إسرائيل الأكثر فقرًا من بين الدول المتطورة

* أعلى نسبة في العائلات الفقيرة من بين 19 دولة متطورة، والأكثر انخفاضا في جميع المخصصات الاجتماعية من بطالة وشيخوخة ومخصصات أولاد * تقرير المعهد الإسرائيلي للديمقراطية يؤكد أن الفقر المستفحل عند العرب يعود بالأساس لسياسة التمييز، والفقر في السنوات الأخيرة استفحل بفعل سياسة بنيامين نتنياهو الاقتصادية *

دل تقرير إسرائيلي سيطرح في مؤتمر قيسارية الاقتصادي في نهاية الشهر الجاري (حزيران)، على أن إسرائيل هي الأكثر فقرا من بين الدول المتطورة في العالم، وهذا حسب معطيات العام 2004. وكان الأمر الأكثر بروزا هو أن حوالي 18% من العائلات في إسرائيل تعيش تحت خط الفقر، تليها الولايات المتحدة بنسبة 17% من عائلاتها.

وقد أعد التقرير الدكتور مومي دهان، من المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، وسيعرض خلال مؤتمر قيسارية المذكور، الذي كان في السابق يتنكر نوعا ما للجانب الاجتماعي للسياسات الاقتصادية، وفي السنوات الثلاث الأخيرة بات يعطي هذه القضية حيزا هاما.

ويؤكد التقرير أنه في موازاة ارتفاع نسبة الفقر في إسرائيل في السنوات الأخيرة، فقد زاد أيضا الفقر ذاته، إذ تبين أن معدل مداخيل الفقراء في إسرائيل أقل بـ 33% من خط الفقر الرسمي في إسرائيل حسب العام 2004، بينما كان هذا المعدل في الأعوام من 1998 وحتى 2000، أقل بـ 25% من خط الفقر.

ويشير التقرير إلى أن إسرائيل تحتل رأس قائمة العائلات الفقيرة في الدول المتطورة، بنسبة 9ر17%، تليها الولايات المتحدة بنسبة 17% واسبانيا 3ر14%، وايطاليا 7ر12% وبريطانيا 4ر12% وألمانيا 3ر8% وبلجيكا 8% والنمسا 7ر7% وهولندا 3ر7% والسويد 5ر6% ولوكسمبورغ 6% وفنلندا 4ر5%.

ويؤكد التقرير أن السياسة الاقتصادية التي اتبعتها وزارة المالية في السنوات الأخيرة، بقيادة بنيامين نتنياهو، ضربت بالأساس الشرائح الفقيرة والضعيفة. ففي حين ارتفع مدخول عائلة غنية شهريا بالمعدل بـ 1246 شيكل (277 دولارا)، فإن معدل مدخول العائلة الفقيرة انخفض شهريا بمعدل 643 شيكل (143 دولارا)، وفي السنوات الثلاث الأخيرة ازداد عدد الفقراء في إسرائيل في ظل سياسة نتنياهو بحوالي 300 ألف فقير.

ويرى التقرير أن أحد أسباب ازدياد الفقر هو معدل الولادة العالي لدى العرب ولدى المتدينين اليهود الأصوليين (الحريديم)، ولهذا يظهر أن معدل الولادة للمرأة في إسرائيل هو ضعفا المعدل لدى المرأة في الدول المتطورة، وهذا عامل يساعد على وضعية إسرائيل في معطيات الفقر.

وحسب المعطيات فإن معدل الفقر في العائلات المتوسطة، أي التي لديها ثلاثة أولاد مع والدين، هي 26%، وهو أعلى بكثير مما هو عليه في الدول المتطورة، أما نسبة الفقر لدى العائلات الكثيرة الأولاد فهي الأعلى وتصل إلى أكثر من 60%، حتى بعد المخصصات الاجتماعية الحكومية.

ونسبة الفقر لدى عائلات أحادية الوالدين تصل إلى 31%، ونسبة الفقر لدى عائلة لا يوجد فيها أي شخص يعمل، مثل عائلة عاطل عن العمل، تصل إلى 65% وهذا أيضا بعد حصول العائلة على مخصصات اجتماعية، لأنه بعد المخصصات يبقى مدخولها أقل بـ 46% من خط الفقر.

ويؤكد التقرير أن التقليص الحاد في المخصصات الاجتماعية في السنوات الأخيرة وضع إسرائيل في أسفل قائمة الفقر، فالمخصصات التي تدفع لكل عائلة عن كل ولد دون سن الثامنة عشرة هي الأقل، رغم ارتفاعها قبل ثلاثة أشهر من 120 شيكل (27 دولارا) لكل ولد إلى 148 شيكل (33 دولارا).

ويتبين من التقرير أن الأمر الملاحظ جدا في الاقتصاد الإسرائيلي هو عدم الأمان في السوق في إسرائيل، فنسبة الذين يتوقعون أن يتم فصلهم من العمل ويتحولون إلى عاطلين عن العمل هي الأعلى من بين الدول المتطورة، دون الإشارة إلى هذه النسبة. كما يؤكد التقرير أن قسما كبيرا من الفقراء في إسرائيل هم فقراء رغما عنهم لكونهم محرومين من العمل، بفعل اتساع نسب البطالة، وفي نفس الوقت انهيار قيمة المخصصات التي يتلقاها العاطلون عن العمل في السنوات الأخيرة، وهذا يسرى أيضا على ذوي الشهادات والكفاءات الذين نسبة العاطلين عن العمل من بينهم هي أيضا الأعلى من بين الدول المتطورة.

يشار هنا إلى أن نسبة البطالة الرسمية المعلنة في إسرائيل تقف اليوم عند أقل بقليل من 9%، وتؤكد عدة جهات اجتماعية واقتصادية ومن بينها بنك إسرائيل أن هذه النسبة غير دقيقة لأن قسما كبيراً جدا من الذين خرجوا من دائرة البطالة توجهوا إلى أعمال جزئية أو إلى أعمال في رواتب دون الحد الأدنى من الأجر، بعد تشديد التقييدات على حصولهم لمخصصات البطالة.

الانهيار في المخصصات

في الوقت الذي يتشابه فيه الصرف الإسرائيلي الرسمي على جهازي الصحة والتعليم مع الصرف في الدول المتطورة، فإن مخصصات الضمان والدعم الاجتماعي باتت الأقل مقارنة مع نفس الدول، وتجري المقارنة هنا مع نسبة المخصصات من معدل الناتج للفرد في كل دولة من الدول.

ويبلغ معدل الناتج القومي للفرد في إسرائيل أكثر بقليل من 17 ألف دولار، إلا أن أكثر من 3 آلاف دولار تعود للإنتاج والصرف على الجوانب الحربية والعسكرية.

ويشير التقرير إلى أن معدل مخصصات الشيخوخة في إسرائيل هو الأقل من بين الدول المتطورة، فالمخصصات تدفع أكثر للأولاد والعاطلين عن العمل، وغالبية هذه المخصصات انخفضت بنسب كبيرة جدا في العام 2004، وكانت الأقل مقارنة مع نفس الدول.

فبعد الرفع القليل لمخصصات الأولاد بقيت إسرائيل في أسفل سلم التدريج في هذا المجال، فعائلة لديها ثلاثة أولاد تحصل على 6ر1% من معدل الناتج للفرد، وباستثناء اليونان حيث النسبة هناك 1ر1%، فإن المخصصات في باقي الدول أعلى بكثير، في قبرص 8ر3% وبريطانيا 8ر4% والسويد 4ر6% وفرنسا 6ر6% وألمانيا 1ر9%.

كذلك فإن الوضع في مخصصات البطالة ليس أفضل، فهي الأكثر انخفاضا من حيث القيمة وفترتها الزمنية بالمقارنة مع الدول المتطورة، وينعكس هذا بالأساس في الفترة الزمنية المسموح تلقي مخصصات البطالة فيها. كذلك فإن الفترة الزمنية للعمل المتواصل المطلوبة من العامل لكي يستحق مخصصات البطالة هي الأعلى من بين جميع الدول، حيث يكون مطالبا بالعمل 12 شهرا، ليستحق المخصصات، في حين أن هذه الفترة كانت في الماضي تسعة أشهر.

وتبين من المقارنة أن العاطل عن العمل في إسرائيل يستحق مخصصات بطالة حتى 100 يوم عمل إذا كان دون سن الخامسة والثلاثين، وقيمة المخصصات هي 75% من راتبه الأخير، بشرط أن يتجاوز معدل الأجور في إسرائيل وهو حوالي 1600 دولار شهريا. أما إذا كان عمره ما فوق 35 عاما فإنه يستحق مخصصات لفترة 175 يوم عمل، أي سبعة أشهر، أما في الدول الأخرى ففي بريطانيا 180 يوما، والولايات المتحدة 273 يوما، والسويد 300 يوم، واليابان 360 يوما، وألمانيا 960 يوما، وفرنسا 1800 يوم.

كذلك فإن مخصصات الشيخوخة في إسرائيل هي من الأقل من بين الدول، فإسرائيل مدرجة في المرتبة 18 من أصل 19 دولة، إذ أن مخصصات الشيخوخة تصل إلى 25% من معدل الأجور، في حين أنها في الدانمارك 23%، وبريطانيا 40% وألمانيا 42% وفرنسا 45% والسويد 60% واسبانيا 89%.

ويلخص معدو التقرير أن معدل المخصصات مقارنة مع معدل الناتج للفرد هي الأقل من بين الدول المتطورة، وهذا أحد أسباب عوامل الفقر المستفحل في السنوات الأخيرة.

ويتبين من التقرير أن أكثر من نصف جمهور الحريديم والعرب في إسرائيل هم دون خط الفقر، إذ يشكل الحريديم 9% من العائلات الفقيرة في إسرائيل، وهي نسبة أعلى بكثير من نسبتهم، كعائلات، في إسرائيل.

وجاء أيضا أن موجات الهجرة اليهودية في سنوات التسعين وحتى اليوم ساهمت في رفع نسب الفقر، فنسبة الفقراء من بين المسنين الذين وصلوا إلى البلاد وهم أكبر من خمسين عاما تصل إلى 35%، في حين أن هذه النسبة بين المسنين بشكل عام في إسرائيل هي 20%.

ويشير التقرير إلى أن هناك 700 ألف مسن في إسرائيل يعتمدون فقط على مخصصات الشيخوخة التي تدفعها مؤسسة التأمين الوطني (مؤسسة الضمان الاجتماعي الحكومية في إسرائيل)، ولا يتقاضون أي راتب تقاعدي عن عملهم السابق، وهناك مبادرات في الكنيست الإسرائيلي لسن قانون يلزم المشغلين والعاملين بدفع توفيرات لضمان رواتب تقاعدية لهم.

ويفند التقرير الإدعاء الإسرائيلي بأن الفقر بين العرب هو الأعلى لأن نسبة النساء العاملات هي الأكثر انخفاضا، لأن التقرير يشير إلى أن مدخول عائلة عربية يعمل الزوج أو الزوجان فيها هو أقل من مدخول عائلة يهودية بنفس المستوى وبنفس العمل، وهذا ناجم عن سياسة التمييز التي تطال أيضا الرواتب.

وكان تقرير سابق، يصدر سنويا، لمركز أدفا الإسرائيلي، الذي يعني بالقضايا الاقتصادية الاجتماعية، قد قسم المستوى الاجتماعي إلى عشر درجات، وظهر أن الغالبية الساحقة من البلدات العربية موجودة في أسفل ثلاث درجات، باستثناء خمس بلدات متواجدة في الدرجتين الرابعة والخامسة.

ويظهر أيضا انه في حين أن نسبة الفقر بين الأطفال في إسرائيل هي 30% بشكل عام، فإنها بين الأطفال العرب لوحدهم هي 60%، وفي حين أن 18% من العائلات فقيرة في إسرائيل، فإن هذه النسبة بين العائلات العربية لوحدها ترتفع إلى 46%، وتؤكد المعطيات أن 51% من العرب في إسرائيل يعيشون تحت خط الفقر.

ويوصي معدو التقرير بانتهاج سياسة اقتصادية جديدة، في مركزها أن توظف الحكومة ملياري دولار لمكافحة ظاهرة الفقر المستفحل، وهذا من خلال زيادة المخصصات الاجتماعية وفتح أماكن عمل لتقليص دائرة البطالة في إسرائيل. كما يوصي التقرير باستمرار تعديل المخصصات مع ارتفاع معدلات الأجور في إسرائيل، وأن تكون بنسب محددة ينص عليها القانون.