الفجوة الاجتماعية بين الاغنياء والفقراء آخذة في الاتساع في اسرائيل

تؤكد العناوين العريضة لميزانية 2005، التي أقرتها الحكومة أخيرًا،انها ستواصل تعميق الفوارق الاجتماعية داخل اسرائيل، بين الشرائح الفقيرة.

*معدل الرواتب لدى العرب يعادل 66% من معدل الرواتب عند اليهود *أغنى بلدة عربية تحتل المرتبة 144*

كتب برهوم جرايسي:

أقرت الحكومة الاسرائيلية، في منتصف شهر آب/ اغسطس الماضي، الاطار العام لميزانية الدولة للعام القادم 2005، ويبلغ 267 مليار شيكل (حوالي 59 مليار دولار). وانتقلت الميزانية إلى مرحلة الاعداد لاقرارها في الكنيست (البرلمان) بالقراءة الاولى في منتصف شهر تشرين الاول/ اكتوبر القادم.

وتؤكد العناوين العريضة لهذه الميزانية انها ستواصل تعميق الفوارق الاجتماعية داخل اسرائيل، بين الشرائح الفقيرة، السواد الاعظم، وبين الشرائح الغنية، القلة القليلة.

عادة وكما في كل عام، فإنه مع اقتراب موعد الاقرار النهائي للميزانية في نهاية العام الحالي تكثر التقارير التي تصدرها مؤسسات أخرى حول الاوضاع الاقتصادية الاجتماعية في اسرائيل، ومنذ عدة اعوام هناك وتيرة منتظمة ومستمرة، تدل على اتساع رقعة الفقر في اسرائيل، وانحصار الثراء في نسبة ضئيلة جدا.

وحين نتحدث عن الشرائح الفقيرة فإننا لا نتحدث عن مجمل المجتمع الاسرائيلي، فعند تحليل هوية هذه الشرائح تتضح الصورة الأكثر سوادا التي تعكس مدى التمييز العنصري الذي تنتهجه اسرائيل ضد الاقلية الفلسطينية، ومدى الفوارق الاقتصادية الاجتماعية بين العرب ككل وبين اليهود ككل، على الرغم من وجود شرائح متشابكة، خاصة من حيث الفقر.

حتى الماضي القريب، كان معروفًا في اسرائيل ان الشرائح الأكثر فقرا هي العرب يتبعهم اليهود الشرقيون. ولكن منذ مطلع سنوات التسعين، بدأت الصورة تتغير نوعا ما، على الرغم من انها ابقت على العرب، لا بل زاد عدد فقرائهم، واصبح يأتي في المرتبة التالية بعدهم، وبفارق كبير، المتدينون الاصوليون اليهود (الحريديم)، نظرا لعدد الاولاد الكبير داخل العائلة الواحدة (معدل الاولاد في عائلة الحريديم يتراوح ما بين 6 الى 8 أولاد، وهناك عائلات فيها عدد اولاد يفوق العشرة وأكثر)، وايضا نسبة كبيرة من المهاجرين اليهود الجدد، الذي قدموا في دفعات الهجرة الكبيرة في مطلع التسعينيات.

قبل ان ننتقل للحديث عن العرب تجدر الاشارة الى انه على الرغم من اننا اصبحنا نتحدث عن "الحريديم" وعن "المهاجرين الجدد"، واستبعدنا نوعا ما الحديث عن اليهود الشرقيين، فإنه داخل "الحريديم" هناك فارق كبير بين الحريديم الشرقيين "السفراديم"، الأكثر فقرا، وبين الحريديم الغربيين "الاشكناز" ووضعهم افضل من "السفراديم"، كذلك الأمر بين المهاجرين، فإن الفقر الأكبر يظهر بين المهاجرين من اثيوبيا، ثم من شرق اوروبا، بمعنى ان التمييز ضد الطوائف اليهودية الشرقية لم ينته، وتفوق وتميز الاشكناز متواصل، وهو امر مطروح باستمرار على جدول اعمال اسرائيل.

ونشير ايضا، بهدف المقارنة، الى أن معدل الناتج القومي في اسرائيل للفرد الواحد هو 17 ألف دولار، في حين ان دولة مثل اليونان، يصل معدل الناتج للفرد الواحد فيها الى حوالي 12 الف دولار، وهذا ما يضع اسرائيل في مراتب عليا في القوائم الدولية، ولكن ما يجب لفت النظر اليه هو ان 3 آلاف دولار من هذا المعدل تذهب رسميا للمصاريف العسكرية، بينما الواقع هو أكثر من هذا وقد يفوق اربعة آلاف دولار، بعد ان نأخذ بعين الاعتبار مصاريف الاحتلال على المستوطنات والمستوطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان السورية المحتلة.

الفجوة الكبيرة في المداخيل للفرد الواحد

كشف آخر تقرير صدر عن دائرة الاحصاء المركزية حول معدل المدخول للفرد الواحد، حسب التوزيعة السكانية، عن الفجوة الرهيبة في الاوضاع الاقتصادية الاجتماعية بين الوسطين العربي واليهودي، إذ دلّ التقرير على أن القرى والمدن العربية تحتل مراتب القاع، في حين ان جميع البلدات اليهودية تحتل المراتب العليا، باستثناء بعض بلدات المتدينين الاصوليين (الحريديم)، مثل مستوطنة بيتار عيليت ومستوطنة موديعين عيليت. فمن درجة القاع، التي هي في هذا الجدول الدرجة الاولى، وحتى الدرجة 102 هناك 76 بلدة عربية، وقد "فلتت" بلدتان هما الجش في المرتبة 123 وقرية معليا في المرتبة 144.

ويظهر ان اكثر البلدات العربية فقرا هي قرى النقب، واكثرها فقرا وترديا للاوضاع الاقتصادية الاجتماعية قرية تل السبع تليها قرى كسيفة وعروعير ورهط، ثم تأتي قرية كفرمندا في الجليل وتعود القائمة لاستكمال كافة قرى النقب.

وكما ذكر فإن افضل احوال القرى العربية قائمة في قرية معليا التي تحتل المرتبة 144، تليها قرية الجش في المرتبة 123، وهما مرتبتا "القمة" بالنسبة للعرب، حيث لا وجود لاية قرية او مدينة عربية في سائر المراتب العليا، التي تصل الى المرتبة 210.

وقد اعتمدت دائرة الاحصاء المركزية في تدريجها هذا على عدة امور، اهمها معدل الدخل للفرد الواحد (بما في ذلك ما يتلقاه الفرد من مخصصات)، ونسبة طالبي العمل، ونسبة السكان الذين لا مدخول لهم من مجمل السكان، بمعنى نسبة من هم اقل من 19 عاما، واكبر من 65 عاما، ونسبة مستحقي ضمان الدخل والمخصصات الرسمية على انواعها، ونسبة الذين يستحقون شهادة البجروت (التوجيهي)، وعدد السكان بالنسبة للسيارة الواحدة.

وقسمت دائرة الاحصاء المركزية 210 مدينة وقرية ومجلس اقليمي في عشر درجات تضم عدة بلدات، بموجب الوضعية الاجتماعية الاقتصادية فيها. ويستدل من التقرير ان معدل الدخل للفرد في البلدات في المرتبتين التاسعة والعاشرة اكبر بسبعة اضعاف من مدخول الفرد في بلدات المرتبة الاولى (الدنيا)، واقل معدل لدخل الفرد الواحد نجده في قرية عروعير في النقب، حيث بلغ معدل دخل الفرد الواحد في الشهر 730 شيكلا، بينما معدل الدخل في بلدة عومر في النقب والمجاورة لعروعير يصل الى 7626، أي اكثر بعشرة اضعاف، وتلي عروعير قرية شقيب السلام التي يبلغ معدل دخل الفرد فيها شهريا 946 شيكلا، ثم تل السبع، 1090 شيكلا واللقية، 1091 شيكلا والرينة، 1121 شيكلا وكفرمندا، 1144 شيكلا.

الى جانب هذا من الضروري الاشارة الى ان لوائح واحصاءات دائرة الاحصاء المركزية لا تشمل القرى غير المعترف بها، خاصة قرى النقب، التي تفتقر لابسط مقومات الحياة الطبيعية، وحيث تنتشر البطالة والفقر.

واعلى دخل للفرد الواحد بعد بلدة عومر (7626 شيكلا) نجده في بلدة لهافيم، حيث يصل معدل الدخل الى 6595 شيكلا وفي سفيون (شمال تل ابيب) 6497 شيكلا.

وفي قراءة للوائح دائرة الاحصاء المركزية يظهر ان هناك مدنا مختلطة موجودة في مراتب القاع، وهذا نظرا لاوضاع العرب المتردية فيها، وعلى رأس هذه المدن، مدينة القدس، التي تضم (حسب الدائرة) القدس الشرقية المحتلة، ولكن هناك ما يزيد الطين بلة اوضاع الحريديم. وتحتل القدس المرتبة 93 في الدرجة الرابعة. اما باقي المدن المختلطة فنجد ان عكا تحتل المرتبة 91 والرملة المرتبة 100 واللد 104. ويظهر في التقرير، ايضا، أن عدد السكان بالنسبة لعدد السيارات في المرتبة الاولى هو اكبر بخمسة اضعاف ونصف الضعف عنه في المرتبة العاشرة.

ولنلقي نظرة على اوضاع كبرى المدن العربية في اسرائيل مقارنة مع مدن يهودية مجاورة، والتمييز العنصري يتجلى باشد بشاعته لدى المقارنة بين مدينة الناصرة، التي يقطنها حوالي 70 الف نسمة، ومدينة نتسيرت عيليت المقامة على اراضي الناصرة وقراها المجاورة وتؤوي 40 الف نسمة، فعلى الرغم من ان نسبة المستقلين واصحاب المصالح التجارية والاقتصادية في الناصرة العربية هي اكبر بكثير من نسبتهم في نتسيرت عيليت، وايضا على الرغم من ان الغالبية الساحقة من سكان نتسيرت عيليت هم من الاجيرين العاملين، إلا اننا نجد ان معدل الدخل للفرد الواحد في مدينة الناصرة هو 1989 شيكلا، بينما في نتسيرت عيليت حوالي 2550 شيكلا.

كذلك الأمر نجده في منطقة المثلث، ففي حين ان معدل الدخل للفرد في مدينة ام الفحم هو 1255 شيكلا، وفي مدينة الطيبة 1522 شيكلا والطيرة 1625 شيكلا، نجد ان معدل الدخل في مدينة الخضيرة الواقعة في نفس المنطقة ايضا حوالي 2550، ومدينة العفولة بين ام الفحم والناصرة 2450 شيكلا.

اما بالنسبة للعائلات كثيرة الاولاد، والتي حسب دائرة الاحصاء المركزية هي كل عائلة لديها 4 اولاد فما فوق، فهنا، ايضا، تحتل قرى النقب المرتبة العليا، وعلى رأسها قرية حورة حيث تصل نسبة هذه العائلات الى 61% من مجمل عائلات القرية، وعمليا فإن هذه النسبة سترتفع كثيرا إذا ما اخذنا بالحسبان وجود عائلات لازواج شابة، او عائلات تزوج ابناؤها وخرجوا من البيت.

ولكن العرب ليسوا وحدهم في القمة، فهناك من ينافسهم في الوسط اليهودي، وبشكل خاص في التجمعات السكانية للمتدينين الاصوليين والمستوطنين في الضفة الغربية، فمثلا نسبة العائلات كثيرة الاولاد في مستوطنة افراتا تصل الى اكثر من 46% ومثلها اريئيل، واكثر مستوطنة يهودية تتميز بكثرة العائلات كثيرة الاولاد هي بيتار عيليت حيث تصل النسبة الى 51%. وعمليا هناك رابط وثيق بين ارتفاع نسبة العائلات كثيرة الاولاد وبين انخفاض معدل دخل الفرد الواحد.

والتمييز ايضا في معدل الرواتب

من جهة أخرى وحسب تقرير آخر اعده مركز مركز "ادفا"، للمعلومات حول المساواة والعدالة الاجتماعية في اسرائيل، حول الفجوات في معدل الرواتب في اسرائيل، دلّ أكثر فأكثر على ما هو معروف عن الفجوات بين الوسطين العربي واليهودي، والفجوات بين بلدات التطوير (بلدات الفقر اليهودية) والمدن، وبين مداخيل الرجال والنساء. ويعتمد المركز في معلوماته على تقرير مؤسسة التأمين الوطني للعام 2001، علما أن معدل الرواتب لم يختلف عمليا عن معدل الرواتب الحالي، كما ان معدلات المداخيل لم تختلف.

وبلغ معدل الرواتب غير الصافية (قبل الخصميات) في اسرائيل في العام 2001 حوالي 7604 شيكلات (معدل الرواتب في شهر تموز/ يوليو الماضي حوالي 6950 شيكلا)، إلا ان هذا المعدل اختلف من شريحة لأخرى، فلدى الرجال بلغ معدل الرواتب 9257 شيكلا، وبين النساء 5835 شيكلا، وبين العرب بلغ معدل الراتب غير الصافي 5252 شيكلا (اقل بـ 30% من المعدل)، وفي بلدات التطوير 6374 شيكلا. وبموجب حساب اجراه كاتب السطور، يتضح ان معدل الرواتب في الوسط اليهودي عامة هو 7925 شيكلا، هذا على أساس ان القوى العاملة العربية في البلاد تشكل تقريبا 12% من نسبة القوى العاملة العامة. وهذا يعني ان معدل رواتب العرب يشكل 66% من معدل رواتب العمال اليهود.

وحسب التقرير، فإن أقل معدل للرواتب للرجال في البلاد هو في قرية جسر الزرقاء (قرب حيفا)، وهو 4446 شيكلا (غير صاف)، بينما اعلى معدل لرواتب للرجال هو في "سفيون" (شمال تل ابيب) ويبلغ 19607 شيكلات.

واقل معدل للرواتب بين النساء هو في قرية العزير (قرب الناصرة) 2054 شيكلا (غير صاف) واعلى رواتب للنساء، ايضا، في "سفيون" وهو 10944 شيكلا. وتحتل البلدات العربية المراتب الستين الدنيا، ما عدا المرتبة الـ 51 التي "تحتلها" مستوطنة الحريديم "بيتار عيليت". كذلك فإن 7 بلدات عربية فقط، من اصل 84 بلدة، معدل رواتب الرجال فيها هو أعلى من المعدل العام، واعلاها قرية معليا حيث بلغ معدل رواتب الرجال (غير صاف) 8350 شيكلا، بينما هناك 77 قرية ومدينة عربية معدل رواتب الرجال فيها اقل من معدل الرواتب العام. وادنى هذه الرواتب، كما ذكر، هو في جسر الزرقاء، 4446 شيكلا، وفي العزير 4711 شيكلا. اما حين يجري الحديث عن رواتب النساء فإن جميع رواتبهن في الوسط العربي، ومعظم رواتب نساء الوسط اليهودي، هي ادنى من المعدل العام.

وتبين، من فحص للتقرير، ان رواتب النساء في 57 بلدة عربية، من اصل 84 بلدة، هي دون الـ 50% من معدل الرواتب في البلاد، وفي 8 بلدات عربية في حدود الـ 50% من معدل الرواتب، وأعلى معدل لرواتب النساء العربيات نجده في قرية معليا حيث يبلغ 5418 شيكلا، اي 71% من معدل الرواتب في البلاد.