الساحة الخلفية لأسواق العمل الاسرائيلية

من الجدير بكل من يفترض ان سن قانون الحد الادنى من الاجور في اسرائيل وضع حدا للظلم والفساد والنهب المتجذرة فيها، ان يستمع أو يقرأ القصص التالية، التي طالعناها ونطالعها في الصحف ووسائل الاعلام الاسرائيلية بوتيرة متزايدة، في الفترة الاخيرة بشكل خاص.

إطلالة على "سوق العبيد"..

"المشهد الاسرائيلي":

من الجدير بكل من يفترض ان سن قانون الحد الادنى من الاجور في اسرائيل وضع حدا للظلم والفساد والنهب المتجذرة فيها، ان يستمع أو يقرأ القصص التالية، التي طالعناها ونطالعها في الصحف ووسائل الاعلام الاسرائيلية بوتيرة متزايدة، في الفترة الاخيرة بشكل خاص.

*

يحرص احد وكلاء التأمين من الناصرة على دفع راتب سكرتيرته، مقابل عملها في مكتبه بوظيفة كاملة، في الموعد المحدد من كل شهر. ولا يرغب، كمواطن يعي قيود القانون، بمخالفة قانون الحد الادنى من الاجور الذي يسري العمل بموجبه في اسرائيل منذ فترة غير طويلة. ولذلك، يصدر وكيل التأمين لصالح سكرتيرته قسيمة راتب بقيمة الحد الادنى من الاجور كما ينص عليه القانون - 3355 شيكلا، وحتى انه يعطيها شيكا بهذا المبلغ. وتذهب السكرتيرة مرة في كل شهر الى فرع البنك المحاذي لصرف الشيك، وتعود الى مكتبها وتناول صاحب العمل 1855 شيكلا. ويبقى لها مبلغ 1500 شيكل.

وهناك قصة اخرى: احد المحامين من المدينة نفسها لا يتوانى عن تقليص راتب سكرتيرته. ويدفع لها مبلغ 1500 شيكل مقابل عملها بوظيفة كاملة. ويسجل في قسيمة راتبها انها تعمل بوظيفة جزئية فحسب. وعندما تم سؤال السكرتيرة لماذا لا تقدم شكوى ضده، سوغت ذلك بأسباب شخصية. وقالت انه مرت سنة كاملة حتى وافق والدها على ان تعمل خارج البيت. ولو انها قدمت شكوى الان ضد شروط تشغيلها، فان مشغلها قد يلطخ سمعتها في القرية ولن يوافق والدها على ان تعمل اكثر.

هاتان الحقيقتان ليستا سوى جزء من الفسيفساء التي تتكون منها الاحصائيات الخاصة بالعمل في اسرائيل، ومفادها ان ربع الاجيرين فيها يربحون، بالمعدل، 1971 شيكلا في الشهر. ويبعد الحد من الاجور عنهم، مثل فوز منتخب اسرائيل في كرة القدم في المونديال. الحديث هنا لا يدور عن "كسالى" أو "مخادعين" أو "غشاشين" يحتالون على التأمين الوطني، وانما عن ادنى الطبقات في سوق العمل، أو ربما من الافضل تسمية الامر باسمه الحقيقي: "سوق العبيد الاسرائيلية".

لقد اتضح ان الهرمية الاجتماعية الاقتصادية في اسرائيل تجد دائما احدا ما بدرجة متدنية واكثر لتظلمها وتدوس عليها. وبعد قيام دولة اسرائيل مباشرة كان اولئك القادمون الجدد من شمال افريقيا والعمال العرب. مضى جيل، وجاء العمال الفلسطينيين الذين خلٌصوا الاولين من عذابهم. ومر جيل أخر ودخلت "غنائم" اخرى الى سوق العمل: مئات الاف المهاجرين الجدد من روسيا وعشرات الاف العمال الاجانب. وقد نجح الكثير من المهاجرين الجدد بالاندماج في الحياة العملية، فيما بقي الاجانب في القاع.

وعندما خيٌل انه لا يوجد في السوق عمال هضمت حقوقهم ومستغلون اكثر من اولئك الاجانب، نمت طبقة جديدة من العمال المسحوقين. وتذكٌر اجور وشروط عمل هؤلاء تللك التي كانت سائدة في اوروبا في القرنين الـ18 والـ19، في عهد الرأسمالية الجامحة، قبل لجمها على ايدي التنظيمات المهنية: شبان تخطتهم فترة الدراسة، قادمون جدد كبار في السن ولا تكفي المخصصات لمعيشتهم، ونساء بدأن يدخلن بجموعهن الى سوق العمل في سنوات الثمانينات.

1. نساء عربيات

برز في سنوات الثمانين بشكل خاص دخول نساء عربيات، واثيوبيات ومهاجرات جديدات من مركز اسيا، من الامبراطورية السوفياتية السابقة، الى سوق العمل، وهؤلاء لم يعملن خارج بيوتهن حتى ذلك الوقت. من الصعب تصديق ان هذه الفئات تحتل قمة سلم المسحوقين، لكن يبدو اننا لا نخطئ الحقيقة اذا درٌجنا النساء العربيات في المكان الادنى.

واذا لم يكف ان سوق العمل يميز اصلا ضد النساء بالاجر وان المجتمع اليهودي يميز ضد العرب، فان المجتمع العربي ايضا يجحف بحق النساء اللواتي يعشن فيه. وتتعزز هذه المعطيات من خلال بحث اجرته "الجمعية العربية لحقوق الانسان" في 200 مكان عمل تقريبا في الناصرة قبل اربع سنوات. وتبين من البحث ان 61% من النساء العربيات يتقاضين اجرا يقل عن الحد الادنى من الاجور: 57% من العاملات في المكاتب، 67% من العاملات في العيادات و65% من العاملات في الحوانيت. وأظهر البحث معطيات خطيرة فيما يتعلق بالشروط الاجتماعية التي ينص عليها القانون: ثلثا العاملات لا يتقاضين دفعات لقاء ايام العطلة السنوية وثلثهن لا يتقاضى دفعات لقاء ايام المرض. وتبين ان مكانة النساء الاكاديميات مشجعة اكثر: لم تكن هناك اي اكاديمية تتقاضى اجرا اقل من الحد الادنى للاجور.

رغم ذلك، فان التعليم الجامعي ليس ضمانا للحصول على اجر لائق. اذ ظهر في تحليل اجراه بيني فبرمان، مدير سلطة تخطيط القوى البشرية في وزارة الصناعة، والتجارة والتشغيل، بناء على طلب "هآرتس"، ان نسبة غير المتعلمين (حتى عشر سنوات تعليمية) الذين لا يتقاضون الحد الادنى من الاجور كانت ضعف نسبة الاكاديميين – غير ان راتب 16% تقريبا من الاكاديميين لا يصل الى مستوى الجد الادنى من الاجور. كما تبين من البحث ان ان عدد العاملين من غير المتعلمين يصل الى 13% من قوة العمل. وبطبيعة الحال، فان نسبة هؤلاء العاملين كانت الاعلى في طريقة العمل التي اخذت تزدهر في السنوات الاخيرة – بواسطة مقاولي القوة العاملة.

2. مهاجرون كبار في السن من اثيوبيا او عصبة الدول

يحتل الدرجة التالية في سلم المسحوقين، بعد النساء العربيات، رجال كبار في السن من المهاجرين الجدد من اثيوبيا او من عصبة الدول. ونتحدث هنا تماما عن اولئك الذين لم يكن سكان المدن يرونهم لولا ارتداءهم الصداريات اللامعة باللونين البرتقالي والاصفر التي يضعونها علي صدورهم وهم يكنسون الشوارع في المدن الكبرى. كان البلديات هي مشغّل عمال النظافة في الماضي وقد تمتعوا بشروط حسنة. مع مرور السنين تنكرت لهم وبدأوا بالعمل عبر مقاولين بموجب "الكيلومتراج" – يلتزم المقاول بكنس عدد معين من الكيلومترات المربعة من دون ان تهتم البلدية بكيفية تنفيذ ذلك.

وكثيرا ما يحدث ان يقوم مقاولو النظافة ببيع العمال الى مقاولين ثانويين، وبذلك يتنصلون هم ايضا من اية مسؤولية تجاه تشغيلهم. عدد غير قليل من هؤلاء العمال هم اكاديميون روس في الـ50 والـ60 من عمرهم، لم ينجحوا في ايجاد عمل آخر. ويربح عمال النظافة، رسميا، 17.95 شيكل مقابل ساعة العمل. وعمليا، يتلقى الكثيرون منهم 10 او 11 شيكلا مقابل ساعة العمل. واتضح ان تهديدات المقاولين، بأنهم سيقومون باعطاء اسمائهم الى مؤسسة التأمين الوطني لكي تؤخذ منهم المخصصات التي يحصلون عليها، تحقق الهدف، بالرغم من عدم وجود شيء من الحقيقة في هذه التهديدات – مسموح لهؤلاء العمال العمل حتى لو كانوا يتلقون مخصصات، شرط ان لا يربحوا اكثر من مبلغ معين.

3. عاملات نظافة يشتغلن بواسطة مقاول

ان وضع عشرات الاف عاملات النظافة اللواتي يتم تشغيلهن بواسطة مقاولي شركات القوى العاملة أفضل بقليل من وضع الذين يكنسون الشوارع. في معظم الحالات لا تحصل العاملات على قسيمة راتب ولذلك ليس امامهن اية امكانية لمعرفة اذا ما كان مشغلوهن يخدعونهن وباية مبالغ. وتمكن هذه الطريقة المشغلين من اصدار قسائم عمل غير حقيقية ليثبتوا لمن يهتم بذلك انهم يحافظون على القانون.

وتصل شهريا الى المنظمات التي تمنح المساعدة القضائية والاستشارة للعاملين والعاملات عشرات الشكاوي ضد المقاولين مقدمة من اولئك الذين كانوا يعملون فعلا. غني عن الاشارة الى ان معظم العمال لا يشتكون. لكن احدى العاملات تجرأت على تقديم شكوى. انها قادمة جديدة من عصبة الدول، عملت طوال ثلاث سنين كعاملة نظافة في فروع بنك هبوعليم بواسطة شركة "موشيه فونس- خدمات نظافة"، وتوجهت الى منظمة "خط للعامل". وجاء في شكواها القضائية، التي قدمها باسمها برنامج الرفاه والقانون في جامعة تل ابيب، انه تم تشغيل العاملة طوال ثلاث سنوات، ثلاث ساعات في اليوم، ستة ايام في الاسبوع، ومرتين في السبوع عملت ساعتين اضافيتين، وذلك مقابل 1800 شيكل. في نهاية السنة الاولى انجبت العاملة وطلبت من مشغلها قسائم رواتبها لتتمكن من المطالبة ببدل الولادة من التأمين الوطني. لكن مشغلها رفض اصدار قسائم الراتب.

وكشف فحص قامت به العاملة ان المشغل لم يحول اية مبالغ باسمها الى التأمين الوطني، رغم انه خصم المبلغ من راتبها. كما لم يحول اي مبلغ لصالحها الى صندوق التقاعد، رغم ان كل مشغل في هذا الفرع ملزم بذلك. وفصلت العاملة من عملها بعد سنتين بينما كانت حاملا. ورغم ان الشركة بعثت اليها برسالة، تم تشويش اسمها فيها، واقترحت عليها عملا بديلا، لكن عندما حاولت العاملة استيضاح مكان العمل البديل ظلت دون رد وبعد مدة يئست من التوجه الى الشركة. لكن مشاكلها لم تنته بذلك. اذ قالت حنِه زوهر، مديرة "خط للعامل"، انه اذا طلبت العاملة الحصول على مخصصات بعد عدة سنوات، على اثر اصابتها باعاقة او بحادث طرق، فسوف يدعون ضدها انها لم تسدد دفعات التأمين الوطني وسيخصمون من المخصصات المبلغ المدينة به للمؤسسة.

هناك أهمية كبرى للامتيازات المرافقة التي ينص عليها القانون، في حالة ان الاجر منخفض. من هذه الامتيازات: استرجاع مبلغ السفريات، بدل النقاهة، ايام العطلة السنوية، ايام المرض او هدية العيد. غير ان الغالبية الساحقة من مشغلي المسحوقين يتغاضون عن واجباتهم، او انهم يمنحون جزءا بسيطا فقط من الحقوق. كذلك لم تدفع بدل السفريات شركة "قصاص اثر للحراسة والنظافة"، التي فازت بعطاء لتنظيف مكاتب شركة "بيزك" في حيفا. وابلغ مدير العمل العاملات: "لا احد يتلقى مقابل السفريات عندي". وقد اضطرت احدى العاملات في الشركة، وتسكن في مدينة اشدود، الى دفع السفريات، بمئات الشواقل كل شهر من جيبها، بعد ان ارسلتها الشركة الى العمل في الاعتناء بمريضة لدى احدى العائلات في مدينة تل ابيب.

4. مساعدات العجز

مساعدات المرضى العجز هن ايضا فئة بين العمال الاجانب التي يتم استغلالها الى حد كبير، وتصارعن عاملات النظافة اللواتي يشتغلن بواسطة مقاولي النظافة، على المكان الثالث في سلم المسحوقين. اجرهم في البداية 550 دولارا، اي 2500 شيكل تقريبا. ومع ان تلك العاملات يحصلن على سكن مجاني، وطعام ومصروف جيب، لكنهن يعملن ستة ايام في الاسبوع ويبقين على اهبة الاستعداد للعمل على مدار الـ24 ساعة في اليوم في حال احتياج المريض للمساعدة الفورية. بعد فترة يرتفع الاجر الى 700 دولار واحيانا يصل الى 800 دولار، لكن حتى بعد هذه العلاوة يبقى الاجرا منخفضا عن الحد الادنى من الاجور الذي يدفع مقابل العمل ثماني ساعات.

وخلافا للرأي السائد، بأن اجر العمال الاجانب هو الادنى في اسرائيل، فانه في كثير من الاحيان يكون اعلى من اجر اسرائيلين غير متعلمين. ووفق معطيات دائرة الاحصاء المركزية، يبلغ متوسط اجور العمال الاجانب 4025 شيكلا في الشهر – ورغم انه اقل من متوسط الاجور في اسرائيل (حوالي 7000 شيكل)، الا انه اعلى من الاجر المدفوع للنساء العربيات، اللواتي يكنسون الشوارع، وعاملات النظافة، ومساعدات العجز وحتى الحراس. ويتقاضى العمال الاجانب العاملون في فرع البناء 5000 شيكل في الشهر، بالرغم من ان قسما منهم الذين لا يحملون تصاريح بالمكوث في اسرائيل ويعيشون في خوف دائم.

5. الحراس

من الصعب التأكد فيما اذا كان وضع الحراس في الاماكن العامة افضل من وضع مساعدات العجز والمسنين ام لا. ورغم ان الحراس يتمتعون بسمعة طيبة ومحل تقدير في المجتمع الاسرائيلي ومن المفترض ان يتقاضوا الحد الادنى من الاجور او اقل بقليل، من اجل ان يخاطروا بحياتهم طوال ثماني ساعات في اليوم، الا ان الاجر الفعلي للكثيرين منهم لا يصل الى الحد الادنى الذي ينص عليه القانون. وتصبح الصورة اوضح من محادثات مع حراس او من شكاوى وصلت الى "خط للعامل". ويظهر ان مجموعة من المشغلين – اصحاب شركات كبيرة حظيت بعقود لحراسة مقرات الوزارات، كما هو الحال مع شركات عابرة – نشأت بعد العمليات الانتحارية الذي نفذها فلسطينيون على اسرائيل. في معظم الحالات هؤلاء العمال هم من طلاب الجامعات المرغمين على العمل في ورديات، اشخاص غير متعلمين او قادمين جدد كبار في السن، والمشترك بينهم هو عدم وجود خيار امامهم في السوق الذي يعاني من ركود اقتصادي.

وتظهر قائمة من العقوبات في العقود الشخصية التي يتوجب عليهم توقيعها: غرامة بمبلغ 40 شاقلا على كل عامل لا يتقلد ربطة عنق خاصة بالزي او حضر الى العمل من دون ان يحلق ذقنه؛ غرامة بقيمة 160 شاقلا على كل من حضر متأخرا الى العمل او يغادر ورديته قبل حضور العامل الذي سيستبدله، حتى لو انتظره لعدة ساعات فانه لا يتلقى اجرا مقابل يوم العمل. ويسمح للحراس بالذهاب الى المرحاض مرة واحدة كل خمس او ست ساعات عمل ولخمس دقائق فقط. يحظر عليهم الخروج الى فرصة الظهر وعليهم تناول الطعام في موقع الحراسة، واحيانا وهم واقفون. في بداية كل وردية تجري عملية ارشاد لمدة ربع ساعة، لا يحصل العاملون مقابلها على اجر. على العامل الذي يترك العمل قبل انتهاء ثلاثة شهور على بداية عمله في الشركة ملزم باعادة 250 دولار مقابل الارشاد الذي تلقاه، حتى لو ان عملية الارشاد استمرت ساعة وربع الساعة فقط. كذلك، اذا لم تكن نتائج التي حققها العامل في التدريبات على الرماية يتم ارساله الى دورة اخرى ويلزم بدفع 200 شيكل.

الكثير من الحراس لا يحصلون على نسخة من العقد الذي وقعوه، وذلك لكي يتمكن المشغل من التنكر لشروط تشغيلهم. واذا شاهد الحارس في العقد انه مؤمن لحالة اصابته وحاول الاستفسار عن مبلغ التأمين لدى مسؤول الوردية يكون الرد عادة على النحو التالي: "لا علم لي حول ماذا تتحدث. لدينا الف عامل ولم يطرحوا ابدا سؤالا كهذا". ويعتبر اولئك الذين يتذمرون من شروط العمل "مثيرو مشاكل"، وهؤلاء كثيرون، خصوصا بين العمال الشبان. ولدى وصفهم على هذا النحو فان احتمالات هؤلاء العمال ضئيلة ان يبقوا في العمل اكثر من تسعة اشهر، وفصلهم من العمل بعد فترة كهذه لا تلزم المشغل بدفع تعويضات. الا ان ثمة طيقة اخرى يستخدمها مشغلون بهدف الامتناع عن دفع التعويضات. يحرص المشغلون على تنغيص حياة العمال لكي لا يجد العامل خيارا سوى بتقديم استقالته. اساليب التنغيص متعددة – مثلا تشغيلهم في وردية غير ملائمة للدراسة او وضعهم في مواقع بعيدة.

رسالة الفصل هي وثيقة يتمناها الكثيرون، بالاساس لانها تمكن المفصول من العمل بالحصول على مخصصات البطالة. وكونها كذلك، يلوح بها المشغلون كسوط في وجه العاملين. وفي كثير من الاحيان يعرض المشغلون على العامل المفصول صفقة، يتنازل عن التعويضات التي يستحقها او عن جزء منها، ويحصل بالمقابل على رسالة الفصل من العمل. وعلى العامل المفصول ان يفكر بالخيار الافضل – الحصول على مخصصات البطالة او مقارعة المشغل من اجل الحصول على تعويضاته. هؤلاء الذين يتم فصلهم بعد تسعة شهور من العمل لا يستحقون تعويضات.

6. عمال شركات القوى العاملة

العمال الذين في قاع البرميل مسحوقون في اثناء العمل ولدى فصلهم من العمل. وبحسب معطيات السلطة لتخطيط القوى العاملة، فان نسبة البطالة بين العاملين غير المتعلمين (اي الذين تعلموا حتى عشر سنوات) بلغت 15% مقابل 5% بين الاكاديميين. وكان 28% بينهم عاطلون عن العمل مرة واحدة على الاقل خلال السنوات الثلاث الاخيرة، وهذه النسبة هي ضعف النسبة بين الاكاديميين. ويظهر من المعطيات ايضا ان 65% من ذوي الثقافة المتدنية يعملون في اشغال غير مهنية او شبه مهنية، وهذه الحقيقة هي احد اسباب هشاشة وضعهم من الناحية التشغيلية، اذ من السهل ومن الاجدى استبدالهم بعمال اجانب وفلسطينيين، او خفض اجرهم ليصبح اقل من اجر الاجانب والفلسطينيين. وهذا هو احد الاسباب الاساسية للهبوط الحاد في مشاركتهم بسوق العمل – اقل من 47% مقابل 81% من الاكاديميين.

هؤلاء العمال غير منظمين وهناك معلومات ضئيلة حول شكل عملهم والشروط التي يعملون فيها. احدى الهيئات الوحيدة التي تسعى بشكل منهجي لادخال ضوء الشمس الى عالمهم المظلم هي "خط للعامل"، التي بدأت طريقها من خلال تمثيل العمال الفلسطينيين، بعدها انتقلت لمعالجة قضايا العمال الاجانب واليوم تشدد هذه المنظمة على تمثيل العمال اليهود والعرب.

وقال البروفيسور نوح ليفين افشطاين، من قسم علم الاجتماع في جامعة تل ابيب والذي اجرى بحثا في سنوات الثمانين حول تشغيل العمال الفلسطينيين، ان "شروط عملهم تعيدنا الى اشكال علاقات العمل التي كان فيها العامل متعلق بشكل كامل باهواء المشغل". وأضاف ان "جذور هذه الطريقة يمكن رؤيتها في عمل الفلسطينيين – حيث استغل المشغلون العمال بشكل فظ. واتبعوا الطريقة نفسها لاحقا مع العمال الاجانب وثم مع العمال الاسرائيليين". ويمكن تدريج جزء من عمال شركات القوى العاملة بدرجة واحدة فوق العمال المسحوقين، الذين لا يتقاضون الحد الادنى من الاجور. وقد ازدهر شكل التشغيل هذا في العقد الماضي. ومن بين اسباب ذلك، سماح الحكومة بتشغيل قوى عاملة رخيصة من دون التثبيت في مكان العمل وبلا امتيازات، ومن دون ان تظهر في قوائم القوى العاملة المثبٌتة، لكي لا تفسد الانطباع الحاصل بان القطاع العام يخوض عملية نجاعة وآخذ بالتقلص.

وقبل نحو سنتين تم سن قانون يتعلق بعمال شركات القوى العاملة. وأقر هذا القانون الذي بادر اليه رئيس الهستدروت، عضو الكنيست عمير بيرتس، وجوب مساواة اجر وشروط عمل عمال شركات القوى العاملة لتلك التي يحصل عليها العمال في مكان العمل الذي يعملون به، وانه بعد تسعة شهور يتوجب استيعابهم في مكان العمل. وقد سرى مفعول القسم الاول من القانون قبل اكثر من سنة، ولكن تم تجكيد قسمه الثاني. رغم ذلك، ومن خلال احاديث مع عمال يبدو انه في اماكن كثيرة يواصلون عمال شركات القوى العاملة في كونهم عمالا من الدرجة الثانية وان القانون الذي ينص على مساواة شروط عملهم للعمال في مكان العمل غير مطبقة.

عمل حين كرمي، مثلا، حمالا في شركة الشحن "ممان" عن طريق شركة القوى العاملة "أو. آر.إس." ، واكتشف عدة امتيازات يحصل عليها عمال "ممان" بموجب الاتفاقية الجماعية في هذا الفرع، التي من المفترض ان تنطبق عليه ايضا. المتيازات التي لم يتلقاها هي: ساعة عطلة مقابل كل ساعة يعمل فيها خلال ايام السبت والاعياد، وبعد ان احتسب خسارته تبين انها تساوي 4000-5000 شيكل؛ علاوة بنسبة 150% على ساعات العمل بين العاشرة ليلا ومنتصف الليل، فيما تلقى علاوة بنسبة 120% فقط، وكذلك اضافة 51 ساعة شهريا لعمال الورديات.

وعقب المسؤولون في "أو.آر. إس." على ذلك بانه من الصعب مساواة شروط عمل كرمي لانه لا يوجد عمال امثاله تابعين لشركة "ممان". ويرفض كرمي هذا الادعاء وينوي تقديم شكوى قضائية للحصول على حقوقه. هذه الفجوة بين أجر عمال شركات القوى العاملة وأجر العمال المثبٌتين في مؤسسات عامة هو السبب في ان نسبة عمال القوى العاملة في اسرائيل هي 4%، مقابل 1%-2% في الدول الغربية. ورغم انه من المفترض ان يكون شكل التشغيل هذا مؤقتا وتمكين المدراء من تنفيذ مشاريع قصيرة الامد او لاستبدال عمال في عطلة، فانه في العديد من الوزارات يتم تشغيل عمال شركات القوى العاملة 13 سنة وحتى اكثر، من دون ان يتمتعوا من مكانة العامل الدائم وسيف الفصل من العمل مرفوع في وجههم كل يوم. كذلك لا يتم الزام شركات القوى العاملة بايجاد مكان عمل بديل للعمال لذلك يجد هؤلاء انفسهم بدون دخل احيانا لمدة اسابيع وشهور. واوضحت احصائيات عديدة ان غالبية العاملين وفق هذه الطريقة يقومون بذلك لعدم توفر خيار آخر وليس طوعا.

7. المستقلون

ليس الاجيرون فقط هم عاملون فقراء. ز.د. هو مرشد سياحي كان يتقاضى 10000 شيكل شهريا. الا ان الانتفاضة وتقليص الرحلات ادت الى انخفاض اجره مرة واحدة باكثر من 50%، وفي نهاية العام 2001 اصبح من الصعب ان يربح اكثر من 3000 شيكل في الشهر. وبحث ز.د. عن عمل اضافي. عمل في البداية في التسويق، الا انه لم ينجح بالعيش من النسب، وانتقل للعمل كحارس في مدرسة لكنه فصل من العمل مع بداية العطلة الصيفية. وحاول بعدها ان يعمل في دهان البيوت لكنه توقف بعد ان سقط عن السلم واصيب. وعمل بشكل جزئي في ارشاد مجموعة من اليهود الامريكيين او الحجاج المسيحيين الامريكيين الذين حضروا الى اسرائيل، وذلك ليس قبل ان علمته زوجته اللغة الانجليزية بشكل شخصي.

يشبه وضع ز.د. وضع عشرات الاف المستقلين، الذين كان ينظر اليهم في الاونة الاخير على انهم ميسورو الحال. وأظهر تحليل لـ 220 الف تقرير قدمت الى سلطات الضريبة في العام 2000 ان متوسط الدخل الشهري لمصلحة صغيرة بلغت 2833 شيكلا. وسجل انخفاض في العام 2001 بنسبة 10% من الدخل الذي بلغ 2583 شيكلا، اقل من الحد الادنى من الاجور. وصدٌق ذلك ايضا فحص اجراه التأمين الوطني. اكثر من ربع الذين يحصلون على مخصصات ضمان الدخل هي عائلات على رأسها صاحب مصلحة تجارية صغيرة. ويكمن يكمن في ان المستقلين، خلافا للاجيرين، لا يستحقون الحصول على مخصصات البطالة، ولذلك ابقى اغلاق عشرات الاف المصالح في السنتين الاخيرتين الكثيرين منهم يعيشون في ظل ضائقة كبيرة.

لكن هناك مجموعة اخرى تحتل مكانا في ادى درجات سلم المسحوقين: عمال المجالس الدينية والسلطات المحلية، خصوصا في الوسط العربي، الذين لا يتلقون في كثير من الاحيان اجرهم لاشهر طويلة. واتضح انه على الرغم من كونهم منظمين في الهستدروت وتسري عليهم قوانين العمل الا ان شروط عملهم غير محمية. ليس فقط لا تفرض قوانين العمل في كثير من الاحيان، بل انها تخرقها بنفسها. وكما لخص الامر د. غاي موندلك، الخبير فيقوانين العمل، فان "القوانين لا تساعد الشخص المسحوق الا بقدر صغير. ومن لديه القوة يتدبر امره بدون قوانين ايضا". كانت هذه لائحة اتهام كئيبة حول سوق العمل الاسرائيلية في القرن الـ21.