرار السياسي في هذا الوقت الحرج الذي تشهد فيه المنطقة تطورات دراماتيكية إقليميًا ومحلياً، من جهة أخرى.

إن هذه العوامل مجتمعة من شأنها مساعدة رئيس الحكومة الإسرائيلي أرئيل شارون على المضي قدُماً في التفرد بصناعة القرار السياسي في إسرائيل دون معارضة حقيقية، مما قد يعني إضعافًا متراكمًا للمعارضة الإسرائيلية التي أصبحت مشتتة وهشة إلى درجة تكاد تكون غير محسوسة!

7 نيسان 2003