مليون عامل في إسرائيل دون ضمانات تقاعد

* مئات آلاف المتقاعدين حاليا يعتاشون على مخصصات شيخوخة فقط لا يمكنها أن تسد حاجاتهم الأساسية اليومية * الكنيست يدرس قوانين تفرض على كل عامل وصاحب عمل دفع مستحقات تقاعدية تضمن راتبا تقاعديا لكل عامل * كل هذا ترافق مع بدء إعادة النظر في إسرائيل في مسألة المخصصات الاجتماعية، التي تراجعت في السنوات الست الأخيرة بنسب كبيرة، مع بدء تطبيق سياسة اقتصادية "خنازيرية"، كما يجري تسميتها في إسرائيل، وقادها أولا وزير المالية الأسبق بنيامين نتنياهو، ولا يزال قسمها الأكبر مطبقا حتى اليوم *

* مئات آلاف المتقاعدين حاليا يعتاشون على مخصصات شيخوخة فقط لا يمكنها أن تسد حاجاتهم الأساسية اليومية * الكنيست يدرس قوانين تفرض على كل عامل وصاحب عمل دفع مستحقات تقاعدية تضمن راتبا تقاعديا لكل عامل * كل هذا ترافق مع بدء إعادة النظر في إسرائيل في مسألة المخصصات الاجتماعية، التي تراجعت في السنوات الست الأخيرة بنسب كبيرة، مع بدء تطبيق سياسة اقتصادية "خنازيرية"، كما يجري تسميتها في إسرائيل، وقادها أولا وزير المالية الأسبق بنيامين نتنياهو، ولا يزال قسمها الأكبر مطبقا حتى اليوم *

وقع اتحاد النقابات العامة الإسرائيلي، "الهستدروت"، في الأيام الأخيرة، مع اتحاد أرباب العمل، اتفاقا مثيرا للجدل، عنوانه ضمان دفع مستحقات تقاعدية لجزء كبير من أصل مليون عامل في سوق العمل الإسرائيلية، يشكلون حوالي 37% من القوة العاملة، وهم محرومون من هذه المستحقات.

ويجري الحديث عن مئات آلاف العاملين والعاملات الذين يعملون في مرافق عمل صغيرة، مثل المكاتب والورش الصغيرة، ولكن بشكل خاص في مكاتب القوى العاملة، ويحصل هؤلاء عادة على أجور زهيدة، وفي نفس الوقت لا يحصلون على ضمانات اجتماعية عند خروجهم للتقاعد.

إلا أن الاتفاق لم يكن مطابقا حتى للحد الأدنى لمستحقات التقاعد المتبعة، التي يدفع حصتها الكبرى لصناديق التقاعد صاحب العمل، فما هو قائم في القطاع العام، ولدى جزء كبير في القطاع الخاص، أن العامل يدفع 5% من راتبه الأساسي، مقابل ما بين 5ر12% إلى 15% يدفعها صاحب العمل، أو المؤسسة، شهريا، وهذا يشمل مستحقات تقاعد، وتوفير إضافي، وتغطية تأمين عجز عن العمل ووفاة.

أما الاتفاق المذكور، فإنه يفرض على العامل أن يدفع 5% من راتبه الأساسي مقابل 8% إلى 10% كحد أقصى يدفعها صاحب العمل، بمعنى أنه لا يكفي أن الأجور زهيدة في هذا القطاع الخاص بشكل عام، بل إن المستحقات التي تدفع لصناديق التقاعد لا تصل حتى إلى مستوى الراتب الزهيد.

وتنبه المحلل الاقتصادي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، غدعون عيشت، إلى أن هذا الاتفاق لم يتم توقيعه في هذه الفترة بالذات صدفة، وذلك لأن أصحاب العمل يريدون تفادي القانون الذي يتم إعداده في الكنيست ويفرض على كل صاحب عمل ضمان مستحقات تقاعد لكل أجير لديه، وهو ما يعرف بقانون التقاعد الإلزامي، وهو ما سنأتي عليه هنا.

أما من حيث اتحاد الهستدروت، وحسب عيشت، فإنه سارع لإبرام اتفاق من هذا النوع، على ضوء تراجع وزنه النقابي، وبعد أن ظهرت سلسلة من القوانين ذات الطابع الاجتماعي والنقابي، أقرها الكنيست في الأشهر الأخيرة، دون أن يظهر أي وزن للهستدروت.

ويدعو عيشت وزير الصناعة والتجارة والتشغيل، إيلي يشاي، إلى عدم التوقيع على هذا الاتفاق، وإنما الإسراع بتشريع القانون الرسمي، الذي يلزم جميع أصحاب العمل بدفع مستحقات التقاعد بشكل متساو للجميع.

إلا أن هذا الاتفاق أعاد إلى جدول الأعمال اليومي في إسرائيل الجدل حول مسألة الراتب التقاعدي الذي يُحرم منه أكثر من مليون عامل لا يزالون في سوق العمل، ومئات آلاف المسنين والمتقاعدين، الذين يعتاشون على مخصصات شيخوخة زهيدة لا يمكن أن تسد أبسط احتياجاتهم اليومية من أجل البقاء على قيد الحياة.

راتب تقاعدي إلزامي

عانى مئات آلاف، ولربما ملايين المسنين، على مدار السنوات الستين الماضية في إسرائيل من عدم وجود راتب تقاعدي يحصلون عليه إلى جانب مخصصات الشيخوخة التي يتقاضونها من مؤسسة الضمان الاجتماعي الرسمية (مؤسسة التأمين الوطني)، مما يجعلهم في أدنى درجات الفقر في إسرائيل.

وكانت هذه الظاهرة منتشرة بالأساس بين المسنين العرب، الذين لم يعملوا بشكل منظم في حياتهم، نظرا لاستبعادهم عن سوق العمل الرسمية والشركات الكبرى واضطرارهم للعمل في ورشات عمل صغيرة غير منظمة أو في قطاع الزراعة والأعمال غير الحرفية.

ولربما أن هذا الأمر لم يشعل الضوء الأحمر أمام المؤسسة الرسمية، والنقابية والاجتماعية، في الماضي ولكن هذه الظاهرة استفحلت في السنوات الأخيرة بعد أن انضم لها مئات آلاف المهاجرين، الذين هاجروا إلى إسرائيل في السنوات الخمس والعشرين الماضية، وكون غالبية المسنين من بينهم ليست لديها راتب تقاعدي لعدة أسباب، أبرزها أن غالبية سنوات عملهم كانت في أوطانهم الأصلية، ولكن في نفس الوقت أن نسبة كبيرة جدا من بينهم عملت في إسرائيل في قطاع الأعمال غير الحرفية والمهنية وليس المنظمة.

وكل هذا ترافق مع بدء إعادة النظر في إسرائيل في مسألة المخصصات الاجتماعية، التي تراجعت في السنوات الست الأخيرة بنسب كبيرة، مع بدء تطبيق سياسة اقتصادية "خنازيرية"، كما يجري تسميتها في إسرائيل، وقادها أولا وزير المالية الأسبق بنيامين نتنياهو، ولا يزال قسمها الأكبر مطبقا حتى اليوم.

وظهر لقادة الاقتصاد أن خزينة الدولة تدفع عشرات ملايين الدورات سنويا كمنح اجتماعية للمحرومين من الراتب التقاعدي، وفي نفس الوقت تنبهت الحكومة إلى معطيات مقلقة حول اتساع ظاهرة المحرومين من مستحقات الراتب التقاعدي، الذين سيكلفون الخزينة في المستقبل ميزانية أضخم. وخاصة على ضوء انتشار ظاهرة استخدام مكاتب القوى العاملة، هذه المكاتب التي بدأت تقدم خدمات حتى للقطاع العام وقطاع البنوك، وأجهزة الصحة والتعليم وغيرها، وهي تعمل على طريقة فصل العامل بعد تسعة أشهر من بدء عمله لكي لا يستحق أية تعويضات مالية أو مستحقات تقاعد، عوضا عن أن الرواتب في هذه المكاتب زهيدة جدا.

ولهذا فقد ظهرت مبادرات من قبل الحكومة لسن قانون الراتب التقاعدي الإلزامي، في حين أن هذه المبادرة كانت حتى قبل فترة قصيرة عبارة عن مبادرات أعضاء كنيست، رفضتها الحكومات المتعاقبة.

وفي نهاية العام الماضي أقر الكنيست سلسلة من القوانين التي تدعو إلى فرض راتب تقاعدي لكل عامل في إسرائيل، والى جانبها قانون بادرت إليه الحكومة نفسها، ولكن باختلاف كبير من حيث الجوهر.

فالقانون الحكومي يقضي بإلزام كل عامل وصاحب عمل بدفع نسبة من الراتب لصناديق التقاعد، ولكن من جهة أخرى فإن القانون الحكومي يهدف بالأساس إلى إعفاء الحكومة من دفع مخصصات شيخوخة في المستقبل، بمعنى خروج الحكومة كليا من الضمانات الاجتماعية للمسنين.

إلا أن بعض مبادرات القوانين الفردية، والأكثر وضوحا من بينها مشروع قانون عضو الكنيست محمد بركة (الجبهة الديمقراطية) يؤكد أن الراتب التقاعدي لا يحل بأي شكل من الأشكال مكان مخصصات الشيخوخة، بل إن الراتب التقاعدي يهدف إلى رفع المستوى المعيشي للمتقاعدين بعد خروجهم من سوق العمل. خاصة وأن مخصصات الشيخوخة يتم دفعها من خلال مؤسسة الضمان الاجتماعي الرسمية (مؤسسة التأمين الوطني)، وعمليا فإن من يمولها هو جمهور العاملين نفسه، من خلال الرسوم الإجبارية التي يدفعها كل عامل في إسرائيل من راتبه شهريا، بغض النظر عن القطاع الذي يعمل فيه.

وتبلغ قيمة مخصصات الشيخوخة لمسن يعيش بمفرده وليس لديه راتب تقاعدي في حدود 400 دولار بعد دفع المنحة الاجتماعية، ولزوج مسنين بنفس الحالة أقل من 700 دولار شهريا.

ولكن ما يجري الآن في أروقة الكنيست أشبه "بلعبة القط والفار"، فقد حاولت الحكومة في الأسابيع الأخيرة تحييد مبادرات القوانين الخاصة التي بادر لها عدد من أعضاء الكنيست، ووضع قانون الحكومة وحده على مسار التشريع، الأمر الذي تنبه له النائب بركة وجند باقي النواب إلى الضغط على لجان الكنيست لتوحيد النظر في كافة القوانين سوية، وعدم إقرار القانون الحكومي وحده من دون تعديل، خاصة وأنه لن يؤدي في نهاية المطاف إلى إخراج المتقاعدين والمسنين من دائرة الفقر، وهذا ما جرى الآن.

ومن المفترض أن يسارع الكنيست حتى نهاية العام الجاري إلى إقرار قانون الراتب التقاعدي الإلزامي، لأنه من المفترض أن يبدأ تطبيقه في العام 2009، في حين أنّ الاتفاق السابق ذكره بين الهستدروت واتحاد أرباب العمل يدخل حيز التنفيذ في العام 2008، في حال حصل على توقيع وزير الصناعة والتجارة والتشغيل.