معلق "يديعوت": منتدى قيسارية الاقتصادي عالج موضوع الفقر والقضايا الاجتماعية تماشيًا مع الموضة

كما في كل عام حظي المؤتمر بحجيج كبار ساسة إسرائيل إليه، بدءا من رئيس الحكومة ووزير المالية ورؤساء النقابات وغيرهم، وحتى وزير المالية الأسبق

عقد "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، مؤخرًا، مؤتمره الاقتصادي السنوي المسمى "منتدى قيسارية" وهو مؤتمر سنوي يبحث في الاقتصاد والسياسات الاقتصادية في إسرائيل ويستقطب نخبة بارزة من الخبراء والأكاديميين ورجال الحكم. وقد تمحور هذه السنة، ضمن أمور أخرى، حول الفقر والقضايا الاجتماعية في إسرائيل.

وكما في كل عام فإن المؤتمر حظي هو الآخر بحجيج كبار ساسة إسرائيل إليه، بدءا من رئيس الحكومة، ايهود أولمرت، ووزير المالية الحالي أبراهام هيرشزون، ورؤساء النقابات وغيرهم، وحتى وزير المالية الأسبق، بنيامين نتنياهو، الذي توجه له أصابع الإتهام والإدانة باتساع الفقر في السنوات الأخيرة بنسبة 40%.

وكالعادة فقد اهتم الساسة الإسرائيليون بالظهور في مظهر المدافعين عن الفقراء وعن ضرورة مكافحة الفقر الذي هو نتاج سياستهم العامة والاقتصادية.

وكان المحلل الاقتصادي في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، سيفر بلوتسكر، حادا في لهجته في هذا المجال، إذ كتب في مقاله حول "منتدى قيسارية": "بالإمكان القول إن الأبحاث حول الفقر كانت معمقة، وأيضا متأخرة، ومتأخرة جدا. فالفقر الآن هو في الموضة، ومن اللائق ان نتماشى مع الموضة، ونسمع الثرثرة حول الفقر في المقاهي وفي الصالونات أيام الجمعة، وفي كل مؤتمر يحترم نفسه، إذن هيا نًُسمع صوتنا نحن أيضا في هذه الجوقة". وتابع قائلاً إن "عربة مكافحة الفقر تسير بقوة، فلنقفز عليها قبل أن تختفي من أمامنا، فجأة تبين للوزراء ورؤساء الحكومات ورأس الهرم في القيادة الاقتصادية أن هناك ضائقة كبيرة في إسرائيل، وهنا بالإمكان القول لهم: عفوا سادتي، أين كنتم حتى الآن؟".

ويتابع بلوتسكر: "أين كنتم حين نبّهكم أكاديميون في العام 1999 من أنه إذا لم تتغير سياستكم الاجتماعية فإن إسرائيل على أبواب انفجار اجتماعي، ومنذ ذلك الحين اتسعت رقعة الفقر بنسبة 40%، وبين الأطفال 50%. وحتى أين كنتم منذ العام 2002، حين صادقت الحكومة على الخطة الاقتصادية المعادية للشرائح الفقيرة والضعيفة، فالوزراء الذين يعلنون اليوم قلقهم من الأوضاع الاجتماعية دعموا هذه الخطة، وصدقوا كأعضاء كنيست على خطة التقليصات والقطع والتجميد. أما كبار أصحاب رأس المال الذين ذرفوا دموع التماسيح هذا الأسبوع، فقد صفقوا بحرارة للسياسة الاقتصادية الجديدة في حينه، أين كنتم يا أيها المتباكون على الفقر في العام 2006، حين بدأت "ثورة بنيامين نتنياهو في العام 2003"، وماذا فعلتم حين نشرت مؤسسة التأمين الوطني (مؤسسة الضمان الاجتماعي الرسمية) تقديرات مؤلمة حول انعكاسات التقليصات في ميزانية الرفاه في السنوات القادمة؟".

ويستهزئ بلوتسكر في مقاله من الذين يبدون "ارتياحا" لأن لديهم الآن معطيات واضحة حول الفقر ويقول "إن كل المعطيات نشرتها عدة مؤسسات سابقا، إلى جانب غزارة في الأبحاث والتقارير، وكان يجب مد اليد للحصول عليها ومعالجتها، ولكن الأيادي تكاسلت، وغابت كل الجهود".

موضوع الفقر

هذا، وخلال المؤتمر تم التطرق إلى الكثير من معطيات الفقر الرسمية في إسرائيل (وكان "المشهد الإسرائيلي" ينشرها تباعا)، ومن بينها أن حوالي 20% من العائلات تعيش تحت خط الفقر، وبين العائلات العربية لوحدها تصل النسبة إلى 46%، وان نسبة الفقر بين الأطفال هي 30%، بينما بين الأطفال العرب لوحدهم تصل النسبة إلى 59%.

وقال رئيس نقابة العمال العامة في إسرائيل (هستدروت)، عوفر عيني، خلال ظهوره في المنتدى، إن حكومة إسرائيل وحدها هي المسؤولة عن الفقر في إسرائيل وإن ما يحصل في سوق العمل الإسرائيلية هو نتيجة مباشرة للسياسة الحكومية المنتهجة.

من ناحيته قال نائب المسؤول عن الميزانيات في وزارة المالية الإسرائيلية، رفيف سوبول، إن لإسرائيل ميزانية أمنية ضخمة جدًا. لكنه، في الوقت نفسه، زعم بأن دفعات المخصصات الحكومية للفئات الضعيفة هي دفعات معقولة.

غير أن المدير العام لمؤسسة التأمين الوطني (الضمان الاجتماعي)، يغئال بن شالوم، أكد أنه بالمقارنة مع دول العالم فإن إسهام الحكومة الإسرائيلية في مخصصات تقليص الفقر هو إسهام منخفض جدًا.

وأضاف بن شالوم أن "سخاءنا حيال المسنين وحيال العاطلين عن العمل، الذين هم في المحصلة أشخاص فصلوا من عملهم، هو من الأكثر انخفاضًا بين الدول المتطورة".

وقال أحد أبرز الاقتصاديين الأميركان، البروفيسور روبرت سولو، الحائز على جائزة نوبل، الذي حلّ ضيفًا على المنتدى، إن الجمهور العربي في إسرائيل يعاني من تمييز خطير، كما هي الحال لدى أقليات إثنية أخرى في العالم. وأضاف "صحيح أن العرب واليهود الحريديم (المتدينين) يعانون أساسًا من مشكلة الفقر، لكن ثمة فوارق واضحة كبيرة بين السكان العرب وبين السكان الحريديم"، منوهًا بأن هؤلاء الأخيرين يحصلون على مساعدات جمة من السكان غير المتدينين لمجرد كونهم يهودًا. وأشار إلى أنه ينبغي منح العرب فرصًا متساوية في سبيل تخليصهم من الفقر وأن هذا الأمر معروف جيدًا لليهود على وجه الخصوص.

وحذر وزير الصحة يعقوب بن يزري، في المنتدى، من أن الفقر ينعكس بشكل مباشر على مستوى الخدمات الصحية، إذ لا يستطيع الفقراء الحصول على كامل الخدمات التي يحصل عليها ذوو الإمكانيات. وقال "إن الفقر والفجوات الاجتماعية تتحول إلى مخاطر صحية، وما من شك في أن وتيرة اتساع الفجوات تنعكس أيضا على الأوضاع الصحية، ومستوى المعيشة وطول العمر، فالأوضاع الاقتصادية السيئة تؤدي أيضا إلى أوضاع صحية سيئة".

أما محافظ بنك إسرائيل، ستانلي فيشر، فقد عرض على المنتدى الأوضاع الاقتصادية العامة التي تشهدها إسرائيل في العامين الأخيرين على وجه الخصوص، رغم أن هذا النمو لم تشعر به بعد الشرائح الفقيرة والضعيفة، وحتى المتوسطة، فقال إن بنك إسرائيل يتوقع أن يكون النمو الاقتصادي في العام الحالي 2006 في حدود 5%، وهو أعلى من توقعات الحكومة، التي تتحدث عن 4%. وقال فيشر إن البطالة هبطت إلى مستوى 7ر8%، بعد أن وصلت في نهاية العام 2003 إلى 9ر10%، وهنا أيضا أثبتت التقارير الرسمية وشبه الرسمية أن انخفاض نسبة البطالة كان نتيجة لاتساع رقعة الوظائف الجزئية، أو برواتب متدنية، وما يثبت هذا هو أنه على الرغم من إنخفاض نسبة البطالة، وارتفاع النمو الاقتصادي إلا أن رقعة الفقر تواصل اتساعها.

وفي حديثه عن الفقر يرى فيشر أن من المهم جدا معالجة ظاهرة الفقر، وركز على أن المكافحة يجب أن تكون من خلال التحفيز على الخروج إلى سوق العمل: "يجب تقديم المحفزات لأولئك القادرين على العمل، وبشكل خاص انتهاج ضريبة دخل سلبية وتراجعية"، وهي طريقة متبعة في بعض الأماكن في العالم، إذ تعيد ضريبة الدخل أموالا لذوي الرواتب المنخفضة، بدلا من أن تكون رواتبهم معفية فقط، أو أن تجبي منهم رسوما بسيطة.

كما دعا فيشر إلى رفع المخصصات لغير القادرين على العمل مثل العجزة والمسنين، ولكن حسب فيشر فإن أفضل طريقة لمعالجة ظاهرة الفقر على المدى البعيد هي الحفاظ على ارتفاع متواصل للنمو الاقتصادي، فهذا سيخلق أماكن عمل جديدة، وبالتالي ستنخفض البطالة ويرتفع حجم الرواتب.

أما المبادر للمنتدى، "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، فقد طرح أفكارا لمكافحة ظاهرة الفقر من خلال عدة مسارات، ومن بينها مسار يدعو إلى رفع كل الحواجز التي تقف أمام الجمهور العربي في إسرائيل، وزيادة الميزانيات في جهاز التعليم وتعليم الأطفال، وتشجيع أكبر لذوي المؤهلات للعودة إلى سوق العمل، وزيادة المحفزات لليهود الأصوليين (الحريديم) لتشجيعهم على الانخراط في سوق العمل، وزيادة الضمان الاجتماعي للعاطلين عن العمل.

كذلك يؤكد المعهد على أن مكافحة الفقر تحتاج إلى إستراتيجية متعددة الاتجاهات تضمن استمرارية النمو الاقتصادي الذين يضمن ارتفاعا في المستوى المعيشي لجميع المواطنين في إسرائيل، ويفسح المجال لمعالجة من تبقى في دائرة الفقر.

ويدعو مسار آخر إلى تبني مشروع مؤسسة التأمين الوطني (مؤسسة الضمان الاجتماعي) لمعالجة ظاهرة الفقر، فالاقتراح يؤكد أن هناك الكثير من العوامل تساهم في اتساع رقعة الفقر، وتدعو المؤسسة إلى إعادة النظر في سياسة تقليص المخصصات الاجتماعية خاصة للجمهور غير القادر على التوجه إلى سوق العمل، مثل المسنين والعجزة وذوي الإعاقات والأطفال.