"الإزدهار الإقتصادي" لم يكن متزنًا أبدًا

أصدر المركز الإسرائيلي "أدفا" (معلومات حول المساواة والعدالة الإجتماعية في إسرائيل) تقريراً موسعًا تحت عنوان "صورة عن الوضع الإجتماعي 2004"، أعدّه الاختصاصيان د. شلومو سبيرسكي وإيتي كينور- أتياس من ذات المركز. تناول التقرير القضيتين الاجتماعية والإقتصادية في إسرائيل مستعرضًا من خلالهما المحطات التي مرّت بها إسرائيل في العشرين عامًا الماضية

كتب فراس خطيب:

أصدر المركز الإسرائيلي "أدفا" (معلومات حول المساواة والعدالة الإجتماعية في إسرائيل) تقريراً موسعًا تحت عنوان "صورة عن الوضع الإجتماعي 2004"، أعدّه الاختصاصيان د. شلومو سبيرسكي وإيتي كينور- أتياس من ذات المركز.

تناول التقرير القضيتين الاجتماعية والإقتصادية في إسرائيل مستعرضًا من خلالهما المحطات التي مرّت بها إسرائيل في العشرين عامًا الماضية. وقد إنشغل المعدّان في السؤال: هل الإزدهار الإقتصادي الذي شهدته إسرائيل في العقدين الأخيرين قُسّم على مواطني الدولة وعلى كل المجالات بشكل متساوٍ أم أن التقسم لم يكن عادلاً أبدًا؟. وفي نتائج التقرير توضيح أنه في الوقت الذي تمتعت فيه أوساط إسرائيلية بوضع إقتصادي جيّد كانت هناك أوساط إجتماعية وإقتصادية وصناعية تعاني الويلات.

وجاء في التقرير أن الازدهار الاقتصادي، الذي وضع إسرائيل في مكانة مرموقة بين الدول المتحضرة، لم يكن متزنًا أبدًا، إذ كان هذا الإزدهار ضبابيًا وغير واضح لا بل يحمل في ثناياه تساؤلات كثيرة، على سبيل المثال: إزدهر في إسرائيل مجال الصناعات التكنولوجية (الهاي تيك) إزدهارًا واضحا وربحت الشركات مبالغ طائلة، بالمقابل كان هناك إزدهار لمجالات إقتصادية أخرى بنسب أقل بكثير من النسب التي حصل عليها مجال الصناعات التكنولوجية الامر الذي خلق وضعية معقدة ورسم صورة غير متزنة من حيث العدالة الاقتصادية.

ويتطرق التقرير إلى الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي قلبت كل المعايير الاقتصادية وتوقف بنتيجتها الازدهار الاقتصادي بشكل واضح وتفاقمت مشاكل البطالة وتقلّصت الفعاليات الاجتماعية نتيجة الاوضاع الامنية، الامر الذي جعل الحكومة تتخذ سياسة التقليصات من كل المجالات الاجتماعية مما خلق وضعية صعبة داخل إسرائيل حسبما جاء في التقرير.

هذا ويؤكد القائمون على التقرير من مركز "أدفا" أن هذا التقرير أعد ليكون علامة للمؤسسات الاسرائيلية من أجل أن تكون صادقة في تقسيم الاولويات بكل ما يتعلق بقضية التقسيمات. وضرورة إعادة النظر في قضية منح الاولويات.

*نسبة كبيرة من الاسرائيليين تتقاضى معاشًا أقل من النسبة المتفق عليها دوليًا

يكشف التقرير النقاب عن أن "الازدهار الإجتماعي" الذي تتغنى به إسرائيل يشتمل على بنود جارفة من "عدم المساواة" في كل المجالات تقريبًا. إذ أن المعاشات التي يتلقاها موظفو وعمّال الصناعة ليست متساوية أبدًا لا بل تشتمل على سوء تقسيم. وكشف التقرير أيضًا عن عدم مساواة بين الفئات الإسرائيلية المختلفة نتيجة الدين والقومية وعدم مساواة بين الرجل والمرأة في كل المجالات. وإستعرض التقرير معلومات وحقائق تثبت أن المواطن الإسرائيلي ليس محصنّا من موجة فقر من الممكن أن تجتاحه لأن نسبة كبيرة من الاسرائيليين تتقاضى معاشًا أقل من النسبة المتفق عليها دوليًا. هذا وكشف التقرير أيضا عن عدم مساواة بين المجمعات السكانية المختلفة وتطرق إلى عدم المساواة في مجال الصحة إذ ان الأعباء على المرضى زادت أضعاف ما كانت عليه. وتم الكشف عن معلومات صعبة في كل ما يتعلق بقضية المسنين.

*عدم المساواة بين اليهود الشرقيين والغربيين والعرب..

جاء في التقرير أن مدخول العربي الذي يعيش في دولة إسرائيل هو المدخول الاضعف من بين مدخولات اليهود الشرقيين والغربيين (الاشكناز). ومع إندلاع الانتفاضة الثانية بدأ هذا "القليل" الذي يتلقاه العرب بالانخفاض هو أيضًا. أما بالنسبة لمدخولات اليهود الشرقيين فهي أعلى بنسبة قليلة من مدخولات العرب سكان إسرائيل وقد شهدت هذه المدخولات إرتفاعات طفيفة في الآونة الاخيرة الامر الذي جعل العرب في وضع صعب أكثر. اما بالنسبة لليهود الغربيين فهم أصحاب أكبر المدخولات.

يظهر هذا الجدول الفوارق بين الفئات

100= أساس

العام

أجيرون

إسرائيليون من أصل اوروبي

إسرائيليون من أصل آسيوي وأفريقي

عرب وآخرون

1990

100

125

81

75

1991

100

125

85

77

1992

100

127

84

74

1993

100

129

89

75

1994

100

132

87

76

1995

100

140

89

72

1996

100

146

92

72

1997

100

137

91

72

1998

100

139

94

71

1999

100

139

92

66

2000

100

139

95

67

2001

100

138

95

70

2002

100

125

99

73

2002

100

126

100

71

2003

100

126

101

79

إسرائيل الدولة المتحضرة: عدم المساواة بين الرجل والمرأة

وأظهر التقرير أن التفرقة بين الرجل والمرأة متجذرة هي أيضًا. فمعدل مدخول المرأة لا يساوي الا 62 في المئة من معدل مدخول الرجل. حسب المعطيات الاخيرة لهذا العام. ويظهر هذا الجدول الصورة القاتمة التي تعاني منها الدولة:



السنة

الجنس

المدخول (بالشيكل)

نسبة مدخول النساء من مدخول الرجال

المدخول الشهري

1990

رجال

نساء



7118

4042

57%

المدخول الشهري

2003

رجال

نساء

8363

5184

62%

السوق لا يحمي الناس من الفقر

لا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى سياسة إفقار الفقراء وإغناء الأغنياء التي إتبعتها إسرائيل في الاعوام القليلة الماضية، وتقرير مركز "أدفا" يوضح هذه الصورة بعينها، ويقول القائمون من خلال التقرير إن الإعلام الإسرائيلي الذي يتحدث عن معدل المدخولات في القطاع العام فإنه يتحدث عن معدل المعاشات العالية والمنخفضة معًا وبهذا فإن هذه الصورة الإعلامية لا تعكس الحالة الواقعية للدولة، فإذا حللّنا هذا المعدل فإننا سنجد أن المعاشات العشرة العليا في الدولة تشد المعدل العام ليكون معدلاً متزنًا وعاليًا بعض الشيء الأمر الذي يبتعد عن الواقع. اما عن الإحصائيات فقد جاء أن نسبة 72 في المائة من الاسرائيليين تقاضت معاشات تتراوح بين معاشات متوسطة ومعاشات أقل منها.

وفي الوقت الذي لا تسعى فيه الحكومة الى تقسيم ثمار الازدهار الاقتصادي بين المواطنين بالشكل اللائق أو أن تنظر الحكومة بنظرة ناقدة للوضعية فإن القضية لن تتغير كليًا، الامر الذي لا يعود بالفائدة على الناتج الاقتصادي الإجتماعي العام ويولد فروقات إجتماعية صارخة، وعندها تولد وضعيات صعبة للغاية وسنجد أناسًا يتقاضون معاشات عالية جدًا، بالمقابل هناك أناس يتقاضون معاشات منخفضة جدًا جدًا.

ويبرهن التقرير هذه الحقائق عن طريق نسب، على سبيل المثال: في العام 1989 كان 21% من الاجيرين فقراء، وعلى الرغم من الازدهار الذي حل بالاقتصاد الإسرائيل إلا أن عدد الاجيرين الفقراء ازداد وأصبحت نسبة الاجيرين الفقراء هي 32 في المائة في العام 2003 .

البطالة تكتسح إسرائيل

يمنح التقرير قسطًا كبيرًا للبطالة في إسرائيل، هذه البطالة التي إزدادت مع حلول الانتفاضة الثانية. وقد أشار التقرير الى أن البطالة تتفشى في الشرائح السكانية البسيطة والفقيرة وتقل حدتها في الاوساط الغنية، وتظهر البطالة واضحة عند العرب في إسرائيل اكثر من أية فئة سكانية اخرى في الدولة، ولا بد من الاشارة الى أن البطالة متفشية أيضًا في صفوف النساء أكثر من صفوف الرجال وينعكس هذا ايضًا بشكل واضح على وضع النساء العربيات داخل إسرائيل.

تضر البطالة حسبما جاء في التقرير بالشبّان الذين لم يؤسسوا لأنفسهم مكانًا محصنًا من السوق الاسرائيلية وتضرب البطالة أيَضا الذين لم يتمكنوا من نيل الشهادات التأهيلية من وزارة التربية والتعليم.

نشرت من خلال التقرير قائمة تضم كل المراكز والبلدات التي تعاني من البطالة والقرى العربية في رأس القائمة. وتظهر القائمة الصورة القاتمة التي يعيشها العرب في اسرائيل. وتتراوح نسبة البطالة في العشر المراتب الاولى بين 30- 36 في المائة. ومن الجدير ذكره أيضًا أن البلدات اليهودية التي تعاني من البطالة لا تشهد المشكلة بنفس حدتها أيضًا. وهذه البلدات هي بلدات تبتعد عن المركز.

اكثر من نصف الشبيبة الاسرائيلية غير حاصلة على شهادات البجروت (التوجيهي)

يشير التقرير الى أن نسبة كبيرة من الشبان في اسرائيل لا يحصلون على شهادات البجروت (التوجيهي)، الامر الذي يصّعب عليهم في المستقبل القبول الى أعمال مختلفة في إسرائيل. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الفئة من السكان لا تحظى بقسط من الازدهار الاقتصادي الذي تتمتع به الدولة كون زيادة المدخولات يتمتع بها أصحاب الشهادات الجامعية المختلفة.

53.2 في المائة من الشبيبة لم ينالوا شهادات بجروت، غالبية هؤلاء تعلموا في مدارس عربية. ويعلق القائمون على هذا التقرير الذين يتابعون هذه القضية ان نسبة قليلة جدًا من طلاب الثانويات لا يدخلون الجامعات لعدم تمكنهم من الحصول على شهادات الانهاء.

ويظهر التقرير الفجوة الكبيرة بين العرب وبين اليهود في الدولة في قضية القبول للجامعات، والتي يظهر منها أن نسبة المقبولين للجامعات من اليهود هي 21.5% بينما النسبة عند العرب هي 11.2 في المائة.

يقدم تقرير "أدفا" معطيات خطيرة جدًا عن الأوضاع الإقتصادية- الإجتماعية في إسرائيل، وعلى الرغم من الحديث عن إزدهار في السوق الاسرائيلية إلا ان القضية الاجتماعية لا زالت تعاني الويلات، ولم يكشف التقرير ولا عن أي تعامل سليم تنتهجه المؤسسة الإسرائيلية حيال هذه القضايا وبالأساس حيال محاربة وضعية اللامساواة التي تعاني منها إسرائيل في المجالات كافة.