اتساع المعارضة في إسرائيل لـ"خطة فيسكونسين" لمعالجة البطالة

*الحكومة بدأت قبل 15 شهرا بتطبيق خطة هولندية، طبقت بداية في الولايات المتحدة ثم في أوروبا، تقودها شركات تجارية لإلزام العاطلين عن العمل بالعودة إلى سوق العمل *الوزير إيلي يشاي عارض في الماضي الخطة واليوم قرر إدخال تعديلات عليها*

اشتد النقاش في إسرائيل في الآونة الأخيرة حول ما يسمى بـ "خطة فيسكونسين"، وهي خطة بالأساس منبعها هولندا، وتطرح أساليب تحت غطاء تحفيز العاطلين عن العمل على العودة إلى سوق العمل، لكنها عمليا تبعد العاطلين عن العمل عن دائرة تلقي المخصصات الاجتماعية الحكومية، بشكل يحقق أرباحا للشركات التجارية التي تطبق الخطة، وهذا الأمر بالأساس في دول تدفع مخصصات اجتماعية للعاطلين عن العمل.

ومن الجدير ذكره أن الأجيرين في إسرائيل ملزمون بدفع نسبة محددة، هي 35ر5% من راتبهم الكلي، وهذه النسبة من المفترض أن تكون تأمينا لهم في عدة مجالات ومن بينها إصابة العمل أو المرض والإصابة بإعاقة، ومخصصات الشيخوخة (عدا الراتب التقاعدي)، والبطالة، وللتعويض في حال إفلاس صاحب العمل.

معنى ذلك أن الأجيرين حين يصبحون عاطلين عن العمل من المفترض أنهم مؤمنون، إلا أن الحكومة الإسرائيلية، ومنذ خمس سنوات، بشكل خاص، بدأت تفرض قيودا مشددة على الحصول على مخصصات البطالة. فقد رفعت السن القانونية من 18 عاما إلى 20 عاما، بعد أن تبين أن من هو معرض ليكون عاطلا عن العمل في عمر 18 عاما هم العرب لأن اليهود يخدمون في الجيش، والآن تنوي الحكومة رفع جيل الحد الأدنى إلى 28 عاما، ولكن هناك شك في أن يسري هذا الأمر.

كذلك فإن حجم المخصصات تم تقليصه، وتم تقصير الفترة التي يستحقها العاطل عن العمل، وهذا مرتبط بعمره، ومدة الفترة التي عمل فيها قبل أن يصبح محروما من العمل، إلى جانب قيود أخرى. وبعد انتهاء الفترة القانونية للحصول على مخصصات البطالة، ينتقل العاطل عن العمل إلى قسم "تأمين الدخل" حيث يحصل على مخصصات أقل بكثير وبشروط أصعب.

وقد بدأت الحكومة في تطبيق خطة فيسكونسين منذ حوالي 16 شهرا، بعد أن تم تطبيقها في ولاية فيسكونسين في الولايات المتحدة الأميركية. وعلى الرغم من أن هذا المشروع لم يلق النجاح المرجو، إلا أن الحكومة الإسرائيلية أصرت على استقدام هذا المشروع لتطبيقه بشكل "تجريبي"، في أربع مناطق، وهي الناصرة ونتسيرت عيليت المجاورة، والخضيرة والقدس، وتبين أن هذه المناطق مليئة بالعرب بالأساس وبالمهاجرين الجدد واليهود الشرقيين.

وتقود هذه الخطة شركات تجارية، تتعهد للحكومة بتقليص عدد العاطلين عن العمل المسجلين لديها، وفي المقابل فإنها تحقق أرباحا بالنسبة المئوية، من الأموال التي توفرها الحكومة على نفسها من تراجع عدد العاطلين عن العمل.

ومنذ أن بدأ تطبيق الخطة في مطلع شهر تموز/ يوليو 2005، إتضح ان الشركتين اللتين تديران هذا المشروع في إسرائيل، "أغام" و"مهليف"، تعتمدان على أساليب تعجيزية يضطر فيها العاطلون عن العمل للهرب والاستغناء عن مخصصات تأمين الدخل.

ومن بين هذه الأساليب إجبار العاطلين عن العمل على الجلوس ساعات طويلة في مكاتب الشركة، أو إجبار الزوجات على الحضور إلى مكاتب الشركة، رغم أنهن ربات منزل ولم ينخرطن أبداً في سوق العمل. وظهر الأمر بقسوته، حين تم إجبار نسوة عرب شارفن الستين من العمر على الحضور إلى الشركة لساعات طويلة يوميا، ليتلقى أزواجهن في نهاية الشهر مخصصات أقل بكثير من الحد الأدنى من الأجر.

كذلك فإن الشركة تعاملت بقسوة مع التقارير الطبية للمرضى والمعاقين، وبدأت ترفض الكثير منها، من أجل جني الأرباح.

وتقول الناشطة الاجتماعية غيلي راعي في مقال لها في الصحافة الإسرائيلية: "خلال عام وبضعة أشهر مضت على بدء تطبيق خطة لإعادة تأهيل العاطلين عن العمل، ونحن نشهد فشلا لا يمكن أن يتصوره العقل في هذا المشروع ومراقبته. ومن بين هذا: ربط أرباح الشركتين بشكل مباشر بالمبالغ التي توفرها الحكومة من تراجع عدد طالبي مخصصات البطالة، والصلاحيات التي أعطيت لهاتين الشركتين لرفض طلبات عاطلين عن العمل، ولم يؤخذ بعين الاعتبار سوق العمل وإمكانياته، وشريحة العاطلين عن العمل وإمكانيات انخراطهم في فرص العمل المتوفرة".

وتضيف راعي: "بناء على الكثير من الشهادات، فإن الشركة تستخدم أطباء تدفع لهم رواتب، يناقضون تقارير طبية من مختصين، حول وضعية المرضى من بين العاجزين عن العمل، أو الذين ليس باستطاعتهم الانخراط في مجال العمل، وهذا إلى جانب حقيقة أنه يوميا يتم المس بكرامة العاطلين عن العمل وحقوقهم الأساسية".

وتقول راعي: "وعدا الفشل في تطبيق خطة فيسكونسين، فلدينا نقاش مبدئي مع موجهي ومشغلي هذه الخطة، والنقاش حول الطريقة التي قررت فيها الحكومة السابقة معالجة مشكلة البطالة في إسرائيل، وما نراه اليوم هو التخلي عن مسؤولية الدولة تجاه مواطنيها وخصخصة ليس فقط معالجة قضايا العاطلين عن العمل ونقلها إلى شركات خاصة، وإنما أيضا وضع صلاحيات تقرر مصير مخصصات معيشية في يد شركات تجارية لغاية الربح".

وتتابع راعي "إن التخلي عن المسؤولية ليس خطأ بمحض الصدفة، بل هو جزء من سياسة اقتصادية ونهج مخطط، ونتائجهما المريرة نراها من خلال غالبية المواطنين الذين يعانون من الأزمة".

وتؤكد راعي أن فشل خطة فيسكونسين أصبح واضحا ليس فقط لدى الجمعيات والأطر الاجتماعية وإنما أيضا لدى أوساط سياسية عدة، مثل لجنة المالية البرلمانية ولجنة مراقبة الدولة في الكنيست وفي مؤسسة التأمين الوطني (مؤسسة الضمان الاجتماعي)، وحتى في وزارة الصناعة والتجارة والتشغيل، المسؤولة عن تطبيق الخطة.

في الآونة الأخيرة صدرت تقارير تؤكد أن العاطلين عن العمل الذين توقفوا عن التوجه إلى مكاتب خطة فيسكونسين، لم يتوجهوا إلى مشاريع عمل.

وفي الآونة الأخيرة أقر وزير الصناعة والتجارة، إيلي يشاي، الزعيم السياسي لحركة "شاس"، سلسلة من التعديلات على تطبيق الخطة، ومن ضمنها تخفيض عمر الذين يتم توجيههم إلى مكاتب الشركتين، فحتى الآن يتم توجيه كل شخص حتى ولو بقي على خروجه إلى سن التقاعد بضعة اشهر، كذلك هناك تخفيضات تتعلق بالنساء.

ورغم أن تفاصيل هذه التعديلات لم تنشر بعد، والعناوين العريضة تقول إنها ليست بالقدر المطلوب، خاصة وأن يشاي حين كان عضو كنيست كان من المعارضين للخطة، إلا أن الشركتين اللتين تديران المشروع تدعيان أن هذه التعديلات ستخفض من مستوى أرباحهما.

وفي المقابل ففي الكنيست حاليا لوبي برلمان يطالب بإلغاء مشروع فيسكونسين، ويضم نوابا من جميع الكتل البرلمانية تقريبا، من أقصى اليمين المتطرف إلى أقصى اليسار والكتل الناشطة بين الفلسطينيين في إسرائيل.

وإلى جانب هذا هناك مشاريع قوانين الإلغاء هذه الخطة كليا. ومن المفترض أن تبدأ مناقشتها في الدورة الشتوية للكنيست التي بدأت عملها حديثًا.