الدولة تخرج اليهودي فقط من دائرة الفقر

نشرت مؤسسة التأمين الوطني، في شهر آب الفائت، التقرير نصف السنويّ حول معدل الفقر والفروق في الدخل في دولة إسرائيل للعام 2004.
وقد جاء في التقرير أن معدل العائلات الفقيرة في الدولة بلغ 20.3 %، 15.9 % لدى العائلات اليهودية و- 49.9 % لدى العائلات العربية، وتشكل العائلات العربية الفقيرة 31.3 % من مجموع العائلات الفقيرة في الدولة. بيد أن معظم وسائل الإعلام والمحللين تجاهلوا بعض أهمّ ما يحتويه هذا التقرير، نحو: الارتفاع الخطير في معدل الفقر لدى الأقلية العربية في إسرائيل خلال السنوات الخمس الأخيرة، التمثيل الزائد للعائلات العربية في الشرائح الفقيرة، الفروق الكبيرة في معدلات الفقر، بين السكان العرب واليهود، قبل تدخل الدولة بواسطة مخصصات التأمين الوطني والضرائب وبعدها.

نشرت مؤسسة التأمين الوطني، في شهر آب الفائت، التقرير نصف السنويّ حول معدل الفقر والفروق في الدخل في دولة إسرائيل للعام 2004.

وقد جاء في التقرير أن معدل العائلات الفقيرة في الدولة بلغ 20.3 %، 15.9 % لدى العائلات اليهودية و- 49.9 % لدى العائلات العربية، وتشكل العائلات العربية الفقيرة 31.3 % من مجموع العائلات الفقيرة في الدولة. بيد أن معظم وسائل الإعلام والمحللين تجاهلوا بعض أهمّ ما يحتويه هذا التقرير، نحو: الارتفاع الخطير في معدل الفقر لدى الأقلية العربية في إسرائيل خلال السنوات الخمس الأخيرة، التمثيل الزائد للعائلات العربية في الشرائح الفقيرة، الفروق الكبيرة في معدلات الفقر، بين السكان العرب واليهود، قبل تدخل الدولة بواسطة مخصصات التأمين الوطني والضرائب وبعدها.

مقارنة هذه المعطيات مع معطيات السنوات السابقة توضح بعض جوانب الضائقة المعيشية الآخذة بالتفاقم لدى أبناء الأقلية العربية داخل دولة إسرائيل.

خلال خمس سنوات، منذ العام 2000 حتّى 2004، ارتفع عدد العائلات العربية الفقيرة من 85,900 إلى 123,500 عائلة. هذا يعني أنّ 37,600 عائلة عربيّة انضمّت إلى دائرة الفقر وبلغت نسبة الارتفاع 43.7 %، بينما كانت نسبة الارتفاع العامة في الدولة 15.3 %، أي أن معدل الفقر في أوساط العائلات العربية ازداد ثلاثة أضعاف المعدل العام. وقد "ساهمت" الأقلية العربية بـ 42.3 % من مجموع الارتفاع في عدد العائلات الفقيرة في الدولة منذ العام 2000 حتّى 2004.

ثمّة معطى إضافي مهمّ، يساعد على تبيان الفروق بين العائلات العربية واليهودية الفقيرة، هو التغير في معدلات العائلات الفقيرة قبل تدخل الدولة بواسطة مخصصات التأمين الوطني والضرائب، أي وفق مقياس الدخل الإجمالي الذي يعكس بصورة موثوقة مستوى المعيشة وفق الدخل من العمل وبعدها (بعد دفع مخصصات التأمين)، إذ يُستشفّ من المعطيات ما يلي:

- بلغت نسبة الفقر في العام 2003، قبل احتساب التحويلات والضرائب بين الأسر العربية 56.9 بالمائة، وفي العام 2004 ارتفعت إلى 57.5 %. بينما بلغت نسبة الفقر بين العائلات اليهودية قبل احتساب التحويلات والضرائب، في العام 2003، 30.5 بالمائة، وفي العام 2004 بلغت 30.3 بالمائة. هذا يعني أنّ نسبة العائلات اليهودية الفقيرة لم ترتفع وفقًا لمقياس الفقر قبل تدخل الدولة.

- تنخفض نسبة الفقر في أوساط العائلات اليهودية بصورة ملموسة، بعد الأخذ في الاعتبار مدفوعات التحويلات والضرائب. فغالبية العائلات التي عاشت دون خط الفقر، وفق مقياس الدخل الإجماليّ، في أوساط المجتمع اليهوديّ، نجحت في الخروج منه بعد حصولها على مدفوعات التحويلات، ووصلت نسبتها (أي العائلات الفقيرة) إلى ما يقارب الـ 15.9 %؛ أي أنّ 51.5 % من العائلات اليهودية الفقيرة تخرج من دائرة الفقر بعد تدخل الدولة. في المقابل، تنخفض نسبة الفقر في الأسر العربية بنحو 13.2 % فقط بعد تدخل الدولة عبر الضرائب ومدفوعات التحويلات والمخصصات، من نسبة 57.5 % إلى 49.9%.

- يفوق معدّل الفقر في أوساط الأولاد العرب معدّله لدى الأولاد اليهود بضعفين؛ ووصل معدّل الفقر بين أوساط الأولاد العرب، بعد دفع مخصصات الدولة والضرائب في سنوات الألفين، إلى ما يربو عن 50 بالمائة. وقد خفّض تدخّل الدولة، عبر دفع المخصصات المختلفة والضرائب، معدّل الفقر في أوساط الأولاد العرب عام 2004 بـِ 25 % فقط. من جهة أخرى، تشير المعطيات إلى أن تدخل الدولة أدّى في أوساط الأولاد اليهود، عبر دفع المخصصات المختلفة، إلى خفض معدّل الفقر في العام ذاته (2004) بنسبة 40 % (من 30 % قبل تدخل الدولة إلى نحو 18- 19 بالمائة بعد دفع هذه المخصصات).

وتجسّد هذه المعطيات، فيما تجسّد، عمقَ الفقر وخطورة المشكلة في أوساط السكان العرب الكامنة في بُعد الأسرة العربية عن خط الفقر. فبخلاف السكان العرب، ليست الفئة الفقيرة في الوسط اليهودي بعيدة كثيرًا عن خط الفقر، إلى حد تستطيع معه مخصصات الإعالة والمعونة إخراجَ نحو خمسين بالمائة من العائلات اليهودية الفقيرة من دائرة الفقر. ويمكن الادعاء أنّ مشكلة الفقر لدى العائلات اليهودية مصدرها، في أغلب الأحيان، من مواصفات فردية وظروف العائلة. والجدير بالذكر أنّ السواد الأعظم من هذه العائلات اليهودية هم من اليهود المتدينين، ومن المهاجرين الجدد ومن العائلات الأحادية الوالدين، وتختلف مسببات الفقر عند هؤلاء عن مسبباته عند الأقلية العربية.

من بين العوامل المركزية المسببة للفقر لدى السكان العرب التي وردت في عدة أبحاث، يمكن الإشارة إلى العوامل الآتية:

1- معيل الأسرة عاطل عن العمل. ونشير هنا إلى أنّ نسبة المشاركة في سوق العمل لدى السكان العرب بلغ في العام 2002 (وهي آخر معطيات رسمية متوافرة) 43 % فقط. إلا أنه وبالمقابل، لا يشكّل العمل، في أوساط الأقلية العربية، صمّامَ أمان من الفقر. فكثير من العائلات التي يعمل فيها رب الأسرة تعيش دون خط الفقر (نحو 50 % من العائلات العربية الفقيرة، رب العائلة يعمل) وذلك، في الأساس، لأن الجمهور العربي في إسرائيل يحتل المراتب الدنيا في سلم الفروع الاقتصاديّة، وفي المهن المزاوَلة، وفي مستوى الأجور، وعدم المساواة في فرص العمل، وعدم توفر فرص عمل في الاقتصاد العربي.

2- ليس في مقدور معيل يتقاضى راتبًا حتّى الحد الأدنى من الأجور ضمانُ دخل يبقي العائلة فوق خط الفقر، حتى إذا أضفنا إلى دخله مخصصات تأمين الأولاد. فمعدل دخل الأجير العربي يعادل 65 % من دخل الأجير اليهودي، ومعدل دخل الأسرة العربية يعادل 52 % من دخل الأسرة اليهودية. معدل الدخل السنوي للفرد في الوسط العربي لا يزيد عن 6,000 دولار مقارنة بالمعدل العام في الدولة (16,000 دولار)، ولا يزيد نصيب السكان العرب في الدولة، في الناتج القومي المحلي السنوي، عن 4%.

3- التمييز في الأجور، وغياب أماكن العمل، هذه كلّها تشكّل مصدرًا لدفع نِسب عالية من أبناء الأقلية العربية إلى ما دون خط الفقر، وإلى مستوى الدخل الأقل. أضف إلى ذلك التمييز في قبول عمال للعمل على أساس قومي، وتفضيل عمال من المهاجرين اليهود والعمال الأجانب على العمال العرب.

4- غياب التأييد والمساندة لتطوير مبادرات أعمال خاصة، وغياب الموارد اللازمة لإقامة صناعة أو بناء اقتصاد محلي قادر على البقاء، يشكل عائقًا مركزيًا أمام المواطن العربي في محاولة الانخراط بسوق العمل.

ضائقة الفقر لدى العائلات العربية قائمة في كافة أنماط العائلات، وهي ليست ناجمة عن كبر العائلة وعدد أفرادها فحسب. فالفقر في الوسط العربي متجذر أكثر منه في أي شريحة أو فئة أخرى من فئات الدولة. ولا تساعد المخصصات ومدفوعات الرفاه الاجتماعي الأخرى في تخليص غالبية العائلات الفقيرة من الضائقة التي تعيشها. ولم تتحوّل العائلات العربية إلى بؤر للفقر والبطالة والإحباط فحسب، وإنما إلى مجموعة أقلية مجرّدة من أيّة آليّة تمكين وتقوية. والأخطر من ذلك أنها طوّرت ارتباطًا وتعلقًا متزايدًا وخطيرًا بمِنَن الدولة وهباتها لإعالة نفسها، بواسطة مخصّصات التأمين والرفاه الاجتماعي. لهذا الوضع إسقاطات سلبية حادة على جوانب اجتماعية مختلفة لحياة الأقلية العربية، مثل ازدياد مظاهر العنف، تردي الأوضاع الصحية، انخفاض حاد في مستوى التغذية، ارتفاع في تسرب الطلاب من المدارس وغير ذلك.

هذا الوضع آخذ في التدهور في السنوات الأخيرة، سواء كان ذلك بفعل غياب معالجة العوامل والأسباب التي أوجدته، التي تفاقمت وازدادت حدّتها في السنوات الأخيرة، أو بفعل التدهور المستمر على صعيد الوضع الاقتصادي في الدولة. فالبرامج، والخطط الاقتصادية التي تمحو كل علاقة وذكر لدولة الرفاه الاجتماعي، والاتجاه الرأسمالي الجارف الذي يجتاح الدولة، والتغييرات البنيوية في الاقتصاد الإسرائيلي- كلّ هذه تكرّس وتثبّت دونيّة مكانة أبناء الأقلية العربية، زد على ذلك أنّ الأقلية العربية غير ممثلة في دوائر صنع القرار، وليست شريكة في بلورة وصياغة السياسة، ولا في تقسيم الموارد، وليس بمقدورها التأثير فعليا في هذه العمليات. كذلك، تساهم في تكريس هذا الوضع السياساتُ الحكوميّة، العنصرية العدائيّة المتأصّلة تجاه الأقلية العربية.

(*) الكاتب باحث اقتصادي يعمل في مركز "مدى الكرمل