قراءة في معطيات التقرير السنوي للأجور في إسرائيل

الأجر الأعلى في سفيون والأدنى في جسر الزرقاء بفارق ستة أضعاف!

أكثر من مليون شخص يحصلون على أجر لا يزيد عن الحد الادنى

كشف التقرير الصادر عن مؤسسة التأمين الوطني الاسبوع الماضي بخصوص معدل الاجور العام في إسرائيل لسنة 2002، أن وضع العمال الاجيرين في البلاد يتدهور باستمرار، ومعدل دخلهم في هبوط مطرد، لدرجة أن كل اجير ثالث دخله الشهري أقل من أجر الحد الادنى، والوضع يزداد سوءا عندما نتحدث عن الاجيرين الذين يحصلون على اجر لا يزيد عن اجر الحد الادنى حيث تصل نسبتهم الى 40,9% من مجمل الاجيرين في البلاد الذين يصل عددهم الى 2,57 مليون عامل، ما يعني أن هناك اكثر من مليون شخص يحصلون على اجر لا يزيد عن الحد الادنى للأجر.

عندما نتحدث عن الحد الادنى للاجر لا بد من التذكير بأن أجر الحد الادنى كان عام 2002 بمبلغ 3267 شيكل في الشهر والمعدل العام للاجر كان 7619 شيكل في الشهر، بينما تبلغ قيمة الحد الادنى للاجر في الشهر هذه الايام 3335.18 شيكل.
بدون شك، فان المعطيات الواردة في هذا التقرير تشير الى عمق المأساة التي يعيشها العمال في اسرائيل. فعلى الرغم من أنهم يعملون يوميا الا أنهم يعيشون في دائرة الفقر المدقع لهم ولعائلاتهم. مقابل ذلك نجد أن القوى الرأسمالية ارتفعت ثرواتها ويزداد غناها يوميا من خلال التسهيلات التي تقدمها لها الحكومة ومن خلال الاعانات والمنح وتخفيض الضرائب وغير ذلك، لتزداد حدة الاستقطاب في المجتمع عامة.

معطيات هذا التقرير تصدر بتأخير ما لسبب واحد، هو ان مؤسسة التأمين الوطني تعمل على استكمال الحصول على كافة المعطيات الرسمية للرواتب التي تدفع في أماكن العمل لاعتمادها رسميا وضمان تقديم صورة احصائية دقيقة جدا عن الاجور عامة لدى الاجيرين والمستقلين في البلاد اعتمادا على استمارات الرواتب واستمارة رقم 126. بذلك يضمن خبراء المؤسسة تقديم صورة دقيقة من خلال عملية الضبط لهذه المعطيات عن كل اجير ومجموعة ومكان عمل وبلدات ومناطق والوية وفروع اقتصادية والجنس والجيل وغيرها.

500 شيكل..

نجد ضمن هذه المعطيات التي وردت في التقرير، الذي يقع في 221 صفحة من القطع الكبير، أن هناك 64 الف عامل اجير يحصل الواحد منهم على اجر شهري بمبلغ لا يتعدى الـ – 500 شيكل فقط. مقابل هؤلاء البؤساء يوجد 1600 شخص يحصل الواحد منهم على اجر شهري يزيد عن المئة الف شيكل.. نعم اكثر من مئة الف شيكل، لان التقرير لا يشمل المبالغ التي تزيد عن هذه القيمة، وهناك من يحصل على دخل – اجر يزيد بكثير عن هذا الرقم. الصورة تزداد قتامة وسوداوية عندما ننظر الى الجدول الذي يظهر في صفحة 216 من التقرير، هذا الجدول يشمل المعطيات عن الدخل للعائلات وفقا للاعشار، يصل معدل الدخل العام للعائلة في هذا الجدول إلى 13105 شيكل في الشهر، لكن معدل الدخل للعشر الاول (الادنى) أي لـ 117545 عائلة من الاجر هو 1516 شيكل في الشهر. اما دخل العائلة في العشر العاشر (الاعلى ) فيبلغ 417767 شيكل في الشهر. هذه فوارق رهيبة جدا تكشف لنا عن معطيات خطيرة تكرس الاستقطاب في هذا المجتمع.

عندما نقوم بتحليل المعطيات وفصل الارقام عن المعدل العام بالنسبة للوسط العربي تتجلى امامنا صورة قاتمة جدا جدا، مأساوية تشير الى عمق الفوارق الرهيبة بالمقارنة مع الوسط اليهودي، ليس فقط في معدل الاجر، بل ايضا في فترة العمل التي يعملها العامل العربي في مكان العمل، في نوعية المهن التي يمارسها، او التي يفسح له مجال العمل فيها، ليصبح عاملا مستغلا في الاجر والشروط ايضا بلا ثبوت ولا مستقبل مضمون.

سفيون مقابل جسر الزرقاء

"لاول مرة نجد أن معدل الاجر في المدن كان أقل مما هو في البلدات الصغيرة... ونجد ايضا في القرى العربية ان معدل الاجر أقل بنسبة 31% من معدل الاجر في البلدات اليهودية". هذا ما جاء في سياق مقدمة التقرير. لتوضيح هذا الامر نقدم بعض الامثلة والمعطيات لمعدل الاجر الشهري في بعض المدن والقرى اليهودية والعربية، ففي بلدة "سفيون" بلغ معدل الاجر الشهري للاجير 18694 شيكلا وهو اعلى دخل في البلاد تليها بلدة "قيسارية" 15215 ش. ومن ثم "رمات افعال" 14948 ش. وأقل معدل دخل للاجر الشهري نجده في القرية العربية "جسر الزرقاء" المحاذية لقيسارية حيث بلغ 3849 ش. وفي مدينة تل ابيب معدل الاجر الشهري بلغ 7287 ش، حيفا 6762 ش، "ريشون ليتسيون" 6976 ش، اشدود 5479 ش. وهذا الدخل هو اكثر من المعدل العام. بينما نجد أن معدل الدخل في المدن والقرى العربية هو اقل من ذلك بكثير ليصل في الناصرة إلى 4276 ش، شفاعمرو 4266 ش، ام الفحم 3357 ش، الطيبة 3913 ش، طمرة 3540 ش، سخنين 3635 ش، رهط 3608 ش، الفريديس 3410 ش. طبعا هذا معدل الاجر الشهري على مدار السنة كاملة واذا اخذنا المعدل الشهري فقط تكون المبالغ أقل مما جاء اعلاه كما هو الوضع في مثال جسر الزرقاء اعلاه، فمعدل الدخل الشهري على مدار السنة يبلغ 2802 شيكل فقط. ومعدل الاجر للشهر على مدار العام في الوسط اليهودي يبلغ 6226 شيكل مقابل 3889 شيكل في الوسط العربي.

هذا الفارق الكبير له اسباب عدة لكن السبب الاول هو عدم توفر عمل دائم او تثبيت للعامل العربي في مكان عمله، مما يجعله يعمل فترات متقطعة. ويشير التقرير الى أن 62,6% من العمال الاجيرين في الوسط اليهودي يعملون السنة كاملة أي في مكان عمل ثابت ودائم مقابل فقط 51 في المئة لدى العمال العرب. هذا بالاضافة الى توفر اماكن عمل وشركات تدفع أجرًا أعلى وتمنح شروطًا افضل للعامل من الوسط اليهودي، على عكس وضعية العامل العربي، واذا توفرت فرصة عمل جيدة لاحدهم فهم قلة.

وضع المرأة العاملة أكثر سوءًا

يشير التقرير الى أن معدل الاجر لدى المرأة العاملة يصل الى نسبة 60% من الاجر الذي يحصل عليه الرجل، وذلك لان المرأة تعمل ساعات عمل اقل. ووفقا للجدول الوارد في التقرير صفحة 56 نجد ان معدل الاجر الشهري للرجل بلغ 9487 ش مقابل 5674 ش للمرأة العاملة. وينخفض هذا المبلغ عندما نأخذ المعدل السنوي للاجر لكل شهر حيث يصل لدى الرجل إلى 7778 ش للشهر مقابل 4620 ش للشهر للمرأة العاملة. وبلغ عدد الاجيرين من الرجال سنة 2002 ( 1,307,850 ) مقابل (1,263,779) نساء عاملات.

عندما ننظر الى المعطيات بخصوص المرأة العاملة في الوسط العربي نجد هنا ايضا أن المعدل منخض عما هو عليه للمرأة العاملة في الوسط اليهودي، فمعدل دخل المرأة العاملة في مدينة الناصرة بلغ 3401 ش في الشهر مقابل 4822 ش للرجل، وفي ام الفحم 2109 شيكل للمرأة مقابل 3808 ش اجر الرجل في الشهر، وفي مدينة الخضيرة المجاورة لام الفحم نجد أن معدل دخل المرأة العاملة للشهر هو ضعف دخل المرأة في ام الفحم ومبلغه 4061 ش، ودخل الرجل للشهر عن اجره في المدينة نفسها يبلغ 6914 ش. هذا الدخل يرتفع في المدن والمستوطنات الغنية او الواقعة في مركز البلاد، فمثلا مدينة حيفا معدل دخل الرجل للشهر في السنه 8796 ش والمرأة 4883 ش، وفي بلدة سفيون يبلغ معدل دخل الرجل عن اجره الشهري في السنة 22443 ش مقابل معدل دخل المرأة في البلدة نفسها 8661 ش، وفي تل ابيب المعدل للدخل الشهري للرجل الاجير هو 9091 ش مقابل 5554 ش دخل المرأة وفي مدينة شفاعمرو نجد ان معدل الاجر للرجل 5064 ش في الشهر مقابل 2819 ش اجر المرأة.
هكذا نلاحظ أن التمييز ضد المرأة العاملة في الاجور هو تمييز فظيع وفي معظم الحالات تحصل على معدل اجر اقل من اجر الحد الادنى. لكن التمييز البارز هنا نجده في بلدة سفيون حيث يحصل الرجل هناك على اجر شهري يصل إلى حوالي اربعة اضعاف معدل دخل المرأة. هذا بالاضافة الى ما تتعرض له المرأة العاملة من تمييز في مكان العمل في الشروط وغير ذلك.

العرب يتصدرون قائمة أجور الحد الأدنى

نسبة العمال الذين يتقاضون اجرا حتى اجر الحد الادنى في البلاد عامة تصل الى 32% من مجمل العمال الاجيرين، هذه النسبة ارتفعت بنسبة 3% عما كانت عليه عام 2001. وعندما نفحص المعطيات في المدن والقرى العربية نجد أن نسبة العمال الاجيرين الحاصلين على اجر حتى اجر الحد الادنى تتعدى الخمسين بالمئة لتصل الى 55,9%. هذه النسبة تشير الى حقيقة الوضع المأساوي الذي يعيشه العمال العرب بسبب فقدان اماكن العمل وعدم تطوير مناطق صناعية وغياب عمليات الاستثمار الحكومي في تطوير مهارات القوى البشرية كما هو متبع في المجتمعات المتطورة. الا أن المأساة الاكثر ألمًا تتعلق بوجود خريجين مهنيين في مهن التقنيات العالية واكاديميين مهرة لكن سوق العمل الاسرائيلي ما زال مغلقا امامهم وسعيد الحظ منهم من يتمكن من الفوز بفرصة عمل هنا او هناك.. الا انه يضطر إلى القبول باجر قليل وبشروط عمل قاسية من اجل ضمان بقائه في عمله.


من أجل الاطلاع على حقيقة هذا الوضع فيما يلي قائمة جزئية لمدن وقرى عربية تظهر لنا نسبة العمال الذين يحصلون على اجر حتى اجر الحد الادنى:

البلدة نسبة الاجيرين الذين يحصلون
على اجر حتى اجر الحد الادنى

كفر مندا 64,9%
البعينة- النجيدات 64%
جسر الزرقاء 63,4%
أم الفحم 63%
عرابة 58,6%
عين ماهل 57,2%
جديدة- المكر 57,1%
المشهد 57%
كابول 56,9%
سخنين 56,9%
طمرة 56,9%
عرعرة 55,5%
طرعان 54,8%
رهط 54,7%
طلعة عارة 54%
الشاغور 53,8%
الرينة 52,5%
كفر قرع 52,2%
الطيبة 51,5%
باقة- جت 51,5%
كفر ياسيف 51,4%
اكسال 51%
المغار 51%
الناصرة 50,5%

المستقلون أيضًا

وفقا للتقرير يوجد حوالي 200 الف مستقل يظهر ايضا أن اوضاعهم ليست على ما يرام خاصة وان 41% منهم كان معدل دخل الواحد الشهري اقل من اجر الحد الادنى. بالمقابل فان المعدل العام للدخل الشهري لديهم بلغ 6434 ش، وهذا المبلغ يشير الى هبوط بنسبة 15% في دخلهم بالقياس مع العام 2001. بدون شك أن هذا الوضع يشير الى حالة الركود العميق الذي يعيشه الاقتصاد الاسرائيلي وفقدان بوادر النمو والنهضة خلال الفترة التي يتناولها التقرير خاصة وأن عدد اماكن العمل قد انخفض في العام نفسه (2002) ب 750 مكان عمل منها 20 مكان عمل تشغل ما بين 500- 1000 عامل، أي أن سوء الوضع الاقتصادي ادى الى ضرب المستقلين ايضا، ونحن هنا نتحدث عن المستقلين من أصحاب المصالح الصغيرة او اولئك الذين يضطرون الى فتح ملف مستقل لان الظروف تجبرهم على ذلك، وليس لان وضعهم كمستقلين يبشر بازدهار اقتصادي او بأرباح جيدة.


لكن مرة اخرى تبيّن لنا معطيات التقرير أن الوضع لدى المستقل في الوسط العربي هو أسوأ مما عليه في الوسط اليهودي، حيث يبلغ معدل دخلهم الشهري أقل من معدل دخل زملائهم من الوسط اليهودي.

إجمال

هذه المعطيات لم تأت محض صدفة، بل هي نتاج سياسة حكومة اليمين بقيادة أريئيل شارون، التي أتت بالمآسي على كافة الاجيرين العرب واليهود بل وعلى شعبي البلاد عامة. كل ذلك من جراء السياسة العدوانية التي تنتهجها.. سياسة الاحتلال وسفك الدماء.. والقمع والتدمير، مما أدى ايضا الى ضرب الحركة الاقتصادية.. والى هروب الاستثمارات للخارج والى زيادة الصرف المالي على العسكر والسلاح على حساب رفاه المواطنين والعمال.. وواصلت هذه الحكومة ايضا سياستها الاقتصادية التي تسير على نهج الليبرالية الجديدة الداعمة لاصحاب رؤوس الاموال.. على حساب حقوق الاجيرين ابناء الطبقة العاملة والشرائح الضعيفة.

لذلك لا بد من تكثيف النضال من اجل اسقاط حكومة المآسي هذه وانتخاب بديل لها على اساس برنامج مغاير يعتمد على احلال السلام العادل وانهاء الاحتلال والسير على طريق العدالة الاجتماعية من أجل الجميع.. سياسة النهوض بالاقتصاد من الوحل الغارق فيه ليس من خلال دعم القوى الرأسمالية بل من خلال تحسين شروط العمل ورفع الاجور ووضع حد لمأساة الفقر هذه، مأساة أن تعمل وتبقى في دائرة الفقر والضائقة..

وفي تقديري أن التقارير القادمة ستكون أكثر فظاعة، خاصة تقرير الفقر الذي سيصدر خلال الايام القريبة والذي يتحدث عن ارتفاع عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر ليصل إلى حوالي مليون ونصف مليون انسان، منهم حوالي 600 الف طفل.