إسرائيل الفقيرة

عندما صدر تقرير الفقر للعام 2002 قبل عام قررت ان احتفظ به وبالمعطيات التي يشملها على امل ان تحدث المفاجأة، التي تحدّث عنها الوزير بنيامين نتنياهو، الا وهي ان يحدث هبوط في عدد الفقراء،

عندما صدر تقرير الفقر للعام 2002 قبل عام قررت ان احتفظ به وبالمعطيات التي يشملها على امل ان تحدث المفاجأة، التي تحدّث عنها الوزير بنيامين نتنياهو، الا وهي ان يحدث هبوط في عدد الفقراء، حيث اعلن يومها وضرباته الاقتصادية في اوجها بأن حضرته قد وجد الحل السحري للمعضلة الاقتصادية التي نعيشها، معضلة الركود الاقتصادي والفقر والبطالة في اسرائيل. وماذا كان الحل السحري هذا؟؟!!! أن حضرته قرر تخفيض مخصصات التأمين الوطني المدفوعة للعائلات احادية الوالدين وللاولاد والمسنين والمعاقين والمصابين باصابات عمل ..... ورفع شعاره الشهير "لا للمخصصات....نعم للعمل" وان كل من يخرج الى العمل سيجد الحل للضائقة المعيشية، وسينتهي الفقر الذي يعيش فيه وتعم السعادة والرخاء عليه وعلى اهل بيته!!!

الوزير نتنياهو ولفيفه- بل حاشيته- ممن يعرفون "بالخبراء الاقتصاديين" اقنعوا أنفسهم بأنهم فعلا استطاعوا ان يجدوا الوصفة للمرض العضال الذي اصاب الاقتصاد الاسرائيلي، وبدأوا حملاتهم الاعلامية صباح مساء من خلال استعمال الوسائل التقنية المتطورة واساليب التراقص المسرحي امام عدسات الكاميرات التي نقلت لنا مؤتمراتهم الصحفية .... معتمدين على تكرار مواقفهم المرة تلو الاخرى ، كي يقتنع بها الجمهور ويرددها خلفهم..... وقالوا ان من يخرج الى العمل ستفتح ابواب السعادة امامه... وحان الوقت لوقف ظاهرة الاعتماد على المخصصات... الى ما لذلك من تصريحات... لكن الامر الذي لم يصرحوا به علنا هو انهم يحاولون تطبيق الفكر النيوليبرالي او الليبرالية الجديدة ... هذا الفكر يسير على نهج دعم القوى الرأسمالية وسحب اليد او التنكر لأي التزام من قبل الدولة تجاه الطبقة العاملة والشرائح الضعيفة.. مما يعني إلغاء كافة الاسس لدولة الرفاه التي تحاول في قوانينها ايجاد بعض من التوازن الاقتصادي- الاجتماعي. نتيجة هذه السياسة برزت ضمن تقرير الفقر لعام 2003، وجاءت معاكسة تماما للوعود التي اغدقها علينا نتنياهو وجوقته الصاخبة- الارتفاع الاساس في عدد الفقراء كان بين العائلات العمالية او التي فيها شخص يعمل وله دخل ليرتفع عدد هذه العائلات من 127 الف عائلة الى 140 الف عائلة. بالمقابل فقد حدث ارتفاع ضخم في عدد الاغنياء للعام نفسه وازدحم "نادي الاغنياء" الذي يشمل 500 شخص، حيث انضم اليهم 200 شخص اضافي. وهكذا حقق نتنياهو وحكومة شارون برنامجهما الاقتصادي الحقيقي، الا وهو تقديم الدعم للاغنياء ورفع مداخيلهم من خلال تقديم التسهيلات والدعم لهم وبالمقابل ارتفع عدد الفقراء عامة وبشكل خاص العاملين منهم ليتحولوا الى عمال – فقراء وازداد عمق الفقر، حيث غرقت عائلات كثيرة الاولاد ومسنون في هذه الظاهرة أكثر وأكثر .

الحقيقة التي يكشفها هذا التقرير رهيبة جدا، وهي ان ثلث سكان اسرائيل هم من الفقراء ويعيشون في فقر حقيقي، حيث نجد ان عدد العائلات التي تعيش تحت خط الفقر - قبل دفع التحويلات أي قبل خصم الضريبة وتحويل المخصصات من التأمين - يصل الى645 الف عائلة التي تشكل 34% من مجمل العائلات في اسرائيل، وان عدد الاشخاص في هذه العائلات يصل الى 2,156 مليون انسان وان عدد الاطفال منهم هو 862 الف طفل، أي 41% منهم اولاد. وبعد حساب التحويلات والمدفوعات يصل عدد العائلات التي تعيش تحت خط الفقر الى 366,300 عائلة عدد افرادها هو 1,427 مليون شخص منهم 652,400 ولد. أي ان كل شخص خامس في اسرائيل هو من جيش الفقراء. والامر المثير للانتباه كما ذكرنا سابقا انه في هذا العام -2003- هناك ارتفاع واضح في نسبة الفقراء وفي عددهم الامر الذي ينسف نظرية نتنياهو وجوقته ويشير الى فشل سياستهم الداعمة للطبقة الغنية.

تقرير الفقر هذا هو تقرير احصائي- مؤلم جدا، لاننا مهما حاولنا البحث والتمحيص في الارقام التي يحملها والنسب التي يشملها فلن نتمكن ان ننقل حقيقة الالم والضائقة التي تعيشها العائلة او المسن او الولد /الطفل على ارض الواقع ..... فالفقر ليس فقط فقدان كسرة الخبز او كيس الحليب، بل هو ابعد من ذلك بكثير، فهو يشمل ايضا فقدان العلم وفرصة العمل في مجتمع اصبح عنوانه البهرجة الاستهلاكية والدعاية اللامعة المغرية .... دون الاخذ بعين الاعتبار ان هناك اكثر من مليوني انسان لا يمكنهم الحصول على المنتوجات التي تعرضها تلك الدعاية القاتلة ..... فكيف يمكن لشخص ان يصل الى جزء بسيط من تلك المعروضات المغرية ودخله الشهري لا يتعدى مبلغ 1736 شيكل، خاصة وان هذا المبلغ يصنف ضمن دائرة الفقر (انظر الجدول) ؟؟!! وماذا يكفي هذا المبلغ لمسن مثلا يعيش وحده ؟! هل يكفي للاكل ؟ ام للدواء؟! ام للكهرباء والتدفئة ؟! نعم نحن نسأل ماذا يكفي هذا الدخل يا ترى ؟! ونحن نقرأ يوميا ان الحد الادنى لمعيشة الشخص الواحد شهريا يتعدى مبلغ ثلاثة آلاف شيكل.

خطر الفقر وفقا لعدد أفراد العائلة

(جدول 1)

عدد افراد العائلة

مبلغ الدخل الشهري لسنة 2003

1

1736

2

2777

3

3680

4

4443

5

5207

6

5901

7

6595

8

7220

9

7776

بعد تخفيض مخصصات تأمين الشيخوخة ومخصصات الاولاد من قبل الحكومة فإن هذا الوضع ادى الى اتساع دائرة الفقر ليزداد عدد الفقراء عمّا كان عليه في العام 2002، وهذا الارتفاع العددي يؤدي الى تفاقم المشاكل الاجتماعية- الاقتصادية والى ادخال تلك العائلات وافرادها الى ضائقة معيشية غير محتملة ... بل خانقة.

عندما تبلغ نسبة الفقراء من مجموع السكان - بعد التحويلات- 22,4% من مجمل السكان وتنضم الى دائرة الفقر 27 الف عائلة جديدة تضم 105 آلاف شخص ثلثهم من الاولاد (35 الف طفل) مما ادى الى ارتفاع عدد الفقراء ونسبتهم في المجتمع الاسرائيلي ، فإن الاوضاع تزداد سوءا خاصة ونحن نعيش في ظروف ترتفع فيها نسبة البطالة وتغلق المصانع والورشات والمتاجر والمصالح الصغيرة باستمرار جراء الركود الاقتصادي وحالة الحرب التي تنتهجها حكومة شارون الغارقة في حالة التوتر والعدوان ضد الشعب الفلسطيني، مما يؤدي الى تخصيص ميزانيات كبيره للمصاريف العسكرية وللمستوطنين ايضا على حساب العاملين والشرائح الضعيفة، بل الفقراء .

العرب ومن ثم المتدينون اليهود

لم نكن بحاجة الى هذا التقرير كي نعرف الحقيقة المرة التي نعيشها يوميا، نحن ابناء الاقلية العربية، فالواقع المرير يغرقنا بآلامه اليومية، حيث تنتشر البطالة بنسبة عالية وتفقد اماكن العمل بل والمناطق الصناعية والخنق الحكومي في الميزانيات يتواصل. كل ذلك يؤدي الى اتساع دائرة الفقر لدينا ايضا، بل والضائقة ... وهكذا يؤكد لنا التقرير تلك الحقائق المريرة وهي : ان 50% من المواطنين العرب وعائلاتهم يعيشون تحت خط الفقر و- 60% من الاطفال العرب ايضا يعيشون ضمن دائرة الفقر هذه. ... هذه المعطيات لا تعني ان هناك 50% وضعهم افضل بكثير من وضع الذين يعيشون تحت خط الفقر، فيكفي ان نذكر هنا انه اذا ارتفع دخل العائلة بشيكل واحد او اثنين او حتى عشرة شواقل لا يعني ذلك انها اصبحت عائله ثرية، بل تعيش ضمن الضائقة بل الفقر نفسه لكن الاحصاء لا يشملها.

الفئة الاخرى التي تعاني من الفقر والضائقة في هذا التقرير هي الاصوليون اليهود واليهود الشرقيون ممن يعيشون في المدن المعروفة بـ "مدن التطوير" . ينضم الى هذه الشريحة المسنون، حيث ارتفع عددهم بشكل ملحوظ.

لكن الفضيحة الكبرى نجدها في المعطيات التي تظهر لنا تأثير دفع المخصصات والضرائب (المدفوعات) على التغيير في نسبة وعدد الفقراء ما بين المواطنين اليهود والعرب. مثال على ذلك- عندما تحوّل المخصصات- المدفوعات للمواطنين اليهود من القادمين الجدد الذين يعيشون تحت خط الفقر تهبط نسبة الفقر لديهم من 43% الى 17% أي هبوط بنسبة 26% ، بالمقابل نجد لدى المواطنين العرب أن تأثير هذه التحويلات يكاد يكون هامشياً، حيث تهبط نسبة الفقراء من 57% الى 48.4% أي هبوط بنسبة 8.6% فقط. هذا قبل تقليص هذه التحويلات الذي تم سنة 2004 وسيستمر سنة 2005.

نحن نعتقد أن معطيات العام 2004 ستكون أكثر سوءاً بالنسبة للوسط العربي، للعائلات العربية وللاولاد العرب، بسبب الاستمرار في ارتفاع عدد العاطلين عن العمل وعدد الحاصلين على أجور متدنية لا تكاد تصل الى اجر الحد الادنى مما ادى الى تكريس حالة الضائقة المعيشية تحت وطأة الضربات التي وجهت الى مخصصات الاولاد وتخفيضها بنسبة عالية جدا. كل هذا سيؤدي حتما الى ارتفاع ملحوظ في عدد العائلات والاولاد العرب الذين سينضمون الى دائرة الفقر والضائقة. معطيات عام 2005 لن تكون افضل بل اسوأ من ذلك لأن جزءًا من هذه الضربات سينفذ في ذلك العام. وهكذا ننتظر اياما اكثر قسوة وألما مع فقدان مصادر بديلة للدخل بما في ذلك اماكن العمل .

الفقر لدى العائلات، الأفراد والأولاد

(جدول 2)

عام 2003

قبل التحويلات والضرائب

بعد التحويلات والضرائب

عائلات

645300

366300

افراد

2156200

1426800

اولاد

862200

652400

عام 2002

قبل التحويلات والضرائب

بعد التحويلات والضرائب

عائلات

634000

339000

افراد

2079000

1321500

اولاد

828200

617600

الفقر ليس مجرد كلمة

بالامكان مواصلة تحليل هذا التقرير أكثر وأكثر، لكن لا بد ان نشير هنا إلى ان الفقر ليس مجرد كلمه تقال بل هو حالة مأساوية تعيشها عائلات من لحم ودم ، اطفال لا يجدون كأس حليب يقوتهم ولا اللباس الدافئ في برد الشتاء القارس... إن من يتحمل مسؤولية هذه المعاناة لتلك العائلات واولادها هم القائمون على وضع السياسة التي تمتهن دعم ارباب رؤوس الاموال من خلال عملية الارتباط العضوي ما بين الحكم والمال والمصالح المشتركة لكليهما على حساب الاكثرية الساحقة من المواطنين وفي مقدمتهم الطبقة العاملة التي دفع ابناؤها الثمن الاساس لهذه السياسة حيث ارتفع عددهم بشكل ملحوظ ضمن العائلات التي تعيش في ضائقة الفقر.

من يعتقد ان هذا الوضع هو حالة غير قابلة للتغيير فهو مخطئ ، لأن استمرار هذا الظلم الناتج عن سياسة رأسمالية فظة لا بد وان يؤدي في المحصلة الى تكاتف كافة المتضررين من هذه السياسة والنهوض معا من اجل اسقاط حكومة المآسي - حكومة قوى الرأسمال - حكومة العدوان التي أدت ايضا الى تحويل الاكثرية الساحقة من سكان فلسطين المحتلة الى فقراء يبحثون عن لقمة العيش الكريم. السياسة نفسها ادّت الى نفس الحالة، حالة الفقر المدقع في كل من اسرائيل وفلسطين، ولذا فلا بد من اسقاطها .

(*) جهاد عقل- عضو في قيادة نقابة العمال العامة (الهستدروت)