الفقراء يزدادون وشارون يمتنع عن تعيين وزير للرفاه الاجتماعي

*153 ألف عائلة تتقاضى مخصصات لضمان الحد الأدنى من العيش *40 ألف عائلة تعيش في جوع وسوء تغذية *البروفيسور يوسي كيتال: ما يسكت الاحتجاج الشعبي هو الوضع الأمني*

تتوارد بين الحين والآخر معطيات حول الفقر المستفحل في اسرائيل، على الرغم من معطيات وزارة المالية التي تدعي حدوث نمو اقتصادي، يتراوح ما بين 3,5% الى 4%، وانخفاض البطالة خلال تسعة اشهر من 10,9% الى 9,1%.

وكان آخر هذه المعطيات، التي ظهرت في نهاية الاسبوع الماضي، حول الحالة الاجتماعية لـ 153 ألف عائلة تتقاضى مخصصات اجتماعية لضمان الحد الأدنى من الدخل، وهذا في ظل النقاش الدائر في الحلبة السياسية حول غياب وزير للرفاه، وهي الوزارة التي من المفترض ان تعالج ظواهر اجتماعية كهذه.

فقد اظهر مسح جديد لمؤسسة "التأمين الوطني" الإسرائيلية (مؤسسة الضمان الاجتماعي)، ان في اسرائيل حوالي 40 ألف عائلة تعاني احيانا من جوع ومن سوء تغذية، وهذا من اصل 153 ألف عائلة تحصل على مخصصات مالية من المؤسسة لضمان الحد الادنى من معيشتها. وتأتي هذه المعطيات بعد اسبوع واحد من ظهور احصائية تقول ان في اسرائيل 6600 مليونير منهم خمسمائة جدد ظهروا في العام الماضي (اقرأ خبرا منفصلا في هذا العدد)، ولتؤكد من جديد على حجم الفجوة الاجتماعية الكبيرة بين الاغنياء والفقراء في اسرائيل، التي تؤكد مؤسسات اسرائيلية رسمية انها الفجوة الأكبر بالمقارنة مع الدول المتطورة في العالم.

وحسب مسح المؤسسة المذكورة فإن ابناء العائلات الـ 153 ألفا معرضون للأمراض أكثر بضعفين من تعرض المواطنين الذين لا يتلقون مخصصات اجتماعية، وأعلن 67% من هؤلاء انهم يتنازلون عن التوجه لطبيب الاسنان لقلة المال، فيما اعلن 37% من ابناء هذه العائلات انهم احيانا يتنازلون عن شراء ادوية ضرورية لهم، وهذا على الرغم من التأمين الصحي الشامل لجميع المواطنين في اسرائيل.

ويذكر ان معدل الفرد من الناتج المحلي في اسرائيل هو 17 ألف دولار سنويا، ويبلغ معدل الرواتب حوالي 1600 دولار، ومعدل دخل العائلة يترواح ما بين 2400 الى 2800 دولار. وتدعي إسرائيل أن نسبة النمو لديها في العام الماضي والحالي تتراوح ما بين 3,5% الى 4%، بينما يؤكد بنك اسرائيل المركزي ان هذا النمو لا يلمسه الشارع الاسرائيلي. أما البطالة فقد هبطت خلال عام من 10,9 الى 9,1%، ولكن هناك تقارير شبه رسمية تؤكد ان 75% من الذين وجدوا عملا لم تكن امامهم سوى وظائف جزئية، أو ان الوظيفة هي اقل من الحد الأدنى للرواتب الذي يساوي حوالي 750 دولارا.

غياب الوزير

منذ ان استقال وزير الرفاه الاجتماعي، زبولون اورليف، زعيم حزب "المفدال" الديني اليميني، من منصبه لم يعين شارون وزيرا بدلا منه. وحتى عندما أعاد تشكيل الحكومة من جديد في مطلع العام الحالي، بعد ادخال حزب "العمل" والكتلتين الاصوليتين، ديغل هتوراة واغودات يسرائيل، أبقى شارون هذه الحقيبة خالية على الرغم من وجود 21 وزيرا بينهم اربعة من دون حقائب، وأبقى شارون هذه الحقيبة بيديه، وعيّن لها نائب وزير وهو الحاخام ابراهام رافيتس من ديغل هتوراة.

ويعتقد مراقبون ان هذا الامر مريح لكافة الجهات، فنائب الوزير يتصرف كوزير دون ان يحق له رفع صوته في الحكومة، وبالنسبة لشارون فإنه يقلل المواجهة في الحكومة، وهذا ما يرضي وزير المالية بنيامين نتنياهو الذي يقلل المعارضة لسياسته الاقتصادية.

وفي حديث لموقع "واينت" الالكتروني التابع لصحيفة "يديعوت احرونوت" تقول العاملة الاجتماعية سيغال هروش "إن حقيقة غياب وزير رفاه اجتماعي في دولة اسرائيل يدل على اولويات الحكومة، ويتضح ان الرفاه الاجتماعي ليس مطروحا على رأس سلم اولويات وزارة المالية والحكومة، فإذا كان هناك وزير لشؤون القدس واربعة وزراء من دون حقيبة ونواب وزراء من دون حقائب، فكيف من الممكن ان لا يتم تعيين وزير للرفاه الاجتماعي".

وتقول هروش انه من المريح للحكومة ان تعتمد على جمعيات خيرية خاصة، فمن ناحية تتنكر الحكومة لمسؤولياتها تجاه رفاه الشرائح الفقيرة، ومن جانب ثان هناك ازدهار في عمل الجمعيات الخيرية، والمعونة الاجتماعية، حتى باتت كثرة الجمعيات الخيرية تبرر عدم وجود وزير رفاه، إن الحكومة شطبت دورها ووجدت من يقوم بذلك بدلا منها.

ويقول عضو الكنيست ران كوهين (ميرتس- ياحد)، رئيس اللجنة البرلمانية لشؤون حقوق الطفل، إن غياب وزير رفاه يعتبر كارثة بالنسبة للاطفال الذي يعيشون في خطر، إنهم الضحايا البسطاء الذين لا حول لهم ولا قوة، ومع شحة الميزانيات دون ان يكون من يحارب من أجلها، كالوزير، فإن ما تبقى من الوزارة يقف ضعيفا ليس لديه ما يقدمه، ولا شك ان الوضع سيتدهور اكثر.

من ناحيته يقول وزير الرفاه المستقيل، زبولون اورليف، إن وزير المالية بنيامين نتنياهو حين يتوجه الى الحكومة لتمرير بند من بنود سياسته فإنه لا يحسب حسابًا لنائب الوزير ابراهام رافيتس الذي لا يحق له التصويت في الحكومة، كذلك فإن جلسات الحكومة تفتقر للحوار الجدي والجوهري في كل قضايا الرفاه الاجتماعي.

وهنا تقول هروش إنه حتى الاقتصاديون الذين يطبقون النهج التاتشري (نسبة إلى مرغريت تاتشر رئيس الحكومة البريطانية الاسبق) يقولون إن تاتشر نفسها لم تهمل الفقراء كما يفعل بنيامين نتنياهو، حتى انها كانت تفكر دائما في تقديم المساعدات لهم، وحين نقول نتنياهو فإننا لا نقصده وحده بل الحكومة كلها التي تسير خلف سياسته المالية.

أما البروفيسور في العمل الاجتماعي يوسي كيتال فإنه لا يعلق اهمية كبيرة على وجود وزير للرفاه، وباعتقاده ان وزيرا كهذا لن يكون بامكانه تغيير السياسة الاقتصادية، فهذا التغيير مرتبط بحل القضية الأمنية. ويضيف: "أتوقع أن لا يكون تحسن في وضع الرفاه الاجتماعي لأنه ينقصنا الاحتجاج الشعبي على خلفية القضايا الاجتماعية، الذي قد ينهض فقط بعد حل القضايا الأمنية، فما يعني الشعب الآن هو الأمن وخطة فك الارتباط، ولا يوجد انتباه للقضايا الاجتماعية".

ويضيف كيتال قائلا "إن المشكلة لا تكمن في تعيين نائب وزير وانما في سياسة نتنياهو، الذي يصر على انتهاج سياسة متصلبة، ولا يستطيع أي وزير رفاه لجمه، فإذا اعتقد نتنياهو ان ما سيحل المشكلة هو النمو الاقتصادي فإنه يخطئ، ولكن وجهة نظر نتنياهو مقبولة على شارون وغالبية الوزراء ايضا. وما بامكانه ان يغير هذه السياسة هو تحرك شعبي مناهض لهذه السياسة الاجتماعية، فمثلا المعارضون لخطة فك الارتباط بمقدورهم ان يحركوا الجمهور ويخرجوا الآلاف من بيوتهم وان يشوشوا سير الحياة الطبيعي، ولكن في القضايا الاجتماعية فإن أحدا لا يبادر الى مثل هذا الاسلوب من الاحتجاجات".

وزارة المالية معقل نتنياهو

حين وصل نتنياهو الى منصب وزارة المالية، والى جانب كونه يحمل افكارا اقتصادية أميركية، فقد اختار ان يجعل من وزارة المالية معقلا قويا له ينطلق منه الى حملته الأكبر نحو رئاسة الحكومة التي يطمح في العودة اليها. ويعتقد نتنياهو ان العناق مع اصحاب الكارتيلات الاقتصادية وكبار اصحاب العمل والشركات في اسرائيل سيعبد الطريق امامه نحو الكرسي المخملي في سدة المؤسسة الحاكمة في اسرائيل.

وقد ظهر هذا جليا في عدة مرات كانت تنشأ فيها خلافات بين نتنياهو وبين رئيس الحكومة شارون، فمثلا في نهاية شهر تشرين الأول (اكتوبر) عندما هدد نتنياهو شارون بأنه سيستقيل في غضون اسبوعين إذا لم يقبل باجراء استفتاء عام حول خطة الفصل، ومع مرور ايام قليلة انسحب منها ثلاثة وزراء كانوا من حوله، راح يبحث عن سلم ينزله عن الشجرة التي علق عليها، فراح يرسل "المحللين الاقتصاديين"، والى جانبهم بعض كبار اصحاب رؤوس الأموال في اسرائيل، الذي "شرحوا" للشعب أن استقالة نتنياهو من وزارة المالية ستشكل ضربة اقتصادية ضخمة، لا بل ومنهم من راح يثبت مزاعمه بالأرقام.

لقد اعتمد نتنياهو على بدعة ان المخصصات الاجتماعية تشكل عبئا ماليا على الحكومة، وهنا تجدر الاشارة الى أمر أساسي، وهو ان المخصصات الاجتماعية بغالبيتها الساحقة تدفعها مؤسسة التأمين الوطني (الضمان الاجتماعي)، وهذه المؤسسة ممولة اصلا من الجمهور الذي يتم اقتطاع نسبة من رواتبه لصالح المؤسسة، وتصل هذه النسبة الى اقل بقليل من 5,5%، وهذا الى جانب 4,8% للتأمين الصحي، وبعد كل ما تدفعه المؤسسة فإنها تسجل فائضا ماليا.

الأمر الآخر، يدعي نتنياهو أن المخصصات الاجتماعية تمنع الناس من الخروج للعمل، واتضح من مسح شامل لمؤسسة التأمين الوطني ان نسبة مخصصات البطالة التي يتقاضاها العاطلون عن العمل هي في حدود 7%، أما 93% من المخصصات فهي تصرف على من هم ليسوا في جيل العمل او قادرين عليه، مثل الاولاد والمسنين والأرامل والمعوقين على شتى انواع اعاقاتهم.

الى جانب ذلك فإن التقارير الرسمية وشبه الرسمية التي ترد تباعا تؤكد ان سوق العمل غير قادر على استيعاب العاطلين عن العمل في اماكن عمل مع رواتب ملائمة بالامكان العيش فيها، ودلّت معطيات الأشهر الأخيرة على ان 75% من الذين خرجوا إلى سوق العمل إما أنهم حصلوا على وظائف جزئية او ذات رواتب متدنية. كذلك فإن آخر تقرير عن الفقر في اسرائيل أكد على ان هناك آلاف العائلات التي يعمل فيها اثنان ولكن بسبب تدني الرواتب فإنها تعيش تحت خط الفقر.

لكن السياسة التي ينتهجها نتنياهو هي خصخصة ما تبقى من القطاع العام، وتخفيض الضرائب والرسوم الاجتماعية تماما كما هي الحال في الولايات المتحدة، ولكن الفارق بين البلدين يبقى كبيرا، من حيث الموارد والدورة المالية وفرص العمل وغيرها.

أمام هذا المشهد يؤكد الكثير من الخبراء انه في حال حدوث استقرار امني في اسرائيل فإنها ستتجه فورا نحو انفجار اجتماعي. وكما قال البروفيسور كيتال فإن ما يسكت الانفجار الاجتماعي هو الوضع الأمني السائد.