التضخم في نيسان يفجر حالة قلق من العودة إلى وتيرة تضخم عالية

انتقادات موجهة إلى سياسة الفائدة البنكية التي ينتهجها محافظ بنك إسرائيل * وزارة المالية تلمح منذ الآن إلى ضربات اقتصادية مستقبلية * انهيار جديد للدولار تحسبا من رفع الفائدة البنكية

انتقادات موجهة إلى سياسة الفائدة البنكية التي ينتهجها محافظ بنك إسرائيل * وزارة المالية تلمح منذ الآن إلى ضربات اقتصادية مستقبلية * انهيار جديد للدولار تحسبا من رفع الفائدة البنكية

"المشهد الإسرائيلي"- خاص

بعد سنوات طويلة غابت فيها أنباء التضخم المالي في إسرائيل عن صدارة الصحف ووسائل الإعلام في الخامس عشر من كل شهر، وباتت مجرد نبأ عابر، فقد عاد التضخم ليشغل حيزا كبيرا في وسائل الإعلام، وفي تحليلات المحللين، وذلك على ضوء الارتفاع الكبير الذي يسجله التضخم منذ 12 شهرا، مقارنة مع نسب التضخم التي اعتادت عليها إسرائيل منذ العام 2001 وحتى العام 2006.

لكن القلق الإسرائيلي تصاعد في منتصف الشهر الجاري، مع إعلان نسبة التضخم في شهر نيسان الماضي التي بلغت 5ر1%، وهي أعلى نسبة تضخم يسجلها شهر واحد، منذ نفس الشهر من العام 2002، ولكن في حينه كانت الظروف الاقتصادية سيئة للغاية، واليوم يجري الحديث عن انتعاش ونمو وتعزز قيمة الشيكل.

وعادة فإن التضخم في شهر نيسان، يكون مرتفعا مقارنة مع باقي أشهر السنة، نظرا لبدء موسم الربيع ومشتريات الصيف القريب، وارتفاع أسعار الفواكه الموسمية، وارتفاع موسمي عام للأسعار بسبب عيد الفصح العبري، ولكن نسبة التضخم في هذا العام فاقت جميع التوقعات التي وصل أقصاها إلى 1%.

كذلك فإن القلق تصاعد على ضوء أن الحكومة كانت قد حددت أن يكون التضخم في هذا العام ما بين 1% إلى 3%، كما في العام الماضي، الذي لم تنجح الحكومة وبنك إسرائيل في حماية الهدف خلاله، وسجل التضخم ارتفاعا بنسبة 4ر3%. ويقول محللون إن ما شهدناه في العام الماضي سيكون في العام الجاري أيضا، على الرغم من إعلان بنك إسرائيل أن النصف الثاني من هذا العام سيلجم نسب التضخم ويعيدها إلى المجال الذي حددته الحكومة.

وكما هي الحال منذ أكثر من عام، فإن التضخم يتأثر بشكل خاص من ارتفاع أسعار المواد الغذائية، بما فيها الخضراوات والفواكه التي تأثرت أسعارها من شحة موسم الأمطار، الذي ضرب كميات المحاصيل، ومن ارتفاع أسعار الوقود بسبب ارتفاع أسعاره في العالم.

ولولا تراجع سعر صرف الدولار أمام الشيكل، الذي ساهم في تخفيض أسعار جوانب معينة في سلة المشتريات، لكان التضخم عاد إلى وتيرة سنوات غابرة، وقد يقترب من 10%.

والأزمة الكبيرة التي يواجهها الاقتصاد في إسرائيل، كما هي الحال في العالم بأسره، هي أسعار المواد الغذائية (اقرأ تقريرا منفصلا في هذه الصفحة)، التي سجلت خلال 12 شهرا ارتفاعا بنسبة 25% وأكثر.

وتتجه الأنظار الآن إلى قرار محافظ بنك إسرائيل المركزي، ستانلي فيشر، بشأن نسبة الفائدة البنكية التي أساسها اليوم 3%، ولكن فيشر الذي يشهد له المحللون "بأنه من أكبر خبراء العالم في سياسة الفائدة البنكية"، يعلق اليوم بين فكي كماشة التضخم والدولار، فهو مضطر لرفع الفائدة من أجل لجم الغلاء، ولكن رفع الفائدة لتصبح ضعفي الفائدة في الولايات المتحدة سيفتح السوق الإسرائيلية أمام وابل من الدولارات، لينخفض سعره مجددا أمام الشيكل، وهذا بحد ذاته مشكلة كبيرة، إذ سجل سعره مستوى 1997 (أقرأ عن ذلك في سياق لاحق).

إلا أن مسؤولين كبارا في وزارة المالية وجهوا حرابهم نحو فيشر، في تصريحات نقلتها عنهم صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية، دون أن تكشف عن هويتهم. فقد حملوا سياسة الفائدة البنكية، التي ينتهجها فيشر، مسؤولية عدم لجم التضخم المالي، وخاصة أن فيشر خفض الفائدة في شهري شباط وآذار، على الرغم من معرفته بأن الاتجاه يسير نحو نسب تضخم أعلى من ذي قبل.

واستغل مسؤولو وزارة المالية أجواء التضخم، ليذكروا أن ميزانية إسرائيل للعام الحالي 2008 تم إعدادها على أساس فرضية أن التضخم المالي سيكون في حدود 4ر2%، ولهذا فقد أعلنوا منذ الآن أن ميزانية 2009 ستتضمن إجراءات اقتصادية تسد الثغرات التي ستحدث في ميزانية العام الجاري، في إشارة واضحة لضربات اقتصادية موجهة للشرائح الضعيفة والمتوسطة.

ويقول المحلل الاقتصادي في صحيفة "هآرتس"، موطي بسوك، إن محافظ بنك إسرائيل، ستانلي فيشر، أعلن في وقت سابق أن التضخم المالي في هذا العام سيبقى في الإطار الذي حددته الحكومة، أي ما بين 1% إلى 3%، ولكن كما يظهر فإنه سيخطئ الهدف في هذا العام، كما حصل في العام الماضي، حين وصل التضخم إلى نسبة 4ر3%، فالتضخم المالي في شهر نيسان وحده، بلغ نصف ما حددته الحكومة.

ويتابع بسوك "إن معدلات التضخم في شهر أيار الحالي وشهر حزيران القادم من المتوقع أن تكون عالية، ولهذا فإن أجراس التضخم يجب أن تُقرع بشكل قوي جدا في داخل بنك إسرائيل، وأيضا في وزارة المالية وديوان رئاسة الحكومة، وقرع الأجراس يجب أن يقوى حين نعرف أن التضخم المالي منذ شهر أيار في العام الماضي 2007 وحتى نيسان 2008 سجل ارتفاعا بنسبة 7ر4%، وهو أعلى بكثير مما حددته الحكومة للسنة المالية" العادية (ميلادية).

ويؤكد باسوك في مقاله أن الأكثر تضررا من التضخم المالي المرتفع هم الشرائح الفقيرة والضعيفة، لأن مصروفها على المواد الغذائية من مجمل مدخول العائلة أكثر بكثير، خاصة وأن الغلاء ضرب المواد الغذائية الأساسية، فمثلا غلاء الخضراوات والفواكه بالنسبة للعائلات الفقيرة والضعيفة كان بنسبة 5ر23% (وهذا مرتبط بنوعية الأغذية التي يعتمدون عليها)، أما أسعار المواد الغذائية فقد ارتفعت بالنسبة للشرائح ذاتها ب5ر12%، لكن بالنسبة للشرائح الميسورة فإن أسعار الخضراوات والفواكه ارتفعت بنسبة 20%، والمواد الغذائية بنسبة 7ر9%.

وينضم إلى باسوك، المحلل الاقتصادي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، سيفر بلوتسكر، الذي يفتتح مقاله ساخرا: "هل يمكن أن يكون التضخم قد ارتفع بنسبة 5ر1% فقط؟". وقال "إن السؤال يتوارد لذهن كل شخص يقوم بالمشتريات يوميا، إذ كل سلعة غذائية يلمسها يجد أن سعرها ارتفع ما بين 10% إلى 15%".

ويقول بلوتسكر إن ما يقلق في تضخم العام 2008، هو أنه يأتي بخلاف سنوات سابقة، في ظل تعزز قيمة الشيكل أمام الدولار، وأن الحكومة تسجل فائضا في مصروفاتها، بينما معدل الرواتب يتراجع، وتتراجع قيمته الشرائية بفعل الغلاء، كما أن البورصة تواصل تسجيل تراجعات.

وحذر بلوتسكر من أن رفع الفائدة البنكية المتوقع، كخطوة سيُقدم عليها محافظ بنك إسرائيل المركزي للجم التضخم، سيساهم في تعزيز قيمة الشيكل أكثر أمام الدولار، وبالتالي فإن من سيتضرر مجددا هم المصدرون، وعلى الرغم من هذا فإنه لا مفر من رفع الفائدة البنكية.

انهيار جديد للدولار

وقد برز رد الفعل الأسرع على التضخم المالي في سعر صرف الدولار أمام الشيكل، الذي تهاوى خلال 24 ساعة بأكثر من 2%، وليصل إلى مستوى 33ر3 شيكل للدولار، وهو المستوى الذي كان قائما قبل 11 عاما.

وقال محللون إن هذا الانهيار الجديد جاء على خلفية توقع قرار محافظ بنك إسرائيل برفع الفائدة البنكية للشهر القادم، حزيران، التي ستكون نحو ضعفي الفائدة البنكية في الولايات المتحدة.

وهاجم محاسب الدولة العام السابق، يارون زليخا، في مقال له في صحيفة "ذي ماركر"، سياسة بنك إسرائيل المركزي فيما يتعلق بقيمة الشيكل أمام الدولار، وقال إن قرار التدخل في قيمة الدولار أمام الشيكل، سيؤدي إلى وقوع بنك إسرائيل تحت طائلة الديون بمليارات الدولارات، ليشتري الدولارات من السوق المحلية، ويخل بالتوازنات المالية للبنك.

وقال زليخا إن الرفع المصطنع لقيمة الدولار سيؤدي إلى رفع أسعار جديد، خاصة أسعار البضائع المستوردة، وسيساهم مجددا في رفع وتيرة التضخم المالي.

يذكر أن التقديرات في إسرائيل تشير إلى أنه لن يكون بالإمكان حدوث ارتفاع كبير في سعر الدولار قبل انتخابات الرئاسة الأميركية في خريف العام الجاري.