النقاش حول الميزانية بعد الحرب في لبنان- فرصة للتغيير

يتعاطى النقاش العام، الدائر هذه الأيام حول مسألة زيادة ميزانية الأمن الإسرائيلية وشكل تمويلها في ميزانية الدولة قبيل المصادقة عليها من قبل الكنيست، مع أرقام خيالية في حجمها (حوالي 30 مليار شيكل لثلاث سنوات). ومن شأن التجاوب الإيجابي مع مطالب جهاز الأمن واحتياجات أطراف الميزانية الإضافيين، أن يمسّ بانضباط الميزانية الذي أسهم كثيرًا في الاستقرار المالي وفي عمليات النمو الاقتصادي، كما أن من شأنه أن يضع الاقتصاد على سكة غير مرغوبة

من جهة أخرى فإن سلّم الأولويات القومي للسنتين القريبتين يمليه عمليًا الواقع ما بعد حرب لبنان، التي توحّد في أعقابها الملّح مع الهام. والاحتياجات الفورية لجهاز الأمن هي جزء فقط من المطالب والاحتياجات التي تتطلبها إسرائيل بسرعة. كما أنّ ترميم الشمال وبناء الجبهة الداخلية وإعدادها لتحديات عسكرية مرتقبة هما بندا إنفاق إضافيان. والتحديات أمام تغيير طرق عمل الحكم ستطرح هي أيضًا على ما يبدو في أعقاب لجان الفحص أو التحقيق، وستتطلب موارد لتطبيقها الملّح. أما بالنسبة للاحتياجات الاجتماعية، التي كانت إسرائيل على وشك أن تمنحها جوابًا جديدًا واسعًا في الميزانية، فإنها لم تختفِ لكنها لم تعد تظهر في مرتبة عالية من سلم الأفضليات للعام 2007 وعلى ما يبدو للعام الذي سيليه. وإن عدم إعطاء أي جواب على هذه الاحتياجات ينتج مادة اشتعال سياسية، سيسعد بعض متخذي القرارات أن يؤججوا أوارها في حين سيحاول آخرون إخمادها.

هكذا تقف سياسة الموازنة أمام معضلة ليس في مقدور السياسة القائمة أن تحتويها. ولذا يجدر استغلال سنة 2007، التي ستكون سنة "تنظيم قومي"، من أجل إخضاع نموذج تخصيص الموارد، الذي تستعين به وزارة المالية، إلى فحص متجدّد. ويمكن تحويل المعركة العسكرية في الشمال إلى رافعة من أجل فحص شامل للتحديات القومية في الميزانية وفي الحكم عمومًا.

الزيادة في مطالب جهاز الأمن، التي تؤدي إلى الزيادة المطلوبة في ميزانية الدولة عمومًا، تطرح عدة أسئلة من العيار الثقيل أمام راسمي سياسة الموازنة. والسؤال الفوري، الذي ينتظر قسم كبير من الجمهور ومن متخذي القرارات عبثًا جوابًا إيجابيًا عليه، هو: هل في مقدرة جهاز الأمن أن يجنّد الموارد المطلوبة له بواسطة تغييرات داخلية وتوفيرات في "الإهدارات" التي تجري فيه؟ هل في مقدرة جهاز الأمن والجيش الإسرائيلي أن يقتصدا ويصبحا ناجعين ويوفرا المطلوب لهما من ميزانيتهما؟.

فيما خلف الأجوبة الجوفاء والاستعداد الظاهر في أقوال أفراد جهاز الأمن، فإن الجواب السلبي في سنوات الميزانية المقبلة يبدو أنه الوحيد ذو الصلة حيال حجم الاحتياجات. كل محاولات التوفير- التي تشمل إغلاق ممثليات في الخارج وإيقاف بعض خطوط الإنتاج وفصل بعض أفراد الجيش النظامي ومستخدمي وزارة الدفاع- لن تأتي بالمبالغ المطلوبة. ولذا فإن المطالبين بـ"النجاعة الآن"، باسم سياسة الموازنة التقليدية، سيتوجب عليهم البحث عن طرق أخرى لإعطاء جواب لائق على تحديات دولة إسرائيل. بدل هذا المطلب يجدر وضع الحاجة إلى بلورة وتخطيط وإدارة سياسة متعددة السنوات، ميزانية متعددة السنوات وفحص مقارن لاحتياجات الوزارات المختلفة.

ثمة سؤال إضافي هو: هل يحتاج الجيش وجهاز الأمن عمومًا إلى هذه المبالغ لغرض الاستعداد للسنوات المقبلة؟. وهو سؤال شرعي. ومن واجب جهاز الأمن أن يطرح، كشرط لإقرار الميزانية، نشاطاته المخطّط لها، أي التحدي الإستراتيجي المرتقب والجواب العسكري المطلوب والنقص في بناء القوة القائم والحاجة إلى زيادة ميزانية لتمويل استكمال الناقص. لكن حتى لو لبّوا هذا الشرط، فإن هناك شرطًا حيويًا ضروريًا آخر لإقرار الميزانيات لجهاز الأمن، ولأية وزارة أو وكالة حكومية، هو وجود الموارد المطلوبة في إطار السياسة الماكرو اقتصادية.

إن القاعدتين الرئيستين، اللتين تقودان سياسة الموازنة لدى وزارة المالية، هما: عجز في الموازنة بحجم 2- 3 بالمائة من الإنتاج، وزيادة سنوية في الإنفاق العام لا تتجاوز واحد بالمائة. وأهمية هاتين القاعدتين كامنة في انضباط الموازنة الملقى على كاهل الحكومة ووزاراتها والذي نجحت وزارة المالية في ترسيخه في السنوات الأخيرة. هذا الانضباط هو شرط ضروري للحفاظ على الاستقرار والنموّ الاقتصادي وعلى ثقة المستثمرين وعلى شعور الأمن الاقتصادي في المنظومة الاقتصادية.

غير أن حرب لبنان خلقت وضعًا جديدًا يجدر محاولة استغلاله من أجل إحراز تغيير. وعلى متخذي القرارات أن يتفحصوا الخطورة المرتقبة في أعقاب خرق قواعد الميزانية، مقابل الأخطار المرتبطة بعدم تحقيق برنامج تسلح أساسي لجهاز الأمن و/ أو عدم تحقيق خطة ترميم الشمال و/ أو عدم تلبية احتياجات طارئة مشخّصة في المجال الاجتماعي أو كتلك التي نشأت في أعقاب حرب لبنان. هذا الفحص ليس فحصًا مهنيًا- اقتصاديًا فحسب، إذ أن خرق تقييدات الميزانية هو مخاطرة قومية، وإذا ما أدت مخاطرة كهذه إلى خلاصة مؤداها أن هناك مكانًا لعدم تطبيق القاعدتين السالفتين في السنتين القريبتين (على الأقل) ومحاولة الانحراف المؤقت عنهما، فإن ذلك يتطلب تأييدًا سياسيًا جوهريًا لوزارة المالية من أجل مواجهة التحدي، وربما في هيئة تشريع خاص.

الزعزعة في مجال ميزانية الدولة في أعقاب حرب لبنان تبرّر التغيير في طرق التخطيط والتحديد والتنفيذ. فضلاً عن هذا فإن حقيقة أنه عقب المعركة في الشمال ثمة حاجة لأن نختار بصورة فظّة بين أخطار اختراق الميزانية وبين أخطار قومية أخرى، يمكن أن تشكل رافعة لبناء منظومة لتقدير الأخطار القومية ومقارنتها.

______________________________________________

* إيمري طوف- باحث في "مركز يافه للدراسات الإستراتيجية" في جامعة تل أبيب.

Terms used:

الكنيست