التماسك الاجتماعي: تقرير وتوصيات

تشير المعطيات الى ان التماسك الاجتماعي – حسبما يقاس بفجوات مستوى المعيشة والدخل الاخذة بالاتساع في المجتمع الاسرائيلي- يغذ السير في طريق التفكك والانهيار.

فالشروخ والتصدعات التي يعانيها المجتمع كبيرة وكثيرة حيث فجوات الدخل، والهوة بين الاغنياء والفقراء، والحرديم ( المتدينين المتزمتين) والعلمانيين، واليهود والعرب والفلسطينيين، والقيم المتعلقة بالطريق "السليم" لتحقيق السلام والامن، ورغم كل ذلك فنحن لازلنا نواجه الانقسامات بناء على البلد أو الموطن الاصلي.

يشهد المجتمع الاسرائيلي في السنوات الاخيرة ثورة من حيث توجه السلطة ازاء مسألة الفجوات الاجتماعية. فنحن نتحول من دولة تتبنى قيم المساواة وتؤكد على مبدأ " التكافل المتبادل"، من دولة رفاه من الطراز الاوروبي، الى دولة راسمالية على النمط الاميركي، والمسألة هي : ما هو تأثير تحول من هذا النوع على التماسك الاجتماعي، وبالتالي على المناعة الاجتماعية؟

من اوراق مؤتمر هرتسليا الرابع

تقرير طاقم " التماسك والمناعة الاجتماعية"

اعضاء الطاقم : البروفيسور ابرهام (رامي) فريدمان.

د. يغئال بن شالوم، د. جوني غال، د. مومي دهان

السيدة داليا ليف سديه، البروفيسور هيلل شميد.

يعرف التماسك الاجتماعي على انه طاقة ترتبط اقسام المجتمع المختلفة بواسطتها في جسم واحد. وتعرف المناعة الاجتماعية على انها قدرة المجتمع على مواجهة التحديات المنتصبة امامه، سواء التحديات الداخلية ام التحديات الخارجية.

فبدون المناعة الاجتماعية لن ينجح المجتمع في مواجهة بيئته الداخلية ومحيطه الخارجي، وهو ما يؤذن ببدء عملية من التفكك الاجتماعي، وهي عملية يمكن ان تفضي الى "زوال" المجتمع. ان "الاحساس الداخلي" لدى غالبية المهتمين بهذا المجال هو ان درجة عالية من التماسك الاجتماعي تشكل احد الشروط للمناعة الاجتماعية. فمن الواضح ان هناك، الى جانب التماسك، عوامل اخرى تؤثر تأثيرا حاسما على المناعة الاجتماعية كما ان هناك اليات تساعد في الارتقاء بمستوى التماسك الاجتماعي.

اما المجتمع الحافل بالانقسامات والنزاعات فسيكون مجتمعا ممزقا ومفككا، وسيواجه صعوبة في التصدي للتحديات الماثلة امامه. ان الفترة الحالية التي يمر بها الاقتصاد والامن والرفاه تستوجب العمل من اجل توفير اقصى مناعة اجتماعية بغية مجابهة وتخطي الفترة الصعبة على هذه الاصعدة.

تشير المعطيات الى ان التماسك الاجتماعي – حسبما يقاس بفجوات مستوى المعيشة والدخل الاخذة بالاتساع في المجتمع الاسرائيلي- يغذ السير في طريق التفكك والانهيار.

فالشروخ والتصدعات التي يعانيها المجتمع كبيرة وكثيرة حيث فجوات الدخل، والهوة بين الاغنياء والفقراء، والحرديم ( المتدينين المتزمتين) والعلمانيين، واليهود والعرب والفلسطينيين، والقيم المتعلقة بالطريق "السليم" لتحقيق السلام والامن، ورغم كل ذلك فنحن لازلنا نواجه الانقسامات بناء على البلد أو الموطن الاصلي.

يشهد المجتمع الاسرائيلي في السنوات الاخيرة ثورة من حيث توجه السلطة ازاء مسألة الفجوات الاجتماعية. فنحن نتحول من دولة تتبنى قيم المساواة وتؤكد على مبدأ " التكافل المتبادل"، من دولة رفاه من الطراز الاوروبي، الى دولة راسمالية على النمط الاميركي، والمسألة هي : ما هو تأثير تحول من هذا النوع على التماسك الاجتماعي، وبالتالي على المناعة الاجتماعية؟

ان المشكلة لا تكمن في الفكرة او الايديولوجيا وحسب، وانما ايضا في طريقة التنفيذ.

يشعر اعضاء الطاقم بان هناك حاجة لوقف هذه العملية، او تخفيف حدتها على الاقل. بمعنى العودة الى سياسة الرفاه حسب النموذج الاوروبي. كما ويشعر الطاقم ان هناك ديماغوجية كبيرة في الادعاء القائل بان دولة اسرائيل اعتادت لغاية الفترة الاخيرة على التعامل بسخاء زائد تجاه الطبقات الاجتماعية الفقيرة والعاطلين عن العمل. لقد وجد الطاقم ان الادعاء القائل بان الامتيازات (مخصصات الاعانة) ارتفعت خلال السنوات الاخيرة بنسب غير مألوفة هو ادعاء غير صحيح، اذ ان مجموع او اجمالي الامتيازات للمحتاجين لم يشهد اي ارتفاع وانما تغيرت تركيبتها فقط.

يؤكد الطاقم، استنادا الى العديد من الابحاث والدراسات بان الحل لمشكلة الفقر يكمن في اكساب المجموعات الضعيفة في المجتمع، وخصوصا فئة الشبان، ثروة بشرية، في مجال التحصيل العلمي. يجب الارتقاء بنوعية الثروة البشرية في المجتمع الاسرائيلي. فبهذه الطريقة فقط باستطاعتنا ان نؤثر حقا على الصورة المستقبلية للمجتمع في اسرائيل وعلى تماسكه ووحدته.

لقد ادت الازمة الاقتصادية الراهنة الى توسيع شريحة الفقراء في المجتمع الاسرائيلي. وتشكل شريحة العمال المستقلين الصغار الذين فقدوا مصدر رزقهم وغرقوا في ديون طائلة، مشكلة خاصة في حد ذاتها.

ان من واجب السلطة، بعد تحقق النمو المأمول، الاهتمام بعدم ترك مجموعات الفقراء والمعوزين الذين فشلوا في ايجاد عمل، في مؤخرة الركب باعتبارهم "الفقراء الدائمين".

لقد تميز المجتمع الاسرائيلي في فترة ما قبل قيام الدولة والمراحل الاولى من قيامها، بدرجة عالية من التماسك الاجتماعي الذي عبر عن نفسه في التكافل المتبادل، كفالة السلطة للمواطنين، والمواطنين لبعضهم البعض.

وكان جهاز التعليم وجيش الدفاع الاسرائيلي من العوامل الاساسية للتماسك الاجتماعي. هذا الفراغ دخلت اليه هيئات المجتمع المدني، احيانا بتشجيع من السلطة واحيانا اخرى بدون تشجيع منها.اما الحكومة الحالية فترى في المجتمع المدني "عبئا"، ولذلك فهي لا تقوم باشراكة في عملية اتخاذ القرارات الاجتماعية، على الرغم من الخبرة المهنية الكبيرة المتوفرة لدى المجتمع المدني.

هناك وسيلة اخرى لتعزيز المناعة الاجتماعية تتمثل في تعزيز المناعة الطائفية، سواء عن طريق بلورة وتقوية الطائفة والافراد المنتمين اليها، او عن طريق تحديد اهداف ومهام اجتماعية للتطبيق في نطاق الطائفة ومن قبلها ومن اجلها.

وبغية تعزيز المناعة الاجتماعية، ينبغي زيادة التعاون والشراكة بين الدولة والطائفة والجيش والسلطة المحلية والمدنية.

مالذي يمكن، وينبغي عمله؟

1- يحذر الطاقم من ان جهاز الرفاه في الدولة يواجه خطر الانهيار. يجب اعادة النظر في توجه الحكومة ازاء سياسة الرفاه، وتخفيف حدة الاجراءات التي تتخذها الحكومة بحق العاطلين عن العمل والفقراء الذين لا يعملون.

كما ويجب التوقف عن استخدام حجة انه "يوجد عمل" في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد من بطالة كبيرة. صحيح ان الحلم الاشتراكي يقول ان من المفضل ان يكون اليهود عمالا زراعيون بدلا من ان يكونوا محامين، لكن السلطة، سلطة رأسمالية مناوئة للاشتراكية.

يجب دعم ومساعدة الطبقات الضعيفة، ومحاولة تفادي وضع يتحول فيه " الفقراء الجدد" الى "فقراء ازليين".

2- يجب العمل على تغيير اهداف التدخل فيما يتعلق بالفئات السكانية المستهدفة وطرق التدخل من جانب اجهزة الرفاه الاجتماعي. وفي ضوء حقيقة اتساع حجم الفئات المحتاجة للعون، وكذلك في ضوء تقليص الموارد، فانه لا بد من التفكير مجددا بتوفير مزيد من العمل المجتمعي الجماهيري ومزيد من التعليم.

3- يجب ايجاد رابطة بين الرفاه والتعليم والصحة على المستوى القومي والمبادرة لاقامة مشاريع مشتركة. يجب العمل على اقامة هيئة اجتماعية على المستوى القومي، وتوجيه موارد نحو هذه المجالات.

4- ينبغي الاعتناء بقطاعات خاصة، اذ ان هناك ثلاثة ملايين مواطن ينتمون الى قطاعات الاقليات والمهاجرين والمتدينين الحرديم. فهذه الفئات آخذة بالنمو والازدياد الامر الذي يتطلب تطويرا خاصا للخدمات، وذلك بغية تقليص الفجوات والحد من اللامساواة.

ان دخول القطاع الحريدي الى خدمات الرفاه يتطلب وسائل وادوات جديدة. وفي هذا السياق ينبغي العمل على وضع خطة شاملة لتأهيل الحرديم للانخراط في سوق العمل، بالاضافة الى تشجيع تطوير مصادر عمل للسكان العرب.

5- يجب الحرص على اقامة تنسيق بين مؤسسة التأمين الوطني واجهزة الرفاه الاجتماعي. فاليوم لا يوجد تنسيق بين المؤسسات والاجهزة السلطوية. فالفئة السكانية التي تعتمد على مخصصات التأمين الوطني ليست بالضرورة هي ذات الفئة المستهدفة بخدمات اجهزة الرفاه الاجتماعي.

6- يجب تحديد شروط معيشة اساسية وتغيير كامل النظرية الاساسية، بما يتيح الانتقال تدريجيا من فقر نسبي الى فقز مطلق. ينبغي احداث عملية بحيث لا يكون هناك اطفال فقراء في اسرائيل.

7- يجب تكريس حقوق الاطفال قانونيا، ومنح فئة الاطفال الذين يعيشون في ظروف خطر سلة حقوق دنيا وذلك في نطاق تشريع قانوني. وبدون ذلك فان عملية تقليص الموارد سوف تستمر .

8- ينبغي المساعدة في تطوير وتنمية المناعة الطائفية.

9- يجب انشاء هيئة تنسيقية تجمع بين المجتمع المدني والحكومة، من نمط المجلس الشعبي لجسر الفجوات ومكافحة الفقر.

10- يجب تعزيز الرقابة وتطبيق القانون وذلك بغية منع اساءة التصرف بالمخصصات والمساعدات من جانب من لا يستحقها.

من جهة اخرى، يجب الكف عن النظر للعاطلين عن العمل والفقراء كأعداء للسياسة الاقتصادية.

11- يجب اقامة هيئة اجتماعية مهمتها تحديد سلم اولويات قومية في المجال الاجتماعي، اذ لا وجود اليوم لوضع تحدد فيه الحكومة " اولويات على المستوى القومي في مجالات اجتماعية".

12- ان الاعتناء بالجيل المقبل، بالاطفال وابناء الشبيبة لهو امر حيوي وملح وذو اولوية عالية. ان الاهتمام بالجيل المقبل يتعلق بمستقبلنا، في حين ان الاعتناء بالجيل المتقدم بالسن يؤمن حاضرنا، ولا بد من اخذ ذلك بنظر الاعتبار عند تخصيص الموارد المحدودة.