حول مشروع ميزانية إسرائيل للعام 2006: استمرار نهج تآكل استثمارات الحكومة في المجتمع

أحد مراكز العدالة الاجتماعية في إسرائيل: التزام الحكومة بتحقيق سياسة نمو بأي ثمن، وعلى الأدق بثمن تقليص الخدمات الحيوية، هو أشبه بتشغيل آلة لنفخ الريح في أشرعة قارب، في وقت بات فيه القارب ذاته على شفا التداعي والهلاك

إعداد: أدفا- معلومات حول المساواة والعدالة الاجتماعية في إسرائيل (خاص بـ"المشهد الإسرائيلي")

تعريف:

فيما يلي نص التقرير الذي رفعه مركز "أدفا" إلى الحكومة الإسرائيلية حول مشروع الميزانية العامة للعام 2006.

ومركز أدفا هو مركز مستقل لبحث المجتمع الإسرائيلي، ولدفع فكرة المساواة والعدل الاجتماعي.

يركز المركز أساسا على بحث السياسة الاجتماعية في إسرائيل وعلى تحليلها. وهو يختبر، بنظرة ناقدة، الخطوات التي يتم اتخاذها في مجال الميزانية وفرض الضرائب والخدمات الاجتماعية، مثل: التعليم، الصحة، السكن، الرفاه، المواصلات والبيئة، وأبعاد هذه الخطوات على المجتمع الإسرائيلي عامة، وعلى كل مجموعة من المجموعات التي تشكل هذا المجتمع.

يبلور مركز أدفا توصيات بشأن السياسة المنتهجة على أمل "أن يتم دفع العدل الاجتماعي والمساواة في المجتمع الإسرائيلي قدما".

توطئة

خطة ميزانية إسرائيل للعام 2006، التي من المفترض أن تكون وزارة المالية قد وضعتها على طاولة الحكومة، موجهة بكليتها نحو حفز النمو الاقتصادي بصورة مفتعلة وذلك عن طريق: (1) تقليص نفقات الحكومة، و (2) خفض الضرائب.

1) تقليص نفقات الحكومة يهدف إلى خدمة أصحاب رؤوس الأموال، من حيث أن ذلك يؤدي إلى خفض سعر رأس المال، على أمل أن يستغل أصحاب رؤوس الأموال بالفعل إمكانية تجنيد رساميل بثمن أرخص وأن يستثمروا في الاقتصاد الإسرائيلي بما يؤدي إلى خلق أماكن عمل جديدة.

2) خفض الضرائب ينقسم إلى قسمين:

‌أ- خفض ضريبة الشركات وخفض الضرائب المفروضة على الاستثمارات والأرباح، وهو ما يصب أيضاً في مصلحة أصحاب رؤوس الأموال ومرة أخرى على أمل أن يشجعهم ذلك على الاستثمار في فروع الاقتصاد. من جهة ثانية فإن زيادة الضريبة المقترحة على أرباح رأس المال ليس من المتوقع أو المنتظر أن تعوّض خزينة الدولة عن الخسارة التي ستتكبدها جراء خفض الضرائب على الشركات والأفراد.

‌ب- خفض الضرائب المباشرة يهدف إلى المساهمة أيضاً في زيادة وتيرة النمو عن طريق زيادة الاستهلاك الخاص (الفردي).

ووفقاً لما تقوله وزارة المالية فإن من شأن هذه الخطوات حفز وتيرة النمو ما سيؤدي في النتيجة إلى زيادة مداخيل الدولة من الضرائب. هذه المداخيل سترهن بدورها لتحقيق هدفين: أولاً خفض الضرائب، والثاني خفض المديونية القومية، وهي خطوة ترمي أيضاً، فيما ترمي، إلى خفض كلفة رأس المال.

إن غاية كلتا الخطوتين- تقليص نفقات الحكومة وخفض الضرائب- هي نفخ الريح في أشرعة النمو بأي ثمن. والثمن الأساسي هو تآكل مستمر في استثمارات الحكومة في المجتمع الإسرائيلي وذلك بعد أربع سنوات من التقليصات الملموسة في هذه الاستثمارات نتيجة للركود الاقتصادي.

هذه السياسة المقترحة تثير السؤال، هل من الحكمة والمنطق:

* وضع كل البيض في سلة واحدة، سلة النمو السريع؟

* عمل ذلك بثمن تآكل معروف سلفاً للاستثمار في المجتمع الإسرائيلي؟

* بناء النمو المستقبلي فقط على أصحاب رؤوس الأموال وذوي المداخيل العالية؟

* رهن ثمار النمو المتوقع، مسبقاً وفقط لغرض خفض تكلفة رأس المال وخفض الضرائب وسط إهمال غايات أخرى تقع على الحكومة مسؤولية تحقيقها؟!

أ‌) تقليص نفقات الحكومة – قرار واعٍ بعدم الاستثمار في المجتمع الإسرائيلي

في ضوء توقعات وزارة المالية بشأن النمو خلال سنوات 2006-2010، وفي ضوء الخطوات التي تقترحها الوزارة من أجل تحقيق معدلات النمو هذه بالفعل، فإن من حق الجمهور الإسرائيلي أن يأمل في أن يستفيد هو الآخر من مردود وثمار النمو المتوقع، سواء عن طريق تحقيق زيادة في مداخيله أو عن طريق تحسين الخدمات التي يتلقاها من الحكومة.

بيد أن هذه التوقعات لا تستند إلى أساس. فمن المشكوك فيه أن يستطيع النمو في حد ذاته، وخاصة النمو المعتمد بكليته على امتيازات ومنافع لأصحاب رؤوس الأموال وذوي المداخيل العالية، تحقيق تحسن في توزيع المداخيل في إسرائيل. ففي غضون العقد ونصف العقد الأخيرين، بما في ذلك خلال السنوات التي شهدت نمواً اقتصادياً، ازدادت مداخيل العُشر الأعلى، في حين لم يطرأ أي تغيير على مداخيل غالبية الجمهور.

وفيما يتعلق بتحسين الخدمات العامة، يمكن القول بيقين إن هذا الأمر لن يتحقق، ذلك لأن الحكومة قررت تكبيل أيديها بواسطة الحد من الزيادة في ميزانية نفقاتها وتقليصها إلى 1% فقط في كل سنة من السنوات الممتدة بين 2006-2010.

ولن يقتصر الأمر على عدم زيادة هذه الميزانية وحسب، بل إنها سوف تتآكل في واقع الأمر، نظراً لأن نسبة الزيادة السكانية في إسرائيل تصل إلى حوالي 1,7%، وهو ما يعني تآكلاً تدريجياً في الميزانية بحساب الفرد. جدير بالذكر أن هذا القرار الحكومي أُتخذ على خلفية ثلاث سنوات متتالية من التقليصات الكبيرة في الميزانية، وبمبلغ متراكم وصل إلى حوالي 65 مليار شاقل. وقد كانت الخدمات الاجتماعية المتضرر الرئيسي جراء هذه التقليصات.

المعطيات التالية تبين مغزى السياسة الحكومية:

في غضون عشر سنوات، من 2001 وحتى 2010، ستتقلص ميزانية النفقات الحكومية بحساب الفرد، سواء نتيجة للتقليصات في سنوات 2001-2005، أو نتيجة لتحديد وخفض ميزانية النفقات الحكومية في سنوات 2006-2010 بـ 12%.

وبغية إثبات هذه الأمور نعرض أيضاً ثلاثة بنود مالية منتقاة: ففي وزارة المعارف ستتقلص ميزانية ساعات الكادر (التي تموّل ساعات التعليم) بنحو 22% بحساب للطالب الواحد؛ ميزانية وزارة الصحة (بدون ميزانية سلة الصحة الخاصة بصناديق المرضى) سوف تتقلص بنحو 11% بحساب مقنن للفرد؛ فيما انخفضت دفعات (إعانات) مؤسسة التأمين الوطني خلال السنوات الأربع 2001-2004 بـ 16%، كما من المنتظر أن تشهد مزيداً من الانخفاض، وذلك في أعقاب التقليصات المتبعة والتي ستطبق بشكل كامل على مدى السنوات القليلة المقبلة.

إذا تبنت الحكومة الخطوات المقترحة فسوف تسجل في تاريخ الدولة على أنها الحكومة التي قادت عقداً كاملاً من التقليصات. هذه التقليصات ألحقت ضرراً شديداً بأجهزة التعليم والتعليم العالي والصحة وشبكة الأمان الاجتماعي. وإذا ما أمعنا النظر في جهاز التعليم والتعليم العالي فقط فسوف يتضح لنا أن الطلاب يتلقون حالياً ساعات تعليم أقل مما كانت عليه الحال في السابق، فالجامعات قامت بتقليص أنشطة التعليم والبحث، كذلك فإن شريحة العلماء في إسرائيل أخذت تشيخ دون أن يحتل الشبان مكانهم.

النتيجة إذن هي أن التزام الحكومة بتحقيق سياسة نمو بأي ثمن، وعلى الأدق بثمن تقليص الخدمات الحيوية، هو أشبه بتشغيل آلة لنفخ الريح في أشرعة قارب، في وقت بات فيه القارب ذاته على شفا التداعي والهلاك.

ب‌) خفض الضرائب المباشرة - خطوة لا مبرر لها

خفض الضرائب المقترح هو الثالث في غضون ثلاث سنوات.

في البداية جرى التخفيض حسب توصيات لجنة رابينوفيتش في العام 2003؛ بعد ذلك، في العام 2004 جرى تخفيض للضرائب على دفعتين؛ والآن تقرر إجراء تخفيض آخر وذلك في أعقاب توصيات لجنة كابوتا- ماتسا.

ويعتبر هذا التخفيض الأخير في الضرائب المباشرة غير مُبَرَر على الإطلاق، فالضرائب التي يتعين حالياً على الأُجراء الإسرائيليين دفعها لا تعتبر نهائياً ضرائب عالية وفق نظرة مقارنة، كما أن نسب الضرائب الهامشية ليست مرتفعة حتى في مستويات الدخل العالية. إلى ذلك فإن عمليات خفض الضرائب تخدم في شكل أساسي الكسور العشرية العليا، ويمكن ملاحظة أنه إذا طُبقت توصيات كابوتا- ماتسا فإن الكسور العشرية الثلاثة العليا ستحظى في العام 2010 بزيادة سنوية تصل إلى حوالي 6 مليارات شاقل، وسيحصل العُشر الأعلى لوحده على زيادة تصل إلى 3,78 مليار شاقل. في المقابل فإن الأعشار السبعة الدُنيا ستحصل معاً على 1,7 مليار شاقل. أخيراً ثمة تخوف معقول من أن إجراءات خفض الضرائب ستمول عن طريق إجراء تقليصات في الميزانية.

البديل المقترح: استثمار في المجتمع الإسرائيلي

قبل فترة وجيزة جرى نقاش حول مسألة ماهية الاستغلال الأنجع لثمار النمو المتوقع. وفيما عبرّت وزارة المالية عن مساندتها وتأييدها لخفض الضرائب أكد "بنك إسرائيل" على تأييده لخفض المديونية القومية. هذا النقاش لم يتطرق إلى بديل آخر وهو: الاستثمار في المجتمع الإسرائيلي.

نحن نعتقد أن على الحكومة الامتناع عن تبني سياسة تقوم على التآكل المخطط في الميزانية، ونرى أن على الحكومة عوضاً عن ذلك اتخاذ موقف فعّال واغتنام الفرصة السانحة أمامها عقب التهدئة في المواجهة العنيفة (المقصود على الجبهة الإسرائيلية- الفلسطينية) وعقب تجدد النمو الاقتصادي وأن تتبنى خططاً للاستثمار في إسرائيل. لهذا الغرض يتعين على الحكومة إيجاد "سلة استثمار في إسرائيل".

هذه السلة يمكن أن تتألف من ثلاثة مكونات: أولاً استخدام جزء من مردود النمو المتوقع، ثانياً: تغيير سلم الأولويات، ثالثاً: ادخار متوقع في جزء من النفقات الحكومية.

ويدور الحديث عن المبالغ التالية:

1. مبلغ سنوي يتراوح بين 3-4 مليارات شاقل وذلك جراء تغيير خفض الضرائب وجدولة تدريجية أكثر لتقليص المديونية القومية. هذا التغيير سيشمل من بين أشياء أُخرى إلغاء خفض نسب الضريبة الهامشية من 49% - 45% من جهة، ومن جهة أخرى زيادة الضريبة على أرباح رؤوس الأموال من 15% - 20% (كما هو متبع حالياً) إلى 20%-25%، وفقما اقترحت لجنة بن- بسات.

2. تقليص ميزانية الأمن بنسبة تصل إلى 5 مليارات شاقل في السنة. لقد اقترحت وزارة المالية وجهات أخرى في الماضي تقليص 10 مليارات شاقل، فيما تتحدث وسائل الإعلام الآن عن اقتراح في وزارة المالية بتقليص مبلغ 3 مليارات شاقل فقط. نحن نعتقد أن تقليصاً سنوياً بمقدار 5 مليارات شاقل يُعتبر إمكانية واقعية. هذا الأمر يبدو لنا متاحاً في ضوء تواجد الجيش الأميركي في العراق والخروج (الانسحاب) المرتقب للجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، وكذا في ضوءِ الأمل بحصول تقدم على أساس "خريطة الطريق"، بما يُفضي إلى منع تجدد المواجهة العنيفة.

3. الادخار الذي سينشأ في ميزانية المستوطنات، بنسبة تتراوح بين 2-3 مليارات شاقل وذلك عقب إخلاء المستوطنات من قطاع غزة ومن شمال الضفة الغربية وإخلاء مواقع الاستيطان غير القانونية.

هذه الخطوات من المفروض أن تضع تحت تصرف الحكومة "سلة استثمار في إسرائيل" سنوية بحجم يتراوح بين 10-12 مليار شاقل وعلى مدى السنوات الخمس المقبلة، أي بمبلغ متراكم يتراوح بين 50-60 مليار شاقل. إذا تحققت توقعات النمو المتفائلة، فإنه سيكون بالإمكان أيضاً زيادة المبلغ المذكور أعلاه. وفي حال جرى تقليص ميزانية الأمن بـ 10 مليارات شاقل، وإذا ما استمرت إسرائيل في إخلاء مستوطنات حسب "خريطة الطريق"، فإنه سيكون بالإمكان أيضاً زيادة هذا المبلغ بل ومضاعفته.

هذه السلة يمكن توظيفها في عملية ارتقاء وتحسين ملموسة لجهاز التعليم، وفي تشجيع التشغيل في الضواحي، وفي خلق آلية تحديث لميزانية جهاز الصحة العام، وفي سدّ جزء على الأقل من الثغرات الناشئة في شبكة الأمان الاجتماعي.