انخفاض متواصل للصرف الحكومي الإسرائيلي على الرفاه الاجتماعي

أكد تقريران صدرا في الأيام الأخيرة عن معهدين يعنيان بالشؤون الاجتماعية في إسرائيل أن الحكومة الإسرائيلية الحالية واصلت النهج الذي بدأ يتصاعد في سنة 2001، وهو تقليص ميزانيات الرفاه، بما فيها الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة، إلى جانب مخصصات الضمان الاجتماعي، وهذا بالتزامن مع تقليص مدخولات الدولة من خلال تخفيف الضرائب المفروضة على كبار أصحاب رأس المال والشركات الكبرى وأرباب العمل

* المدير العام المستقيل لمؤسسة الضمان الاجتماعي: لا يجوز أن تبقى ميزانية الرفاه في أسفل سلم الأولويات... *

كتب برهوم جرايسي:

أكد تقريران صدرا في الأيام الأخيرة عن معهدين يعنيان بالشؤون الاجتماعية في إسرائيل أن الحكومة الإسرائيلية الحالية واصلت النهج الذي بدأ يتصاعد في سنة 2001، وهو تقليص ميزانيات الرفاه، بما فيها الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة، إلى جانب مخصصات الضمان الاجتماعي، وهذا بالتزامن مع تقليص مدخولات الدولة من خلال تخفيف الضرائب المفروضة على كبار أصحاب رأس المال والشركات الكبرى وأرباب العمل.

فقد قال "معهد طاوب"، في تقريره السنوي، إنه في العام 2007 تواصل خفض التمويل الحكومي لشؤون الرفاه، وبشكل خاص الخدمات الصحية. وأضاف أن هذا متواصل منذ سنوات، وخاصة في العام 2006.

وأضاف التقرير أنه في العام الماضي تواصل التراجع في معدل الصرف الحكومي على الطالب المدرسي في إسرائيل، كما تواصل التراجع في الصرف الحكومي على الخدمات الصحية، التي تتعمق فيها ظاهرة الفجوات، بين الخدمات التي يحصل عليها ذوو المداخيل العالية والخدمات الصحية التي يحصل عليها الفقراء.

ويؤكد معهد طاوب أنه على الرغم من التصريحات التي تطلقها الحكومة تباعا، فإنها لم تحقق بشكل ملحوظ أهدافا كانت قد وضعتها في السابق، مثل تعزيز شبكة الضمان الاجتماعي وتخفيض معدلات الفقر، فالفقر تراجع بشكل طفيف جدا، لكن الفجوات في مداخيل العائلات اتسعت إلى ذروة جديدة.

يذكر في هذا المجال أن في إسرائيل أكبر فجوات اجتماعية في المداخيل، بين الشرائح الغنية والفقيرة، بالمقارنة مع الدول المتطورة في العالم، وهذه ظاهرة استفحلت بشكل كبير منذ مطلع سنوات الألفين.

ويؤكد باحثو معهد طاوب أن الثمن الاقتصادي الاجتماعي الكبير لسياسة تقليص المخصصات الاجتماعية والضمان الاجتماعي التي تحصل عليها الشرائح الفقيرة والضعيفة، دفعه الفقراء، الذين تعمق فقرهم بشكل كبير في السنوات الأخيرة.

وهي السياسة التي بدأت ملامحها في نهاية سنوات التسعين من القرن الماضي، ولكنها تكثفت وتصاعدت وتيرتها مع بدء السياسة الاقتصادية التي وضعها وزير المالية الأسبق بنيامين نتنياهو في نهاية العام 2002، وترافق مع هذه السياسة تسريع وتيرة تخفيض الضرائب المفروضة على كبرى الشركات وأصحاب رأس المال.

وقال التقرير إن الهدف من وجود الجهاز الضريبي، والمخصصات الاجتماعية، هو التأثير على نطاق عدم المساواة في توزيع المداخيل في الاقتصاد، بمعنى عدم السماح لهذه الظاهرة بالاستفحال، إلا أنه في السنوات الأخيرة تراجعت مداخيل الضرائب بفعل سياسة التخفيضات، كما تراجع أيضا حجم المخصصات الاجتماعية، ففي حين كانت مساهمة المخصصات الاجتماعية في تخفيض ظاهرة الفجوات بنسبة 33%، فقد تراجعت هذه المساهمة في العام 2005 إلى 26%.

يشار هنا إلى أنه بالإضافة إلى التقليص العام في مخصصات الضمان الاجتماعي، فقد أقرت الحكومة تخفيضا "مؤقتا" بنسبة 4% إضافية منذ العام 2003 وحتى العام 2006، ولكن الحكومة الحالية أقرت تمديد فترة هذا التخفيض المؤقت إلى العام 2007، وكانت تنوي تمديده إلى العام الحالي 2008، ولكنها تراجعت عن هذا على ضوء المعارضة التي ظهرت في داخل الائتلاف الحكومي، بمعنى انه من المنتظر رفع مخصصات الضمان الاجتماعي في هذا العام بنسبة 4%، كانت تخصم تباعا من جميع المخصصات التي تدفعها مؤسسة الضمان الاجتماعي، "مؤسسة التأمين الوطني"، حسب اسمها في إسرائيل.

ويتابع تقرير طاوب، مشيرا إلى أن مساهمة الدولة في تخفيض نسب الفقر في إسرائيل تراجعت بشكل كبير، فقد كان عدد العائلات الفقيرة ذات المداخيل المنخفضة في العام 2001 اقل بنسبة 47% عما كان عليه الحال في العام 2006، بمعنى آخر أنه خلال خمس سنوات تضاعف عدد العائلات الفقيرة التي فيها واحد على الأقل يعمل، ويظهر من المعطيات أن 45% من العائلات الفقيرة في إسرائيل فيها شخص واحد على الأقل يعمل.

ويقول التقرير إن تقليص الصرف الحكومي على ميزانيات الرفاه لا يتوقف على ما تصرفه الخزينة العامة بشكل مباشر، بل أيضا يظهر هذا من خلال ميزانيات المجالس البلدية والقروية، التي تراجع فيها الصرف على الخدمات الاجتماعية للشرائح الضعيفة، وهذا ما برز في هذه المجالس في البلدات الفقيرة أصلا، وخاصة العربية منها، علما أن جزءا كبيرا من ميزانية هذه المجالس يعتمد على الضرائب البلدية (ضرائب مسكن ومياه ومجار وجمع نفايات ورسوم تعليم وغيرها)، وحيث البلدة مستواها الاجتماعي مرتفع، والأوضاع الاجتماعية جيدة، فإن ميزانيات مجالسها مرتفعة أيضا.

ويؤكد التقرير أن الفجوات بين مداخيل المجالس البلدية الغنية والفقيرة استفحلت بشكل كبير جدا في السنوات الأخيرة، وجاء أن الصرف على الخدمات اليومية المقدمة لذوي الإعاقات والعجز تراجع بشكل كبير خاصة في البلدات الفقيرة، في حين أن عدد هؤلاء ارتفع في المجتمع.

ويخصص التقرير بندا للفجوات الحاصلة بين ميزانيات البلدات اليهودية والعربية، ويظهر أن ما ما تصرفه البلدات اليهودية (نظرا لحجم ميزانياتها) على المواطن لديها أعلى بنسبة 50% مما تصرفه البلدات العربية. كذلك فإن الصرف الحكومي المباشر على المواطن اليهودي في تلك البلدات أعلى بنسبة 40% مما يتم صرفه على المواطن العربي (في العدد الماضي من المشهد الإسرائيلي تم تخصيص مادة موسعة حول التمييز ضد الفلسطينيين في إسرائيل في المجال الاقتصادي الاجتماعي).

مركز أدفا: تراجع ميزانيات الرفاه بنسبة 6%

في المقابل قال تقرير لمركز "أدفا" الإسرائيلي، للمعلومات والعدالة الاجتماعية، حول مؤشرات ميزانية إسرائيل للعام 2008، إن الصرف الحكومي على ميزانيات الرفاه تراجع منذ العام 2001 وحتى اليوم بنسبة 6%.

وجاء في مقدمة التقرير أن السياسة الموجهة لميزانية 2008 لا تشذ ولو بقليل عن الأيديولوجية التي تقول إن على الحكومة أن تقلص مصاريفها، من أجل فسح المجال للعمل أمام القطاع الخاص، فتقليص الصرف الحكومي يأتي في خلال خفض الصرف على القضايا الاجتماعية، في حين أن الصرف على القضايا الأمنية ارتفع في العام 2008 وهناك مؤشرات إلى زيادة هذا الصرف أيضا في السنوات القادمة.

يشار هنا إلى أن ميزانية إسرائيل العامة بلغت بعد المصادقة النهائية عليها حوالي 315 مليار شيكل، ما يعادل تقريبا 79 مليار دولار، وفق سعر الصرف الحالي، إلا أن أكثر من 110 مليارات شيكل (قرابة 28 مليار دولار) سيتم تحويلها لتسديد جزء من الدين العام، الخارجي والداخلي، والفوائد والعمولات على الدين المتبقي، في حين أن ميزانية وزارة الأمن لوحدها بلغت 52 مليار شيكل (13 مليار دولار)، إلا أن الصرف الحكومي المباشر وغير المباشر على العسكرة والاحتلال والاستيطان، يصل إلى حوالي 60% من الموازنة، علما ان حصة الأسد من الدين العام تم صرفه على حروب إسرائيل ومشاريع الاحتلال والاستيطان، وهذا ما تؤكده تباعا سلسلة من التقارير التي تصدر في إسرائيل.

ويشير التقرير إلى أن ميزانية إسرائيل تشمل مؤشرات ستساهم في تردي الأوضاع الاجتماعية، ومن بينها القرار بتخفيض عدد الموظفين العاملين في الوزارات بنسبة 1% في السنة الحالية، وبنسبة مماثلة سنويا حتى العام 2011، ويقول التقرير إن 66% من الموظفين في الوزارات هم نساء، بمعنى أن شريحة النساء ستكون الأكثر تضررا.

كذلك ومن بين هذه المؤشرات مواصلة تخفيض الضرائب المفروضة على ذوي المداخيل العالية والشركات وأرباب العمل، وبالذات الرجال منهم، حسب التقرير، الذي يرى هنا أيضا أن هذا سيساهم في تردي أوضاع النساء وتقليص نسبتهن في سوق العمل.

ويقول التقرير إنه منذ التقليصات الكبيرة في الميزانية في الأعوام من 2001 وحتى العام 2003، فإن الجانب المدني في الميزانية يواجه أزمة كبيرة، وحتى الإضرابات الأخيرة التي رأيناها في إضراب معلمي المدارس، والمحاضرين الجامعيين، هي انعكاس لهذه الأزمة.

وجاء في تقرير أدفا أن الصرف الحكومي على القضايا الاجتماعية تقلص منذ العام 2001 بنسبة 6%، ففي ذلك العام بلغت ميزانيات الرفاه (بما في ذلك تعليم وصحة) للفرد الواحد في إسرائيل معدل 2820 دولار، وفق سعر الصرف الحالي أما في العام 2008 فقد انخفض هذا الصرف إلى 2600 دولار للفرد الواحد بالمعدل.

ويقول التقرير إنه لو أرادت الحكومة الحفاظ على نفس المستوى الذي كان قائما في العام 2001، لكانت هذه الميزانية في العام 2008 بلغت 4ر82 مليار شيكل، ما يعادي 6ر20 مليار دولار، إلا أنها على أرض الواقع تبلغ 2ر77 مليار شيكل، ما يعادل 3ر19 مليار دولار، ولو أرادت الحكومة ليس فقط الحفاظ على مستوى 2001، وإنما زيادة الميزانية بنسبة 1% من باب تطوير هذه القطاعات، مثل التعليم والصحة، لكانت هذه الميزانية بلغت اليوم 4ر88 مليار شيكل، أي ما يعادل 1ر22 مليار دولار.

ويؤكد التقرير مجددا أن المتضرر من هذه التقليصات هي الشرائح الضعيفة، وعلى رأسها النساء، لأنهن يشكلن أكبر نسبة من بين العاملين في قطاع الخدمات الاجتماعية، صحة وتعليم ورفاه، وأي ضرب لهذه القطاعات يعني الاستغناء عن أيد عاملة نسائية، أو ضرب ظروف عملهن.

شهادة من داخل المؤسسة

في الوقت الذي غادر فيه يغئال بن شالوم، المدير العام لمؤسسة التأمين الوطني (مؤسسة الضمان الاجتماعي) منصبه، في بداية هذا العام، أدلى بتصريحات لوسائل إعلام إسرائيلية حذر فيها من تردي الأوضاع الاجتماعية لدى الشرائح الفقيرة والضعيفة.

وقال بن شالوم "إن الطفل الذي نشأ برعاية والدين ليسا قادرين على العيش باحترام، سيواجه صعوبات في تربيته وتعليمه، فهناك علاقة مباشرة بين المس بالشرائح الضعيفة، وبين التراجع في التحصيل العلمي، حين يقلصون المخصصات الاجتماعية، فإن الأبناء يكونون محرومين من الفرص المتساوية، والأطفال سيكونون لاحقا الجيلين الثاني والثالث للفقر".

ووجه بن شالوم انتقادات حادة للحكومة، فقال "إن هذه الحكومة تدعي أنها ذات طابع اجتماعي، لكنني لا أستطيع القول إن توزيع ميزانياتها يتماشى مع هذا، يجب أن لا ننسى أن الكثير من الخطوات الحكومية مست بالشرائح الضعيفة، وخاصة الأطفال والفتيان، إذ لا يمكن الصرف على قطاع على حساب قطاع آخر، وحين تكون هناك اعتبارات للأمن والجيش، والتعليم والبنى التحتية، لا يجوز أن يبقى الرفاه الاجتماعي في أسفل سلم الأولويات".

وأضاف بن شالوم: لا يجوز في فترة النمو الاقتصادي أن يتواصل تقليص مخصصات الضمان الاجتماعي للشرائح الفقيرة والضعيفة، فالدولة أصلا ليست سخية في مخصصاتها الاجتماعية، مقارنة مع ما تدفعه الدول الأوروبية، وعلى الرغم من هذا فقد تقلصت هذه المخصصات في السنوات الأخيرة بنسبة 30%، خاصة في مجال مخصصات ضمان الدخل، ومخصصات البطالة، وعلى الدولة أن ترفع مخصصات الذين هم بحاجة ماسة لهذه المخصصات، خاصة إذا كانوا غير قادرين على العودة إلى سوق العمل.

ودعا بن شالوم إلى زيادة ميزانيات الرفاه الاجتماعي إذا كانت الحكومة معنية أصلا بتقليص نسب الفقر.